ليس من احد في بريطانيا لا يفخر بالنصر الساحق الذي حققه الفيلد مارشال مونتغمري على غريمه رومل خلال الحرب العالمية الثانية في اكبر معركة للدبابات عرفها التاريخ. وليس من احد في اوروبا كلها، بل وفي العالم بأسره لا يعرف ان معركة العلمين 100 كلم غربي الاسكندرية هي بين العلامات الفارقة والمنعطفات الحاسمة التي قادت الى انكسار المانيا ودول المحور فعجّلت بانتهاء الحرب العالمية الثانية جنباً الى جنب مع انتصار "الجنرال شتاء" على جيوش هتلر في روسيا وغزو النورماندي ومن ثم القاء القنبلة الذرية على كل من هيروشيما ونغازاكي. ولكن… ليس من احد من اولئك الجنرالات الذين يفخرون هنا وهناك بانتصاراتهم او حتى بهزائمهم، ليس منهم من يذكر، ولو على استحياء، انه خلّف في صحراء مصر الغربية، وتحديداً في باطنها، جريمة انسانية لا تُغتفر وعدواناً بشعاً اصابت اضراره اجيال الشعب المصري في الماضي وما زالت في الحاضر وستظل في المستقبل وحتى ازالة آثار تلك الجريمة وذلك العدوان. وحتى نكون اكثر تحديداً للجريمة النكراء، فنقول ان جيوش كل من الحلفاء والمحور زرعوا في باطن صحراء مصر الغربية اكثر من 23 مليوناً من الألغام الارضية المضادة للدبابات والدروع والأفراد… الخ. وبعد ان وضعت الحرب اوزارها ورحلت كلّ من الجيوش المنتصرة مزهوة بانتصارها والمنهزمة تجرّ اذيال خيبتها، نسى الجميع - او تناسى - الجنين غير الشرعي الذي تشاركوا في زرعه ظلماً وعدواناً في رحم صحراء مصر المحروسة رغماً عنها غصباً واغتصاباً وتركوها تتلوى من آلام تعمل في احشائها بينما الغاصب والمغتصب لا يأبه لجريمته التي ارتكبها في وضح النهار وعلى مسمع ومرأى من الجميع وعلى رؤوس الاشهاد في الدنيا بأسرها. ان الاضرار التي لحقت بمصر من جراء حرب لم تكن طرفاً فيها بل لا ناقة لها فيها ولا جمل، تلك الاضرار تعزّ عن الحصر، فكم من ارواح أُزهقت وكم من نفوس بريئة طالها الغدر. اما عن الخسائر التي لحقت باقتصاد مصر فهي تفوق التصور ذلك ان مصر حُرمت من استغلال تلك القطعة الغالية من ارضها حوالى خُمس مساحة مصر وهي ارض كانت في قديم الزمان سلّة الغلال لحضارات سابقة، بل ان مشروع منخفض القطّارة الشهير، وبعد الانتهاء من دراسات الجدوى وثبوت جدواه ولاحت الفرصة لتنفيذه بمعرفة "كونسورتيوم" الماني في السبعينات. تمّ، ولدهشة الجميع، سحب عرض الكونسورتيوم الذي واجهته عقبة تتمثل في خطورة وتكلفة الاقدام على تطهير منطقة المشروع من الالغام ما جعل المشروع يبدو غير مجد اقتصادياً… ويا للعجب فاحدى الدول الرئيسية الضالعة في الجريمة تتنصل من جريمتها، فتحرم مصر من احد اهم مشارعيها التي كان يُنتظر منه ان يساهم جوهرياً في رفع مصر الى مصاف الدول التي تكفي ذاتياً من احتياجاتها ويقضي نهائياً على مشكلة البطالة التي تعاني منها مصر، ويحيل المنطقة الى مقصد سياحي مهم يعتاش فيه وعليه ملايين المصريين. اما عن الطرف الرئيسي الآخر في ارتكاب الجريمة، فمن باب ذر الرماد في العيون "تبّرعت" بريطانيا للحكومة المصرية مبلغ نصف مليون جنيه وزوّدتها ببعض الخرائط القديمة عن اماكن الالغام التي زرعتها في صحراء مصر الغربية مفترضين - على غير الواقع - ان الالغام باقية في اماكن زرعها وان حركة الرمال، والسيول في بعض الاحيان، لم تحركها… هكذا… الذين استحوا ماتوا. اما عن دولة المحور الرئيسية الاخرى، ايطاليا، التي شاركت في الجريمة فلا حس ولا خبر. ان الدول الضالعة في الجريمة الشنعاء هي من اغنى دول العالم واقتصاداتها من اكثرها قوة ورواجاً فجميعها اعضاء في نادي السبعة الكبار الاكثر غناً ولا حُجّة لهم في الاعسار او ضيق ذات اليد، بالتالي فان تقاعسها عن ازالة آثار جريمتها وعودانها فيه خرق لكل معاني حقوق الانسان في استغلال ثروة بلاده وان يعمل ويكسب قوت يومه بشرف، وحقه في ان يسير على ارض وطنه آمناً ومطمئناً دون تهديد بأن يتحول جسده الى اشلاء بفعل فاعل، فعلها واختفى. اين القوة العظمى الوحيدة في العالم التي تُهلّل للعولمة ليل نهار… بكرة واصيلاً؟ والتي تُنصّب نفسها خصماً وحكماً فتُصنف خارجيتها دول العالم بين موالٍ مرضٍ عنه فلا حساب وبين مناوئ فتقيم عليه الحد واي حد! ام ان العولمة من وجهة نظرهم هي ان يعتلي القويّ اكتاف الضعيف ويُملي الكبير على الصغير اوامره ونواهيه في استعلاء واستكبار، فان رضخ ذليلاً فهو "ابن الست" وان أبى فهو "إبن الجارية"؟ اخيراً وبعد جهد مشكور وحسٍ وطني رفيع من احد رجال مصر الأبرار الدكتور عُمر الحديدي بدأت تتحرك الاممالمتحدة فأرسلت لجنة منذ شهر شباط فبراير الماضي برئاسة منسق الاممالمتحدة في مصر ادموند كين لتقصي الحقائق ودراسة الموضوع. والآن… انني لست خبيراً في القانون الدولي… ولكني على يقين من شمول مواده على ما يُلزم جيوش الاحتلال بإزالة آثار عدوانها وتعويض اصحاب الارض التي احتلتها عن الاضرار التي لحقت بهم.