طغت "القنبلة" التي فجرتها صحيفة "لوموند" الفرنسية، عبر نشرها شهادة تتهم الرئيس الفرنسي جاك شيراك بأنه المحور الرئيسي لعمليات التمويل غير المنظورة لحزب "التجمع من أجل الجمهورية" الديغولي الذي يتزعمه، على الحد الأدنى من الاكتراث الذي يوليه الفرنسيون للاستفتاء المقرر غداً الأحد حول خفض مدة الولاية الرئاسية من 7 الى 5 سنوات. فمنذ الاعلان عنه في الربيع الماضي، لم يبد الفرنسيون اي حماس ازاء هذا الاستفتاء، ولم يعتبروا انهم مدعويون للإدلاء برأيهم حول قضية دستورية جوهرية، فكيف اذا سبقته قضية تنطوي على مجموعة من عناصر التشويق، وتبرر من حيث مضمونها رتبهم المتزايدة حيال الطبقة السياسية الفرنسية؟ فالشهادة التي نشرتها الصحيفة هي عبارة عن افادات مسجلة على شريط فيديو قبل 4 سنوات، لأحد المسؤولين عن التمويل غير المنظور لحزب التجمع بين عامي 1985و1990، وهذا المسؤول هو جان - كلود ميري الذي توفي السنة الماضية. وأكد ميري الذي تعرض لملاحقات قضائية متعددة، أدت احداها الى سجنه خمسة اشهر بتهمة سوء استخدام اموال عامة، ان الأموال التي تولى جمعها كانت تذهب الى صندوق حزب "التجمع" وان شيراك لم يجن أي استفادة شخصية منها، ولكنه لم يكن يتصرف إلا بناء لأوامر منه، اثناء توليه رئاسة بلدية باريس. وذكر ان الأحزاب الفرنسية الأخرى لم تكن متضررة من نظام التمويل السري هذا، اذ ان الحزب الاشتراكي والحزب الشيوعي وسواهما من الأحزاب، كانوا يحصلون على حصصهم من هذا التمويل، عبر عقود التلزيم المختلفة للأشغال العامة. وقال انه في احدى المرات سلم مدير مكتب شيراك في بلدية باريس ميشال روسان مبلغ 5 مليون فرنك فرنسي، كما تسلم الأمين العام للحزب الاشتراكي في حينه ليونيل جوسبان 5.3 مليون فرنك. وأكد ميري في شهادته ان لديه وثائق وأدلة موضوعة في مكان أمين، وبامكان العدالة تسلمها والتحقق منها، وانه امتنع خلال الملاحقات القضائية التي تعرض لها عن الزج باسم شيراك، لأنه طلب منه عدم القيام بذلك وقيل له "نرجوك ان فوز شيراك بالرئاسة سنة 1995 رهن بصحتك". وفيما وضع القضاء الفرنسي يده على الشريط، علق شيراك على مضمونه، بالقول إن هناك حدوداً للكذب والافتراء. وأضاف في حديث ادلى به الى القناة الثالثة للتلفزيون الفرنسي: "بالأمس ترددت اشاعات حول اصابتي بمرض خطير، مع تلميحات لعدم قدرتي على الاستمرار في تولي منصبي، واليوم يأتون بشهادة شخص توفي منذ عام، ليتكلم عن أمور مثيرة للاستغراب حصلت قبل 14 عاماً". وأضاف ان المزاعم التي وردت في شهادة ميري "مشينة وكاذبة ومضللة"، داعياً الى تولي القضاء أمر التحقق من الظروف التي سجل فيها الشريط ومن دوافع اخفائه عنه حتى الان. وعلى رغم ان نشر مضمون الشهادة لا ينطوي على أي تأكيد مباشر على شيراك الذي يحظى بحصانة نتيجة موقعه الرئاسي، فإنه اثار تساؤلات عدة حول توقيت نشره وحول النيات الكامنة وراء مثل هذه الخطوة، والتي اقتضت استنهاض شخص ميت وزجه في مناورة سياسية تستهدف رئيس الجمهورية. وتراوحت ردود الفعل على هذه الخطوة في الوسط السياسي بين التعبير عن الشعور بالقرف والاشمئزاز في صف اليمين الفرنسي وبين ابراز خطورة ما ورد في شهادة ميري، في صف اليسار الفرنسي. ومن المرتقب ان تساهم هذه القضية المستجدة، في رفع نسبة الممتنعين عن التصويت في استفتاء الغد، لكنها تشكل في الوقت نفسه نوعاً من الافتتاح المبكر لحملة الانتخابات الرئاسية المقررة في 2002، وتعطي صورة مسبقة عن انماط الضربات التي سيجري تبادلها في اطارها.