أمير القصيم يستقبل محافظ البكيرية ورئيس جمعية تحفيظ القرآن بالهلالية    نائب أمير الشرقية يستقبل المشرف العام على البعثة التعليمية في البحرين ومدير عام التعليم بالمنطقة    أكثر من 10 آلاف فرصة استثمارية لرواد الأعمال في "بيبان 2025"    أمير الجوف يرأس الاجتماع الافتتاحي لإطلاق الخطة التشغيلية لتنمية المنطقة    ترتيب هدافي دوري روشن.. ثنائي النصر في القمة    حملة لتعليم الأحساء والتجمع الصحي لفحص طلاب التعليم المستمر    مفردات من قلب الجنوب 26    أفراح الشبيلي والحقيل في ليلة فاخرة جمعت النخبة بالعاصمة الرياض    3 مسببات للحوادث المرورية في منطقة عسير    وسام الطب القابضة تعلن عن إنشاء مستشفى متخصص في أمراض الدم والأورام بالشراكة مع مجموعة مكلارين    ضبط 37 مكتب استقدام لارتكابهم عددا من المخالفات    الحوار من التواصل التقليدي إلى البودكاست    غدًا.. إنطلاق ملتقى "خُطى التمكين" بجازان    نيفيز مع الهلال.. دقة شبه مثالية من علامة الجزاء    استشاري طب أسرة : لم يثبت أن تناول فيتامين سي بشكل يومي يمنع أمراض البرد    ديوان المظالم يحصل على شهادة الهلال الأحمر للسلامة الإسعافية    الشاشات تقلل التحصيل الدراسي لدى الأطفال    الأمم المتحدة تبدأ عملية كبرى لإزالة أنقاض غزة وفتح الطرق الرئيسة أمام الخدمات الحيوية    زلزال بقوة 5.1 درجات يضرب إندونيسيا    باحثون صينيون يصممون روبوتًا دقيقًا ثلاثي الأبعاد للعلاج الدقيق    0.85% نمو تداول خلال أسبوع    رصد المذنب C/2025 R2 (SWAN) في سماء الحدود الشمالية    مفتي روسيا يشيد بجهود المملكة على رعايتها الدائمة لمسلمي روسيا    في رثاء د. عبدالله عمر نصيف    «911» يتلقى 83 ألف مكالمة في يوم واحد    أمير مكة: المشروع يعكس اهتمام القيادة بتنمية المنطقة    34 قتيلًا و122 جريحًا.. انتهاكات إسرائيلية لوقف النار بغزة    القطان يحتفل بزواج حسن    فتاة تخرج «عجوزاً» بعد ربع قرن على احتجازها    «زاتكا» تحبط 1507 محاولات تهريب    الأمم المتحدة تواجه صعوبات في إيصال المساعدات الغذائية    خلال الجولة الآسيوية للرئيس الأمريكي.. قمة مرتقبة بين ترمب وكيم جونغ    41 ألف شهادة منشأ جديدة    الحد الأدنى لأجر الأخصائي 7000 ريال.. بدء رفع نسب التوطين ل 4 مهن صحية    «بوح الثقافي» يكرم الضامن    بيع فرخ شاهين ب119 ألفاً في ثامن ليالي مزاد الصقور    ياغي يؤكد أن تمكين ولي العهد أسهم في مسيرته العملية.. والسواحه: دعم القيادة حقق المنجزات لأبناء وبنات الوطن    اختتام منافسات الأسبوع الأول من سباقات الخيل بالرياض    كلاسيكو مرتقب يجمع ليفربول ومانشستر يونايتد    في ختام الجولة الخامسة من دوري روشن.. القادسية وضمك ضيفان على نيوم والتعاون    إصابة الإعلامية نجوى إبراهيم في حادث بأميركا    إنجاز طبي ينهي أزمة زراعة الكلى عالمياً    «حقوق الإنسان» تنظم زيارة ميدانية لأطفال جمعية رعاية الأيتام بالرياض    «ابن صالح» إمام المسجد النبوي ومربي الأجيال.. توازن بين العلم والعمل    خطيب المسجد الحرام: الثبات على الإيمان منّة من الله    أمير القصيم يوجه بإحالة "تبديل الجثمان" إلى النيابة    غرينوود يقود مارسيليا لقمة الدوري الفرنسي    الإعلام الحقوقي.. ضرورة وطنية مُلحّة    أرتيتا ينتقد ال VAR بعد فوز أرسنال على فولهام    الاقتصاد السعودي يواصل التنويع والصادرات غير النفطية تتجاوز التوقعات    فيليكس يهدي النصر الفوز على الفتح    أكثر من 13 مليون قاصد للحرمين الشريفين خلال أسبوع    69 إجمالي الطائرات الإغاثية السعودية لغزة    لائحة لإنشاء الأوقاف وتمويلها عبر التبرعات    التحالف الإسلامي يطلق المبادرة العسكرية "كفاءة" في الغابون    أمير منطقة جازان يطمئن على صحة الأديب إبراهيم مفتاح    د. عبدالحق عزوزي يترجم القرآن إلى اللغة الفرنسية    أمير منطقة جازان يطمئن على صحة الشيخ العامري    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أميركا إذ تستأنف السياسة
نشر في الحياة يوم 16 - 12 - 2001

جورج بوش الابن يعلن استئناف الحياة الدولية... جد ذلك يوم الثلثاء الماضي، الحادي عشر من كانون الاول ديسمبر الجاري، في اثناء خطاب القاه الرئيس الاميركي امام طلبة مدرسة شارلستون الحربية، في ولاية كارولينا الجنوبية.
ففي ذلك اليوم، وفي ذلك المكان، قال الرئيس الاميركي كلاما يكاد ان يكون استعادة حرفية، بالنقطة والفاصلة تقريباً على ما اشارت بعض وسائل الاعلام، لما سبق له ان تفوه به امام طلبة المدرسة نفسها قبل سنتين من الآن، في الثالث عشر من ايلول سبتمبر من 1999، عندما كان جورج دبليو مرشحا لرئاسة الولايات المتحدة او ساعيا الى ذلك الترشح. اي ان فحوى الخطاب المذكور قد تمحور حول مشاغل المرشح، فالرئيس، ذي الاستراتيجية الجمهورية الثابتة والمقيمة: اعادة صياغة العقيدة الدفاعية الاميركية واعادة هندستها وفق ما يقتضيه النصاب الدولي الناشئ عن انقضاء الحرب الباردة، وموقع الارجحية المطلقة الذي بات للولايات المتحدة فيه. اما ما يحتل موقع اللب من ذلك المسعى، فالدرع الواقية من الصواريخ، تلك التي تزمع الادارة الاميركية انشاءها، درءا لاخطار تعتبرها محتملة وترى بأن "الدول المارقة" ربما كانت مصدرا لها، وهو ما يتطلب نبذ العمل باتفاقية منع نشر الصواريخ النووية العابرة للقارات، تلك الموقعة بين ريتشارد نيكسون وليونيد بريجنيف في بدايات سبعينات القرن الماضي، والتي يرى الرئيس الاميركي بأنها "صيغت في حقبة اخرى، ضد عدو آخر"، وانه بات لا بد من تجاوزها.
والادارة الاميركية حسمت امرها في ذلك الشأن، على طريقتها المعتادة، اي الآحادية الجانب، دون ان تبدي ادنى حفول بمشاغل او بهواجس او باعتراضات حلفائها التقليديين، في اوروبا الغربية، او الجدد، وبالخصوص روسيا التي كانت خير نصير للولايات المتحدة في حربها الاخيرة ضد الارهاب، بالرغم من "الصداقة" التي نشأت بين رئيسها فلاديمير بوتين، ونظيره الاميركي، والتي ربما كان يفترض فيها ان تجنب موسكو ذلك الضرب من المعاملة.
هي، اذاً، الحياة الدولية تعود الى سالف عهدها، قوامها خلافات الدول والمصالح الوطنية وصراعها على النفوذ، عبر الاساليب والطرق والادوات المعتادة، تعيد الى التحالفات طابعها النسبي، وتنهي ذلك الاصطفاف الدولي الذي شهدته الحرب الاخيرة ضد طالبان ومنظمة القاعدة، وهو اصطفاف كان اجماعيا حتى كاد ان يبلغ في ذلك درجة الاطلاق، فكان بذلك مصطنعا.
ذلك ان حدث الحادي عشر من ايلول، وما تبعه من حملة عسكرية ضد الارهاب، كان قد اوجد حالة استثنائية، فكان بذلك ان اوقف الحياة الدولية او عطلها او علقها، وكان ان تداعى عنه ما لم يخطر بالتأكيد لحظة في بال من ارتكبوا تلك الفعلة، من حيث انها وضعت العالم تحت السيادة الاميركية. فصاحب السيادة، على ما عرفه فيلسوف القانون الالماني كارل شميت، في بدايات القرن الماضي، هو من "يمتلك القرار في اللحظة الاستثنائية"، عندما تتعطل مختلف المراتب والهيئات والاشكال التنظيمية التي صيغت من اجل العمل في الحالات الاعتيادية وفي نطاق ما هو متوقع، وعندما تصبح الدساتير والقوانين وسواها من ضروب التشريعات، وهي بدورها قد سنت ووضعت من اجل التعاطي مع ما هو اعتيادي ومتوقع، غير فاعلة او غير سارية التنفيذ، اقله مؤقتاً، يصح ذلك في فترات الثورات والازمات الكبرى وما شابه ذلك من الحالات التي ينخرم فيها بناء ما هو قائم او ينهار. اي عندما يجد حدث يلغي كل حدث سواه ويبتسر التاريخ فيه. واذا كان الفيلسوف الالماني قد تصور نظريته تلك على صعيد الاوطان والدول كيانات قومية او امبراطورية، الا ان حدث 11 ايلول، والرد الاميركي عليه، قد منح تلك النظرية بعدا كونيا. لقد كان العدوان موضعيا، لكنه اصاب لب العولمة ومركزها، وقوتها الدافعة والمهيمنة، فخلق حالة استثنائية، انجر عنها تعطيل نظام العالم، وتولي الولايات المتحدة "سلطة القرار في تلك اللحظة الاستثنائية" على الصعيد الكوني، اي تولي "السيادة على العالم"، وهذه تتعدى مجرد السلطة والنفوذ.
لكن اللافت، والذي قد يبدو مفارقا، ان الرئيس بوش نفسه هو الذي "اعلن"، في خطابه المذكور وفي ما اعقبه وسيعقبه من خطوات وقرارات ذات طبيعة استراتيجية، نهاية تلك الحالة الاستثنائية، اي العودة الى ما هو قائم، الى مجرى الحياة الدولية، الى مخاطبة العالم بما هو نظام من الدول والمراتب، اي الى وضع العداء في نصابه الاعتيادي، بوصفه محتمل الصدور عن دول هي تلك "المارقة"، ووضع الصداقة او التحالف ايضاً في نصابهما الاعتيادي، اي النظر اليهما على انها لا يلزمان، اذا ما تعلق الامر بالمصالح الوطنية، الا قليلا او لا يلزمان البتة. غير ان "اعلان" الرئيس بوش ذاك، يبقى بدوره، وفي نهاية المطاف، "قراراً سيادياً"، اذ هو يكاد ان يكون نابعا من ذاته، وهو لذلك فاجأ الدول والمراقبين.
لا شك في ان هاجس الرئيس الاميركي وحافزه في اتخاذ تلك الخطوة، لم يكن الايثار، ولكنه حسنا فعل، في المحصلة الاخيرة، اذ وضع حدا لذلك الوضع الاستثنائي، وهو ما قد يكون عائداً، لديه ولدى ادارته، الى الشعور بأن الحرب ضد الارهاب، في شقها الافغاني، قد آلت الى نهايتها، وانها ستستمر من هنا فصاعدا، على نحو اكثر تقليدية، بمعنى من المعاني، اي وفق منطق الحياة الدولية العادية، واجماعها المتعذر او الصعب المنال. اذ ليس صحيا بالنسبة الى حياة العالم ان تستمر تلك الحالة الاستثنائية، وتلك السيادة الاميركية المطلقة، الى ما لا نهاية، او ان تتمادى الى اجل غير معلوم، كما انه من الضروري العودة الى طرح ما علق التداول بشأنه، او الخلاف من حوله، من مشاغل الدول، وعلى رأسها قضايا في أهمية الدرع الواقية من الصواريخ، بالرغم من كل ما يتسم به ميزان القوة العالمي من اجحاف.
غير ان اكثر ما يخشى، هو ان يظل شيء من تلك الاستثنائية، في نظرة اميركا الى موقعها من العالم، وان يمثل ذلك بعض "اخبث" المكاسب التي تحققت لها من حملتها الاخيرة ضد الارهاب، ومن حربها الافغانية. اذ انه لا يوجد ما يضمن الا تسعى الولايات المتحدة الى مأسسة تلك السيادة التي تحققت لها على العالم خلال الاشهر الثالثة المنصرمة، خصوصاً ان قوتها وانتصارها الاخير قد يزينان لها ذلك، الى جانب ما تبديه دول العالم من عجز في التعاطي معها، وهو عجز ربما تمثلت بعض اجلى تعبيراته في كيفية الاعتراض على مشروع اقامة الدرع الواقية من الصواريخ.
فالاعتراض ذاك يبدو ضعيفا واهنا، وبالتالي قليل الفعل، ليس فقط بفعل ميزان القوة وارجحيته التي تبدو مطلقة لصالح الولايات المتحدة، ولكن كذلك لاسباب يمكن القول إنها من طبيعة فكرية. فالاعتراض ذاك يجري التعبير عنه، من قبل اوروبا الغربية مثلا، من خلال ابداء التشبث باتفاقية منع انتشار الصواريخ، تلك الموقعة قبل ثلاثين سنة بين الاتحاد السوفياتي السابق والولايات المتحدة، بدعوى انها تمثل ضمانة عدم العودة الى سباق التسلح، عوض اقتراح مشروع بديل لذلك الذي تزمعه واشنطن، يطرح على كل دول العالم ويطلب مساهمتها في بلورته. اذ ان ما لا سبيل الى نكرانه ان الاتفاقية المذكورة قد تجاوزها الزمن، ولم تعد تفي باالحاجات الامنية لعالم اليوم.
لعل بعض اسباب سطوة الولايات المتحدة يكمن في ان من يعترضون عليها غالبا ما يركنون الى المحافظة، ويتركونها تستأثر بالمبادرة المستقبلية، وهو ما تفعله، بطبيعة الحال، حصرا او في المقام الاول، لصالحها.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.