انطلاق النسخة ال9 من مؤتمر مبادرة مستقبل الاستثمار غدا    الفتح يجري تدريبات استرجاعية ويبدأ التحضير لمواجهة الرياض في كأس الملك    العروبة والدرعية في أبرز مواجهات سادس جولات دوري يلو    إعلان الفائزين بجائزة مجمع الملك سلمان العالمي للغة العربية 2025    578 ألف ريال لصقرين في الليلة 13 من مزاد نادي الصقور السعودي 2025    الاستثمارات العامة مستثمر رئيسي في صندوق البلاد إم إس سي آي المتداول للأسهم السعودية    القيادة تهنئ الرئيس الاتحادي لجمهورية النمسا بذكرى اليوم الوطني لبلاده    أبرز 3 مسببات للحوادث المرورية في القصيم    أكثر من 85 ورشة عمل تمكّن رواد الأعمال في "بيبان 2025"    "زين السعودية" تعلن نتائجها لفترة التسعة أشهر الأولى من 2025 بنمو في الأرباح بنسبة 15.8%    الصادرات غير البترولية ترتفع 5.5% في أغسطس.. والصين الشريك التجاري الأول للمملكة    الضمان الصحي يصنف مستشفى د. سليمان فقيه بجدة رائدا بنتيجة 110٪    سماء غائمة وسحب رعدية على جازان وعسير.. والضباب يخيّم على الشرقية    اليسارية كاثرين كونولي تفوز برئاسة أيرلندا بأغلبية ساحقة    إسرائيل تعتبر تدمير أنفاق غزة هدفاً استراتيجياً لتحقيق "النصر الكامل"    غدًا.. قرعة بطولة العالم للإطفاء والإنقاذ في الرياض تمهيدًا لانطلاق المنافسات الدولية    الزهراني يترأس الاجتماع الدوري الثالث لبرنامج مدينة أضم الصحية    تجمع تبوك الصحي يواصل حملة "التبكيرة خيرة" للكشف المبكر عن سرطان الثدي    "طويق" تشارك في معرض وظائف 2025 بالظهران وتفتح آفاق وظيفية جديدة للموارد البشرية    نائبة رئيس جمهورية أوغندا تصل الرياض    صدارة آرسنال في اختبار بالاس.. وسيتي ضيفاً على أستون فيلا    تنافس قوي بين كبرى الإسطبلات في ثاني أسابيع موسم سباقات الرياض    اختتام فعاليات بطولة الإنتاج المحلي لجمال الخيل العربية الأصيلة 2025    سائح يعيد حجارة سرقها من موقع أثري    «إياتا» تضع قواعد جديدة لنقل بطاريات الليثيوم    «بدي منك طلب».. رسالة لاختراق الواتساب    بحضور أمراء ومسؤولين.. آل الرضوان يحتفلون بزواج عبدالله    مسؤولون ورجال أعمال يواسون أسرة بقشان    غرم الله إلى الثالثة عشرة    الديوان الملكي: وفاة صاحبة السمو الأميرة هيفاء بنت تركي بن محمد بن سعود الكبير آل سعود    انطلاق القمة العالمية للبروبتك    100 مشروع ريادي لنهائي الكأس    ولي العهد يُعزي رئيس مجلس الوزراء الكويتي    بيع 90 مليون تذكرة سينما ب 5 مليارات ريال    الذكاء الاصطناعي يعيد الحياة لذاكرة السينما بمنتدى الأفلام    أمير منطقة حائل يرعى حفل افتتاح ملتقى دراية في نسخته الثانية    116 دقيقة متوسط زمن العمرة في ربيع الآخر    أمير الرياض يؤدي صلاة الميت على هيفاء بنت تركي    ولي العهد يُعزي هاتفياً رئيس الوزراء الكويتي    سرقة العصر أو البلاشفة الجدد في أوروبا    موجات مغناطيسية سر حرارة هالة الشمس    %90 من وكالات النكاح بلا ورق ولا حضور    شرطة الرياض: تم -في حينه- مباشرة واقعة اعتداء على قائد مركبة ومرافقه في أحد الأحياء    "الشؤون الإسلامية" تطلق برنامج "تحصين وأمان"    أسهم الذكاء الاصطناعي تواصل الصعود    خطيب المسجد الحرام: لا بد أن تُربّى الأجيال على هدايات القرآن الكريم    إمام المسجد النبوي: معرفة أسماء الله الحسنى تُنير القلوب    غياب البيانات يعيد بريق الذهب والفرنك السويسري    النوم مرآة للصحة النفسية    اكتشاف يغير فهمنا للأحلام    "تخصصي جازان" ينجح في استئصال ورم سرطاني من عنق رحم ثلاثينية    مستشفى الدكتور سليمان الحبيب بالريان ينهي معاناة مراجعين مع ارتجاع المريء المزمن بعملية منظار متقدمة    رئيس موريتانيا يزور المسجد النبوي    «هيئة العناية بالحرمين» : 116 دقيقة مدة زمن العمرة خلال شهر ربيع الثاني    أمير الرياض يؤدي صلاة الميت على هيفاء بنت تركي بن سعود الكبير آل سعود    دوائر لمكافحة «الهياط الفاسد»    نائب أمير نجران يُدشِّن الأسبوع العالمي لمكافحة العدوى    أمير منطقة تبوك يواسي أسرة القايم    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



"الكرم" الاسرائيلي ولعبة النسب المئوية . الحكم الذاتي : كامب ديفيد تكرر نفسها 1 من 2
نشر في الحياة يوم 05 - 01 - 2001

} يبدو الكلام الاسرائيلي على الاستعداد للانسحاب من 95 في المئة من الضفة الغربية وقطاع غزة مغرياً. هذه مساجلة، على حلقتين، ضد هذا التقدير.
منذ انهارت محادثات كامب ديفيد الأخيرة والدعاوة الاسرائيلية، ومعها قطاع واسع من الاعلام الغربي، تحمل الفلسطينيين مسؤولية هذا الانهيار وما لحقه من صراع دموي. فيقال ان ايهود باراك ذهب ابعد من اي زعيم اسرائيلي قبله، بل وأبعد مما يمكن أي زعيم اسرائيلي ان يذهب، فعرض على الفلسطينيين اعادة اكثر من 90 في المئة من ارض الضفة الغربية وقطاع غزة، لكن الجانب الفلسطيني قابل هذا الكرم الاسرائيلي بالجحود والرفض. ويقال ايضاً ان الصراع الحالي مؤسف بشكل خاص لأن الشقة ما بين الموقفين الاسرائيلي والفلسطيني لم تكن في يوم من الأيام أقرب لما هي اليوم. ولا يملّ رئيس الوزراء الاسرائيلي السابق ووزير التعاون الاقليمي الحالي، شيمون بيريز، من ترداد ان الخلاف يقتصر على ما نسبته 2 الى 3 في المئة من الاراضي.
من جهة اخرى، في احيان كثيرة يصور الاعلام الفلسطيني والعربي الخلاف على انه فحسب خلاف على السيادة على الحرم الشريف / المسجد الاقصى. كما بدأت بعض الاوساط الفلسطينية تبدي استعداداً للدخول في لعبة النسب المئوية. ولعل أوجز وأصرح تعبير من هذا التوجه جاء على لسان الاستاذ جهاد الخازن الحياة، 20 تشرين الثاني - نوفمبر، فهو بعد أن يخبرنا انه تحادث هاتفياً مع السيد محمود عباس ابو مازن في غزة، يمضي الى القول: "ربما كان اكبر انجاز للانتفاضة هو انها ثبتت بعض الخطوط الحمر. فمستقبل الحرم الشريف لن يكون بيدي اسرائيل... والانسحاب لن يكون من 80 في المئة او 90 في المئة من الارض، فالنسبة التي فرضتها الانتفاضة هي 95 في المئة من الارض في الضفة الغربية، وتبادل الطرفان الخمسة في المئة الباقية، فتحتفظ اسرائيل بكتلة مستوطنات في الضفة، ويحصل الفلسطينيون على ارض في مقابلها لتوسيع قطاع غزة".
ترمي هذه المقالة الى المحاججة اولاً ان الموقف الاسرائيلي يتسم بقدر كبير من التماسك الاستراتيجي وانه كان منذ احتلال الضفة والقطاع ولا يزال يثوم على استمرار السيطرة الاسرائيلية على الارض ومواردها مع منح السكان قدراً من الحكم الذاتي المحدود. وترمي ثانياً الى المحاججة ان قضية القدس اكبر واعقد من ان تختزل الى مسألة السيادة على الحرم الشريف، على اهمية هذه المسألة نظراً للمكانة الفريدة التي يحتلها الحرم في قلوب الناس ونظام قيمهم في فلسطين وفي ما عداها من الاقطار العربية والاسلامية. كما ستذهب هذه المقالة ثالثاً الى ان من الممكن لاسرائيل ان "تتخلى" للسلطة الفلسطينية عن 95 في المئة من اراضي الضفة وتظل مع ذلك مسيطرة فعلياً على الارض ومصائر سكانها. هكذا نود ببساطة القول ان القبول ببقاء الكتل الاستيطانية وآليات السيطرة الاسرائيلية الاخرى يعني في واقع الأمر القبول بمجرد الادارة الذاتية للسكان مهما كانت عظمة وفخامة التسمية التي يمكن ان تطلق على نظام الادارة هذا.
من كامب ديفيد الى كامب ديفيد
يبدو، على الأقل من منظور التجربة، أن ادراك معسكر السلام الفلسطيني والعربي وكاتب هذه السطور ينتمي اليه للعملية السلمية يقوم على قدر كبير من سوء الفهم. فقد جرى النظر الى هذه العملية والتعامل معها على أنها اما تستهدف مصالحة تاريخية او على الأقل حلاً للقضية الفلسطينية ترسى دعائمه على قسط من العدل. وحصل من قبيل التعلل بالآمال تحوير بل تحريف للمصطلحات والمدلولات، لعل أبرز تعبير عنه كان الحديث الدائب عن مفاوضات "الحل النهائي" بكل ما تعنيه كلمة "حل" من ازالة للظلامات واشباع للمطامع المشروعة، فيما كانت وثائق العملية السلمية كلها تتحدث عن "ترتيبات الوضع النهائي" بكل ما تشير اليه كلمة "ترتيبات" من تجريبية وواقعية سياسية بل الى علاقات القوى وآليات الضبط والتحكم.
اما اسرائيل من جهتها فلم تكن بصدد مصالحة، فكيف بمصالحة تاريخية، ولا حتى بصدد حل يقوم على اعتراف بالحيف التاريخي الذي لحق بالفلسطينيين ومحاولة رفع هذا الحيف جزئياً. والحق ان موقف اسرائيل كان ولا يزال يقوم على نظرة احتقارية للفلسطينيين. فهم، اي الفلسطينيون، يحترفون الهزيمة بامتياز من 1936 الى 1948 الى 1967 الى 1982 وصولاً الى حلول الوهن بالانتفاضة الاولى بحلول عام 1990. وبما ان الفلسطينيين يمتازون بقصر النظر وضيق الافق فانهم لا يتركون فرصة لاضاعة الفرص الا وانتهزوها فيأبون الاعتراف بهزائمهم المتلاحقة وانقاذ ما يمكن انقاذه من ركام وجودهم. وما العملية السلمية من وجهة النظر الاسرائيلية الا الاطار الذي سيتم من خلاله رويداً رويداً دفع الفلسطينيين، او على الاقل قيادتهم الى الاعتراف بهزيمتهم التاريخية ودفع ثمنها كاملاً. ولم يكن دهاقنة السياسة الشرق اوسطية في الخارجية الاميركية روس، انديك، كيرتزر، ميلر بعيدين عن وجهة النظر هذه، فهم يرون ان عدداً من الظروف تداعيات حرب الخليج والخلافات العربية - العربية، انهيار الاتحاد السوفاتي، ضعف منظمة التحرير الفلسطينية قد تضافر ليجعل الوقت مناسباً كي تحصل اسرائيل على المكاسب السياسية والاقتصادية التي تؤهلها لها انتصاراتها العسكرية المتلاحقة. ولم يكن غرض هؤلاء يتعدى اقناع اسرائيل بأن من مصلحتها جني هذه المكاسب قبل ان تتغير الظروف وان عليها في سبيل ذلك ان تبدي بعض المرونة التكتيكية.
الواقع ان الموقف الاسرائيلي بدعم من الولايات المتحدة بالطبع يتسم بقدر كبير من التماسك والثبات الاستراتيجيين. فمنذ احتلالها الضفة والقطاع عام 1967 واسرائيل تصر على ان مستقبل الضفة الغربية وقطاع غزة لن يقوم الا على اساس "الحكم الذاتي للسكان" مع احتفاظ اسرائيل بالسيطرة على الارض ومواردها. اما القدس فستظل العاصمة الموحدة لاسرائيل ولا سيادة لأحد غير اسرائيل على اي جزء منها.
وقد كان لاسرائيل ما أرادت في اتفاقات كامب ديفيد الاولى. فقد نصّت اتفاقية اطار السلام في الشرق الاوسط بين مصر واسرائيل التي وقعت في 17 ايلول سبتمبر 1978 على ما يأتي في ما يتعلق بالضفة الغربية وغزة:
1- ستشارك مصر واسرائيل والاردن وممثلو الشعب الفلسطيني في مفاوضات لحل المشكلة الفلسطينية في أوجهها كافة. وللتوصل الى هذا الهدف، ستمر المفاوضات بشأن الضفة الغربية وغزة بمراحل ثلاث:
أ- ... ستكون هناك ترتيبات انتقالية للضفة الغربية وغزة لمدة لا تزيد على خمس سنوات، وكي يعطى السكان حكماً ذاتياً كاملاً، ستنسحب الحكومة العسكرية الاسرائيلية وادارتها المدنية حالما ينتخب سكان هذه المناطق بحرية سلطة حكم ذاتي للحلول محل الحكومة العسكرية القائمة... وينبغي ان تأخذ هذه الترتيبات الجديدة بالاعتبار اللازم وفي آن معاً مبدأ الحكم الذاتي لسكان هذه المناطق والاهتمامات الامنية المشروعة للاطراف المعنية.
ب- ... وسيكون هناك انسحاب للقوات المسلحة الاسرائيلية واعادة انتشار للقوات الاسرائيلية الباقية الى مواقع عسكرية محددة. وستتضمن الاتفاقية ترتيبات لضمان الامن الداخلي والخارجي والنظام العام...
ج- وعندما تقام سلطة الحكم الذاتي في الضفة الغربية وغزة، ستبدأ فترة انتقالية مدتها خمس سنوات. وفي اقرب وقت ممكن لا يتعدى نهاية السنة الثالثة من المرحلة الانتقالة، ستبدأ محادثات لتقرير الوضع النهائي للضفة الغربية وغزة...
2- ستتخذ الاجراءات والخطوات الضرورية كافة لضمان امن اسرائيل وجيرانها خلال الفترة الانتقالية وما بعدها. وللمساعدة على ضمان امن كهذا، ستشكل سلطة الحكم الذاتي شرطة محلية قوية من سكان الضفة الغربية وغزة.
3- خلال الفترة الانتقالية، سيشكل ممثلون عن مصر واسرائيل والاردن وسلطة الحكم الذاتي لجنة دائمة تحدد بالاتفاق كيفيات السماح بدخول الاشخاص الذين أُجلوا عن الضفة الغربية وغزة عام 1967...
4- ستعمل مصر واسرائيل معاً ومع الاطراف المعنية الاخرى لتحديد اجراءات متفق عليها لتنفيذ حل مشكلة اللاجئين تنفيذاً سريعاً وعادلاً ودائماً.
اما "معاهدة السلام بين مصر واسرائيل" التي وقعت في 26 آذار مارس 1979 فلم تتطرق في متنها الى الضفة الغربية وغزة، لكن رسالة مشتركة ملحقة بها موجهة من مناحيم بيغن ينابة عن حكومة اسرائيل وانور السادات نيابة عن حكومة جمهورية مصر العربية الى الرئيس الاميركي جيمي كارتر أعادت التذكير باتفاقات كامب ديفيد، والزمت مصر واسرائيل الدخول في مفاوضات غرضها "اقامة سلطة ذاتية الحكم في الضفة الغربية وغزة كي يمنح الحكم الذاتي الكامل للسكان". واضافت الرسالة انه سيجري "انسحاب الحكومة العسكرية الاسرائيلية وادارتها المدنية لتحل محلها سلطة الحكم الذاتي"... وعندئذ سيتم انسحاب للقوات المسلحة الاسرائيلية وستكون اعادة انتشار للقوات الاسرائيلية المتبقية الى مواقع أمنية محددة". هل تذكرنا هذه النصوص بأمر أحدث عهداً؟ بالطبع!! انها تكاد تطابق حرفياً النصوص والترتيبات والاجراءات التي تم الاتفاق عليها في اتفاقيتي أوسلو الاولى والثانية بين اسرائيل ومنظمة التحرير: من المرحلة الانتقالية ذات السنوات الخمس، الى التعهد بالدخول في مفاوضات لتحديد الوضع النهائي في مدة لا تتعدى نهاية السنة الثالثة من المرحلة الانتقالية، الى ضرورة انشاء قوة شرطة قوية لضمان امن اسرائيل، الى اللجنة الرباعية الدائمة لبحث عودة نازحي 1967.
على ان الاهم من هذه التطابقات النصوصية والاجرائية التطابق ما بين كامب ديفيد الاولى واتفاقيتي اوسلو في العقد الاستراتيجي. فمن الواضح ان هذا العقد في الحالين كليهما لم يكن الانسحاب الاسرائيلي الكامل، بل، فحسب، انسحاب الحكومة العسكرية الاسرائيلية وادارتها المدنية، إضافة الى "انسحاب" للقوات العسكرية الاسرائيلية من المراكز السكانية واعادة انتشارها الى "مواقع امنية محددة" تضمن لها السيطرة الفعلية على الارض كلها. وفي حين ان اتفاقات كامب ديفيد حددت بوضوح ان نهاية المطاف هي "الحكم الذاتي للسكان"، فان اتفاقيتي اوسلو الزمتا السلطة الفلسطينية سلسلة من العلاقات والارتباطات والترتيبات جعلت "الحكم الذاتي للسكان" السقف الاعلى لأي تطور لهذه السلطة ضمن اطار هاتين الاتفاقيتين وما تلاهما من بروتوكولات قائمة عليهما.
ولم يكن اختيار كامب ديفيد لاجراء المحادثات "النهائية" حول ترتيبات الوضع النهائي ووضع ترتيبات لوجستية لعمليات التفاوض تشبه الى حد بعيد ترتيبات محادثات كامب ديفيد الاولى مجرد مصادفة، على ما يبدو. فقد تبين من مجمل المقترحات التي وضعت على المائدة انه كان يجري الدفع لمحادثات كامب ديفيد الثانية باتجاه تحقيق العقد الاستراتيجي لكامب ديفيد الاولى: السيطرة الاسرائيلية الفعلية على الارض ومواردها والاقتصار على منح الادارة الذاتية للسكان. وما بين اوسلو وكامب ديفيد الثانية كان تعلق الشعب الفلسطيني بحلم الاستقلال من جهة وعشق القيادة الفلسطينية لمظاهر السلطة من جهة اخرى قد أصبحا عاملين لا بد من اخذهما بالحسبان فقدمت اسرائيل والولايات المتحدة "تنازلاً" يسمح للفلسطينيين بأن يطلقوا على الادارة الذاتية المحدودة للسكان اسم "دولة" اذا ارادوا! ويتبدى ثبات اسرائيل على مواقفها ايضاً في انها، على رغم كل جولات المفاوضات والمحادثات منذ كامب ديفيد الاولى، لم تتزحزح قيد شعرة في ما يتعلق بمسائل ثلاث بالغة الاهمية، هي القدس وايقاف النشاط الاستيطاني ومدى انطباق قرار مجلس الامن 242. ففي ما يتعلق بالقدس جرى الاتفاق في محادثات كامب ديفيد الاولى على ان يحتفظ كل من الطرفين الاسرائيلي والمصري بموقفه من هذه المسألة، فوجه الرئيس السادات رسالة الى الرئيس الاميركي كارتر قال فيها ان "القدس العربية جزء لا يتجزأ من الضفة الغربية وان الحقوق التاريخية والقانونية العربية في المدينة ينبغي ان تحترم وتستعاد، وان القدس العربية يجب ان تكون تحت السيادة العربية". وفي المقابل، وجه بيغن رسالة الى كارتر قال فيها "ان حكومة اسرائيل شرّعت في تموز يوليو 1967 ان القدس مدينة غير قابلة للقسمة وانها عاصمة دولة اسرائيل". وبالطبع ترك هذا الاتفاق على الاختلاف المدينة المقدسة تحت السيطرة الاسرائيلية الكاملة الى اجل غير مسمى. وجاءت اتفاقيتا اوسلو لتكرسا هذا النهج بتركهما مسألة القدس معلقة حتى محادثات الوضع النهائي. وفي محادثات كامب ديفيد الثانية جرت محاولة لفرض السيطرة الاسرائيلية الكاملة على المدينة وضعاً نهائياً ملزماً للطرفين. وعندما انهارت المحادثات كلها حول هذه المسألة بالذات، عدنا نسمع في اسرائيل والولايات المتحدة من يشير الى ان الحكمة تقتضي التوصل الى اتفاق حول باقي المسائل وترك مسألة القدس جانباً فترة مديدة اخرى! اما في ما يتعلق بإيقاف النشاط الاستيطاني خلال المحادثات الانتقالية، فقد رفضت اسرائيل ان تتضمن اتفاقات كامب ديفيد الاولى اي نص بهذا المعنى. فتم التوصل الى تفاهم على ان بيغن سيرسل رساسة الى كارتر يتعهد فيها تجميد الاستيطان. ولكن بعد توقيع الاتفاقات فشل كارتر في الحصول على هذه الرسالة على رغم انه حاول ذلك مراراً عدة! واتخذت اسرائيل الموقف نفسه في المحادثات التي افضت الى اتفاقيتي اوسلو، فجاءت هاتان خلواً من اي نص على ايقاف الاستيطان. اما المادة 31 7 من اتفاقية اوسلو الثانية التي تنص على "ان اياً من الطرفين لن يبادر الى او يقوم بخطوات تبدل وضعية الضفة الغربية وقطاع غزة بانتظار نتيجة مفاوضات الوضع النهائي" فقد خسرتها اسرائيل على انها لا تحظر النشاط الاستيطاني، بل تغير الوضع القانوني. كذلك اصرت اسرائيل في محادثات كامب ديفيد الاولى على ان نص الاتفاقات يجب ان يصاغ حيث لا يلحق ضرراً بدعوى اسرائيل ان قرار مجلس الامن 242 لا ينطبق على الضفة الغربية وغزة. ومرة اخرى كان لها ما ارادت وجرى تعديل المسودة الاميركية نزولاً عند رغبة اسرائيل. وظلت اسرائيل على موقفها هذا منذ ذلك الحين وقامت بتوكيده عشية كامب ديفيد الثانية عندما اصدر المدعي العام الاسرائيلي، الياكيم روبنشتاين "رأياً قانونياً" مفاده ان 242 لا ينطبق على الضفة وغزة لانه معني بالدول وهما لم تكونا دولة حين صدر!
فاوض... واستبق
لم تكتفِ اسرائيل بالطبع بفرض ارادتها على الاتفاقات والبروتوكولات والتفاهمات، بل، وهذا هو الاهم، قامت بفرض ارادتها عن طريق ايجاد حقائق على الارض باستمرار منذ الاحتلال عام 1967. واذا كانت الانتفاضة الاولى قد عطلت الى حد ما عملية فرض الحقائق فان "الهدنة" التي نجحت عن عملية اوسلو مكنت اسرائيل من مسارعة هذه العملية اضعافاً عدة. هكذا نجد انها منذ ايلول سبتمبر 1993 قامت من بين اشياء اخرى بما يأتي:
* اقامت 30 مستعمرة جديدة، من بينها مدن كاملة مثل كريات سيفير وتل صهيون وبنت 90 الف وحدة سكنية جديدة في القدس الشرقية والمستعمرات ككل. ومن المهم اهمية حاسمة انها قامت خلال هذه الفترة بادماج المستعمرات الصغرى بعضها ببعض وتعزيزها حيث اصبحت كتلاً استعمارية يعيش في كل منها ما يزيد على 50 الف مستعمر. وهذه الكتل تسيطر على المعابر الاستراتيجية في الضفة مما يشكل فعلاً تقطيعاً لأوصال المناطق الفلسطينية ويحول دون اتصالها الجغرافي بعضها ببعض.
* ضاعفت عدد السكان المستعمرين خلف خدود 1967 الى اكثر من 400 الف نسمة، نحو 200 الف منهم في منطقة القدس ونحو 200 الف آخرين في باقي الضفة الغربية عندما تورد المصادر الاسرائيلية عدد المستعمرين على انه نحو 180 الف نسمة، فانها تستثني عمداً المستعمرين في منطقة القدس على اساس ان هذه المنطقة قد ضمت الى اسرائيل وليست من "المناطق" والتي يجري البحث في مستقبلها!. وهناك إضافة الى ذلك نحو 6 آلاف مستعمر في قطاع غزة وهؤلاء يسيطرون على 25 في المئة من ارض القطاع بما في ذلك غالبية الساحل.
* باشرت بناء نحو 480 كيلومتراً من الطرق الرئيسية والطرق الالتفافية التي تصل المستعمرات بعضها ببعض وباسرائيل، في الوقت الذي تجزئ المناطق الفلسطينية وتحولها الى بقع صغيرة غير متصلة وتعطل حركة مرور الفلسطينيين.
* صادرت نحو 200 كيلومتر مربع من الاراضي الزراعية واراضي الرعي من اصحابها الفلسطينيين الافراد، لضمها الى المستعمرات ولانشاء الطرق، إضافة الى مساحات شاسعة من الاراضي الاميرية والمملوكة جماعياً.
* قامت باقتلاع نحو 100 شجرة زيتون وثمار بحجج متعددة تهدف في نهاية الأمر الى نزع ملكية الاراضي من اصحابها.
* هدمت اكثر من 1200 بيت فلسطيني.
* أكاديمي فلسطيني مقيم في لندن.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.