أرتيتا يعتقد أن عصر "الستة الكبار" في الدوري الإنجليزي انتهى    أنشيلوتي: برشلونة بطل الدوري الإسباني قدم كرة قدم جميلة    توطين الصناعة خارطة طريق اقتصادي واعد    هلال جدة يتوج بلقب الغربية في دوري الحواري    "المنافذ الجمركية" تسجّل 1165 حالة ضبط خلال أسبوع    وزير الصحة يكرم تجمع الرياض الصحي الأول نظير إنجازاته في الابتكار والجاهزية    رقم سلبي لياسين بونو مع الهلال    استمرار ارتفاع درجات الحرارة ونشاط الرياح المثيرة للأتربة على عدة مناطق في المملكة    استشهاد 13 فلسطينيًا في قصف الاحتلال الإسرائيلي لقطاع غزة    أكثر من 6000 حاجاً يتلقون الخدمات الصحية بمدينة الحجاج بمركز الشقيق خلال يومين    القاسم يقدم ورشة بعنوان "بين فصول الثقافة والصحافة"    جمعية نماء تنفذ برنامجًا شبابيًا توعويًا في بيت الثقافة بجازان    إطلاق النسخة التجريبية لأكبر مشروع للذكاء الاصطناعي في المسجد النبوي    اتفاقية تعاون بين قدرة للصناعات الدفاعية وفيلر الدفاعية لتعزيز الصناعات العسكرية بالمملكة    الفريدي يحصل على الماجستير في الإعلام الرقمي    المملكة تحتل المركز الثاني عالميًا بعد الولايات المتحدة في جوائز "آيسف الكبرى"    محافظ الزلفي يدشن ملتقى الباب للتمكين التقني    تشلسي يفوز على مانشستر يونايتد في الجولة ال (37) من الدوري الإنجليزي    صدور موافقة خادم الحرمين الشريفين على منح وسام الملك عبدالعزيز    النفط يتجه لثاني أسبوع من المكاسب    النصر يتعادل إيجابياً مع التعاون في دوري روشن للمحترفين    النصر يتعادل أمام التعاون ويفقد فرصة اللعب في دوري أبطال أسيا للنخبة    الRH هل يعيق الإنجاب؟    الرياض عاصمة القرار    المنتخب السعودي للعلوم والهندسة يحصد 23 جائزة في مسابقة آيسف 2025    سلام نجد وقمة تاريخيّة    سيرة الطموح وإقدام العزيمة    ارتفاع عدد الشهداء الفلسطينيين في العدوان الإسرائيلي المستمر على قطاع غزة إلى 53,119 شهيدًا    سمو الأمير سلطان بن سلمان يدشن "برنامج الشراكات العلمية العالمية مع أعلى 100 جامعة " مع جامعة كاوست    إمام وخطيب المسجد النبوي: تقرّبوا إلى الله بالفرائض والنوافل.. ولا وسائط بين العبد وربه    الدوسري في خطبة الجمعة: الدعاء مفتاح الفرج والحج لا يتم إلا بالتصريح والالتزام    جمعية تعظيم لعمارة المساجد بمكة تشارك في معرض "نسك هدايا الحاج"    أمانة القصيم تطرح فرصة استثمارية لإنشاء وتشغيل وصيانة لوحات إعلانية على المركبات بمدينة بريدة    نائب رئيس جمعية الكشافة يشارك في احتفالية اليوبيل الذهبي للشراكة مع الكشافة الأمريكية في أورلاندو    أمانة القصيم تقيم حملة صحية لفحص النظر لمنسوبيها    أمين الطائف" يطلق مبادرةً الطائف ترحب بضيوف الرحمن    زمزم الصحية تشارك في فرضية الطوارئ والكوارث    46٪ لا يعلمون بإصابتهم.. ضغط الدم المرتفع يهدد حياة الملايين    مبادرة طريق مكة والتقدير الدولي        "الصحة" تُصدر الحقيبة الصحية التوعوية ب 8 لغات لموسم حج 1446ه    ضبط مصري نقل 4 مقيمين لا يحملون تصريح حج ومحاولة إيصالهم إلى مكة    الرياض تعيد تشكيل مستقبل العالم    لجنة التراخيص : 13 نادياً في روشن يحصلون على الرخصة المحلية والآسيوية    مُحافظ الطائف يستقبل مدير فرع هيئة التراث بالمحافظة    نائب أمير الرياض يطّلع على برامج وخطط جائزة حريملاء    أمير منطقة تبوك يرعى حفل تخريج الدفعة ال 19 من طلاب وطالبات جامعة تبوك    تحذيرات فلسطينية من كارثة مائية وصحية.. «أونروا» تتهم الاحتلال باستخدام الغذاء كسلاح في غزة    جناح سعودي يستعرض تطور قطاع الأفلام في" كان"    أكد أن كثيرين يتابعون الفرص بالمنطقة… ترامب لقادة الخليج: دول التعاون مزدهرة.. ومحل إعجاب العالم    أسرتا إسماعيل وكتوعة تستقبلان المعزين في يوسف    رؤيةٌ واثقةُ الخطوةِ    الحدود الشمالية.. تنوع جغرافي وفرص سياحية واعدة    عظيم الشرق الذي لا ينام    الهيئة الملكية لمحافظة العلا وصندوق النمر العربي يعلنان عن اتفاقية تعاون مع مؤسسة سميثسونيان لحماية النمر العربي    نائب أمير منطقة تبوك يشهد حفل تخريج متدربي ومتدربات التقني بالمنطقة    مُحافظ الطائف يشهد استعداد صحة الطائف لاستقبال موسم الحج    ولي العهد والرئيس الأمريكي والرئيس السوري يعقدون لقاءً حول مستقبل الأوضاع في سوريا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



"الكرم" الاسرائيلي ولعبة النسب المئوية . الحكم الذاتي : كامب ديفيد تكرر نفسها 1 من 2
نشر في الحياة يوم 05 - 01 - 2001

} يبدو الكلام الاسرائيلي على الاستعداد للانسحاب من 95 في المئة من الضفة الغربية وقطاع غزة مغرياً. هذه مساجلة، على حلقتين، ضد هذا التقدير.
منذ انهارت محادثات كامب ديفيد الأخيرة والدعاوة الاسرائيلية، ومعها قطاع واسع من الاعلام الغربي، تحمل الفلسطينيين مسؤولية هذا الانهيار وما لحقه من صراع دموي. فيقال ان ايهود باراك ذهب ابعد من اي زعيم اسرائيلي قبله، بل وأبعد مما يمكن أي زعيم اسرائيلي ان يذهب، فعرض على الفلسطينيين اعادة اكثر من 90 في المئة من ارض الضفة الغربية وقطاع غزة، لكن الجانب الفلسطيني قابل هذا الكرم الاسرائيلي بالجحود والرفض. ويقال ايضاً ان الصراع الحالي مؤسف بشكل خاص لأن الشقة ما بين الموقفين الاسرائيلي والفلسطيني لم تكن في يوم من الأيام أقرب لما هي اليوم. ولا يملّ رئيس الوزراء الاسرائيلي السابق ووزير التعاون الاقليمي الحالي، شيمون بيريز، من ترداد ان الخلاف يقتصر على ما نسبته 2 الى 3 في المئة من الاراضي.
من جهة اخرى، في احيان كثيرة يصور الاعلام الفلسطيني والعربي الخلاف على انه فحسب خلاف على السيادة على الحرم الشريف / المسجد الاقصى. كما بدأت بعض الاوساط الفلسطينية تبدي استعداداً للدخول في لعبة النسب المئوية. ولعل أوجز وأصرح تعبير من هذا التوجه جاء على لسان الاستاذ جهاد الخازن الحياة، 20 تشرين الثاني - نوفمبر، فهو بعد أن يخبرنا انه تحادث هاتفياً مع السيد محمود عباس ابو مازن في غزة، يمضي الى القول: "ربما كان اكبر انجاز للانتفاضة هو انها ثبتت بعض الخطوط الحمر. فمستقبل الحرم الشريف لن يكون بيدي اسرائيل... والانسحاب لن يكون من 80 في المئة او 90 في المئة من الارض، فالنسبة التي فرضتها الانتفاضة هي 95 في المئة من الارض في الضفة الغربية، وتبادل الطرفان الخمسة في المئة الباقية، فتحتفظ اسرائيل بكتلة مستوطنات في الضفة، ويحصل الفلسطينيون على ارض في مقابلها لتوسيع قطاع غزة".
ترمي هذه المقالة الى المحاججة اولاً ان الموقف الاسرائيلي يتسم بقدر كبير من التماسك الاستراتيجي وانه كان منذ احتلال الضفة والقطاع ولا يزال يثوم على استمرار السيطرة الاسرائيلية على الارض ومواردها مع منح السكان قدراً من الحكم الذاتي المحدود. وترمي ثانياً الى المحاججة ان قضية القدس اكبر واعقد من ان تختزل الى مسألة السيادة على الحرم الشريف، على اهمية هذه المسألة نظراً للمكانة الفريدة التي يحتلها الحرم في قلوب الناس ونظام قيمهم في فلسطين وفي ما عداها من الاقطار العربية والاسلامية. كما ستذهب هذه المقالة ثالثاً الى ان من الممكن لاسرائيل ان "تتخلى" للسلطة الفلسطينية عن 95 في المئة من اراضي الضفة وتظل مع ذلك مسيطرة فعلياً على الارض ومصائر سكانها. هكذا نود ببساطة القول ان القبول ببقاء الكتل الاستيطانية وآليات السيطرة الاسرائيلية الاخرى يعني في واقع الأمر القبول بمجرد الادارة الذاتية للسكان مهما كانت عظمة وفخامة التسمية التي يمكن ان تطلق على نظام الادارة هذا.
من كامب ديفيد الى كامب ديفيد
يبدو، على الأقل من منظور التجربة، أن ادراك معسكر السلام الفلسطيني والعربي وكاتب هذه السطور ينتمي اليه للعملية السلمية يقوم على قدر كبير من سوء الفهم. فقد جرى النظر الى هذه العملية والتعامل معها على أنها اما تستهدف مصالحة تاريخية او على الأقل حلاً للقضية الفلسطينية ترسى دعائمه على قسط من العدل. وحصل من قبيل التعلل بالآمال تحوير بل تحريف للمصطلحات والمدلولات، لعل أبرز تعبير عنه كان الحديث الدائب عن مفاوضات "الحل النهائي" بكل ما تعنيه كلمة "حل" من ازالة للظلامات واشباع للمطامع المشروعة، فيما كانت وثائق العملية السلمية كلها تتحدث عن "ترتيبات الوضع النهائي" بكل ما تشير اليه كلمة "ترتيبات" من تجريبية وواقعية سياسية بل الى علاقات القوى وآليات الضبط والتحكم.
اما اسرائيل من جهتها فلم تكن بصدد مصالحة، فكيف بمصالحة تاريخية، ولا حتى بصدد حل يقوم على اعتراف بالحيف التاريخي الذي لحق بالفلسطينيين ومحاولة رفع هذا الحيف جزئياً. والحق ان موقف اسرائيل كان ولا يزال يقوم على نظرة احتقارية للفلسطينيين. فهم، اي الفلسطينيون، يحترفون الهزيمة بامتياز من 1936 الى 1948 الى 1967 الى 1982 وصولاً الى حلول الوهن بالانتفاضة الاولى بحلول عام 1990. وبما ان الفلسطينيين يمتازون بقصر النظر وضيق الافق فانهم لا يتركون فرصة لاضاعة الفرص الا وانتهزوها فيأبون الاعتراف بهزائمهم المتلاحقة وانقاذ ما يمكن انقاذه من ركام وجودهم. وما العملية السلمية من وجهة النظر الاسرائيلية الا الاطار الذي سيتم من خلاله رويداً رويداً دفع الفلسطينيين، او على الاقل قيادتهم الى الاعتراف بهزيمتهم التاريخية ودفع ثمنها كاملاً. ولم يكن دهاقنة السياسة الشرق اوسطية في الخارجية الاميركية روس، انديك، كيرتزر، ميلر بعيدين عن وجهة النظر هذه، فهم يرون ان عدداً من الظروف تداعيات حرب الخليج والخلافات العربية - العربية، انهيار الاتحاد السوفاتي، ضعف منظمة التحرير الفلسطينية قد تضافر ليجعل الوقت مناسباً كي تحصل اسرائيل على المكاسب السياسية والاقتصادية التي تؤهلها لها انتصاراتها العسكرية المتلاحقة. ولم يكن غرض هؤلاء يتعدى اقناع اسرائيل بأن من مصلحتها جني هذه المكاسب قبل ان تتغير الظروف وان عليها في سبيل ذلك ان تبدي بعض المرونة التكتيكية.
الواقع ان الموقف الاسرائيلي بدعم من الولايات المتحدة بالطبع يتسم بقدر كبير من التماسك والثبات الاستراتيجيين. فمنذ احتلالها الضفة والقطاع عام 1967 واسرائيل تصر على ان مستقبل الضفة الغربية وقطاع غزة لن يقوم الا على اساس "الحكم الذاتي للسكان" مع احتفاظ اسرائيل بالسيطرة على الارض ومواردها. اما القدس فستظل العاصمة الموحدة لاسرائيل ولا سيادة لأحد غير اسرائيل على اي جزء منها.
وقد كان لاسرائيل ما أرادت في اتفاقات كامب ديفيد الاولى. فقد نصّت اتفاقية اطار السلام في الشرق الاوسط بين مصر واسرائيل التي وقعت في 17 ايلول سبتمبر 1978 على ما يأتي في ما يتعلق بالضفة الغربية وغزة:
1- ستشارك مصر واسرائيل والاردن وممثلو الشعب الفلسطيني في مفاوضات لحل المشكلة الفلسطينية في أوجهها كافة. وللتوصل الى هذا الهدف، ستمر المفاوضات بشأن الضفة الغربية وغزة بمراحل ثلاث:
أ- ... ستكون هناك ترتيبات انتقالية للضفة الغربية وغزة لمدة لا تزيد على خمس سنوات، وكي يعطى السكان حكماً ذاتياً كاملاً، ستنسحب الحكومة العسكرية الاسرائيلية وادارتها المدنية حالما ينتخب سكان هذه المناطق بحرية سلطة حكم ذاتي للحلول محل الحكومة العسكرية القائمة... وينبغي ان تأخذ هذه الترتيبات الجديدة بالاعتبار اللازم وفي آن معاً مبدأ الحكم الذاتي لسكان هذه المناطق والاهتمامات الامنية المشروعة للاطراف المعنية.
ب- ... وسيكون هناك انسحاب للقوات المسلحة الاسرائيلية واعادة انتشار للقوات الاسرائيلية الباقية الى مواقع عسكرية محددة. وستتضمن الاتفاقية ترتيبات لضمان الامن الداخلي والخارجي والنظام العام...
ج- وعندما تقام سلطة الحكم الذاتي في الضفة الغربية وغزة، ستبدأ فترة انتقالية مدتها خمس سنوات. وفي اقرب وقت ممكن لا يتعدى نهاية السنة الثالثة من المرحلة الانتقالة، ستبدأ محادثات لتقرير الوضع النهائي للضفة الغربية وغزة...
2- ستتخذ الاجراءات والخطوات الضرورية كافة لضمان امن اسرائيل وجيرانها خلال الفترة الانتقالية وما بعدها. وللمساعدة على ضمان امن كهذا، ستشكل سلطة الحكم الذاتي شرطة محلية قوية من سكان الضفة الغربية وغزة.
3- خلال الفترة الانتقالية، سيشكل ممثلون عن مصر واسرائيل والاردن وسلطة الحكم الذاتي لجنة دائمة تحدد بالاتفاق كيفيات السماح بدخول الاشخاص الذين أُجلوا عن الضفة الغربية وغزة عام 1967...
4- ستعمل مصر واسرائيل معاً ومع الاطراف المعنية الاخرى لتحديد اجراءات متفق عليها لتنفيذ حل مشكلة اللاجئين تنفيذاً سريعاً وعادلاً ودائماً.
اما "معاهدة السلام بين مصر واسرائيل" التي وقعت في 26 آذار مارس 1979 فلم تتطرق في متنها الى الضفة الغربية وغزة، لكن رسالة مشتركة ملحقة بها موجهة من مناحيم بيغن ينابة عن حكومة اسرائيل وانور السادات نيابة عن حكومة جمهورية مصر العربية الى الرئيس الاميركي جيمي كارتر أعادت التذكير باتفاقات كامب ديفيد، والزمت مصر واسرائيل الدخول في مفاوضات غرضها "اقامة سلطة ذاتية الحكم في الضفة الغربية وغزة كي يمنح الحكم الذاتي الكامل للسكان". واضافت الرسالة انه سيجري "انسحاب الحكومة العسكرية الاسرائيلية وادارتها المدنية لتحل محلها سلطة الحكم الذاتي"... وعندئذ سيتم انسحاب للقوات المسلحة الاسرائيلية وستكون اعادة انتشار للقوات الاسرائيلية المتبقية الى مواقع أمنية محددة". هل تذكرنا هذه النصوص بأمر أحدث عهداً؟ بالطبع!! انها تكاد تطابق حرفياً النصوص والترتيبات والاجراءات التي تم الاتفاق عليها في اتفاقيتي أوسلو الاولى والثانية بين اسرائيل ومنظمة التحرير: من المرحلة الانتقالية ذات السنوات الخمس، الى التعهد بالدخول في مفاوضات لتحديد الوضع النهائي في مدة لا تتعدى نهاية السنة الثالثة من المرحلة الانتقالية، الى ضرورة انشاء قوة شرطة قوية لضمان امن اسرائيل، الى اللجنة الرباعية الدائمة لبحث عودة نازحي 1967.
على ان الاهم من هذه التطابقات النصوصية والاجرائية التطابق ما بين كامب ديفيد الاولى واتفاقيتي اوسلو في العقد الاستراتيجي. فمن الواضح ان هذا العقد في الحالين كليهما لم يكن الانسحاب الاسرائيلي الكامل، بل، فحسب، انسحاب الحكومة العسكرية الاسرائيلية وادارتها المدنية، إضافة الى "انسحاب" للقوات العسكرية الاسرائيلية من المراكز السكانية واعادة انتشارها الى "مواقع امنية محددة" تضمن لها السيطرة الفعلية على الارض كلها. وفي حين ان اتفاقات كامب ديفيد حددت بوضوح ان نهاية المطاف هي "الحكم الذاتي للسكان"، فان اتفاقيتي اوسلو الزمتا السلطة الفلسطينية سلسلة من العلاقات والارتباطات والترتيبات جعلت "الحكم الذاتي للسكان" السقف الاعلى لأي تطور لهذه السلطة ضمن اطار هاتين الاتفاقيتين وما تلاهما من بروتوكولات قائمة عليهما.
ولم يكن اختيار كامب ديفيد لاجراء المحادثات "النهائية" حول ترتيبات الوضع النهائي ووضع ترتيبات لوجستية لعمليات التفاوض تشبه الى حد بعيد ترتيبات محادثات كامب ديفيد الاولى مجرد مصادفة، على ما يبدو. فقد تبين من مجمل المقترحات التي وضعت على المائدة انه كان يجري الدفع لمحادثات كامب ديفيد الثانية باتجاه تحقيق العقد الاستراتيجي لكامب ديفيد الاولى: السيطرة الاسرائيلية الفعلية على الارض ومواردها والاقتصار على منح الادارة الذاتية للسكان. وما بين اوسلو وكامب ديفيد الثانية كان تعلق الشعب الفلسطيني بحلم الاستقلال من جهة وعشق القيادة الفلسطينية لمظاهر السلطة من جهة اخرى قد أصبحا عاملين لا بد من اخذهما بالحسبان فقدمت اسرائيل والولايات المتحدة "تنازلاً" يسمح للفلسطينيين بأن يطلقوا على الادارة الذاتية المحدودة للسكان اسم "دولة" اذا ارادوا! ويتبدى ثبات اسرائيل على مواقفها ايضاً في انها، على رغم كل جولات المفاوضات والمحادثات منذ كامب ديفيد الاولى، لم تتزحزح قيد شعرة في ما يتعلق بمسائل ثلاث بالغة الاهمية، هي القدس وايقاف النشاط الاستيطاني ومدى انطباق قرار مجلس الامن 242. ففي ما يتعلق بالقدس جرى الاتفاق في محادثات كامب ديفيد الاولى على ان يحتفظ كل من الطرفين الاسرائيلي والمصري بموقفه من هذه المسألة، فوجه الرئيس السادات رسالة الى الرئيس الاميركي كارتر قال فيها ان "القدس العربية جزء لا يتجزأ من الضفة الغربية وان الحقوق التاريخية والقانونية العربية في المدينة ينبغي ان تحترم وتستعاد، وان القدس العربية يجب ان تكون تحت السيادة العربية". وفي المقابل، وجه بيغن رسالة الى كارتر قال فيها "ان حكومة اسرائيل شرّعت في تموز يوليو 1967 ان القدس مدينة غير قابلة للقسمة وانها عاصمة دولة اسرائيل". وبالطبع ترك هذا الاتفاق على الاختلاف المدينة المقدسة تحت السيطرة الاسرائيلية الكاملة الى اجل غير مسمى. وجاءت اتفاقيتا اوسلو لتكرسا هذا النهج بتركهما مسألة القدس معلقة حتى محادثات الوضع النهائي. وفي محادثات كامب ديفيد الثانية جرت محاولة لفرض السيطرة الاسرائيلية الكاملة على المدينة وضعاً نهائياً ملزماً للطرفين. وعندما انهارت المحادثات كلها حول هذه المسألة بالذات، عدنا نسمع في اسرائيل والولايات المتحدة من يشير الى ان الحكمة تقتضي التوصل الى اتفاق حول باقي المسائل وترك مسألة القدس جانباً فترة مديدة اخرى! اما في ما يتعلق بإيقاف النشاط الاستيطاني خلال المحادثات الانتقالية، فقد رفضت اسرائيل ان تتضمن اتفاقات كامب ديفيد الاولى اي نص بهذا المعنى. فتم التوصل الى تفاهم على ان بيغن سيرسل رساسة الى كارتر يتعهد فيها تجميد الاستيطان. ولكن بعد توقيع الاتفاقات فشل كارتر في الحصول على هذه الرسالة على رغم انه حاول ذلك مراراً عدة! واتخذت اسرائيل الموقف نفسه في المحادثات التي افضت الى اتفاقيتي اوسلو، فجاءت هاتان خلواً من اي نص على ايقاف الاستيطان. اما المادة 31 7 من اتفاقية اوسلو الثانية التي تنص على "ان اياً من الطرفين لن يبادر الى او يقوم بخطوات تبدل وضعية الضفة الغربية وقطاع غزة بانتظار نتيجة مفاوضات الوضع النهائي" فقد خسرتها اسرائيل على انها لا تحظر النشاط الاستيطاني، بل تغير الوضع القانوني. كذلك اصرت اسرائيل في محادثات كامب ديفيد الاولى على ان نص الاتفاقات يجب ان يصاغ حيث لا يلحق ضرراً بدعوى اسرائيل ان قرار مجلس الامن 242 لا ينطبق على الضفة الغربية وغزة. ومرة اخرى كان لها ما ارادت وجرى تعديل المسودة الاميركية نزولاً عند رغبة اسرائيل. وظلت اسرائيل على موقفها هذا منذ ذلك الحين وقامت بتوكيده عشية كامب ديفيد الثانية عندما اصدر المدعي العام الاسرائيلي، الياكيم روبنشتاين "رأياً قانونياً" مفاده ان 242 لا ينطبق على الضفة وغزة لانه معني بالدول وهما لم تكونا دولة حين صدر!
فاوض... واستبق
لم تكتفِ اسرائيل بالطبع بفرض ارادتها على الاتفاقات والبروتوكولات والتفاهمات، بل، وهذا هو الاهم، قامت بفرض ارادتها عن طريق ايجاد حقائق على الارض باستمرار منذ الاحتلال عام 1967. واذا كانت الانتفاضة الاولى قد عطلت الى حد ما عملية فرض الحقائق فان "الهدنة" التي نجحت عن عملية اوسلو مكنت اسرائيل من مسارعة هذه العملية اضعافاً عدة. هكذا نجد انها منذ ايلول سبتمبر 1993 قامت من بين اشياء اخرى بما يأتي:
* اقامت 30 مستعمرة جديدة، من بينها مدن كاملة مثل كريات سيفير وتل صهيون وبنت 90 الف وحدة سكنية جديدة في القدس الشرقية والمستعمرات ككل. ومن المهم اهمية حاسمة انها قامت خلال هذه الفترة بادماج المستعمرات الصغرى بعضها ببعض وتعزيزها حيث اصبحت كتلاً استعمارية يعيش في كل منها ما يزيد على 50 الف مستعمر. وهذه الكتل تسيطر على المعابر الاستراتيجية في الضفة مما يشكل فعلاً تقطيعاً لأوصال المناطق الفلسطينية ويحول دون اتصالها الجغرافي بعضها ببعض.
* ضاعفت عدد السكان المستعمرين خلف خدود 1967 الى اكثر من 400 الف نسمة، نحو 200 الف منهم في منطقة القدس ونحو 200 الف آخرين في باقي الضفة الغربية عندما تورد المصادر الاسرائيلية عدد المستعمرين على انه نحو 180 الف نسمة، فانها تستثني عمداً المستعمرين في منطقة القدس على اساس ان هذه المنطقة قد ضمت الى اسرائيل وليست من "المناطق" والتي يجري البحث في مستقبلها!. وهناك إضافة الى ذلك نحو 6 آلاف مستعمر في قطاع غزة وهؤلاء يسيطرون على 25 في المئة من ارض القطاع بما في ذلك غالبية الساحل.
* باشرت بناء نحو 480 كيلومتراً من الطرق الرئيسية والطرق الالتفافية التي تصل المستعمرات بعضها ببعض وباسرائيل، في الوقت الذي تجزئ المناطق الفلسطينية وتحولها الى بقع صغيرة غير متصلة وتعطل حركة مرور الفلسطينيين.
* صادرت نحو 200 كيلومتر مربع من الاراضي الزراعية واراضي الرعي من اصحابها الفلسطينيين الافراد، لضمها الى المستعمرات ولانشاء الطرق، إضافة الى مساحات شاسعة من الاراضي الاميرية والمملوكة جماعياً.
* قامت باقتلاع نحو 100 شجرة زيتون وثمار بحجج متعددة تهدف في نهاية الأمر الى نزع ملكية الاراضي من اصحابها.
* هدمت اكثر من 1200 بيت فلسطيني.
* أكاديمي فلسطيني مقيم في لندن.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.