الدولار يتراجع بعد بيانات اقتصادية أمريكية ضعيفة    الاتحاد حديث الصحف العالمية بعد التتويج بلقب دوري روشن    سمو الأمير سلطان بن سلمان يدشن "برنامج الشراكات العلمية العالمية مع أعلى 100 جامعة " مع جامعة كاوست    تدشين فرع نادي المسؤولية الاجتماعية بالمنطقة الشرقية    الدوسري في خطبة الجمعة: الدعاء مفتاح الفرج والحج لا يتم إلا بالتصريح والالتزام    إمام وخطيب المسجد النبوي: تقرّبوا إلى الله بالفرائض والنوافل.. ولا وسائط بين العبد وربه    "متوسّطة الملك سعود" تحرز بطولة دوري المدارس على مستوى تعليم صبيا    نادي الاتفاق يتحصل على الرخصة المحلية والآسيوية    سجل الفائزين بالدوري السعودي    أمانة القصيم تطرح فرصة استثمارية لإنشاء وتشغيل وصيانة لوحات إعلانية على المركبات بمدينة بريدة    نائب رئيس جمعية الكشافة يشارك في احتفالية اليوبيل الذهبي للشراكة مع الكشافة الأمريكية في أورلاندو    جمعية تعظيم لعمارة المساجد بمكة تشارك في معرض "نسك هدايا الحاج"    أمانة القصيم تقيم حملة صحية لفحص النظر لمنسوبيها    ندوة عن الهوية الوطنية ودورها في الاستراتيجيات بمكتبة الملك عبدالعزيز    غداً.. انطلاق منتدى حائل للاستثمار 2025 والذي يجمع المستثمرين مع متخذي القرار وعرض الفرص الاستثمارية الكبيرة    أمين الطائف" يطلق مبادرةً الطائف ترحب بضيوف الرحمن    وزارة الداخلية تشارك في أعمال المؤتمر العربي ال (16) لرؤساء أجهزة الإعلام الأمني بجمهورية تونس    زمزم الصحية تشارك في فرضية الطوارئ والكوارث    46٪ لا يعلمون بإصابتهم.. ضغط الدم المرتفع يهدد حياة الملايين    باكستان والهند تتفقان على تمديد وقف إطلاق النار حتى 18 مايو    مبادرة طريق مكة والتقدير الدولي    أسعار النفط ترتفع وتتجه لتحقيق مكاسب أسبوعية    طلبة المملكة يحصدون 9 جوائز خاصة في "آيسف 2025"    استمرار تأثير الرياح المثيرة للغبار على معظم مناطق المملكة        بلدي+ .. أول تطبيق للخرائط المحلية وإعادة تعريف تجربة التنقل في مدن المملكة    "الصحة" تُصدر الحقيبة الصحية التوعوية ب 8 لغات لموسم حج 1446ه    الرياض تعيد تشكيل مستقبل العالم    برشلونة بطلاً للدوري الإسباني للمرة 28 في تاريخه    انطلاق "عرض سلافا الثلجي" في الرياض    "هيئة تقويم التعليم والتدريب" تطبق الاختبارات الوطنية "نافس"    ضبط مصري نقل 4 مقيمين لا يحملون تصريح حج ومحاولة إيصالهم إلى مكة    الاتحاد السعودي يختتم برنامجه الرياضي في مخيم الزعتري بالأردن    لجنة التراخيص : 13 نادياً في روشن يحصلون على الرخصة المحلية والآسيوية    لوران بلان يُعلن موقفه من الاستمرار مع الاتحاد    وحدة التَّوعية الفكريَّة تنظِّم ملتقى تعزيز الوعي الفكري والانتماء الوطني    السعادة تنطلق من السعودية إلى سوريا    مُحافظ الطائف يستقبل مدير فرع هيئة التراث بالمحافظة    نائب أمير الرياض يطّلع على برامج وخطط جائزة حريملاء    أمير منطقة تبوك يرعى حفل تخريج الدفعة ال 19 من طلاب وطالبات جامعة تبوك    تجمع جازان الصحي يدشن عيادة البصريات في مراكز الرعاية الأولية    التحالف الإسلامي يختتم برنامجا تدريبيا في مجال محاربة تمويل الإرهاب    "الداخلية": تأشيرات الزيارة بجميع أنواعها ومسمياتها لا تخوّل حاملها أداء فريضة الحج    نجاح عملية فصل التوأم الملتصق الإريتري "أسماء وسمية" بعد عملية جراحية دقيقة استغرقت 15 ساعة ونصفًا    وقف إطلاق النار يدخل حيز التنفيذ.. طرابلس تتنفس بعد مواجهات عنيفة    جناح سعودي يستعرض تطور قطاع الأفلام في" كان"    "بينالي الفنون" يدعم صناعة الأفلام التناظرية    بصمة على علبة سجائر تحل لغز جريمة قتل    أسرتا إسماعيل وكتوعة تستقبلان المعزين في يوسف    تحذيرات فلسطينية من كارثة مائية وصحية.. «أونروا» تتهم الاحتلال باستخدام الغذاء كسلاح في غزة    عظيم الشرق الذي لا ينام    رؤيةٌ واثقةُ الخطوةِ    الحدود الشمالية.. تنوع جغرافي وفرص سياحية واعدة    الهيئة الملكية لمحافظة العلا وصندوق النمر العربي يعلنان عن اتفاقية تعاون مع مؤسسة سميثسونيان لحماية النمر العربي    مُحافظ الطائف يشهد استعداد صحة الطائف لاستقبال موسم الحج    نائب أمير منطقة تبوك يشهد حفل تخريج متدربي ومتدربات التقني بالمنطقة    ولي العهد والرئيس الأمريكي والرئيس السوري يعقدون لقاءً حول مستقبل الأوضاع في سوريا    الكوادر النسائية السعودية.. كفاءات في خدمة ضيوف الرحمن    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



"أنا والناس" نصوص من الماضي . أمين الحافظ أديباً واقعياً ... ساخراً بحدة
نشر في الحياة يوم 21 - 04 - 2001

تبدو كتابة الأدب الساخر سهلة. لكنّ هذا الأدب عرضة للرد والعقاب فور قراءته. أمين الحافظ يعرّض نفسه في كتابه "أنا والناس" دار رياض الريّس، 2001 للاتهام بالفوقية وبُغض البشر والوقوع في شرك التعييب، ولا ينقذه من وضع نفسه في موضع القاضي المعصوم من الخطأ الذي ينظر الينا نحن الخطأة من علٍ، غير مقاله الأخير الذي يبدأه ب"أنا انسان كبقية البشر، أتفوق على أبناء جنسي في صفات وخصائل وأهوي دونهم في ميزات ومناقب". يتناول رئيس الوزراء اللبناني السابق نماذج اجتماعية ويضخّم عيوبها ويعمل فيها وصفاً وتهشيماً. ليس الإنشاء أسلوبه المفضل ولكن لا غنى عنه في الهجاء وصولاًَ الى بناء محكم للشخصية وهدمها في آن. الفنان المصري صلاح جاهين الذي حقق رسوم الكتاب أدرك، مع الكاتب، وضع الأخير الملتبس فرسم هالة فوق رأسه وتركه يدير ظهره للناس الذين اختصرهم برؤوس تهبط الى مستوى النصف الأسفل لجسم الكاتب الطويل القامة.
كلمة الناشر رياض الريس تمدح خلفية الحافظ الثقافية الواسعة وسرعة بداهته، وتقول انه "ينحو نحو الكتاب الساخرين الكبار من أبي عثمان الجاحظ وصولاً الى مارون عبود". وهذه الطبعة الثانية للكتاب بعد أكثر من أربعين عاماً على طبعته الأولى، وهو يجمع تسعة عشر مقالاً كتب الاقتصادي الشاب العائد من أوروبا بعضها في المفكرة الأسبوعية ل"الجريدة".
زوجة الحافظ، الأديبة ليلى عسيران، تكتب في المقدمة عن اعتماده "سخرية محافظة، ولو عاد يخط تلك الشخصيات نفسها اليوم لكان اسلوبه أوفر حرية وسخرية وحذاقة". وتشير الى "صديق العائلة" رياض الريس الذي نجح مع نجل الحافظ وعسيران، رمزي، في اقناع الصحافي السابق باعادة نشر الكتاب، ووسط هذا الايحاء بالجو العائلي يشعر القارئ ان "انا والناس" سهرة أليفة من النقد المألوف وان بصياغة أدبية. يحتفظ الحافظ بمقدمته الأصلية للكتاب وينفي تعمد التشويه والايلام لافتاً الى حرصه على "المساهمة ولو بقسط متواضع في اصلاح مجتمعي"، واذا لم ينجح في ذلك يكفيه جلب الابتسام والسخرية. يبقي السخرية متمدنة بالامتناع عن التسمية بالطبع، واتساءل ما اذا كانت الدنيا تكون أكثر شراً لو تجرأنا على الجهر بآرائنا في الغير في حضورهم لا في غيابهم فقط.
لا نعرف الشخصيات التي أوحت كتابة "أنا والناس" لكن كل قارئ يجد من يعرفه فيها كلها. سجين الأنا يسلك "وكأن الدنيا تركزت في شخصه وكأنه قطب الرحى في شؤون الكون". "انه يريد ويريد ويريد ... يتآكل ضمن جسده، وتبرز هذه الاعتمالات في حركاته، فينكب على اظفاره يقضمها، وعلى رأسه يهرشه، وعلى بدنه يحكه، وعلى أنفه يدعكه وهو ممعن في التفكير". يحلل الحافظ الصورة ويركّبها ويستبطن لكنه يبقى بصرياً أولاً. أحببت "كاتب مع وقف التنفيذ" لأنها تعنيني. يتناول كاتباً هاجسه الخروج على الناس "بدرره الغوالي" لكن سيولة التعبير تعصاه فيمضي وقته لا في الكتابة بل في ممارسة طقوسها وتحضير جوها، واذا بمكتبه مملوء بعلب السجائر والمنافض والدخان وفناجين القهوة والأوراق المكورة المرمية التي تتمخض كلها عن مقال يعرف انه دون المقام ويعلله بالجو غير الملائم. في "السينما... على العكس" تتصاعد الحال التي تواجه من اراد مشاهدة فيلم توسم فيه الخير "فإذا به ينكّد عليك جلستك وينغص مقامك ويثير تثاؤبك ويهيج اعصابك ويغلفك بأغطية من الملل والكآبة والسأم؟" الحل عنده ان تراقب من حولك "وانا اضمن لك التسلية، بل ربما الضحك والقهقهة".
في "نفاق" صياغة دقيقة ولئيمة ومرحة لنموذج شديد الشعبية على رغم الانكار المستمر: "أطبق جفنيه العريضين الثقيلين وحاول ان يعيد فتحهما فلم يفلح. ثم استجمع قواه ونفخ ودجيه وطنب عروق صدغيه، وجهد ورق وتحمس... وهيلا هوب... استطاع ان يفتح عينيه من جديد ولكن نصف فتحة هذه المرة". ينصح امرأة تجاوزت الخامسة والأربعين بالابقاء على المشيب "حلة مهيبة، وتاجاً ناصعاً على مفرق الحكمة يكلل ناصية السنين" فهل هناك مكان اليوم لهذه البراءة وهل يستطيع القول صراحة لامرأة في مثل هذا العمر اليوم انها تجاوزت الشباب وان لا فائدة من "الشطشطة والمطمطة"؟ واذ يتحدث عن ذاك الذي ركب زمامير عدة في سيارته نضحك ممن يماثلونه من الأقرباء والأصدقاء ونكتشف قدم الهواية: "عنده زمور أجشّ الصوت، وآخر مرعب صاعق، وثالث ناعم يكاد يكون موسيقياً، ورابع رفيع يخرق طبلة الأذن، وخامس بصوت صفارة، وسادس يعزف الدو ري مي فا"، اضافة الى الزمور القديم ذي الطابة الكاوتشوك. ودحروج، صاحب السيارة الصوتية، يغطي النافذة الخلفية "بستارين من المخمل ذي الطراطير والدناديش... ويعلق أمامه آنية زهر اختلط زهرها الاصطناعي مع عروق يابسة لأزهار حقيقية قديمة. وتدلى من المرآة عنقود من الخرز الأزرق والشبّة دفعاً لاصابة العين". كثير السباب متهور السرعة لكنه يقف بمروءة فورية لماري خادمة الجيران ويصيح بصوته القبيح: "ايش يا حلو؟" وفي مقابل نقد الكيتش اي الذوق "الشعبي" المبهرج يتجاوز السطح ليستبطن نفسية الشخص البالغ اللطف: "يقشعر بدني من ملمسه الناعم". فهذا الذي يسعى الى ارضاء الآخرين بكل قواه يلقي قناعه عندما يشتبك مع ضعيف من مرؤوسيه: "فبدا وكأنه استجمع كتب الصراحة المثقل كتفيه طوال قرون، وانطلق منه يريد الانتقام والتشفي. وكان ينهال بألفاظ السباب المقذع والشتائم الرخيصة لا يبقي منها ولا يذر. وكأنه يقول في نفسه: انا لئيم وليكن ما يكون".
يختتم الحافظ ب"مؤتمر الخطايا السبع المميتة" ويثير اعجابنا بنقد الذات: "ارثي لجاري الذي يتفكه ويتندر على رذائلي الظاهرة، انه غشيم جاهل لم يكتشف سواها". على انه يبقى ضمن الرذائل العامة المشتركة من تكبر وغضب وحسد وفسق وشره وكسل وبخل، ولا يفصّل أو يروي حوادث تحاشياً للاقتراب أكثر من المطلوب من النفس، وخضوعاً لثقافتنا التي تفضل الصورة العريضة على تسمية الأشياء بأسمائها. النص حيوي مصور بالكلمة ورسوم صلاح جاهين، و"الضحايا" نعرفهم ونتذكرهم ونبتسم عن بعد لكنهم ينغصون عيشنا ويغروننا بردح مماثل اذ نعود ويقتربون.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.