«التجارة» تحجب متجرًا إلكترونيًا مخالفًا من خارج المملكة    اجتماع افتراضي لرؤساء دفاع الناتو بشأن أوكرانيا    النهب يسبق الدم في حرب السودان    المملكة تسيّر قافلة مساعدات إغاثية عاجلة للمتضرري من الفيضانات في باكستان    إحباط تهريب (34.1) كجم "حشيش" في جازان    دراسة معمّقة تكشف أن السجائر الإلكترونية أكبر بوابة للتدخين    وزير الخارجية يبحث مع نظيريه في قطر والبحرين التطورات الإقليمية    الأولمبية والبارالمبية السعودية تطلق مبادرة"تحدي فريق السعودية الوطني"    روسيا تؤكد استمرار تصدير النفط إلى الهند رغم رسوم ترامب    أمطار الفجر ترفع جاهزية جازان    جامعة بيشة تدشن أحدث إصدار من البلاكبورد ألترا    صيف الفوتوغرافيين في ثقافة وفنون أبها    محافظ الدرب يستقبل رئيس وأعضاء جمعية علماء    السعودية تشارك في صياغة أخلاقيات الذكاء الاصطناعي بالعالم    وصول قافلة مساعدات إنسانية سعودية جديدة إلى قطاع غزة    إتاحة التقديم على تأشيرة العمرة دون وسيط    تقويم التعليم تنتهي من قياس الأداء التعليمي لجميع المدارس    "الرياضة": بدء مرحلة إبداء الرغبة وطلب التأهيل للاستحواذ على ناديي النجمة والأخدود    إحصائيات رائعة.. رياض محرز ملك صناعة الأهداف مع الأهلي    شيرر: صراع إيساك ونيوكاسل لن يفيد أحداً    آل الشيخ يوقّع البرنامج التنفيذي مع رئيس الاتحاد الإسلامي ومفتي الديار في جمهورية مقدونيا الشمالية    نائب أمير حائل: جائزة الأميرة صيتة ترسخ ثقافة العمل الخيري والإنساني والتطوعي وتعزز قيمه النبيلة المجتمعية    السجان: مذكرة تفاهم مع جامعة كاليفورنيا – بيركلي تعزز الشراكات الدولية لمعهد الإدارة العامة    تعليم الشرقية يستقبل أكثر من 700 ألف طالب وطالبة للعام الدراسي الجديد    نائب أمير الشرقية يطّلع على إنجازات تجمع الأحساء الصحي وخططه المستقبلية    تقييم الحوادث باليمن يصدر بيانين حول ادعائين باستهداف محطة وقود ومعبد المقة    تجمع الرياض الصحي الأول يعلن بدء التسجيل في مؤتمر القلب العالمي 2025 بالرياض    الأخصائي الاجتماعي وبدل الندرة    خلال 6 أشهر.. توظيف 267 ألف مواطن ومواطنة بالقطاع الخاص    زين السعودية شريكا رقميا للمعرض السعودي للدرون    ضبط جموعة من الوافدين لسرقتهم كيابل كهربائية من مدارس ومرافق عامة وخاصة بالرياض    استشهاد 30 فلسطينيًا في قصف على قطاع غزة    تخريج الدفعة الأولى من برنامج الأوركسترا والكورال الوطني السعودي بالرياض    صدارة مجددة وأبطال يكتبون التاريخ في الأسبوع السادس    تكريم حمد الخاتم.. لمسة وفاء    مؤشرات    تعزيز تنافسية المنتجات السعودية عالمياً.. 234 ألف شهادة منشأ للصادرات الصناعية    إسرائيل تكثف عملياتها العسكرية على غزة.. نتنياهو يعقد المشهد ويرفض مقترح الهدنة    ريهام عبد الغفور.. كوميدية في «خمس نجوم»    التأكد من استكمال تطعيمات السن المدرسي.. إتاحة فحص اللياقة للطلاب المستجدين عبر «صحتي»    فتاة تجني 3 ألاف دولار من لوحات رسمتها «الفئران»    مؤشرات الأسهم الأمريكية تغلق على تراجع    طلاق من طرف واحد    أكّد خلال استقباله رئيس جامعة المؤسس أهمية التوسع في التخصصات.. نائب أمير مكة يطلع على خطط سلامة ضيوف الرحمن    الاتحاد يرغب بضم "سيبايوس" لاعب الميرينغي    «الفلكية»: مثلث سماوي يتكون فجر اليوم الأربعاء    43 مليون عملية عبر«أبشر» في يوليو    صحتك والقراءة    نائب أمير الرياض يستقبل سفير الصومال    قلعة مروان.. معلم شامخ يطل على مزارع النخيل في الطائف    أمير نجران يلتقي عضو هيئة كبار العلماء.. ويتسلم تقرير «المجاهدين»    المشاركون بمسابقة الملك عبدالعزيز الدولية يزورون المشاعر وحي حراء    طبية جامعة الملك سعود تجري أول زراعة قوقعة باستخدام اليد الروبوتية    الزمن الجميل    أمير منطقة تبوك يستقبل مدير مطار الأمير سلطان بن عبدالعزيز الدولي    أشاد بدعم القيادة.. أمير الشرقية يطلع على مشاريع الطاقة الصينية    أمير تبوك يطلع على سير العمل بالمنشآت الصحية بالمنطقة    أوامر ملكية بإعفاء الماضي والعتيبي والشبل من مناصبهم    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



فيكتور هوغو يحتل الواجهة الفرنسية
نشر في الحياة يوم 05 - 02 - 2002

كانت مدام دونيز، أستاذة اللغة الفرنسية، تستوي في وقفتها بكعبها العالي، تنهل أنفاسها من صمتنا، قبل ان ترتل في خشوع وفي ايقاع مختلة أبياتاً لفيكتور هوغو. كنا مشدوهين بأحمر شفاهها الاقحواني أكثر من تعلقنا بأوقيانوسية أناشيد صاحب "البؤساء". وقبل ان تنتهي، وتسرحنا الى ضجيج الساحة، كانت تردد جملة لم نفقه دلالتها إلا في ما بعد: "ان رغبتم في تعلم اللغة الفرنسية، عليكم ان تحتكوا بتراكيب لغة هوغو". لكننا حفظنا فيكتور هوغو عن ظهر قلب مثلما حفظنا "الخيل والليل والبيداء تعرفني...". وبقيت التراكيب معلقة الى اشعار آخر. لننفض ذكرى القسم، حين كان فيكتور هوغو يقاسم المخيلة الشعراء الجاهليين والمتنبي والمنفلوطي، أو طه حسين... لنلق نظرة على ذلك الروائي، السياسي، الشاعر، بعدما قطعنا أشواطاً في السن ونضجت الرؤيا، نظرة، لا نوستالجية فيها ولا انبهار، وللقول، ونحن على عتبة، الاحتفال بذكرى مئتي سنة على ولادته، ان فيكتور هوغو كاتب ملحمي، هوميروسي المنهل والرؤيا، يركز في مشاهد ضاغطة على الحضيض والأمل، على الحلم والأسى، وتكمن قوة كتابته في رؤيته التي تمتح من الأقبية ومن ندرة الكلام لما يستعصي عن وصف الواقع، وغوايته التي مارسها على كتابة الكثير من الشعراء وخصوصاً رامبو تتأتى من هذه المرجعية.
ولكن يبقى هوغو، ولربما هذا اختزال، مؤلف كتاب واحد هو "البؤساء". قرأنا ونحن صغار هذه الرواية كما كنا نشاهد الأفلام الهندية وبخاصة "أمنا الأرض"، أو أفلام رعاة البقر. خاطبنا بؤس الرواية لأننا تماهينا مع فقرائها، ولأننا كنا من السلالة نفسها ندرس على الشمع، نضرب في البراري قبل ان نصل المدرسة أو نعود الى البيت، نأكل الخبز الحافي. تعرفنا على أنفسنا في أبطالها: جان فالجان، كوزيت، ماريوس ولعنا المحقق جافير وعائلة ليتيناردييه. وقد بذر فيكتور هوغو في مشاعرنا الرغبة في قتل الأب الرمزي، رديف السلطة. فيما بعد أذكت رواية "البؤساء" حماسة الذين ركبوا موجة الراديكالية في اليسارية.
شرع هوغو في كتابه "البؤساء" سنة 1845 وذلك في عنوان "البؤس". ترك المشروع مدة خمس عشرة سنة. وفي عام 1860 استأنف كتابتها، وأصدر الجزء الأول سنة 1863 وتلاه الجزء الثاني والثالث بعد شهر. وعرفت الرواية نجاحاً هائلاً حتى ان طوابير القراء انتظمت أمام المكتبات بدءاً من السادسة صباحاً لاقتناء النسخ.
تتشكل الرواية من خمسة أقسام وتدور حول شخصية جان فالجان، منذ خروجه من السجن سنة 1815 الى وفاته سنة 1833، بين يدي كوزيت وماريوس. وفي فلك جان فالجان تدور أيضاً كائنات بائسة مثل فانتين، العاملة التي اضطرت ان تعهد ابنتها الى عائلة ليتيناردييه، وكذلك غافروش الذي يقتل في احدى المظاهرات.
قوة الرواية تكمن في رسالتها الأخلاقية - السياسية والاجتماعية - السياسية.
لعل مرور مئتي عام على ولادة فيكتور هوغو مناسبة لقراءة جديدة في مساره ونتاجه والوقوف كذلك على رؤيته، وخصوصاً في مجال الدفاع عن حقوق الإنسان والمجتمع المدني والمدرسة الحرة والمرأة والاقتراع الشعبي المباشر... قيم ليست غريبة على نظرية أو كفاح آمنيستي انترناسيونال أو غيرها من المنظمات المستقلة. هكذا تشهد ربوع فرنسا وعلى مدار السنة سلسلة من الاحتفالات الرسمية وغير الرسمية. وصدر نحو ثلاثين كتاباً بعضها ينشر للمرة الأولى فيما تنشر مجدداً في طبعة مزيدة أعماله الكاملة في سلسلة "لابلياد" وسلسلة "روبير لافون". وأهم عمل يعيد النظر في نتاج فيكتور هوغو وشخصيته هو الذي أنجزه الباحث الشاب جان مارك هوفاس في عنوان "قبل المنفى"، في 1400 صفحة، وهو الجزء الأول من سلسلة أبحاث تعيد النظر تماماً في صاحب "البؤساء". وعن منشورات ميزونوف لاروز وتحت اشراف فرانك لوران يصدر كتاب "فيكتور هوغو والشرق" في عشرة أجزاء.
على مستوى العروض المسرحية تعرض مسرحية "هيرناني" و"أصوات الشعب" و"العقوبات" و"الرجل الخفي"، "أصبح هوغو هوغو"، "فيكتور هوغو الاسطورة" و"البؤساء"...
وتقام معارض تحت عنوان "فيكتور هوغو وكاتدرائية نوتردام" كان أول من اكتشف موقع الكاتدرائية. وحدائق جيرنيسي التي نفي اليها تفتح أبوابها لاستقبال الزوار. اضافة الى الندوات والمحاضرات التي أعلن عنها وهي مبرمجة على مدار السنة، وفي ميادين شتى.
لم يحظ هوغو بإجماع المثقفين والكتّاب. ولما سئل أندريه جيد عن أفضل شاعر فرنسي، أجاب "فيكتور هوغو للأسف" أما جان كوكتو فقال عنه: "فيكتور هوغو شخص مجنون لأنه يعتبر نفسه فيكتور هوغو...".
يبقى ان المناسبة سانحة لاعادة قراءة نتاجه على ضوء الأوضاع السياسية والأخلاقية والثقافية الجديدة والموسومة بالبؤس والعنف وأحادية الفكر... وهي عاهات حاربها فيكتور هوغو، وما زالت في حاجة الى مقاومة.
كل صباح أمر على دراجتي الهوائية أمام بيت فيكتور هوغو الواقع في ساحة ليفوج. زرته مرة واحدة وعلى رغم ثروته الفنية، لم يترك في نفسي الوقع نفسه الذي تركته زيارتي بيت مالارميه مثلاً أو بيت رامبو، لكنني في كل مرة أتذكر، وقد جرت مياه السين مجرى الزمن، قوله مدام دونيز "ان رغبتم في تعلم اللغة الفرنسية، عليكم ان تحتكوا بتراكيب لغة هوغو".


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.