أمير تبوك يواسي في وفاة الشيخ أحمد الخريصي    نائب أمير الشرقية يهنئ مدير تعليم الأحساء    الذهب والفضة يسجلان مستويات قياسية جديدة.. والأسهم تحقق مكاسب متباينة    أمير الباحة يطلع على مستجدات مشروعات المياه    موجز    رعى «جائزة مدن للتميز»..الخريف: الصناعة السعودية ترتكز على الابتكار والاستثمارات النوعية    جمع 31 نوعاً من النباتات البرية المحلية.. السعودية تسجل رقماً قياساً في «غينيس» ب «مخزون البذور»    كاتس: إسرائيل «لن تنسحب من غزة»    مصرع رئيس أركان الجيش الليبي في تحطم طائرة قرب أنقرة    روسيا تشن هجوماً جوياً على كييف    حالة تأهب قصوى في غرب البلاد.. هجوم جوي روسي يقطع كهرباء كييف    المملكة ترحب وتثمن جهود مسقط.. اتفاق تبادل 2900 أسير بين الحكومة اليمنية والحوثيين    الإدارة الذاتية: استمرار التوتر تهديد لاتفاق الشرع وعبدي.. ارتفاع قتلى قصف «قسد» في حلب    سلطان عُمان يستعرض مع ابن فرحان المستجدات الإقليمية والدولية    النصر يواجه الزوراء بحثاً عن «العلامة الكاملة»    جدة تستضيف نهائيات «نخبة» آسيا    الجولة 13 بدوري يلو.. الأنوار يستقبل الباطن والبكيرية يواجه العربي    سلطان عُمان يستقبل سمو وزير الخارجية    النجوم أكثر لمعانًا في الشتاء    مجلس الوزراء يرحب بالقرار الأميركي إلغاء العقوبات المفروضة على سورية    اليوسف يتفقد محكمة التنفيذ الإدارية بالرياض    مجلس الوزراء برئاسة خادم الحرمين: الموافقة على قواعد ومعايير أسماء المرافق العامة    جامعة نورة تُنظِّم ملتقى «تعليم اللُّغة العربية» في الذكاء الاصطناعي    «الخوص والسعفيات».. تعزز ملامح الهوية المحلية    مشروعات «الشمالية» في جناح «واحة الأمن»    بسمة تنضم إلى الجزء الثاني من «النص»    جدة تحتضن أكبر عروض «الهوت كوتور» في السعودية    10.5 مليون ريال إيرادات السينما السعودية في أسبوع    مسجد القبلتين.. شاهد على التاريخ    استعراض إجراءات حماية عقارات الدولة أمام أمير الشمالية    «الشؤون الدينية» تعزز رسالة الحرمين    «فايزر» تعلن وفاة مريض بعد تلقيه دواء لعلاج سيولة الدم في تجربة    تحذيرات عالمية من«الإنفلونزا الخارقة»    السعودية تستورد 436 ألف كيلو جرام ذهبا خلال 4 سنوات    في عامه ال100 أبو الشعوف يواصل الزراعة    3095 شخصا تعرضوا للاختناق ثلثهم في مكة    كرات ثلج تحطم رقم Guinness    ساخا أبرد بقعة على الأرض    جدة تستضيف نهائيات دوري أبطال آسيا للنخبة 2026    الجولة 13 بدوري يلو.. الأنوار يستقبل الباطن والبكيرية يواجه العربي    القيسي يناقش التراث الشفهي بثلوثية الحميد    الضحك يعزز صحة القلب والمناعة    المشروبات الساخنة خطر صامت    نجاح أول عملية للعمود الفقري بتقنية OLIF    التضامن الإنساني من القيم إلى صناعة الاستقرار    فلتعل التحية إجلالا وإكبارا لرجال الأمن البواسل    أمير الجوف يرأس اجتماع اللجنة العليا لدعم تنفيذ المشاريع والخدمات للربع الثالث 2025    المدينة المنورة تحتضن افتتاح مركز الأمير محمد بن سلمان العالمي للخط العربي    أصدرت أمانة منطقة تبوك، ممثلةً في وكالة التراخيص والامتثال    كونتي بعد التتويج: تجربتنا في السعودية رائعة.. ومدينة نابولي سعيدة بهذا اللقب    كأول جمعية متخصصة بالمنطقة.. "يمنّاكم" لرعاية الأحداث بجازان تعقد لقاءها التشغيلي الأول    «نسك حج» المنصة الرسمية لحجاج برنامج الحج المباشر    تخريج دفعة جديدة بمعهد الدراسات للقوات الجوية بالظهران    الكلام    الداخلية السعودية تسهم في إحباط محاولتي تهريب 200 كيلوجرام من المخدرات بسلطنة عمان    أمير جازان يستقبل رئيس جامعة جازان الدكتور محمد بن حسن أبو راسين    إنفاذاً لأمر خادم الحرمين الشريفين.. وزير الدفاع يقلد قائد الجيش الباكستاني وسام الملك عبدالعزيز    إنفاذًا لأمر خادم الحرمين الشريفين.. سمو وزير الدفاع يُقلِّد قائد الجيش الباكستاني وسام الملك عبدالعزيز من الدرجة الممتازة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



نصير شمة في مهرجان الموسيقى العربية التاسع : . رقة مضاعفة على أوتار عود منفرد وتناغم بين الفكرة والتقنية
نشر في الحياة يوم 08 - 11 - 2000

كلما رقت ريشة نصير شمة على أوتار العود تعمّق البناء الفكري للألحان التي يعزفها. هذا ما تأكد في الحفل الذي أحياه عازف العود والمؤلف الموسيقي العراقي نصير شمة ضمن المهرجان التاسع للموسيقى العربية الذي تنظمه "دار الأوبرا المصرية". فثمة مراجعات نغمية لفكرة ليس من العسير تتبع مرجعياتها ولا محاورها أو ثيماتها يتولى شمة الذي يدير "بيت العود العربي" في دار الأوبرا المصرية منذ نحو عامين مزجها مع التقنية التي كانت العامل البارز الى فترة في مهارته العزفية. وهكذا تصبح الفكرة والتقنية متضامنتين لإيصال المقطوعة الى أقصى حدود التجلي والصفاء.
وهذا المؤشر التناغمي بين الفكرة والتقنية العزفية يصاحبه مؤشر مهم آخر، ألاّ وهو انسجام نصير شمة مع خبرة الموسيقى بوصفها تواصلاً مع المحيط وتواصلاً مرهفاً معه فهو على رغم نجاحاته "الفردية" اللافتة الاّ انه لم يكن مأسوراً بها حد النرجسية، فظل حريصاً على ان يقدم في حفلاته مجموعات موسيقية من عازفين يشاركهم متعة عزف الأعمال الموسيقية المكتوبة للآلة الفردية العود بعد ان يقوم بتوزيعها لآلات موسيقية عربية على الأغلب، فتنفتح الإشارات الفردية في العزف والتأليف على الروح الجمالية في الفكرة والعزف أيضاً.
في ظهور اطلالته الأخيرة عزف نصير شمة منفرداً أولاً ومن بين ما عزف: "ارتجالات على مقام النهاوند" وفيها لا نجد الشجن بوصفه مراجعة للذات فحسب بل نجده تعبيراً عن لحظة معاصرة تتعرض هنا في لحظة العزف وانبثاق النغم الى تنقية فتلغى من نسيجها الشوائب. وتظهر اللحظة مجروحة تارة وجريئة تارة أخرى وقادرة على ان تتجاوز صعاباً كثيرة لأنها تجعل من النفس متماثلة مع أصلها الطيب. هنا الموسيقى تأتي فعلاً طهرانياً مثلما هي حالة انفصال عن السائد في اليومي.
هذا المعنى يتحقق أيضاً في معنيين تضمنتهما القطعة: فالارتجال وبحسب نصير جاء مراناً على قدرة الروح في الابتكار وفي ان تكون حاضرة ومبدعة وعلى المحك دائماً، كما شكل رداً قوياً على المشككين في الارتجال والذين يروا فيه مرادفاً للارتداد عن "قوانين" الموسيقى و"علومها". و"مقام النهاوند" حمل في أنغامه التي قاربها نصير، معالم الأمكنة التي نهض فيها وحكى وغنى وحمل من الأسرار ما رافقت أرواحاً متعبة.
وقدم نصير شمة في "تنويعات على مقام البيات" مقاربة لألحان غنائية عربية عتيدة وقعت ضمن هذا المقام الأساسي، مؤكداً ان للعود قدرة عالية على التجسيد مثلما هي قدرته على التعبير، فلعب نصير بمهارة لحن أغنية "بعيد عنك" و"ست الحبايب". وتبدو هذه الاختيارات مطلوبة لشد الجمهور العادي الذي طالما ارتبط ذهنه بالغناء على حساب الموسيقى الآلية وصولاً الى "توريطه" في موجات من التعبير الآلي الذي لم يكن خبره سابقاً، كما هو الحال في الجمهور المصري الذي ورث تراثاً غنائياً ضخماً ما كان للموسيقى الآلية فيه ولا للآلات المنفردة ذلك الدور الواضح والمؤثر.
وحين اختار نصير مقطوعة "من الذاكرة" ليعزفها فكأنه عاد الى قديمه ليكشف النقاب عنه بخبرة مضاعفة هذه المرة. فالمقطوعة التي كتبها عام 1986 عاد اليها عبر يدٍ رقّت وتخضبت، فصارت كالحبر الذي يقاربه الحكيم فيشع في فكرة عميقة فيما هو الحبر ذاته يسوّد الأرواح والعقول عند من يقربه من الجهلة. المقطوعة عادت لتشع بصورة أكبر "فالذاكرة" تخضبت ونداء بغداد صار أكثر حزناً وألماً لما شهدته المدينة من جراح وآلام. وفي مقطوعته الجديدة التي عزفها للمرة الأولى "للقدس رب يحميها" تعبيرية اعتمدت على خلق ثنائية ما بين قوة الفعل المقاوم الذي تتطلبه المدينة وبين رقّة الفكرة التي تنتظم فيها القدس بوصفها نسيجاً روحياً ودينياً. فإلى جانب الضربات القوية بل الزاعقة الدالة على وحشية تكاد تأتي على المدينة نجد ضربات ناعمة ما تلبث أن تتدفق ولتتصاعد كخطوات حماسة عمّق تأثيرها نصير حين أنتجها بضرب أصابعه مباشرة على الأوتار.
ما بدا لافتاً في عرض نصير شمة، هو اكتفاؤه بأربع معزوفات لظهوره الانفرادي فيما زاد عليها حين خصص خمس مقطوعات لظهوره الجماعي مع "فرقة عيون". ونصير حرص في كل مرة يظهر فيها بصحبة فرقة موسيقية يدربها ويوزع موسيقاه بين آلاتها ان يكون عنصراً من عناصر نجاحها ودافعاً لمعطياتها الموسيقية من دون حساب لمؤشرات "نجومية" العازف المنفرد حتى وان كانت مستحقة كما هي الحال عنده ولا سيما ان سيرته تدعمت باعتباره عازفاً منفرداً على العود.
ومع "فرقة عيون" التي قضى في تأسيسها وتدريبها نحو أكثر من عام عزف نصير ووزع "سماعي عجم" الذي استوحاه من قصيدة "تعاليم حورية" للشاعر محمود درويش. واختيار هذه المقطوعة عكس بحسب مفهوم قائدها انها تنطلق من قاعدة راسخة بوصف السماعي "شكلاً هو الأهم في التأليف الموسيقي العربي الكلاسيكي مثلما تشير الى انفتاحها على مصادر الثقافة العربية المعاصرة طالما ان القصيدة هي لواحد من أهم شعراء الحداثة الشعرية العربية.
وعزفت الفرقة "ليالي الحلم" ابتداءً من حوار غريب لكنه لعمق الجملة الموسيقية بدا متناغماً فهو ما بين أكثر الآلات الوترية نعومة الكمان وأكثرها عمقاً وغلاظة التشيللو، ليتواصل لاحقاً بين مختلف الآلات التي راحت تصور "اشراقة" الحلم وعثرات الإنسان من أجل الوصول الى غده.
ومع مقطوعات "بكت لؤلؤاً" و"حالة وجد" و"تنويعات من التراث" قاد نصير شمة مجموعته: الغندور حسين غندور وسعيد كمال كمان وهاني حامد البدري ناي وعمرو مصطفى صادق رق وصابر عبدالستار محمود قانون ونهاد السيد عود وعبدالفتاح أحمد مصطفى كونترباص وعماد الدين عبدالمنعم عبدالرحمن تشيللو نحو صياغة موسيقية عربية لم تفقد عناصر اصالتها بقدر ما كانت مستعدة للانفتاح على تعبيرية محدثة وهو ما دفع التعبير الموسيقي لمقطوعات نصير وقيادته للفرقة نحو آفاق غالباً ما تبدو ضيقة في المشهد الموسيقي العربي اليوم، ولكننا حين نستذكر إزاء هذه التجربة، تجربة العازف والمؤلف الموسيقي اللبناني شربل روحانا وبالذات في اسطوانة سلامات لوجدنا ان تعبيرية موسيقية عربية راقية ممكنة ازاء غثاثة تكاد تطبع نتاجنا الموسيقي العربي اليوم.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.