للمرة الأولى يتجرأ يهودي متدين، بل زعيم روحي لخمس الاسرائيليين، اذا اعتمد عدد نواب حزبه في الكنيست، وينال من اليهود الذين اجهزت عليهم النازية في الحرب العالمية الثانية. فالحاخام عوفاديا يوسف، الزعيم الروحي لحركة "شاس" وهي التعبير الديني - السياسي لليهود الشرقيين في اسرائيل، اعتبر في حديث ديني نقلته محطات التلفزيون وكذلك شبكة الاذاعات التابعة ل"شاس" في بث مباشر لآلاف الاسرائيليين ان "الستة ملايين يهودي الذين قتلهم النازيون، في شكل وحشي وبربري"، هم قرابين قضوا تكفيراً عن خطايا أجيال من اليهود. ورأى ان "الضحايا هم استنساخ لأرواح يهود خاطئين، واختارهم الرب ليموتوا في سبيل خلاص شعب اسرائيل". وأثار الحاخام عاصفة في اسرائيل، في وقت بات بيضة القبان في تشكيل أي حكومة، وهو تميز بقدرته على الخطابة والاقناع خصوصاً لدى جمهور الشرقيين المحافظ، وجرأته في اقحامهم في الساحة السياسية وفرض شروطه على الحكومات التي ائتلف معها. ويعكس حديثه عن "مأساة اليهود" في أوروبا نقلة في الموقف الداخلي إزاء ما يعرف ب"الكارثة والبطولة" تعبيراً عن ضحايا المحرقة النازية، وتتمثل هذه النقلة في الإيحاء بأن الضحايا لا يخصون اليهود الغربيين وحدهم بل جميع اليهود، وبالتالي ليس من حق الغربيين الاستمرار في قيادة الدولة باستثمار "الكارثة". كما أوحى ايضاً بأن الشرقيين كانوا معرضين للمعاناة. وما أثار "العاصفة" ان قول الحاخام عوفاديا ان "الضحايا قضوا تكفيراً عن خطايا جميع اليهود" يوجد نوعاً من التبرير الأخلاقي لما ارتكبته النازية، بحسب تعبير ايهود باراك رئيس الوزراء الذي بدأ الجلسة الأسبوعية لحكومته امس بهذه القضية. ورأى باراك ان أقوال الزعيم الروحي ل"شاس" تسيئ الى الضحايا وأسرهم و"لا تليق بحاخام كبير" تنادي الحركة التي يتزعمها بالوحدة بين جميع الاسرائيليين. لكن النقد الأكبر جاء من زعيم حركة "ميرتس" اليسارية، الذي رأى ان ما أقدم عليه الحاخام يتحمل مسؤوليته حزبا ليكود والعمل اللذان "رفعوا من شأنه عوفاديا فصدق انه كبير فذهب الى هذا الحد من الهرطقة والتفسيرات المتخلفة". ونبه الحاخام الأكبر لليهود الغربيين، اسرائيل لاو الى ان "التجرؤ على ضحايا النازية اليهود كالتجرؤ على أقدس المقدسات". ويعتبر لاو من الناجين من "المحرقة" وهو فقد اسرته فيها. واللافت كان رد اليمين الاسرائيلي خصوصاً الرئيس الجديد للدولة، موشيه كتساف، الذي استبق كما فعل ارييل شارون، التعقيب بتبريرات لما صدر عن الزعيم الروحي ل"شاس"، وقال انه واثق من ان الأخير لم يرد "ان يمس بالسوء ضحايا الكارثة، وقلبه نابض بالألم لمصيرهم". أما شارون زعيم ليكود فذكر ان الحاخام عوفاديا يتمتع ب"منزلة كبيرة، ولم يكن يقصد الإساءة الى الضحايا بأقواله التي تدعو للأسف". ولعل تبريرات شارون انطلقت من ادراكه الدور الذي لعبه الحاخام في انجاح مرشح ليكود لمنصب الرئاسة، والحاجة الى أصوات "شاس" في التصويت المقبل على اجراء الانتخابات العامة المبكرة واسقاط حكومة باراك. وجاءت الحملة الأعنف على أقوال الزعيم الروحي ل"شاس" على لسان تومي لابيد رئيس حزب "شينوي" العلماني الذي اعتبرها "دنيئة ستثير فرح النازيين في العالم". واشار الى ان "الأمر يتعلق إما بهذيان عجوز مصاب بالخرف ويجب بالتالي اخفاؤه لتجنب تسببه في مزيد من الأضرار للشعب اليهودي، وإما برأي مجموعة كاملة، وهذا مثير لليأس". وتلت تصريحات الحاخام عوفاديا نقاشات حادة امس عبر الاذاعة الحكومية واذاعة الجيش اللتين خصصتا قسماً من برامجهما الشعبية لهذه المسألة.