أمير الشرقية يستقبل سفير جورجيا    فيصل بن مشعل يتسلّم تقرير مزادات الإبل وفعاليات يوم التأسيس في ضرية    المملكة تشحن 51 مليون برميل من النفط للصين في أغسطس    مستجدات القطاع الصحي على طاولة نائب أمير حائل    جامعة الأميرة نورة تدشن حزماً من الشهادات المهنية الاحترافية    240 ألف مستقل وعميل في منصة العمل الحر    867 جولة رقابية على مواقع التعدين    4 مليارات ريال تداولات الأسهم    ارتفاع عدد الشهداء الفلسطينيين في القصف الإسرائيلي على قطاع غزة إلى 97 شهيدًا    الملك سلمان للإغاثة يواصل مشروعاته الإنسانية في الدول الشقيقة    فرصة نيويورك    جائزة اللاعب الأفضل لبالمر والقفاز الذهبي لسانشيز.. ودوي أفضل شاب بكأس العالم للأندية    القيادة تهنئ رئيس الجبل الأسود بذكرى بلاده    استعراض البرامج والمبادرات المجتمعية في الطائف أمام سعود بن نهار    تقارير أداء أربع وزارات... تحت مجهر «الشورى»    .. "وهيئة الشورى" تحيل 10 موضوعات إلى جدول أعمال المجلس    «جامعة نايف الأمنية» تحصد اعتماداً فرنسياً في عدة برامج    «إثراء» يمتّع الصغار بفعاليات متنوعة.. وحرارة الطقس تزيد الإقبال على «المولات»    أمير نجران يدشن مبادرة "صيّف بصحة"    في حال اعتذاره.. من يعوض الهلال في كأس السوبر    بالمر يقود تشيلسي للفوز بكأس العالم على حساب سان جيرمان    الاتحاد يضم عدنان البشرى من الأهلي    11 لاعباً سعودياً في تحدي عالمي على أرض جدة ضمن بطولة البلياردو    عندما تُذكر "الإبادة" كنتيجة "منطقية" للحرب    قصر علياء الأثري يبرز من بين الرمال كشاهد على طريق الحج القديم    تسلسل أحداث فتنة احتلال الكويت 9    سُلَّم الكعبة.. مشاهد العناية الفائقة بأقدس البقاع    يدور الوقت وابن ادم يعيش بوقته المحسوب    "الشؤون الإسلامية" تطلق الدورة العلمية لتأهيل الدعاة في بنجلاديش    فرنسا تعتمد برامج جامعة نايف    مستشفى الأفلاج العام يقدّم أكثر من 100 ألف خدمة صحية في 6 أشهر    أمير منطقة جازان يستقبل رئيس المحكمة الإدارية بالمنطقة    أمير القصيم يستقبل محافظ ضرية ويتسلّم تقريري مزادات الإبل وفعاليات يوم التأسيس    ورشة عمل وصالون ثقافي في مكتبة الملك عبدالعزيز احتفاء ب"عام الحرف 2025"    موعد مباراة سان جيرمان وتشيلسي في نهائي كأس العالم للأندية    كوكب زحل يصل اليوم إلى نقطة الثبات    الأرصاد: رياح على 5 مناطق و طقس حار في الشرقية    الياباني GO1 بطلاً لمنافسات لعبة Fatal Fury ضمن كأس العالم للرياضات الإلكترونية 2025    تعقيدات تهدد المسار الدبلوماسي.. إيران تضع شروطاً جديدة لاستئناف المحادثات النووية    نيابة عن خادم الحرمين الشريفين.. نائب أمير مكة يتشرف بغسل الكعبة المشرفة    تواصل تميزها العالمي.. المملكة تعزز الاستخدام المسؤول للذكاء الاصطناعي    السعودية تؤكد التزامها الكامل باتفاق «أوبك+»    نائب أمير الرياض يؤدي صلاة الميت على الشثري    صورة مميزة لمونرو تباع بمزاد    568 مبتعثا ثقافيا للخارج والأولوية للبكالوريوس    غارات متواصلة وتعثر بالمفاوضات.. غزة تحت وطأة التصعيد والجمود السياسي    دمج «قسد» ضمن الدولة قيد البحث.. لا" تخطيط أمريكي" لبقاء القوات في سوريا    ضبط 20 ألف قرص مخدر والإطاحة بعدة مروجين    «الشؤون الإسلامية» تعزز نشر المنهج الوسطي بالمالديف    ضبط 21058 مخالفًا لأنظمة الإقامة والعمل وأمن الحدود في مناطق المملكة    مركز الملك سلمان يوزع سلالاً غذائية على المحتاجين.. مساعدات إيوائية لمتضرري حرائق اللاذقية    تعديل جيني بديلا لأبر التنحيف    قطة تكتشف سلالة فيروسية نادرة    الدماغ لا يتوقف عن النمو    الكتاب العظيم يستحق مشروعا عظيما    إطلاق مشروع "صيف زهر" للفتيات في مدينة أبها بنسخته الرابعة    هنا السعودية حيث تصاغ الأحلام وتروى الإنجازات    أمر ملكي: تعيين الفياض مستشاراً بالديوان الملكي    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



ذكري ونوح وحامد والعريان وعبدالمجيد وعبدالبصير والقفاش وآخرون . جيل جديد في الرواية المصرية يحاور محفوظ وجيل الستينات
نشر في الحياة يوم 05 - 12 - 2001

} كيف يقرأ جيل جديد من الروائيين المصريين أسلافهم؟ كيف يحددون علاقتهم بأدب نجيب محفوظ مثلاً، أو بأدب جيل الستينات؟ يلقي هذا التحقيق ضوءاً على هذه المسألة. واللافت في كلام كتّاب هذا الجيل الجديد احساسهم بمشتركٍ يجمعهم.
من الخطأ اعتبار رواية نجيب محفوظ نقطة تقويمية وحيدة يؤرخ بها أو يقيم على أساسها المنجز الروائي في مصر. هناك رواية متميزة قبل محفوظ ورواية متميزة معه وثالثة بعده، ذلك أن تاريخ ومحصلة الاضافات لأي جنس إبداعي يظل مرتهناً بمجموعة من التراكمات والعلامات والاشارات الفارقة في مسيرة أي إبداع ويقاس تطور هذا الإبداع بعدد هذه الاضافات وطبيعتها، ويظل التوقف التقويمي ملحاً ومطلوباً لدى كل جيل على حدة لتحديد طبيعة الاضافة وحجم التجاوز ومقدار الافادة مما أنجزه المتميزون من الأجداد أو الآباء وهذه وقفة سريعة مع اسماء شابة حققت حضوراً روائياً، لرصد ما سبق من عطاء الأجداد والآباء بل والإخوة الكبار أيضاً.
مصطفى ذكري
يرى مصطفى ذكري ان "زقاق المدق" تظل علامة فارقة في سياق المنجز الروائي الضخم لنجيب محفوظ وتأتي "ملحمة الحرافيش" من بعدها، ويؤكد مصطفى أنه رصد هذين العملين تحديداً انطلاقاً من حجم تأثيرهما فيه على نحو فردي، ويستطرد مصطفى قائلاً: أتوقف أيضاً إزاء "ترابها زعفران" لادوار الخراط، ونحن حينما نقرأ إبداعات هؤلاء نقرأها على نحو انتقالي وليس على نحو إجمالي حيث ليست هناك خطة مسبقة لقراءة كل نتاج فلان أو فلان، أتوقف كذلك ازاء "حديث شخصي" لبدر الديب وهي عبارة عن مجموعة قصص طويلة، كذلك اتوقف ازاء عملين فاتنين وهما "مالك الحزين" لأصلان و"التاجر والنقاش" للبساطي.
فلقد كانت كتابة هذا الجيل تحديداً بالنسبة لنا أو قل بالنسبة لي، أعني جيل اصلان والبساطي كانت كتابته جديدة علينا، ونجيب محفوظ نهر يحتوي كل شيء فهو قارة كاملة متنوعة التضاريس، نصطدم بها شئنا أم أبينا، غير أنني رأيت، خصوصاً بدءاً من جيل اصلان، انه كلما كان الكاتب بسيطاً كإنسان علا بإنسانية كتابته وكلما جمعت بين بساطتها وعمقها في آن، أنت إزاء نجيب محفوظ تحس أنك ازاء قامة كبيرة كأنها ليست موجودة لكن بدءاً من جيل اصلان، بدأت الفردية تشهد علواً كبيراً خصوصاً في الستينات حيث بدت القضايا الكبرى امراً مزعجاً بالنسبة لابناء هذا الجيل، وبدت سمة البعد عن الأبنية او البناء الروائي العملاق وبدأ يعتني بالتفاصيل الصغيرة كما نراها لدى ادوار وأصلان، هناك شفافية روائية بدت لدى ادوار انها مدبرة في سياق لغوي حذق وجيلنا أكد على هذه الفردية، وعلى رغم الفروق بين اصوات جيلي غير أنه يبدو هناك سمات مشتركة مثل غلبة الصوت الفردي الذي تجنح لسيرة الذات وتلك الحصانات التي نحرص على وجودها بين الكاتب وعمله. أنا مثلاً لا استطيع ان أسمي أحد شخوص رواياتي باسم ثنائي أو ثلاثي وقد يكون هذا الشخص من دون بطاقة درامية. أما على صعيد المعمار فلا يمكنني القول إننا حققنا بنياناً متمايزاً وعملاقاً بعد، ولا أستطيع كتابة رواية ذات ملمح ملحمي زمني، فأكثر زمن داخل النسيج الروائي قد لا يزيد على يوم او بضعة أيام، كما أن الكثير من اعمالنا لا يتجاوز الاربعين صفحة وما زلنا نبحث عن ملمح مغاير يؤكد على خصوصيتنا على الأقل من حيث الارتباط الزمني والروحي بتفاصيل الواقع الذي نعيشه. أما مشكلة الضمائر فلا أتصور أننا وضعنا حلولاً ناجزة لها".
سعيد نوح
سعيد نوح قدم رصداً تاريخياً مفصلاً لمسيرة الرواية العربية بدءاً من إرهاصتها الاولى "زينب" لمحمد حسين هكيل كظاهرة اولى، كما أكد على المرحلية التاريخية لرواية محفوظ واعتبر أن كل عمل لنجيب محفوظ ظاهرة في حد ذاتها. ولمح ليحيى حقي وطه حسين حيث أبرز اعمالهما الروائية "قنديل أم هاشم" و"البوسطجي" و"دعاء الكروان" و"الايام". أما يوسف ادريس فاعتبره نوح ظاهرة مصرية بحتة، ورصد "الحرام" كأهم عمل روائي له ثم عرج برصده الى صنع الله ابراهيم وعبدالحكيم قاسم ويحيى الطاهر وبهاء طاهر والغيطاني واصلان باعتبارهم ظواهر منجزة في مسيرة الرواية كانوا جميعاً بمثابة مدرسة روائية تعددت مناهجها وتياراتها فتعددت بذلك المؤثرات الروائية السابقة على جيل سعيد نوح الذي اضاف قائلاً: "اظن أن جيلي حقق بعض الانجازات وإن كانت غير واسعة النطاق، غير أنني أرصد عمل زغلول الشيطي "ورود سامة لصقر" ثم "الصقار" لسمير غريب علي ثم "متاهة قوطية" لمصطفى ذكري ثم "خوف الحياة" لسيد الوكيل و"تصريح بالغياب" لمنتصر القفاش ثم "دكة خشبية تسع اثنين بالكاد" لشحاتة العريان وأخيراً "لصوص متقاعدون" لحمدي ابو جليّل و"سانت تريزا" لبهاء عبدالمجيد و"ابناء العطاء الرومانسي" لياسر شعبان. وأتصور أن جيل الستينات حقق ظاهرة روائية مستقلة الملمح والانجاز وهو ما أخذنا عنه وما استفدنا منه اكثر من أي جيل آخر، ويصعب رصد تجليات هذه الافادة على منجز جيلنا، فنحن لم نحقق بعد سوى خطى أولى.
شحاتة العريان
أما صاحب رواية "دكة خشبية تسع اثنين بالكاد" شحاتة العريان فيقول: "إن الرواية مدينة لنجيب محفوظ بقرائها حيث محبة قراءة الرواية. وفي الجيل نفسه كان يحيى حقي "صاحب الرواية البديعة" ولقد أسهم مع يوسف السباعي في طرح المكان روائياً باعتباره كائناً حياً. أما محفوظ فقد كانت روايته حكراً على "عباسية السرايات" والجمالية القديمة، ولا أعتقد أن هناك رواية جذابة قد كُتبت عن الأرياف أكثر من رواية "يوميات نائب في الارياف" وهذه الاسماء استطيع القول أنها أرست المبادئ الروائية، وحققت حرية الرواية على الصعيد السردي والشكلي، خصوصاً في نموذج "يوميات نائب في الارياف"، وليس بين أعمالهم ما يشبه الآخر، كما أجد "بين أبو الريش وجنينة ياميش" عملاً بديعاً. أما أبرز اسماء الجيل الثاني فهو يوسف ادريس الذي جعل من القصة إبداعاً مستقلاً وعملاً لا يعتمد على منطق الحكاية بمقدار ما تعتمد القصة على ذلك التدفق السردي وغياب الهيكل المسبق بعكس النموذج الروائي لديه. ومن الجيل اللاحق ليوسف ادريس اتوقف إزاء فتحي غانم وصبري موسى، رواية فتحي غانم كانت ذات أفق سياسي، أما رواية صبري موسى فكانت ذات أفق مكاني استثنائي. ومن جيل الستينات يمكنني الوقوف ازاء ما لا يقل عن عشرة اسماء فاعلة ومتميزة، كما يمكن ذكر كُتاب عرب ايضاً في الحلقة الزمنية نفسها، ويحضرني منهم محمد البساطي واصلان وعبد الحكيم قاسم وادوار الخراط والغيطاني، خصوصاً في "الزيني بركات" و"التجليات" وعلاء الديب وجميل عطية والطيب الصالح والطاهر بن جلون والطاهر وطار وزكريا تامر، وعبدالرحمن منيف. ومن بعدهم ابراهيم عبدالمجيد والورداني ومحمد ناجي.
ولا يمكنني القول ان جيلي حقق منجزاً كاملاً وواضحاً بعد، والرواية فن مرتبط بالعمر بمعنى حجم التراكم الروائي على صعيد الخبرة، لكن هناك بواكير لعدد من الكتاب الجيدين، والذي من المحتمل أن تشكل بعض اسماء منه قامات متميزة على المدى الزمني البعيد، وأذكر من هذه الاسماء ميرال الطحاوي وحمدي ابو جليّل وسعيد نوح ومصطفى ذكري ومنتصر القفاش وسمير غريب علي، وأعتذر عن نسيان البعض، أما مسألة التميز والمغايرة والاضافة لدى جيلنا فهذه مسألة فردية ونسبية ومنفصلة وعلى أنحاء متفاوتة لا يمكن جمعها في سلة واحدة ولا يمكن القطع بوضوح ملامحها بعد، نحن فقط ما زلنا نحاول خدش الصيغ المستقرة بعيداً من المسلمات الكبرى والبدهيات الروائية".
بهاء عبدالمجيد
بهاء عبد المجيد مدرس أدب انكليزي في عين شمس وهو روائي ايضاً وبمنطق الناقد بدأ يرفض فكرة المجايلة باعتبارها فكرة سلطوية تخضع لأشكال التقسيم الاجتماعي والسياسي، وأعتبر الرواية - منذ سطوع شمسها الاولى - كياناً واحداً يواصل في جوهره عطاء الاجيال. ويضيف قائلاً: "نعم تأثرت بالكُتاب السابقين مثل طه حسين ونجيب محفوظ ويوسف ادريس وغيرهم وأتصور انني أحد المستفيدين من موسوعيتهم والنموذج الروائي المتنوع الذي طرحوه عبر مسيرة طويلة متراوحة، وتزامن عطاء هذه الرموز ومن قبلهم مع ظروف سياسية وتاريخية متعاقبة ومتقلبة، فكانت هناك غايات وأهداف عظمى داخلة في متن أعمالهم على نحو ضمني او مباشر. أما من احتفت أعمالهم بالهمّ الذاتي فلم تعش أعمالهم، ونحن الآن نحاول أن نفسر التجليات التاريخية روائياً على نحو ذاتي ونحاول أن نؤسس لما يشبه المذكرة التفسيرية الروائية لتلك التحولات الاجتماعية المضطردة.
واسمح لي ان أستشهد بروايتي الاخيرة "سانت تريزا" فإنني في سياقها اقرأ التاريخ من منظور ذاتي على رغم استنادي لوقائع حقيقية، بعد أن لاحظت الغبن الذي وقع على "خباء" ميرال الطحاوي، حيث تُدرّس في قسم الانثروبولوجيا لا في قسم الأدب!! ومن ثم عنيت بطرح همّ الذات من خلال آخرين وليس تأويلاً روائياً لواقع معاش، ولست - في الواقع - مشغولاً بمن يحتل مساحة أكبر من الاضواء بمقدار اهتمامي بتميز العمل الروائي مستحضراً في ذلك أدواتي النقدية.
الحسيني عبدالبصير
في روايته "البحث عن خنوم" حاول الحسيني عبدالبصير أن يحقق ارتحالة روائية في التاريخ المصري السحيق في ما يشبه مغامرة البحث عن جذور روائية تصلح لإعادة انتاجها على نحو معاصر. ويبدأ الحسيني حديثه بنجيب محفوظ قائلاً: "اسمح لي أن أضيّق بؤرة الرصد، فأقول إن روايتي التي أشرت اليها استندت في معمارها الروائي على ما حققه نجيب محفوظ في "ميرامار" حيث الحدث الواحد المروي بأربعة أصوات، باعتبارها بنية تقدمية زمنية، علاوة على وجود شخصيات غائبة ظاهرة، وعندما تقترب الرواية من حواف النهاية، تجدها تقل تدريجياً وكأنها بنية هندسية هرمية تقل مع الصعود، وكأنما هي متتاليات هندسية، غير أن المساحة الزمنية للأحداث محدودة فهي تبدأ في الفجر وتنتهي في السحر وتبدأ في الفيضان وتنتهي قبل حلوله وكأنها تستغرق عاماً وهذه هي المرادفة الزمنية، وتبدأ بالرقم 1 وتنتهي بالرقم 10 ويتلاحم فيها التاريخي بالاسطوري بالملحمي بالحسي، وكتابتي تلتقي مع كتابات ابناء جيلي في رغبتها الكبيرة نحو التأسيس لكتابة مغايرة تتنوع أطيافها، ولعل هذا الدافع الملح وراء تحقيق التمايز - الذي لم نحققه في شكل واضح بعد - يرجع لوقوفنا على الفروق الواضحة بين مبدع وآخر ممن تعلمنا الكثير على أعمالهم التي شكلت في نهاية الأمر تاريخاً روائياً محتشداً بالمحطات المهمة في الرواية بدءاً من نجيب محفوظ وحقي وادريس ومروراً بالغيطاني وصنع الله ابراهيم وادوار الخراط وأصلان والبساطي ويحيى الطاهر وسعيد الكفراوي وابراهيم عبدالمجيد ومحمد المخزنجي وصولاً الى ميرال الطحاوي ومي التلمساني ونورا أمين ويوسف فاخوري واسماء هاشم ومصطفى ذكري ومنتصر القفاش وسحر الموجي وسمية رمضان".
محمود حامد
يؤكد محمود حامد أن الاجيال السابقة للرواية في مصر قد شكلت خريطة الرواية، إذ لا يمكن للقارئ أو المبدع أن يلاحق مدى الخبرة الروحية والجمالية التي حققتها هذه الأجيال المتعاقبة، الأمر الذي يجعل من مهمة البحث عن تمايز فارق وإضافة جديدة واحدة من أشق المهمات، خصوصاً ان الكثير من اولئك الروائيين ما زالوا يواصلون عطاءهم جنباً الى جنب مع الاجيال الاخرى.
ويستطرد قائلاً: "أتصور أن تراث مصر الثقافي هو بالأساس في روايتها، واذا كان نجيب محفوظ ظاهرة فذة، إذ لا يمكن مقارنته بأي تالٍ له بل يمكن القول إنه صعّب مهمة القادمين من بعده، إلا أن رواية الستينات استطاعت أن تهتم بالتشكيل الجمالي الذي افاد منه محفوظ نفسه، وأظن أن كل تغيير يلحق بالسياق الاجتماعي وبنيته يستتبعه بالضرورة تغيير جمالي في الكتابة، والتطورات الفادحة التي مر بها المجتمع المصري يمكن لكاتب واحد فرد ان يستوعبها جميعاً كلها، لذلك فإن جيل الستينات شكّل - في مختلف تجلياته - هذا الفوران الاجتماعي بصيغ مختلفة باختلاف الطيف الروائي والحساسية الروائية لدى كل مبدع على حدة، واعتقد - على قدر خبرتي القرائية - ان "ثلاثية" نجيب محفوظ حرقت مراحل روائية عربية ضخمة واختزلت قرنين تقريباً من تاريخ الرواية، بينما رواية "اولاد حارتنا" أسهمت - ليس فقط - في نقد المجتمع ولكن ايضاً في زلزلة وخلخلة البنية الروائية ذاتها، غير أنني حين قرأت "تلك الرائحة" أحسست أن هذه الكتابة غير مألوفة في سياقها التاريخي، وانما هي اقرب لي ولظروفي وأكثر حميمية مما يُكتب الآن وأظن أن صنع الله ابراهيم لم يبلغ ما بلغه فيها في رواياته الاخرى باستثناء "ذات". أما أصلان فيمكن القول أنه من خلال فرائده القليلة كاتب عابر للاجيال بداية من "بحيرة المساء" وصولاً الى "عصافير النيل"، هذا فضلاً عن المشروع الضخم العدة والعتاد الذي عكف عليه الغيطاني بداية من "الزيني بركات" وصولاً الى "حكايات المؤسسة" وأعتبره اقرب كاتب لي بعد نجيب محفوظ. أما عن طبيعة تقويم ما حققنا لنقف على طبيعة الاضافة والمغايرة، فإنه يصعب الحديث في هذا الأمر، ويكون الأمر أشبه بالحديث عن البشائر كما أن الاختلاف الظاهر بين صوت وآخر على نحو لافت لهو أحد وجوه مشقة الرصد، ولا أظن أن هناك اتجاهاً قد تبدى بعد إذ لم ننجز إلا أقل القليل وهذا الأمر تقع مسؤوليته على الجهود النقدية التي تتوافر لها الحيادية والنزاهة.
منتصر القفاش
ويوضح منتصر القفاش صاحب "تصريح بالغياب" أن التاريخ الأدبي ليس ثابتاً لدى كل المبدعين بل إن هذا التاريخ يظل عرضة للترتيب، كما تعاد كتابته من خلال النظرة الخاصة لكل مبدع لهذا التاريخ، ويضيف منتصر: "كلمة الروائي الرائد أو الرواية الرائدة قد يكون لها مفعول السحر في اذهان بعض المبدعين، وتفقد كل رونقها لدى آخرين يرون ان الأثر الحقيقي أحدثه مبدع آخر أو عمل آخر لم يُعَمّد كرائد في التاريخ الأدبي، وعلى حد قول بورخيس فإن كل كاتب يصنع أسلافه. فنجيب محفوظ مع الاعتراف بأثره الواضح في الرواية العربية إلا ان كتابه "أصداء السيرة الذاتية" بمقاطعه وشذراته المكثفة البعيدة عن الإسهاب أراه أهم من "بداية ونهاية" و"الثلاثية" و"اللص والكلاب" مثلاً، والاسئلة الفنية للاصداء تفتح الباب لإعادة التفكير في الكثير من المسلمات التي رسخها نجيب محفوظ نفسه. ومبدع مثل بدر الديب الذي يندر ذكر اسمه وأثره في الرواية العربية أجد أن عمليه "حديث شخصي" و"إجازة تفرغ" رائدان بحق في كتابة الرواية الفلسفية ويمثلان مدرسة قائمة بذاتها في كيفية تضفير الحكاية مع التأمل الفلسفي الذي هو جزء أساسي في وجود شخصياته. ويظل يحيى حقي بإنجازه الفذ في اللغة الروائية يحتاج الى دراسات تخص الاجابات المهمة التي طرحها في كيفية المزج بين الفصحى والعامية من دون وجود نغمة نشاز، والكتابة الروائية الجديدة من أهم سماتها ما أحب أن أسميه الكتابة بقوة اليوميات التي تشير الى اعتماد تلك الكتابة على سيرة المبدع ويومياته لتعيد النظر في التفاصيل الدقيقة التي - على رغم دقتها ويوميتها - فإنها تشكل حياة الانسان وتشير ايضاً الى كتابة الرواية بحرية كتابة اليوميات التي لا تعرف حدوداً للأنواع الأدبية بل تلتمس كل الطرق لتصل في تجربتها الفنية الى أبعد مدى. لذلك تأكدت ظاهرة الفصول او المقاطع المنفصلة والمتصلة وهي ليست شكلية بل تكشف عن رؤية للحياة، وأقرب الى ألوان الطيف.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.