نائب وزير الرياضة يشكر القيادة بمناسبة تمديد خدمته لمدة أربع سنوات    ارتفاع قتلى المواجهات العسكرية بين تايلاند وكمبوديا    مشروع إغاثي سعودي للاجئي أوكرانيا    القيادة تهنئ رئيسي المالديف وليبيريا بذكرى استقلال بلديهما    ترحيل 11183 مخالفا للأنظمة خلال أسبوع    الأمم المتحدة تختار المملكة نموذجًا عالميًا في إدارة المياه    عزيمة وفاء وتكريم لمحبي وأصدقاء الفقيد عبدالرحمن بن خالد القحطاني رحمه الله    الطالب "السبيعي" من "تعليم الطائف" يحصد الميدالية الفضية في أولمبياد الأحياء الدولي 2025    زياد الرحباني.. غياب هادئ لمسيرة لا تنسى    الدفاع المدني يقيم معارض بمناسبة اليوم العالمي للوقاية من الغرق    آل معنتر مستشاراً لسعادة المدير العام للتعليم بمنطقة عسير    جمعية "براً بوالدتي" تطلق برنامجًا نوعيًا لتنمية مهارات الأطفال تحت شعار "زدني علماً"    حياكم في أبوظبي مغامراتٍ عائليةٍ ممتعة وذكريات مميزةٍ في صيف فوق الوصف    تولوز يطلب ضم سعود عبد الحميد    هيئة الأدب والنشر والترجمة تستعد لتنظيم معرض "المدينة المنورة للكتاب"    "جامعة أم القرى تختتم فعاليات برنامج موهبة الإثرائي البحثي 2025م"    "جامعة أم القرى تشكّل أول مجلس استشاري دولي بمشاركة 12 خبيرًا عالميًّا"    المدينة المنورة تحيي معالم السيرة النبوية بمشروعات تطويرية شاملة    اليوم السبت.. ختام منافسات بطولة العالم للبلياردو 2025    رياح نشطة وأتربة تحدّ الرؤية في عدة مناطق    دوري روشن بين ال 10 الأقوى في العالم    استشهاد 16 خلال انتظارهم للمساعدات في غزة    الرئيس الفلسطيني يشكر المملكة على جهودها    الفنلندي "Serral" يتفوق على الكوري الجنوبي ويحقق لقب "StarCraft II"    جامعة الباحة تُطلق 9 برامج تدريبية    جولف السعودية تشارك فايف آيرون    البرازيلية لوسيانا تتحدى وتلهم الأجيال في كأس العالم للرياضات الإلكترونية    «فيتش» تؤكد التصنيف الائتماني للمملكة عند A+    زيلينسكي: أوكرانيا تحتاج لإنتاج 1000 طائرة اعتراضية يوميًا لمواصلة الحرب مع روسيا    "بيت الشاورما" تعزز دعم المحتوى المحلي من خلال شراكتها مع تلفاز 11    32 لاعباً يتأهلون إلى دور ال16 في بطولة العالم للبلياردو بجدة    مركز التنمية الاجتماعية بجازان ينفذ مبادرة"خدمتنا بين يديك"في مجمع الراشد مول بجازان    وزير الصحة: انخفاض الوفيات بنسبة 17% ثمرة السياسات الوقائية    الشيخ القاسم: الرسالة النبوية أعظم نعم الله ومصدر النجاة في الدنيا والآخرة    الجهني: يدعو لتقوى الله وينهى عن التشاؤم بالأيام    أمير جازان يطلع على جملة المشروعات المنجزة والجاري تنفيذها بمحافظة الدائر    القيادة تعزي رئيس روسيا في ضحايا حادث تحطم طائرة ركاب    «بيئة جازان» تنظم ورشة عمل عن طرق الاستفادة من الخدمات الإلكترونية الزراعية    وفد ثقافي وفني يزور هيئة التراث في جازان لتعزيز التعاون في مجالات الهوية والتراث    السعودية ترحب بإعلان الرئيس الفرنسي عزم بلاده على الاعتراف بدولة فلسطين الشقيقة    أمير جازان من الدائر: البن ثروة وطنية والدعم مستمر    أمير تبوك يطمئن على صحة الشيخ عبدالعزيز الغريض    أمير منطقة جازان ونائبه يلتقيان مشايخ وأهالي محافظة الدائر    انطلاق معرض "المدينة المنورة للكتاب" 29 يوليو    مستشفى المهد يعتمد تقنية تخدير الأعصاب لتقليل الألم    الإحصاء: ارتفاع الصادرات غير البترولية بنسبة 6.0% في مايو 2025م    الأمير محمد بن عبدالعزيز يستقبل قائدَي قوة جازان السابق والمعيّن حديثًا    الإحسان الطبية تنفذ مشروع «الإستشاري الزائر» في مستشفى صامطة العام    منظمة الصحة العالمية تنفي انتهاك السيادة الأمريكية    أكثر من 7 آلاف زيارة منزلية خلال 6 أشهر بمستشفى الظهران    المفتي يطلع على أعمال "حياة"    واست رئيس بنغلاديش في ضحايا سقوط الطائرة.. القيادة تهنئ الرئيس المصري بذكرى اليوم الوطني لبلاده    الوفد السعودي بدأ زيارته لدمشق.. اتفاقيات اقتصادية لدعم التنمية في سوريا    توجه رئاسي لحصر القوة بيد الدولة.. غضب على «حزب الله» في الداخل اللبناني    الصنهاج والزهراني يحتفلان بزواج ريان    وسط تحذيرات دولية وركود في مفاوضات الهدنة.. غزة على شفا مجاعة جماعية    اختيار سلمان: هكذا أطلق صقره ليحلق بالوطن    مفوض إفتاء جازان يستقبل منسوبي إدارة جمعية سقيا الماء    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



ألف وجه لألف عام - "توليدو": الغريكو يرسم عذاب الروح في قسوة المدينة
نشر في الحياة يوم 10 - 08 - 2001

قيل عن الرسام الاسباني ذي الأصل اليوناني والتربية الايطالية دومينكوس ثيوتوكربولوس الذي عرف على مدى التاريخ باسم "الغريكو" - الاغريقي ان فنه الذي جمع بين أرقى أساليب عصر النهضة الايطالية والحس الدرامي الاسباني والملامح الشخصية العميقة، كان هو الفن الذي مهد وبكل وضوح لولادة الأسلوب "الباروكي" في فن الرسم. هذا صحيح، ومع ذلك فإن فن الغريكو، كان من الغرابة والخصوصية، حيث ان السورياليين في القرن العشرين كان في إمكانهم ان يعلنوا انتسابهم اليه، وكذلك كان حال التجريديين، ولطالما أعلن الأميركي جاكسون بولوك ان الغريكو هو استاذه الوحيد، في الوقت الذي كان بيكاسو يجلّ اعمال الغريكو اكثر من إجلاله أعمال أي رسام آخر. والحقيقة اننا اذا ما تأملنا عميقاً، في أيامنا هذه، ما تبقى من لوحات هذا اليوناني - الاسباني، سنفاجأ بأنها تبدو شديدة الحداثة، خطوطاً وتلويناً، ان لم يكن من حيث المواضيع، مع ان اربعة قرون كاملة قد مضت منذ رُسمت. ويتضح في أبرز لوحات الغريكو، ان هذا الفنان، المقتلع أصلاً من جذوره والمرمي في بلدان الغربة، بحيث لم يعش طوال حياته إلا في غربات متلاحقة، كان أول فنان نهضوي يسارع تماماً بالتخلي عن "يقينات" الكلاسيكية المريحة ليغوص في التعبير الاسلوبي عن قلق انساني عميق. ومن هنا ما قيل دائماً من أنه اذا كان الفن النهضوي قد انطلق مع عودة الانسان مركزاً لهذه الحياة الدنيا، ليصور الانسان وهمومه ونظرته الى العالم حتى في اللوحات الدينية الصرف، فإن الغريكو اهتم أكثر بتصوير "ذلك اللهيب الذي في داخل الانسان" كما كان يقول الكاتب اليوناني كازانتزاكيس صاحب "زوربا" الذي كان لألغريكو من المكانة لديه ما جعله يعنون كتاب مذكراته ب"تقرير الى الغريكو".
ولئن كان هذا التعبير عن القلق والتوتر داخل الانسان، في نزعة روحية واضحة، قد ساد لوحات الغريكو كلها، بما في ذلك "البورتريهات" التي ما كان من شأنها، أصلاً، ان تعبر إلا عن ملامح المرسومين فيها، فما هذا إلا لأن الغريكو عاش حياته قلقاً ما بعده قلق. وحسبنا ان نتأمل لوحات له مثل "مار يوحنا المعمدان" بيد القديس الممدودة الى أعلى وكأنها شعلة نار، أو لوحة "رؤية يوم الحشر لدى القديس يوحنا"، وحركة الشخصيات فيها صارخة وكأنها طالعة من لوحة لادوارد مونش، أو لوحة "المعاناة في بستان الزيتون"، حتى ندرك كم ان قلق الغريكو كان مبكراً وكم انه كان عنيفاً. ولعل في اختيار الغريكو التعبير عن المشاهد الرؤيوية ما يفصح عن ذلك، حيث يرسم الرسام اشخاصاً ومشاهد طبيعية يخضعها، شكلياً، لتأثير الرياح العاتية والعواصف وأشياء الطبيعة، ما يجعل المشهد كله يبدو وكأنه نتاج قوى خفية جبارة قوية لا قبل للانسان بمجابهتها.
ومن المؤكد ان ثمة لوحة لألغريكو، تكفي وحدها لاختصار هذا البعد كله، معبرة عنه تعبيراً، لا يزال قادراً على اثارة حيرة المشاهد وقلقه حتى يومنا هذا. وهذه اللوحة هي "طليطلة" توليدو التي يرجح أن الغريكو رسمها بين العامين 1595 و1600. من ناحية أولى تبدو اللوحة مشهداً طبيعياً آثر الرسام ان يصور فيه المدينة من خارجها، في يوم عاصف. ولكن هذا الانطباع سرعان ما يتحول الى عالم آخر تماماً. فالحال ان الغريكو الذي صور المدينة في "بيئتها الطبيعية"، انما يبدو، من ناحية الروح، وكأنه يصورها من داخلها، من عمق أعماق روحها. انه لم يصور المدينة بمقدار ما صور "مدينته" الخاصة، المدينة التي تعبر عن غربته الشخصية وعن اقتلاعه وعن قلقه، تماماً كما راح يفعل التعبيريون الألمان بعد الغريكو بثلاثمئة سنة. فهذه اللوحة، في تركيبتها الشكلية، كما في ألوانها، الرمادية والخضراء والزرقاء، تبدو وكأنها تهدد الانسان في يقينه، تهاجم روحه. والادهى من هذا ان الخطوط والبقع البيض، التي كان يمكن أن تكون واحات أمان في لوحة كهذه تبدو الأكثر تهديداً، فتظهر عدوانية الغيوم إذ تحركها الرياح، وتبدي المدينة نفسها مثل شبح يستعد للانقضاض على الرسام وعلى المشاهد. انه عالم تفلت فيه عناصر الطبيعة من عقالها. واللون الأخضر نفسه الذي كان يجدر به أن يكون محايداً، رائع الحسن، يبدو وكأنه يخفي وراءه ألف تهديد وتهديد. لقد آثر هذا الغريكو، أن يستخدم المشهد الطبيعي استخداماً مضاداً لأي استخدام معهود. فإذا كان ما في المشهد، أصلاً، لا يتعدى كونه عنصر جمال متراكماً: مدينة يوحي سكونها بالاطمئنان، وغابات وبساتين خضر تحيط بها وسط فن تاغوس هادئ المسرى، فإن تراكم هذا كله في تلك الليلة الليلاء، إنما يأتي ليعبر عن احساس الانسان الرسام ومن ثم المشاهد بالضعف واللاقدرة أمام طبيعة حافلة بكل الاحتمالات. وفي هذا الاطار لم يكن من قبيل المصادفة، بالطبع، أن يزرع الغريكو في لوحته شخصيات بشرية: على الجسر بضعة أشخاص يسيرون، وفي النهر وعند ضفته أشخاص آخرون، وكذلك ثمة أشخاصاً قرب المنزل الى يمين اللوحة، لكن الرسام تعمد ان يكون الأشخاص من الصغر والضعف حيث يعبر من خلال رسمه لهم عن امحاء الانسان، وعدم يقين المدينة، كملجأ، في مواجهة قوة الطبيعة العاتية.
عندما رسم الغريكو لوحة "طليطلة" كان يقترب من الستين من عمره، وكانت أزمته النفسية التي بدأت لديه مبكرة، قد تفاقمت، وبات غير قادر على الايمان أكثر بأن في وسع الانسان، هذا الكائن الضعيف المرمي بلا حول في وسط كون قاس ولا متناه، أن يجد خلاصه بنفسه. الخلاص، بالنسبة الى الغريكو في تلك المرحلة الانعطافية من عمره، هو في الاستسلام الى الله والاعتراف بمقدرته. وهكذا بعدما كان حقق العشرات من اللوحات التي كانت فيها السيادة والقوة للانسان، سواء أكانت لوحات دينية أو دنيوية، ها هو الغريكو يعبر في تلك اللوحة عن استسلامه. لقد ولت الأيام التي كان فيها الرسام يعطي من قوته الداخلية لشخصياته، حيث ان مؤرخي الفن اعتبروه الأكثر ذاتية بين رسامي زمنه، وربما الأزمان اللاحقة ايضاً.
ولم يكن هذا غريباً عن فنان اعتبر نفسه، بالولادة في كريت العام 1541 وريثاً للفكر الاغريقي العقلاني الكبير، وبالتربية في البندقية تلميذاً للنهضوي الكبير تنتوريتو، وفي الانتماء لاحقاً ابناً لاسبانيا، حيث انتقل العام 1577 للاقامة في طليطلة التي بقي فيها حتى موته في العام 1614. لقد خلد الغريكو هذه المدينة في لوحاته، ووصل الى ذروة الابداع والمكانة من دون أن يبارحها، لكنه ظل، مع ذلك، يعتبر اجنبياً ويعامل على ذلك الأساس. ومن المؤكد ان هذا ما زاد من حدة أزمته، ولا سيما حين ازداد اقترابه الحثيث نحو شيخوخة تخلو من أي يقين.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.