أمام مجلس حقوق الإنسان.. المملكة تدين الاعتداء الإسرائيلي على سيادة قطر    ولي العهد يستقبل أمين مجلس الأمن القومي الإيراني    مجلس الوزاء يوافق على عدة قرارات ويجدد الدعم لفلسطين وقطر وسوريا    إنجاز عالمي.. "برق" تتوج ب 3 جوائز من Visa خلال مؤتمر Money20/20    جائزة العمل تواصل تحفيز القطاع الخاص وتعزيز بيئات العمل    الإعلام في مهرجانات الإبل من صوت التراث إلى صناعة المستقبل    القيادة تهنئ رئيسة الولايات المتحدة المكسيكية بذكرى استقلال بلادها    سلمان بن سلطان يفتتح منتدى المدينة للتعليم    الوقوف في الأماكن غير المخصصة مخالفة مرورية تعطل انسيابية السير    وزارة الداخلية تطلق ختمًا خاصًا بمؤتمر "Money 20/20 الشرق الأوسط"    "طوّر مسيرتك المهنية" لمساعدي الأطباء وأخصائيي صحة الأسنان    مستشفى قوى الأمن بالدمام يحصل على المركز الأول في جائزة أداء الصحة بمسار الأمومة والطفولة    مرايا غامضة تظهر في مختلف المدن السعودية... ما الذي تعكسه؟    زين السعودية تستثمر في قطاع التأمين الرقمي مع شركةPrevensure العالمية    10% من وفيات المستشفيات مرتبطة بأخطاء تشخيصية    بيئة الرياض تتلف 3 أطنان من اللحوم غير الصالحة وتضبط 93 مخالفة في سوق البطحاء    "موسم الرياض" يشهد أضخم حدث لكرة القدم الأميركية بنظام العلم    النقل تفرض غرامات وحجز المركبات غير النظامية    محافظ الأحساء يكرّم مواطنًا تبرع بكليته لأخيه    الراجحي الخيرية تدعم مصابي التصلب المتعدد ب50 جهازاً طبياً    إطلاق مبادرة تصحيح أوضاع الصقور بالسعودية    أعلنوا رفضهم للاعتداء على قطر.. قادة الدول العربية والإسلامية: ردع إسرائيل لحماية أمن واستقرار المنطقة    الحوثي يستهدف مطار رامون والنقب ب 4 مسيرات    صراع المناصب يهدد الاتفاق الأمني في ليبيا    سوريا.. ضبط شحنة أسلحة معدة للتهريب للخارج    السلوك العام.. صورة المجتمع    الأرصاد: حالة مطرية بمحافظات مكة حتى الجمعة    أمير القصيم يزور محافظة البدائع ويلتقي المواطنين ويطلع على مشاريع تنموية تفوق 100 مليون ريال    هل أدى فرض الرسوم على الأراضي إلى حل مشكلة السكن؟    2.3 % معدل التضخم    يستعيد محفظته المفقودة بعد 51 سنة    «قدم مكسورة» تدخل تامر حسني المستشفى    ظل الماضي    الإسراف وإنفاق ما لا نملك    متقن    الوحدة يصعق الاتحاد في الوقت القاتل    في مستهل مشواره بدوري أبطال آسيا للنخبة.. الهلال يستضيف الدحيل القطري    من ينقذ فرسان مكة من العبث؟    الخرف الرقمي وأطفالنا    رابطةُ العالم الإسلامي ترحب بمخرجات القمة العربية الإسلامية الطارئة في قطر    الفيصل رئيساً للاتحاد العربي    لبنان يوقف عملاء لإسرائيل ويفكك شبكة تهريب مخدرات    إنزاغي: سنواجه خصماً قوياً ومنظماً    الخرطوم تنتقد العقوبات الأميركية على مواطنين وكيانات سودانية    التحالف الإسلامي يطلق في العاصمة القُمريّة دورة تدريبية في محاربة غسل الأموال وتمويل الإرهاب    جامعة الملك سعود تُنظّم الندوة العالمية لدراسات تاريخ الجزيرة العربية    دراسة أسترالية: النظام الغذائي يحد من اضطرابات النوم والأمراض المزمنة    "سلطان الخيرية" تدعم "العربية" في قيرغيزستان    تضامن عربي إسلامي مع قطر.. دول الخليج تعزز آليات الدفاع والردع    التضخم الأمريكي أعلى من مستهدفات الفيدرالي    تكريس الجذور واستشراف للمستقبل    عزنا بطبعنا    أمير القصيم يطّلع على التقرير السنوي لأعمال فرع هيئة الأمر بالمعروف    «الشؤون الإسلامية» توقّع عقودًا لصيانة وتشغيل 1,392 مسجدًا وجامعًا خلال الربع الثالث لعام 2025م    رئيس الوزراء السوداني يغادر المدينة المنورة    نائب أمير تبوك يستقبل مدير عام فرع الرئاسة العامة لهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بالمنطقة    سفيرة المملكة لدى الولايات المتحدة تزور الملحقية العسكرية السعودية في واشنطن    المفتي يستعرض جهود وأعمال الدفاع المدني    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



تراجع الإنجاب في المغرب العربي يقرب دوله من النموذج الاوروبي
نشر في الحياة يوم 28 - 10 - 2000

تتراجع اليوم بشكل لافت نسب الانجاب في المغرب العربي. وهذه الظاهرة السكانية الجديدة تبدو متسارعة ومتنامية في نظر المراقبين، الذين يلجأون الى تفسيرها على شكل اسئلة قلقة، فيتساءلون مثلاً: هل توقّف سكان المغرب العربي عن الإنجاب؟ ما هو مستقبل المغرب والجزائر وتونس في ضوء ترهّل سكان هذه البلدان؟ هل يعني هذا التراجع السكاني تراجعاً في الحضور الاقتصادي والسياسي مستقبلاً؟
بالطبع المشهد العام ليس سوداوياً الى هذا الحدّ، ولا استخلاص النتائج مسموح به، موضوعياً، بحسب هذا الشكل الدراماتيكي. فكل ما في الأمر ان التحوّلات التي بدأت تضرب بكل البلدان المعاصرة، من المكسيك الى الصين، إنعكست بشكل مباشر على نمط الحياة والعمل فيها. الأمر الذي وضع مسألة الانجاب، هي ايضاً، تحت سيطرة القانون العام السائد في نمط الحياة هذا.
فالمجتمعات العربية، كمثل مجتمعات جنوب الارض كافة، تعيش حالياً مفاعيل انتقالها من البنية الزراعية، التقليدية، الى البنية الخدماتية، المعاصرة. ومغادرة الحضن الدافئ للمجتمع الزراعي - الام، قد جعل البنية الذهنية عند جميع هذه المجتمعات بنية تخضع لاختلالات جمّة. فابناؤها يعيدون النظر اليوم في صورتهم للحياة وتصوّرهم للآخر وفهمهم للعمل والصحة والتربية... وإنجاب الاولاد. فما كان مقبولاً ومعمماً على صعيد واسع قبل ثلاثين سنة تغيّرت معالمه اليوم. بل إستُبدل بفهم مغاير للفهم التقليدي الذي كان يخضع له ايام المجتمع الريفي السابق وفي ظل سلطان العلاقات الاجتماعية الابوية، القائمة على سلطة الاب المطلقة وعلى ذوبان إرادة الاناث فيها ذوباناً كُلياً. فما الذي حدث بين الأمس واليوم على هذا الصعيد؟
لا بدّ هنا من الاستناد الى عدد من الوقائع والارقام لفهم ما حصل ولجعل تحليل هذه المعطيات تحليلاً مقبولاً من العقل. تشير دراسة مقارنة نشرتها مجلة فرنسية أخيراً الى المعطيات الآتية:
كانت نسبة الخصوبة مرتفعة نسبياً في الستينات من القرن الماضي في بلدان المغرب العربي عموماً، حيث تجاوزت سبعة أولاد للمرأة المتزوجة الواحدة. مطلع السبعينات، بدأ التراجع يدب في معدّلات الانجاب عند المرأة التونسيّة إذ هبطت الخصوبة عندهن الى 3،6 اطفال للمرأة الواحدة. بينما بقيت المعدّلات في المغرب والجزائر، عام 1970، فوق السبعة اطفال.
عام 1986، هبط معدّل الانجاب في تونس الى 4،4 أولاد للمرأة الواحدة، والى 4،5 في الجزائر والى 5 في المغرب.
عام 1997، هبط مجدداً معدّل الانجاب في تونس الى 2،2 اطفال للمرأة الواحدة، والى 1،3 أولاد في الجزائر والمغرب.
كما ان الخبراء في علم السكان يتوقعون ان يهبط معدّل الانجاب، عام 2000، وبالاستناد الى معطيات السنوات السابقة، الى 5،2 اطفال للمرأة الواحدة في المغرب، والى 3،2 في الجزائر، والى 2 في تونس.
أي ان مشهد الانجاب قد تبدّل برمّته خلال ثلاثة عقود من الزمن، إذ شهدت الخصوبة تراجعاً بنيوياً بين مطلع السبعينات ومطلع القرن الحالي في بلدان المغرب العربي. فهبطت معدّلات الانجاب من سبعة اطفال للمرأة الواحدة الى طفلين فقط.
ما يعني ان بلدان المغرب العربي الحالية اضحت اقرب الى النماذج الاوروبية الضعيفة الخصوبة والتي لا تتمكّن من إعادة انتاج عديد سكانها سوى بتجنيس عدد متزايد من العمال المهاجرين منها الى البلدان الافريقية الملاصقة لها. وهذا امر يثير التعجّب بطبيعة الحال.
وتيرة التحوّل في الخصوبة
ما الذي جرى بالتحديد في هذه البقعة من العالم، علماً ان وتيرة التحوّل في الخصوبة البشرية في اوروبا كانت أبطأ بكثير مما هي عليه حالياً في بلدان المغرب العربي. ذلك ان العملية استغرقت في فرنسا والمانيا مثلاً قرناً ونصف من الزمن من 1785 الى 1930 قبل ان يهبط معدّل الانجاب فيهما، عند المرأة الواحدة، من ستة اطفال الى أقل من اثنين. فالملاحظة الاولى بالتالي هي ان ما يحصل في تونس والمغرب والجزائر حالياً يشكّل ظارة استثنائية.
التفسير الاول الذي يمكن تقديمه لشرح هذه الظاهرة يكمن في العودة الى تأخر سن الزواج عموماً في هذه البلدان، مقارنة مع ما كان عليه قبل ثلاثة عقود من الزمن. إذ ان تأخر سن الزواج، من العشرين الى السابعة والعشرين على نحو عام، يؤخر عملية الانجاب من ناحية، كما انه يقلّص مساحة هذا الانجاب الزمنية.
ففي عام 1966 كان متوسط سن الزواج عند المرأة، في جميع البلدان العربية المشرقية، عشرين سنة. أما في عام 1995 فتبيّن ان سن الزواج عند المرأة تراجع كثيراً، إذ بلغ، في متوسطه العام، سبعة وعشرين سنة. ويلاحظ المراقبون ان سن الزواج هذا، مقارنة مع بقيّة البلدان الأفريقية، هو الأعلى في هذه القارة.
وانتقل سن الزواج عند المرأة في تونس من 1،19 سنة، عام 1956، الى 8،27 سنة عام 1999. أما في المغرب فانتقل ايضاً متوسط سن الزواج عند المرأة من 3،17 سنة، عام 1960 الى 2،26 سنة، عام 1995. وفي الجزائر انتقل متوسط سن الزواج عند المرأة من 3،18 سنة، عام 1966، الى 6،27 سنة، عام 1998.
لا مجال لمناقشة هذه الارقام التي هي، بحدّ ذاتها، وقائع. ولا مجال لفصل تفسير ظاهرة تراجع الانجاب عند النساء في المغرب العربي عن تأخر سن الزواج الذي لازمها. أما كيف نفسّر تأخر سن الزواج، فبالعودة الى تبدّل نمط العيش الذي شهده العالم أجمع في الخمسينات والستينات من القرن العشرين حيث اتبعت جميع دول الارض سياسة تعليمية مكثفة ادّت الى انخراط اعداد كبيرة جداً من الاولاد، وبخاصة من الفتيات، في المدارس.
ثم راح تحسين المستوى التعليمي هذا ينعكس تدريجاً على مستوى المعيشة الجديد عند الفئات المتعلمة التي اضحت اكثر تطلباً في ما يتعلق بمستلزمات الزواج الناجح. فازدياد الوعي الاجتماعي الذي ساهم في نشره تكاثر المدارس المفاجئ، غداة نهاية الحرب العالمية الثانية، والذي سرعان ما تنامى بشكل مطرّد، في الستينات، تحت شعار ديموقراطية التعليم، هو الذي ادّى الى تبدّل الذهنيات والمفاهيم والتصوّرات، وانعكس مباشرة على مفهوم نظام العيش والمستوي المعيشي.
متطلبات الزواج
كذلك باتت متطلبات الزواج تضغط على الانجاب بكل ثقلها: تغيرت شروط الزواج الناجح في التسعينات عنها في الستينات، حيث كانت الأمّية منتشرة والمجتمعات سارية من دون مناقشة في ممارسات التقليد الاجتماعية. فكلما كان سن زواج الشابة مبكراً كلما فرح للامر أهلها، ذلك ان المعيار الاجتماعي العام آنذاك لم يكن يُدخل في الحسبان مصلحة المرأة، بل مصلحة الرجل وحده.
أما في التسعينات وحالياً، وبفعل إنتشار الوعي الذي رافق ارتياد ابناء الاجيال المتلاحقة للمدارس، فقد تبدّلت الصورة واصبحت الشابة اكثر تطلباً من شريك حياتها العتيد. وكذلك اهلها الذين لم يعودوا يخضعون لعقلية "حمّل وإمشِ".
باتت شروط الزواج اليوم تفترض توفّر الحدّ الادنى من تأمين مستوى المعيشة العصرية. وهذا بالطبع أمر ينعكس على توفر معطيات اقتصادية، عند الشاب، لا يقدر على تأمينها في سن مبكر. إذ تأخر سن الزواج عند الشاب في العالم العربي وبات اليوم يقترب من الاثنتين وثلاثين سنة. وهذا ما انعكس بدوره على سن الزواج عند المرأة، الذي ارتفع بدوره.
اي ان المعطيات الاجتماعية العامة، الضاغطة كما نعلم، هي التي تلقي بثقلها على مسألة الانجاب. فمع تغيّر نمط الحياة تبدّل نمط الوعي وبتبدّل شكل الوعي تحوّر مفهوم الزواج وموقع المرأة فيه ودورها في الحياة. اي ان ثمن الانضمام الى الركب العالمي على المستوى التعليمي والاجتماعي والاقتصادي ترك بصماته عميقاً في المسلك الديموغرافي العام لسكان تونس والمغرب والجزائر، ولكن ايضاً لعدد كبير من بلدان جنوب الارض.
الشبه المغربي - الغربي
فالتشبّه الثقافي والاقتصادي الذي تعيشه بلدان المغرب العربي على نحو خاص في علاقتها مع البلدان الاوروبية هو الذي فعل فيها بنيوياً وجعلها تعيد تأهيل نفسها، من حيث لا تدري، على الصعيد السكاني. علماً ان هذه الظاهرة سوف لن تقف عند هذا الحد، بل سوف تشمل تدريجاً بمجمل امم الارض. فمصر مرشحة عما قريب للدخول في هذا الفصل الجديد من حياة المجتمعات المعاصرة، لاسباب ذاتية تتعلّق بتبدّل اشكال الوعي الاجتماعي، ولكن ايضاً لضرورات اقتصادية وبفعل سياسة سكانية بدأت تدق ابواب بلد الاهرامات والنيل.
وفي سياق التغيّرات المفاهيمية التي أدخلها التعليم والاعلام المعاصرين لا بدّ من ذكر لجوء النساء حالياً الى وسائل مختلفة لمنع الحمل اللولب وأقراص منع الحمل على نوع أخص. فما الذي تشير اليه الارقام، في هذا الصدد، في ما يتعلق ببلدان المغرب العربي، موضوع الدراسة الاحصائية المقارنة المشار اليها؟
تشير الارقام الى ان نسبة النساء اللواتي يستخدمن وسائل منع الحمل، في تونس، كانت، عام 1969، 5 في المئة فقط. أما عام 1978 فارتفعت الى 31 في المئة، ثم الى 60 في المئة عام 1995.
وفي ما يتعلق بالجزائر فنسبة النساء اللواتي يلجأن الى وسائل منع الحمل، عام 1970، كانت 8 في المئة. غير ان هذه النسبة ارتفعت، عام 1995، الى 57 في المئة.
وفي المغرب، حيث كانت تبلغ نسبة مستخدمات وسائل منع الحمل 5 في المئة فقط عام 1969، فان 59 في المئة من النساء المغربيات يلجأن اليوم الى هذه الوسائل.
المشهد السابق، المبني على تصوّر تقليدي ومغلق ومتكرّر لحال الدنيا والبشر اصيب بتلقيح ثقافي واجتماعي عميق خلال العقود الثلاثة الماضية. إذ ان سلوك مجتمعات عربية كانت معروفة بتقليديتها قد اختارت اليوم، ومن دون استئذان احد سوى نفسها ووعيها الذاتي، مسالك اجتماعية مستوردة ووافدة.
وهذا ما يشير بوضوح الى ان المجتمعات العربية، في شمال افريقيا، تعيش اليوم تحوّلاً عميقاً في تركيبها الذهني والمعرفي. فهي ليست مجتمعات تقليدية مغلقة. ذلك ان الوعي الفردي له دوره في يوميّات حياة اهل هذه البلدان. فهم يختارون ما يناسبهم، لا ما يناسب شعارات جوفاء اقلع الجميع عنها اليوم.
وبغية وضع النقاط على الحروف، لا بدّ من الاشارة هنا انه، على رغم هذا التراجع الكبير في الانجاب عند النساء، فان مستقبل الكتلة السكانية ليس مهدداً في المغرب العربي. بل ترجح التقديرات ان المعدّلات الحالية سوف تستقر على ما هي.
كما ان انعكاسات تضاؤل الانجاب الفعلية سوف تبدأ بالظهور بعد عشرين سنة في اقل تقدير واذ ذاك لكل حادث حديث.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.