أتوا بالفتيات الحسان ليتمايلن ويرقصن. وزعوا الحلوى وهدايا المستحضرات التجميلية. عزفوا الموسيقى لزوارهم، لكن الأنغام لم تدخل قلوبهم. معرض "سوق السفر العالمي 2001" كان مناسبة أخرى لتمتلىء قلوب الاسرائيليين بالحزن. منذ اندلاع الانتفاضة وقطاع السياحة الاسرائيلي يعاني. شركة "العال" اضطرت في الشهور الماضية للطلب من 500 من موظفيها اختيار "الاستقالة الطوعية". خسائرها العام الماضي بلغت 109 ملايين دولار، وهذه السنة ستبلغ 200 مليون دولار. أحداث أيلول سبتمبر زادت التوتر الذي يعيشه 300 ألف من العاملين في قطاع السياحة في اسرائيل. كارمن، زميلة اسبانية. اتصلت تسأل: "كل زملائي في الصحيفة يرفضون تلبية دعوة مجانية عرضت علينا مرات لزيارة المنتجعات السياحية الاسرائيلية والكتابة عنها. أفكر في الذهاب. هل تعتقد أن الخطوة حكيمة"؟ صورة الدولة العبرية اهتزت، الجميع يخاف المجيء و"المعجزة" السياحية التي كانت اسرائيل تراهن عليها تبخرت. نصف السياحة هناك يعتمد على الترويج لزيارة الأماكن المسيحية المقدسة. النصف الآخر يعتمد على بيع الشمس والشواطىء، والتراث التاريخي الذي تركه العرب والمسلمون في فلسطين. عام 1990 استقبلت اسرائيل 06،1 مليون سائح أنفقوا 4،1 بليون دولار. السلام الذي أتى سمح لها بأن تحول الشمس الى ذهب، وأن تحلم بملء خزائنها بدخل السياحة من العملات الصعبة. الأرقام واصلت الارتفاع تدريجاً. كان العدد المتوقع للزوار العام الماضي أربعة ملايين ينفقون خمسة بلايين دولار، لكن الحلم لم يتحقق واحتفالات الألفية ألغيت بسبب الانتفاضة والصدامات التي رافقتها. القدس تعرضت إلى هجمات سقط فيها قتلى وجرحى. صور الجنود الاسرائيليين وهم يقتحمون بيت لحم ويطلقون النار بوحشية على الأطفال والمدنيين، قضت على ما تبقى من رحلات السياحة الدينية المسيحية. التركيز توجه الى المناطق السياحية الأخرى، الشاطئية تحديداً، وتلك الموجودة في الجليل الأعلى وشرم الشيخ، بعيداً عن مناطق الانتفاضة. عدد الذين زاروا اسرائيل العام الماضي لم يتجاوز 4،2 مليون سائح أنفقوا 1،3 بليون دولار. الخسارة تتواصل: عشرات المكاتب السياحية الاسرائيلية أغلقت أبوابها. عشرات الفنادق أيضاً، بعدما تعذر المسافرون. عشرات الألوف فقدوا وظائفهم، أو خفضت رواتبهم. نسبة الحجوزات لم تعد تتجاوز في أفضل الأحوال 40 في المئة، والخسارة لا تقاس بنسب الزوار وحدها، لأن ما ينفقونه تراجع بعدما رأت الشركات الاسرائيلية نفسها مضطرة إلى خفض أسعارها، لئلا تزول علاقتها بالسوق الدولية وتُنبذ. فنادق القدسالشرقية، وعددها 31، أغلقت أبوابها، أما فنادق القدس الغربية فخفضت أسعارها 60 في المئة وقاربت في بعضها 70 دولاراً لليلتين. فنادق تل أبيب والشقق المفروشة تعرض ب43 دولاراً لشخصين في الليلة الواحدة، فندق "رويال بارك ايلات" الفخم يعرض غرفه مقابل 40 دولاراً لليلة، لكن الاقبال يبقى ضعيفاً. الاسرائيليون سرقوا الفلافل والحمص بطحينة وجعلوهما، مثل كثير من الوجبات العربية، أطباقاً "وطنية"، يبيعها أبناء المهاجرين الروس والأوروبيين، باعتبار أنها وجبات أجدادهم. الدول العريقة المجاورة مثل مصر أعدت طرقاً للسياحة الدينية مثل "طريق العائلة المقدسة" و"طرق آل البيت". الاسرائيليون لم يجدوا شيئاً يروجون به لعراقتهم إلا ابتكار "طريق الفلافل" و"طريق الحمّص السريع"، وهو طريق يبدأ من القدس ويأخذ السائح إلى تل أبيب ويافا وحيفا والناصرة وطبريا والجولان ومجدل شمس وايلات. الأعداد المتوقعة هذه السنة لن تتجاوز 3،1 مليون سائح، وعوائدهم 2،1 بليون دولار. الخسارة المباشرة ستناهز ثلاثة بلايين دولار على أقل تقدير، من دون الحديث عن الضرر المدمر الذي ستتركه الأزمة على واقع هذه الصناعة في السنوات المقبلة. العارضون الاسرائيليون في معرض "سوق السفر العالمية 2001" في لندن الأسبوع الجاري كانوا يحلمون ببعض النتائج الايجابية. لكن أحداث أيلول قلبت كل المعادلات. الخسائر السياحية التي تعانيها اسرائيل تستطيع أن تساهم في تغطية ثلاثة أرباع العجز في الموازنة، وهو العجز الأخطر منذ قيام اسرائيل.