سيكون للمملكة المتحدة اعتباراً من الشهر المقبل قنصل عام جديد في القدس هو جيفري آدامز 44 سنة. والأرجح ان سلفه روبن كيلي سيشغل منصباً في وزارة الخارجية في لندن، ولا شك في اننا سنراه بعد سنة او سنتين سفيراً لدى دولة عربية متوسطة الأهمية. وكان كيلي حاز على تقدير الكثيرين للمقدرة التي ابداها في عمله، ومحافظته على تفاؤله على رغم صعوبة الظروف، وأقام علاقة متينة مع عفيف صافية الذي يمثل الرئيس ياسر عرفات في لندن. ولنا ان نتذكر ان مستوطناً اسرائيلياً هاجم سيارة كيلي الرسمية بحجر كبير منتصف كانون الأول ديسمبر الماضي، من دون ان يتدخل الجنود الاسرائيليون الذين كانوا هناك. فطلبت لندن من الحكومة الاسرائيلية التحقيق في الحادث. ما زلنا نرى في السلك الديبلوماسي البريطاني حالات عديدة يسير فيها الأبناء على خطى آبائهم. من هؤلاء السير جون ويلتون، سفير بريطانيا في المملكة العربية السعودية 1976 - 1979، ونجله كريستوفر، الذي ينتظر الترقية الى رتبة سفير. كما ان والد جيفري آدمز هو السفير فيليب آدمز، سفير بريطانيا في مصر 1973 - 1975. وهناك في السلك الديبلوماسي، مثلما في المؤسستين العسكرية والسياسية، مناصب معينة تذهب الى "الطيارين"، أي اولئك الذين يتوقع لهم الوصول الى اعلى المراتب. من بين هذه المناصب السكرتير الخاص لرئيس الحكومة أو لوزير الخارجية أو للأمين العام الدائم للخارجية. وتعتبر القنصلية العامة في القدس من بين هذه المناصب. من الأمثلة على ذلك ريتشارد دالتون، السفير البريطاني في ليبيا، الذي شغل في السابق منصب القنصل العام في القدس. بدأ جيفري آدامز عمله في وزارة الخارجية في 1979، حيث اصبح السكرتير الخاص للأمين العام الدائم للوزارة، كما عمل في القسم المختص في الشؤون الأوروبية. ويقوم الآن بدراسة وضع الصراع - العربي الاسرائيلي استعداداً لتسلم منصبه الجديد. ومما يثير الارتياح قيامه في هذا السياق بزيارة الى منظمة العفو الدولية، وهي خطوة أصبحت معتادة هذه الأيام. تقع القنصلية البريطانية في 19 شارع النشاشيبي في حي الشيخ جراح في القدسالشرقية، ملحق بها مسبح صغير كثير الاستعمال، ولها فرع في غزة في الطابق الأول من برج الرياض. والغريب ان للقنصلية فرعاً آخر في القدس الغربية تاور هاوس، في كيكار ريميز. والسبب هو ان المملكة المتحدة، مثل غالبية دول الأممالمتحدة، تعتبر اسرائيل منذ سنين طويلة قوة محتلة في القدسالشرقية، وأن سلطتها في القدس الغربية ليست سوى سلطة الأمر الواقع. ولهذا، لا ترى لندن من المناسب الحاق حضورها الديبلوماسي في الضفة الغربية بسفيرها في تل أبيب فرانسيس كورنيش. يعمل في القنصلية العامة عشرة ديبلوماسيين، اضافة الى اثنين من ممثلي المجلس الثقافي البريطاني. والقنصل العام هو عملياً سفير بريطانيا لدى الفلسطينيين. ويحدث احياناً ان تكون التقارير الى وزارة الخارجية من القدس وتل أبيب على درجة من التعارض تستدعي اجتماعاً خاصاً بين القنصل العام والسفير. ويعمل القنصل العام وفريقه بتنسيق وتعاون تامين مع القنصليات الأخرى في القدس، ومن هنا فان كل العواصم المعنية على اطلاع تام على ما يجري في القدسالشرقيةوالضفة الغربيةوغزة. أما ما تقوم به العواصم ازاء تلك المعلومات فهو، للأسف، مسألة مختلفة تماماً! لا بد من أن الخبراء سيوضحون لجيفري آدامز ان المنطقة الآن أقرب الى الحرب من أي وقت مضى في السنين العشر الأخيرة. فها نحن بعد عقد على مؤتمر مدريد لا نرى عملية حقيقية للسلام يمكن العودة اليها، فيما يمكن لوجود آرييل شارون، المعروف باستخفافه بأرواح العرب وكرامتهم، على رأس حكومة اسرائيل، أن يؤدي خلال فترة قصيرة الى أحداث رئيسية خطيرة. وقد ذكّرنا المعلق الحائز على الكثير من الجوائز بول فوت أن الجنرال شارون "لا يزال ملطخاً بدماء الفلسطينيين الذين خطط واعطى الاذن لقتلهم في مخيمي صبرا وشاتيلا قبل نحو عشرين سنة". علينا أن نضع في الاعتبار، اذا كانت هناك محادثات جديدة، أن شارون مصمم على ارجاع عقارب الساعة الى الوراء واغفال "كامب ديفيد 2". انه يرفض اعادة القدسالشرقية واعطاء أي اراض اضافية في الضفة الغربية الى الفلسطينيين، ويؤيد بقوة وجود المستوطنات. أما من ناحية الفلسطينيين فقد تضافرت عناصر عدة على اضعاف القيادة، خصوصاً التأثير المدمر للحصار ورفض اسرائيل تسليم أموال الضرائب المستحصلة من الفلسطينيين، فيما يؤدي الاغتيال المنظم لمساندين رئيسيين ومستشارين أمنيين للرئيس عرفات الى تقوية حماس. هل هذا فعلاً ما تريده الحكومة اليمينية المتطرفة في اسرائيل؟ قابلت جيفري آدامز للمرة الأولى قبل أسبوعين، وباستطاعتي القول ان ليس لديه أية أوهام عن صعوبة المهمة التي سيقوم بها في القدس. * سياسي بريطاني، مدير "مجلس تحسين التفاهم العربي - البريطاني" كابو.