تعرف العلاقات الجزائرية - الليبية منذ أشهر انتعاشاً بعد توافق الرئيس عبدالعزيز بوتفليقة والزعيم الليبي العقيد معمر القذافي على عدد من الملفات التي كانت الجزائر وطرابلس تتماشيان الخوض فيها. واللافت ان الجزائر تحاول انعاش علاقاتها مع دول الجوار عبر معالجة الملفات الأمنية العالقة منذ سنوات. فقد استقبل الرئيس بوتفليقة، الخميس الماضي، أحمد أحمد عبدالله عون رئيس أركان الأسلحة الثقيلة والوسائل التقنية في ليبيا في حضور اللواء محمد غنيم الأمين العام للإدارة في وزارة الدفاع الجزائرية. وجاء الاستقبال بعد يومين فقط من المحادثات التي أجراها رئيس الأركان الجزائري الفريق محمد العماري مع وفد عسكري ليبي برئاسة العميد أحمد عون. وقالت مصادر رسمية في الجزائر إن المسؤول الليبي سلم العماري رسالة خطية من اللواء أبو بكر يونس جابر أمين وزير اللجنة الشعبية العامة للدفاع. ولم تكشف المصادر مضمون الرسالة. غير ان بعض المراقبين رجح أن تكون متعلقة بمساعي بوتفليقة لإعادة تأسيس العلاقات الثنائية "وفق أسس أكثر واقعية" مع دول الجوار، مثلما صرح بذلك الرئيس الجزائري خلال حملاته الانتخابية استعداداً للاستفتاء على قانون الوئام في أيلول سبتمبر الماضي. وهو كان دعا وقتها إلى تفادي بناء علاقات ثنائية على "أسس عاطفية محدودة". ويرجح عدد من المراقبين ان يترك تطور العلاقات بين الجزائر والحلف الأطلسي بعد تخلي الأولى عن حليفها التقليدي المعسكر الشرقي أثراً واضحاً على ليبيا نظراً إلى العلاقات التاريخية للبلدين مع المعسكر الشرقي، خصوصاً في مجال التسلح والصناعة العسكرية. ولا يستبعد بعض المراقبين ان توقع الجزائر وليبيا ميثاق تعاون عسكري يشمل بيع بعض المعدات الحربية التي تُنتج في الجزائر. وكان واضحاً تزامن زيارة الوفد العسكري الليبي مع بداية تحركات الجيش الجزائري مع دول الجوار. فقد استقبلت الحكومة الجزائرية قبل أسبوعين السيد محمد جغام وزير الدفاع التونسي، وأوفدت بعثة عسكرية رفيعة برئاسة الفريق العماري إلى تونس لدراسة عدد من الملفات الأمنية التي تعيق تعزيز العلاقات بين البلدين، تحضيراً لاجتماعات اللجنة العليا المشتركة بين البلدين والتي يتوقع أن تنعقد قريباً. كما تم قبل ذلك ترتيب العلاقات الأمنية بين الجزائر ودول الساحل الافريقي والتي تضم موريتانيا ومالي والنيجر، خلال اجتماع وزراء داخلية هذه الدول في الجزائر قبل شهرين. واللافت ان العلاقات الجزائرية - الليبية مرت بمراحل عدة منذ وقف المسار الانتخابي في كانون الثاني يناير 1992، إذ اشتكت السلطات الجزائرية في كثير من الأحيان من التصريحات التي كان يدلي بها العقيد القذافي ووصفتها ب"التدخل غير المقبول في الشؤون الداخلية". كما استنكرت في العديد من المرات الطرد "التعسفي" لبعض الجزائريين وتجريدهم من ممتلكاتهم مثلما حدث سنة 1994 لجزائريين أبعدوا من ليبيا، فضلاً عن "عدم تعاون ليبيا مع الجزائر" في مجال مكافحة الجماعات المسلحة. وأمام المخاطر التي ظلت تهدد الحكومة الجزائرية على الجبهة الشرقية بفعل انتشار شبكات تهريب الأسلحة وبيعها في الجنوب، خصوصاً في ولاية الوادي 600 كلم جنوب شرقي العاصمة القريبة من الحدود الجزائرية - الليبية، سارعت السلطات الجزائرية إلى عقد قمة بين مسؤولي البلدين في خريف 1995. ولم يتردد وقتها الرئيس اليمين زروال، بحسب بعض المصادر، في وضع العقيد القذافي في صورة "المخاطر" التي تعرفها الجزائر على حدودها مع ليبيا، وهو أمر أثر على جهودها في تطويق نشاط الجماعات الإسلامية المسلحة. .