تحديث ومواءمة النطاقات الإشرافية البلدية    10 آلاف فرصة استثمارية لرواد الأعمال في بيبان 2025    رئيس الشورى يرأس الاجتماع التنسيقي العربي    اتفاقيات بين البرنامج السعودي لتنمية وإعمار اليمن والحكومة اليمنية    ليفربول يواصل مسلسل الهزائم بالسقوط على ملعبه أمام مانشستر يونايتد    أمير الشرقية يكرم مواطنين لإخمادهما حريقا في محل تجاري بالجبيل    ولي العهد يعزي رئيس وزراء اليابان    الذئاب تكشف حال الفارس    نائب أمير جازان يزور الأديب إبراهيم مفتاح للاطمئنان على صحته    المرور يضبط أكثر من 6 آلاف دراجة آلية مخالفة خلال أسبوع    أمير منطقة جازان يستقبل المدير العام لفرع وزارة الموارد البشرية والتنمية الاجتماعية    العراق يثمن الموقف المسؤول للسعودية وإجراءاتها القانونية بحق المسيئين    غدًا.. أمانة منطقة جازان تُنظّم ملتقى "خُطى التطوع" لتمكين العمل البلدي والإسكاني    لا مال بعد الموت    مؤشر سوق الأسهم السعودية يغلق منخفضًا عند مستوى (11690) نقطة    الدفاع المدني ينفذ تجربة صافرات الإنذار الثابتة في مناطق الرياض وتبوك ومكة المكرمة    وزير النقل يفتتح المؤتمر السعودي الدولي للخطوط الحديدية    فرع الشؤون الإسلامية بجازان ينفّذ حملة وقائية ضد الإنفلونزا الموسمية في صبيا    نائب أمير الشرقية يستقبل المشرف العام على البعثة التعليمية في البحرين ومدير عام التعليم بالمنطقة    أمير القصيم يستقبل محافظ البكيرية ورئيس جمعية تحفيظ القرآن بالهلالية    مفردات من قلب الجنوب 26    ترتيب هدافي دوري روشن.. ثنائي النصر في القمة    حملة لتعليم الأحساء والتجمع الصحي لفحص طلاب التعليم المستمر    ضبط 37 مكتب استقدام لارتكابهم عددا من المخالفات    الحوار من التواصل التقليدي إلى البودكاست    نيفيز مع الهلال.. دقة شبه مثالية من علامة الجزاء    شراكة استراتيجية بين وسام الطب القابضة ومجموعة مكلارين الأمريكية للرعاية الصحية    واشنطن تحذر «حماس» من انتهاك وشيك لوقف إطلاق النار في غزة    ديوان المظالم يحصل على شهادة الهلال الأحمر للسلامة الإسعافية    الشاشات تقلل التحصيل الدراسي لدى الأطفال    زلزال بقوة 5.1 درجات يضرب إندونيسيا    باحثون صينيون يصممون روبوتًا دقيقًا ثلاثي الأبعاد للعلاج الدقيق    مفتي روسيا يشيد بجهود المملكة على رعايتها الدائمة لمسلمي روسيا    رصد المذنب C/2025 R2 (SWAN) في سماء الحدود الشمالية    القطان يحتفل بزواج حسن    فتاة تخرج «عجوزاً» بعد ربع قرن على احتجازها    «زاتكا» تحبط 1507 محاولات تهريب    بعد انتهاء صلاحية اتفاق 2015.. طهران: إيران لم تعد ملزمة بالقيود النووية    اختتام منافسات الأسبوع الأول من سباقات الخيل بالرياض    البرتغال ورونالدو في افتتاح استاد «أزتيكا» بالمكسيك    60 مليوناً تغري هداف القادسية بالعودة لأوروبا    «بوح الثقافي» يكرم الضامن    بيع فرخ شاهين ب119 ألفاً في ثامن ليالي مزاد الصقور    ياغي يؤكد أن تمكين ولي العهد أسهم في مسيرته العملية.. والسواحه: دعم القيادة حقق المنجزات لأبناء وبنات الوطن    41 ألف شهادة منشأ جديدة    «911» يتلقى 83 ألف مكالمة في يوم واحد    خلال الجولة الآسيوية للرئيس الأمريكي.. قمة مرتقبة بين ترمب وكيم جونغ    احتجزت عدداً من الموظفين.. مليشيا الحوثي تقتحم مقر الأمم المتحدة بصنعاء    إصابة الإعلامية نجوى إبراهيم في حادث بأميركا    إنجاز طبي ينهي أزمة زراعة الكلى عالمياً    الإعلام الحقوقي.. ضرورة وطنية مُلحّة    «ابن صالح» إمام المسجد النبوي ومربي الأجيال.. توازن بين العلم والعمل    خطيب المسجد الحرام: الثبات على الإيمان منّة من الله    «حقوق الإنسان» تنظم زيارة ميدانية لأطفال جمعية رعاية الأيتام بالرياض    أكثر من 13 مليون قاصد للحرمين الشريفين خلال أسبوع    لائحة لإنشاء الأوقاف وتمويلها عبر التبرعات    أمير منطقة جازان يطمئن على صحة الأديب إبراهيم مفتاح    أمير منطقة جازان يطمئن على صحة الشيخ العامري    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الحصاد المر ...
نشر في الحياة يوم 14 - 10 - 2001

المفاجأة كانت يوم 11 من الشهر التاسع ولا مفاجآت بعد هذا التاريخ، كانت الصدمة الناتجة عن اصطدام الطائرات الثلاث ببرجي نيويورك والمسطح الخماسي في واشنطن، عنيفة ومفاجئة بل مذهلة. ثم جاءت ردود الفعل، وكانت كثيرة وشاملة وغطت العالم بأسره، ولكنها لم تفاجئ، ولا أحد أصابه الذهول، والسبب في رأيي، إن صحَّ ما رأيتُ وقدرت، أن معظم ردود الفعل الأميركية، أو أهمها على الأقل، كان متوقعاً.
ففي الشهور الأخيرة السابقة لثلثاء الكارثة كانت أقاليم كثيرة تغلي بالغضب، كانت الأجواء في أوروبا وروسيا والصين والقارة الأميركية معبأة بصدى الجدل الدئر حول موضوع درع الصواريخ، أي حول موضوع الحرب المقبلة، رغم أن القوى العظمى كانت في وضع سلام، أي في وضع يفضل فيه عدم الخوض في الحرب، فالناس في السلم تتفادى أحاديث الحرب أو تتشاءم منها. وفي أجواء الشرق الأوسط اختفى التفاؤل بإمكان التوصل إلى سلام عادل، أو حتى بإمكان تحقيق هدوء لا تستغله إسرائيل للتوسع والتخريب في سائر دول المنطقة - واختفى التفاؤل بإمكان تحول حكومات المنطقة الى تبني حريات اكثر وعدالة أوفر وكرامة وعزة.
ساد الشعور في كل مكان بأن العالم في فوضى نسبية، وأنه متجه الى فوضى أشد. وكانت أصابع الاتهام تشير مترددة في الولايات المتحدة، فالدولة الاعظم قيدت حقوق بقية الدول في المشاركة في صوغ العالم الجديد وإدارة شؤونه وصراعاته، وفي الوقت نفسه لم تحرر نفسها من قيود داخلية وخارجية بما يسمح لها بحرية أكبر في ممارسة القيادة أو الهيمنة. بقيت متسعة المساحة التي تدور فيها تفاعلات دولية بغير ارشاد من قواعد معروفة أو متعارف عليها من السلوك الدولي، وبغير انضباط تفرضه قوة أعلى وهيمنة أعظم. في هذه المساحة ومنها انتشر القلق وعدم الثقة في المستقبل وزاد الغضب واستعد الناس وحكوماتهم لمرحلة كبت أو قمع، وتضاعفت علامات الاحتجاج في مدن الشمال، وفي الجنوب، وبين الجنوب والشمال وكان مؤتمر ديربان ساحة تجمعت فيها كل هذه الاحتجاجات.
كانت كارثة الثلثاء مفاجأة لأنها تجاوزت التوقعات كافة. نوع العنف المستخدم كان مختلفاً، ودرجته غير معتادة، وكفاءته ملفتة، وضحاياه بالألوف، أما ردود الفعل فلم تحتو على مفاجآت، أو على الأقل حتى كتابة هذه السطور، كذلك كان كل الحصاد، حصاد ردود الفعل، لا مفاجآت فيه ولكن تطورات خطيرة لا أظن أن مخططي أو مرتكبي الكارثة تخيلوا وقوعها، أو تخيلوه بهذا الحجم وذلك العمق.
في العالم خوف رهيب، خوف من حرب غير محددة الأهداف والأعداء والأدوات والحلفاء، وفي أغلب الجنوب خوف من أن تستغل حكومات متحالفة الفرصة فتستفرد بشعوبها، أو بالأقليات فيها، أو بالمعارضة فتنهال تنكيلاً، وفي معظم الشرق والغرب خوف من جحافل تزحف تحت رايات دينية لتأخذ بالثأر أو رايات حضارية لتنشر النور بالقسر أو بالدم إذا لزم الأمر أو تيارات امبريالية لتهيمن وتستقر وتستوطن.
وفي الشمال كما في الجنوب خوف من سوء استخدام هذه الحرب أو المغالاة فيها أو الشطط، وخوف من أن يطول أحدها، كما وعد الرئيس بوش، فتصبح نظام حياة. وعندما تصبح الحرب نظام حياة يجب أن يتوقع الإنسان القسوة في التعامل، وكراهية الآخر أو الشك فيه، والقلق المتعصب بالهوية، وزيادة الانتهازيين وتجار الحروب ووسطاء الفساد والفجور والاسلحة، وتفاقم الشكوك بين الدول. والفرد خائف. يخاف السفر بالطائرة فتختطف وتنفجر في مبنى، أو تختطف وتنفجر بصواريخ اطلقتها مقاتلة اميركية، مكلفة بإسقاطها، والخوف سيكون اعظم اذا شاعت الممارسة واتسعت ومنحت كل دولة في آسيا وافريقيا وروسيا قواتها الجوية حرية اسقاط طائرات مشتبه فيها. لم يخف اعضاء الكونغرس خوفهم حين قرروا أن يستقلوا القطار في حياته، لم يخفوا خوفهم ولكن الى متى الابتعاد عن الطائرات.
والخوف ايضاً هو هذا الميل المبكر من جانب حكومة الرئيس بوش لاتخاذ إجراءات ووضع تشريعات تهدف جميعاً الى تقييد حرية التعبير وتحديد هامش للديموقراطية وتقليص مساحات الحوار الدولي المفتوح ودعم لا محدود لأجهزة الأمن والاستخبارات، ويزيد من خطورة هذا الميل، الذي صار انجرافاً أنه الإنجاز الأكثر قابلية للتقليد بين كل الحكومات من دون استثناء وإن اختلفت الدرجة. لا أظن أن حكومة قائمة في الغرب الليبرالي أو الشرق غير الليبرالي ستمانع اذا طلب منها تقييد بعض الحريات وزيادة امكانات وفرص التنصت على المواطنين وتبادل المعلومات الشخصية عنهم مع دول اخرى والحجز على اموال المشتبه فيهم. بل إن قيادة الحلف ستكون أكثر رضاء وسعادة - ولو الى حين - اذا شاعت ممارسة القمع باسم محاربة الإرهاب، ولما كان الارهاب يعني اشياء كثيرة اصبح جائزاً إلصاق تهمته بأي مواطن أو جماعة أو هيئة، ولا أدري حقيقة كيف سيؤدي مهامها السيدة الكريمة ماري روبنسون المفوض العام للجنة الدولية لحقوق الإنسان وهي التي رفضت ان تكون الولايات المتحدة عضواً فيها، وهي الآن من دون وظيفة، أو على الأقل مجمدة حتى إشعار آخر.
والخوف الأشد يشترك فيه، أو يجب أن يشترك فيه، كل المواطنين الأميركيين والأوروبيين والأفارقة والآسيويين، انه الخوف من هذا التصعيد الرهيب في حوار الصدام بين الحضارات، لا أشك للحظة واحدة أن أيادي كثيرة تعبث، فالحرائق الحضارية مفيدة لأغراض حاملي مشاعل الدمار بقدر الفوائد التي سعى الى تحقيقها مخططو ومفجرو الهجوم المثلث على نيويورك وواشنطن، وقد تأكدت ان قطاعات واسعة في اميركا خافت حين ارتفعت اصوات دائرة الأصولية واليمين يلقون باللائمة على الانحلال الخلقي والشواذ. أو حين كتبت معلقة شهيرة تطالب بوش بالهجوم على الدول التي ينتمي اليها الخاطفون وبقتل حكامها أو نفرض عليهم الخروج عن دينهم.
لا أريد، ولا يهمني، تسليط الضوء على ما فعله برلسكوني رئيس وزراء ايطاليا، فالرجل يمثل فئة في النخب القائدة في عالم اليوم مستعدة وجاهزة لتدوس بأقدامها ملايين البشر في بلادها وخارج بلادها في سبيل إثراء امبراطورياتها الصغيرة وفرض هيمنة نخبة العولمة على مصائر البشرية. أريد فقط أن لا نستهين، وأن لا يستهين قادة الحلف المعادي للإرهاب وكل أعضاء الحلف، إن كانوا حقاً صادقين في حربهم، بما فعله وسيستمر في فعله آرييل شارون وبرلسكوني وأعظم معلقي اميركا وقادة الاعلام فيها، فالتحريض على الفتنة جريمة قد تكون أشد بشاعة من ارتكاب الفتنة، أي من ممارسة الارهاب.
وفي اميركا خوف، الناس خائفة على مدخراتها في الاسهم والسندات. والحكومة الاميركية خائفة على ثقة الناس في الاقتصاد الأميركي، هناك كانت الخسارة باهظة، وبأكثر مما خطط الارهابيون، والارقام تجاوزت كل التوقعات، ولكن اهم من الارقام ثقة المستهلك والمستثمر في المستقبل. وهذه اهتزت بقوة، ولا أظن انها ستعود قريباً الى ما كانت عليه. وعلى كل حال لم تكن في حال طيبة في الايام السابقة على الهجوم. فالخوف من الطائرات قائم ولن يقلل منه ان لم يزده وجود حرس على الطائرة أو طائرة مقاتلة على يمين الطائرة المدنية وطائرة أخرى على يسارها، وكلفة النقل والتأمين ستستمر باهظة لوقت قد يطول، والنتيجة بطبيعة الحال انكماش في التجارة الدولية وفي الصادرات الأميركية ونقص في الانتاج وبطالة فاحشة. ثم هناك الخوف من انفجار جرثومي وتخريب في الجسور الحيوية والقواعد العسكرية الخارجية ومصادر الطاقة وأتصور أنه خوف باقٍ معنا حتى تنتهي الحرب.
ولكن الحرب لن تنتهي، فقد وعد منفوذها بأنها ستكون طويلة... طويلة. وهذا الوعد في حد ذاته، دافع اضافي وكاف لاستمرار الخوف، الأمل الوحيد هو في نجاح الرئيس بوش في مساعيه التي يقال عنها إنها تهدف الى التهدئة تمهيداً لتخفيض الخوف.
* كاتب مصري.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.