أصدرت القيادة القطرية لحزب "البعث" الحاكم قبل أيام قراراً بالسماح لأحزاب "الجبهة الوطنية التقدمية" بإصدار صحف علنية ناطقة باسمها، في وقت انتهت لجنة حكومية من اعداد مشروع لقانون مطبوعات جديد يحل بدل السابق الذي يعود الى أيام الانقلاب الثاني لسامي حناوي في العام 1949. وضع قرار القيادة القطرية لحزب "البعث" الحاكم الأحزاب السبعة المنضوية تحت لواء "الجبهة الوطنية التقدمية" أمام تحديات كبيرة، بالسماح لهذه الأحزاب بنقل عملها السياسي الى العلن والشرعنة صحافياً وعقائدياً. ويرجع أساس هذه "التحديات" الى مطلع السبعينات عندما شكل البعث هذا الائتلاف الرسمي من الأحزاب السياسية الموجودة على الساحة خصوصاً من التيارات الناصرية والشيوعية والقومية، وأعلن ذلك في ميثاق "الجبهة" في العام 1972. وتم تشكيل لجنة من البعث وبعض هذه الأحزاب بهدف البحث في أمور بينها: الصحف ومكاتب الأحزاب. وقال رئيس الحزب الشيوعي يوسف فيصل: ان ممثل البعث اقترح ان تقيم هذه الأحزاب في مبنى واحد مخصص لجميع الأحزاب "لكنني اعترضت على ذلك وطلبت أن يكون لكل حزب بناؤه الخاص"، ومع مرور الأيام كان الحزب الشيوعي الوحيد الذي انفصل بمكاتبه عن مبنى "الجبهة" وسط دمشق. أما بالنسبة الى موضوع الصحف، فإن ميثاق "الجبهة" تضمن اصدار صحيفة واحدة باسم الائتلاف السياسي، لكن ذلك لم يحصل وانما حافظ "الشيوعي" بجناحي خالد بكداش وفيصل الذي انشق في العام 1986، على دورية "نضال الشعب"، بينما كانت صحف الأحزاب الأخرى إما "صحف مناسبات" أو "صحف غير منتظمة". وكان على هذه الأحزاب ان تحصل على موافقة "أمين سر الجبهة" على صحفها قبل طبعها في مطابع خاصة من دون توزيعها في شكل علني أو بيعها في محلات بيع الجرائد. وقال رئيس حزب الاتحاد الاشتراكي صفوان قدسي: ان صحيفة حزبه "الاشتراكي العربي" كانت تصدر "تقريباً في شكل شهري" وانها تراوحت بين 8 و12 صفحة، و"صدرت ذات مرة في 48 صفحة"، بينما تفيد المعلومات الأخرى ان صحيفة "الوحدوي الاشتراكي" الناطقة باسم "حزب الوحدويين الاشتراكيين" لفائز اسماعيل كانت تصدر "في شكل متقطع". وفي اطار ما يعرف ب"صحف المناسبات"، تصدر صحيفة "العربي الاشتراكي" الناطقة باسم حركة الاشتراكيين العرب بجناحي عبدالغني قنوت وغسان عثمان، "كل شهرين أو ثلاثة". ويصدر السيد احمد الأسعد "الوحدوي الديموقراطي" الناطقة باسم حزبه الحزب الوحدوي الاشتراكي في شكل "غير منتظم وربما كل ستة أشهر مرة". وبقي الأمر كذلك الى حين صدور قرار قبل أسابيع بالسماح بمكاتب وصحف علنية، ما طرح امام الأحزاب السبعة ثلاثة تحديات: سياسية - عقائدية، اجرائية - قانونية، ومهنية. تحديات ايديولوجية: سرت في السنوات الماضية شعبياً وسياسياً نكتة مفادها ان كل حزب من الأحزاب علق على واجهة مكتبه لوحة تقول: "مكتب حزب... لصاحبه حزب البعث". ونُقل عن قادة أحد الاحزاب قوله: "عندي خمسون عضو يعني عند خمسون مشكلة يجب ان احلها، وليس عندي الآن وقت لحل مشكلات أكثر". واذا كانت هاتان "القصتان" استهدفتا الإشارة الى رغبة الأحزاب في تجنب "المشكلات"، فإنهما تدلان في جوهرهما الى عدم وجود حدود واضحة بين المواقف السياسية لهذه الأحزاب والخطاب السياسي المقدم الى الجمهور. واذا كان ذلك "مقبولاً" في ظروف العمل السابقة، فإن الأحزاب ستواجه مشكلة تجديد خطابها بما يتناسب مع الظروف الراهنة والتطورات الحاصلة داخلياً واقليمياً وخارجياً، في وقت انحسر في كل مكان دور الاحزاب السياسية بسبب ثورة الاتصالات والفضائيات. ولعل وجود ثلاثة تيارات فقط لستة احزاب هي: الناصري، والشيوعي، والقومي، لم يطرح مشكلة صعوبة التمييز بين أسماء الأحزاب وحفظ اسمائها المتشابهة فحسب، بل انه طرح تساؤلات حول الفارق السياسي بين احدهما والآخر الى حد يتجاوز الانتماء الجغرافي والعائلي والمناطق. وكان الرئيس بشار الأسد عقد في مطلع آب اغسطس اجتماعاً صريحاً مع قادة الأحزاب للبحث في كيفية "تفعيل العمل السياسي"، انتهى الى اقرار توجه رسمي يستهدف تطوير عمل هذه الأحزاب المرخصة في مرحلة أولى قبل صدور قانون احزاب أو السماح بدخول احزاب جديدة الى "الجبهة". وأدت المناقشات الى الاتفاق على "الية جديدة للعمل" بصرف النظر عن الطرف المسؤول عما حصل في السنوات السابقة، علماً ان كون البعث هو الحزب الحاكم و"قائد الدولة والمجتمع"، لا يسمح لأي حزب النشاط في قطاعات الجيش والأمن والطلاب. وكان ذلك المبرر القانوني لاعتقال مئات من أعضاء "حزب التحرير الاسلامي" قبل سنة واعادة اطلاقهم قبل أسابيع. وكان الراحل جمال الاتاسي زعيم الاتحاد الاشتراكي العربي الديموقراطي انسحب من "الجبهة الوطنية" وأسس "التجمع الوطني الديموقراطي" في العام 1979، ك"ائتلاف معارض" ضم "حزب العمال الثوري" الذي كان يرأسه الراحل حمدي عبدالمجيد و"حركة الاشتراكيين العرب" بزعامة عبدالغني عياش و"حزب البعث العربي الاشتراكي الديموقراطي" لإبراهيم ماخوس. ونتيجة لأسباب ذاتية تخص الأحزاب وأخرى موضوعية، كان دور أحزاب "الجبهة" محدوداً في العمل السياسي العام، وتراوح عدد أعضاء كل حزب بين 300 عضو و10 آلاف عضو. وهناك اجماع على ان جناحي الحزب الشيوعي الأكثر نشاطاً وفاعلية، اذ انهما حافظا على حضور في الأوساط الشعبية على رغم الصعوبات التي واجهتهما نتيجة انهيار الكتلة الشرقية. وقال زعيم الحزب الشيوعي ان السنوات العشر الماضية شهدت "تركيزاً في خطابنا" على ثلاثة محاور مفادها ان "الذي سقط هو تجربة وليس الاشتراكية، وان حزبنا مسؤول أمام شعبه ووطنه اللذين يعتبران مرجعيته الأساسي، حزبنا مسؤول: هو ليس معارضاً ولا يتبنى جميع المواقف السياسي للنظام". وبذلك اختلف هذا الحزب عن احزاب اخرى لم تكن مواقفها السياسية سوى متطابقة للموقف الرسمي في تفاصيله، وعن احزاب اعتمدت في شكل أساسي على "سمعة وتاريخ مؤسس الحزب وسجله النضالي". البعد القانوني: لا يتعدى قرار "قطرية البعث" اعطاء الغطاء السياسي لإصدار الأحزاب صحفاً ناطقة باسمها، لكن تطبيق هذا القرار في حاجة الى أساس قانوني اذ ان قانون المطبوعات الحالي الذي يعود الى العام 1949 لم ينص على السماح لهذه بإصدار صحف في اعتبار ان صدور القانون يسبق تأسيس "الجبهة". لذلك تم تشكيل لجنة وزارية برئاسة نائب رئيس الوزراء محمد ناجي عطري لتعديل القانون وفق المتقضيات الحالية، انتهت الى صوغ مشروع أولي سمح لمجلس الوزراء "منح تراخيص اصدار صحف للاشخاص والهيئات الاعتبارية والى الأحزاب السياسية المرخصة". وتضمن ان يكون الامتياز باسم الحزب وليس أي شخص حيث يتم الغاؤه في حال حظر الحزب. وفي حال اقرار القانون من قبل الرئيس الأسد سيكون الثاني في تاريخ سورية الحديث. وهو أعفى الأحزاب من وضع ضمانة الزم بها الافراد وقدرها ألفا دولار أميركي. كما انه اعفاها من موافقة "أمين سر الجبهة" واستبدلها بارسال نسخ من الصحيفة الى "النيابة العامة والجهة الادارية" أي وزارة الاعلام. الجانب الإجرائي: على رغم قطع البعث وعوداً بتقديم "تسهيلات كبيرة" للأحزاب كي تصدر صحفها، فإن ذلك حمل كثيراً من الأسئلة الأمر الذي تطلب لقاء بين قادة الاحزاب ونائب الرئيس الدكتور محمد زهير مشارقة في الأسبوع الماضي. وتناولت التساؤلات: مكان الطبع، دورية الجريدة، العلاقة مع "المؤسسة العامة لتوزيع المطبوعات" الحكومية، سعر المبيع، الموازنة. ويثير الواقع الراهن الى ان اكثر الصحف توزيعاً كانت "نضال الشعب" اذ وصل عدد نسخها الى عشرة آلاف، على رغم قيام اعضاء الحزب بجناحيه ب"تسليمها باليد على الاصدقاء والأعضاء"، وكانت كلفة كل عدد تتراوح بين الف والفي دولار أميركي علماً ان المقالات المنشورة غير مدفوعة وكانت تطبع في مطبعة خاصة. وأعلن جناح وصال فرحة بكداش أن جريدته ستكون "صوت الشعب" بدلاً من "نضال الشعب"، بينما اختار جناح فيصل "النور" الاسم التاريخي للصحيفة الناطقة باسم الحزب الشيوعي السوري. وحلت "نضال الشعب"، وهي الجريدة السرية منذ تأسيسه العام 1935، منذ تأميم الصحف في ايام الوحدة السورية - المصرية العام 1958 بدلاً من "النور" التي كانت ناطقة باسم الحزب الشيوعي منذ العام 1954. وحصل قادة الاحزاب على السماح بالطبع في مطابع الحكومة، لكن بعضهم "ينوي الطبع في مطابع خاصة اذا كان ذلك أرخص"، علماً ان تقديرات معظم الأحزاب تدل الى ان كلفة صدور صحيفة اسبوعية لمدة ستكون نحو 200 الف دولار اميركي، وان احد قادة الأحزاب يعتقد ان "الكلفة هي ضعف هذا المبلغ اذا اردنا اصدار صحف تنافس الصحف الحكومية الثلاث الثورة، البعث، تشرين والا ليس هناك داع لوجود صحفنا"، علماً ان تقديرات معظم الأحزاب تدل الى أن كلفة صدور صحيفة اسبوعية لمدة ستكون نحو 200 الف دولار أميركي، وأن أحد قادة الأحزاب يعتقد ان "الكلفة هي ضعف هذا المبلغ اذا اردنا اصدار صحف تنافس الصحف الحكومية الثلاث الثورة، البعث، تشرين والا ليس هناك داع لوجود صحفنا"، علماً ان الميل المؤكد عند جناحي الشيوعي وهو الى جريدة اسبوعية بعشرين الف نسخة و"ربما" بالقياس العادي ل"تقديم موقف وليس خبراً"، فيما تنوي الأحزاب الأخرى اصدار نصف شهرية أو شهرية بقياس نصفي. ومن "التحديات" الأخرى، التي تواجهها الأحزاب - الصحف هو وجود الكادر الصحافي المؤهل والخبير نظراً الى صعوبة ذلك نتيجة ظروف البلد الصحافية وشروط عمل الأحزاب السابقة وعدم قدرتها الراهنة على تقديم مكافآت مالية. وتساءل زعيم احد الأحزاب: "كيف يمكن لي ان انافس صحيفة حكومية تضم اكثر من الفي شخص من صحافيين وادرايين". يذكر ان بلاغاً صدر بعد وصول البعث الى الحكم في 8 آذار مارس العام 1963، أوقف "جميع الصحف وختم اماكن طبعها، باستثناء ثلاث صحف هي "البعث" الناطقة باسم الحزب الحاكم و"الوحدة العربية" وبردى"، تلاها مرسومان لإحداث "مؤسسة الوحدة للطباعة والنشر" التي تصدر حالياً "الثورة" الحكومية منذ العام 1963، واصدار "تشرين" في مطلع السبعينات، وبقيت "الثورة" و"البعث" و"تشرين" الصحف القومية الرسمية الوحيدة في البلاد.