كان لتعيين حنان عشراوي في مطلع هذا الصيف ناطقاً رسمياً للجامعة العربية أصداءً ايجابية في انحاء العالم العربي، وبالطبع لدى الشعب الفلسطيني. فالسيدة عشراوي التي غدت منذ اكثر من عقد، رمزاً للمجتمع الأهلي الفلسطيني والمحاور الأول للغرب عبر مؤسساته الحكومية وغير الحكومية وبالطبع عبر إعلامه، هي بلا شك من افضل السياسيين الذين ظهروا في العالم العربي خلال الخمسين سنة الماضية. وإذا استثنينا القطاع العربي التاريخي المعادي للحوار مع الغرب وإعلامه والممثل حالياً بالتيارات الأصولية، فهناك اليوم هوَس فلسطيني في التوجه للإعلام وكلام عن ان المعركة هي بنسبة 70 في المئة إعلامية الخ... حنان عشراوي التي قررت ان تدير من القدس - وليس من القاهرة - المركز الاعلامي للجامعة العربية، ستزعج بلا شك الحكومة الاسرائيلية، ومحبّذيها في العالم. هذا ما بدأنا نقرأه في الصحافة الاسرائيلية على اختلاف تياراتها. غير ان ما كتبه سلامة نعمات في "الحياة" 1/8/2001 حول تعيين السيدة عشراوي والميزانية المخصصة لمكافحة الحملات الاعلامية الاسرائيلية هو في الأخير لبّ الموضوع. "ربما يمكن عشراوي ان تستخدم جزءاً من مخصصات الحملة الاعلامية لإقناع الدول العربية بالتوقف عن ممارسات تضرّ بأهداف الحملة الاعلامية ... فالأوْلى ببعض العرب ان يمتنعوا عن قمع شعوبهم قبل مطالبة اعدائهم بالتوقف عن قمعهم...". فقوة الاعلام الفلسطيني ليست فقط في إيصال صور ضحايا الانتفاضة والوحشية الاسرائيلية في القمع الى العالم بأسره، وليست في ضوضاء دوربان التي مزجت بين مطالبة محقة بإدانة التصرفات العنصرية الاسرائيلية وتظاهرات غبية معادية للسامية ظهرت في شوارع مدينة جنوب افريقيا. قوة الاعلام الفلسطيني هي قبل كل شيء في تعدده وفي الحوار الديموقراطي الذي ما زال يظهر في بعض نشراته، خاصة المتواجدة على شبكة انترنت. هناك اليوم اكثر من عشرين صحيفة او مجلة فلسطينية "اون لاين". اغلبها سياسي على رغم وجود بعض المجلات الأدبية: مجلة محمود درويش "الكرمل" وغيرها... كذلك فإن هذا الاعلام يصدر باللغتين العربية والانكليزية، وأحياناً في المركز ذاته باللغتين، كما هو الحال على مركز امين www.amin.org. ميزة اخرى لهذا الاعلام: فهو لا يصدر فقط من القدس او رام الله او من المدن العربية في اسرائيل: الناصرة وأم الفحم، بل حتى الخليل المحاصرة استطاعت اصدار نشرة باللغة الانكليزية Hebron Times. أهمية الاعلام الفلسطيني الناطق باللغة الانكليزية هي في مساحة الحرية المتاحة له والتي تعطي صورة مشرقة لمجتمع أهلي لم يُهمش بعد. ثمن هذه التعددية هو، للأسف، نخبوية هذا الاعلام الذي لا يُقرأ إلا من الذين يجيدون اللغة الانكليزية. غير ان هذه العقبة كما الحال في سائر الدول العربية تظل محتملة اذا كان الخيار بينها وبين الاخبار والمقالات العقيمة التي تطغى احياناً على صفحات الصحف الفلسطينية الثلاث الناطقة باللغة العربية: "القدس"، "الأيام" و"الحياة الجديدة"... فبعد ثلاثة اشهر على اندلاع الانتفاضة، لم يجد المعارض للسلطة الفلسطينية الدكتور صالح عبدالجواد صحيفة فلسطينية باللغة العربية قادرة على نشر مقالته النقدية لسياسة عرفات والتحذيرية من الأخطار التي تحيط بالانتفاضة. غير ان مقالته نشرت في مجلة Palestine Report الفلسطينية التي لها ايضاً مركز على "النت" والتي تقدم شهرياً مواضيع وآراء متعددة تسمح لكاتبها بعدم اللجوء التلقائي الى الصحافة العربية ادوارد سعيد او العالمية يزيد الصايغ وسعيد او الى صحيفة "هآرتس" الاسرائيلية للتعبير عن آرائهم. هذا بالطبع لا يعني ان على الاقلام الفلسطينية الظهور فقط في الاعلام الفلسطيني، وأن مخاطبة الرأي العام العربي والعالمي والاسرائىلي امر غير ايجابي. مجلة Jerusalem Times "بلادي" التي يديرها حنا سنيورة تقدم ايضاً هذه الفسحة من الحرية، كما تقدم ايضاً مواضيع ثقافية واجتماعية تخرج عن الحيز السياسي الذي اضحى الموضوع الطاغي على حياة الشعب الفلسطيني. وهنا لا بد من الاشارة الى المحاولة الصحافية الفلسطينية في اظهار مجتمع يعيش حياة طبيعية عبر Palestine this week التي كانت، حتى شهر نيسان ابريل الماضي، تعطي القارئ الأحداث الثقافية والفنية ومواعيدها، كمجلة "تايم أوت" البريطانية الشهيرة. وهذا ما سمح حتى الآن للمثقفين الفلسطينيين المذكورين كما لحيدر عبدالشافي وحنان عشراوي وغيرهما فضلاً عن عدد من المثقفين العالميين وعدد من المثقفين اليهود بالبقاء داخل الساحة الاعلامية الفلسطينية التي لم تقيّدها اجهزة الأمن الفلسطينية، كما حال الصحف الثلاث المذكورة. وهذا ما يؤهل هذه الصحافة الحرة ان تظل مفتوحة على العالم عبر انفتاحها على مجتمعها. بيد ان ازمة الفلسطينيين الاعلامية لا تنبع فقط من قوة الاعلام المؤيد لاسرائيل، او سوء تصرف القادة والمجتمعات العربية والفلسطينية. فإذا لم يعد ممكناً والحمد لله التكلم عن اعلام غربي منحاز للأطروحات الاسرائيلية، كما كان الوضع في الستينات والسبعينات، فإن ظاهرة جديدة في الدول الغربية تطال هذه المرة السياسيين والمثقفين تستخدم الوضع الفلسطيني لحل مشاكلها الخاصة. من يوشكا فيشر، وزير الخارجية الألماني، اليساري المتطرف السابق المتعاطف مع الارهابيين الألمان الذي غدا أخضر اليوم، والذي وجد في الوضع الحالي الفرصة لطمس ماضيه متكلماً مراراً عن "تفهمه للوضع الاسرائيلي امام الارهاب..."، الى هذيان الروائي العنصري الفرنسي ميشال هوالبك الذي كتب عن فرحه "لرؤية نساء فلسطينيات وأولادهن وقد قتلوا...". عدائية تعود الى مشاكل هوالبك العائلية وإشهار والدته الإسلام ... اتركوا الفلسطينيين لحالهم!