قبل سنوات طويلة، كان المواطنون المصريون ينعمون بأرصفة يمشون عليها في شوارع القاهرة. إلا أن عوامل عدة تضامنت وتسلبهم حقهم هذا الذي اعتبروه أمراً مفروغاً منه، حتى أضحى سكان القاهرة من المشاة في حالة صراع دائم مع السيارات في محاولاتهم الحصول على مكان يمشون فيه. والسبب في ذلك أن معظم الأرصفة خضع لعمليات حفر لتركيب مواسير وكابلات من دون إعادة رصفها أو تبليطها، حتى بات المشي عليها أشبه برحلة سفاري قصيرة لا يقوى عليها إلا أصحاب اللياقة البدنية العالية والأجسام الرياضية المدربة على السير في الأماكن الوعرة. والنسبة القليلة المتبقية من الأرصفة دون حفر، تحولت إلى أسواق دائمة للباعة الجائلين أو ضمتها المقاهي والمطاعم إلى أملاكها. والنتيجة في جميع الأحوال واحدة، وهي حالة التناحر الدائمة بين المشاة والسيارات في الشوارع. وإذا كان المشي في الشارع من المشاهد المثيرة للدهشة في بعض الدول، فإن الإصرار على المشي على الرصيف يكشف في القاهرة عن شخصية سيكوباتية بحتة، لا سيما أن نسبة كبيرة من الأرصفة المتبقية لا يقل ارتفاعها عن نصف متر وهو ما يتطلب وجود مساعد أو أكثر لمساعدة "الماشي" على تسلقه. وقبل نحو عامين، ظهرت صحوة "رصيفية" مفاجئة، إذ صحا سكان القاهرة يوماً، وقد بدأت عملية رصف نشيطة لعدد من الشوارع في مصر الجديدة ووسط القاهرة. وتكللت أعمال الرصف تلك قبل أيام بسلسلة إعلانات على الصفحات الأولى من الصحف نشرها أصحاب مصانع بلاط يشكرون من خلالها المسؤولين على تشجيعهم على انتاج البلاط المستخدم في الرصف. ووقد أعلن محافظ القاهرة الدكتور عبد الرحيم شحاتة رسمياً إعادة الاعتبار إلى الأرصفة "بعدما تهالكت وأصبحت مهملة في الفترة الماضية". وقال إنه يجري حالياً تبليط الأرصفة وتوسيعها بما يتناسب وحركة المشاة، بالإضافة إلى إنارة نواصي الشوارع ليسهل على المسنين والمعاقين الصعود والنزول. كما حذر المحافظ المقاهي والمحلات التجارية من أن احتلال الارصفة أو استغلالها لعرض المنتجات سينتج عنه إنذار، ثم إغلاق المحل. وفي انتظار تطبيق القرارات الجديدة، امتلأت قلوب سكان القاهرة بالفرحة استعداداً لاستعادة الأرصفة التي كادت تتحول إلى قطع أثرية تحمل عبق التاريخ.