العلماء العرب، والى أي قطر عربي انتسبوا، موزعون بين بلدانهم والبلدان الخارجية التي تخصصوا فيها، وتابعوا أبحاثهم في مراكزها ومختبراتها العلمية، إما لأن البلد العربي الذي ولدوا فيه لا يوفر لهم مجالات المتابعة العلمية الكافية، حتى يستقروا فيه، وإما لأن البلدان الخارجية بما تحقق لها من فرص التطور المتزايد في مختلف الحقول العلمية، تشجع معظمهم على الاستقرار فيها والعمل ضمن جامعاتها ومؤسساتها فينقطع الاتصال المفيد بين رجل العلم وبلده العربي، وتصبح هجرة الأدمغة التي تشكو بلدان عربية كثيرة منها، من أهم المعضلات التي لا يتوافر لها حل عملي إذا لم يقم تعاون علمي عربي شامل، تسهم الدول العربية في تحقيقه عبر جامعة الدول العربية، أو عبر انشاء هيئة خاصة ضمن إدارات الجامعة في القاهرة، مهمتها السعي الجاد لتوثيق عرى التقارب والتعاون بين العلماء العرب، بدعم من الحكومات العربية التي ستجد كل واحدة منها مصلحة لبلدها في أن يتلاقى العلماء العرب الموزعون على قاعدة إبداعية وانتاجية قوية، يستفيد منها العرب كلهم. وكما أن هذا لا يعني اطلاقاً أن ينقطع العلماء العرب عن الأوساط العلمية في الخارج ولا أن يعودوا جميعاً بالضرورة للاقامة في بلدانهم التي لا تتمتع بعد بجميع معطيات التقدم، فإنه يعني بالتأكيد أن يصبح التفاعل مع الأوساط العلمية في بلدان العالم النامي أكثر جدوى وأكثر نفعاً للعرب وللشعوب الأخرى في وقت واحد. ولعل في تجربة "مؤسسة الكويت للتقدم العلمي" ما يجمع بين أهمية قيام نشاط علمي وطني وأهمية انفتاحه على الخارج، سواء كان الانفتاح عربياً أو عالمياً، بحيث أن نظام هذه المؤسسة ونشاطها، وتوسيعها، وتحقيق المنجزات التي توصلت اليها، تدل جميعاً على الدور العلمي الوطني الذي تقوم به، بمقدار ما يدل على وعيها لضرورة الأخذ بالتقدم العلمي الحاصل في العالم للتفاعل وإياه، والبلوغ بالثقافة العامة في البلاد، ثقافة الأفراد وثقافة المجتمع، مستويات تترقى بها البلاد خطوة بعد خطوة حتى تجاري العصر متحفزة لمجاراة القرن الجديد القادم. وقصة "مؤسسة الكويت للتقدمي العلمي" ترجع الى العام 1976 عندما تم انشاؤها بمبادرة من سمو الشيخ جابر الأحمد الصباح وكان يومها لا يزال ولياً للعهد ورئيساً لمجلس الوزراء، وبدعم ومساهمة من غرفة تجارة وصناعة الكويت وتتمثل الأهداف الرئيسية للمؤسسة في تقديم العون للقائمين على التنمية الفكرية والمساعدة والدعم للباحثين وتخصيص المنح الدراسية والتدريبية وكذلك الجوائز التشجيعية والتقديرية للدارسين والباحثين والمؤلفين والمترجمين في مختلف المجالات العلمية سواء تعلق الأمر بالتقدم الحضاري في الكويت أو في الأقطار العربية والاسلامية. وللمؤسسة برنامج سنوي يضعه المسؤولون فيها، وتحتل البحوث العلمية الأساسية والتطبيقية مكانة كبيرة خصوصاً ما يتعلق منها بالكويت وبلدان الخليج العربية وتقوم المؤسسة بتمويل مشاريع البحوث عن طريق بعض الهيئات العلمية في الكويت وبعض الأقطار العربية الأخرى التي تجري فيها البحوث. وتعتبر المؤسسة من بين هيئات النفع العام وتتلقى الدعم المالي من الشركات المساهمة الكويتية بمقدار خمسة بالمئة من صافي الأرباح السنوية لهذه الشركات، كما تقبل المؤسسة بعد موافقة مجلس ادارتها الهبات التي ترد من الأفراد والهيئات العامة والخاصة وتعمل على استثمار مواردها. ويشرف على إدارة المؤسسة مجلس ادارة يرأسه أمير الكويت الشيخ جابر الأحمد الصباح ويتألف مجلس الادارة من ستة أعضاء تختارهم الشركات المساهمة الكويتية لمدة ثلاث سنوات قابلة للتجديد ويتولى إدارة المؤسسة مدير عام مسؤول أمام مجلس ادارتها هو الأستاذ الدكتور علي عبدالله الشملان يعاونه مديرو الادارات وعدد من المستشارين والخبراء، ويتولى ادارة العلاقات العامة والإعلام فيها الأستاذ عبدالعزيز سليمان العبدالجليل. ومما قاله الأمير الشيخ جابر الأحمد الصباح في تحديد برنامج المؤسسة: "لقد فتح لنا العلم أبوابه على مصاريعها وأخضع كل الظواهر للدراسة، فأرضنا وبحرنا وجونا، ومن بعد انساننا، لا بد أن تتوجه اليها الدراسات العلمية بالجدّ والعزم، والأخلاق الرحبة، فذلك هو مستقبل الكويت الذي يحقق لنا أمن البقاء وعزة الوجود". وفي مجال تعداد أوجه نشاطات المؤسسة فإن الادارات القائمة فيها تشتمل على: إدارة مشاريع البحوث ادارة المشاريع بالتكليف إدارة الجوائز ادارة الشؤون الثقافية والمؤتمرات ادارة التأليف والترجمة والنشر ادارة الثقافة العلمية ادارة صيانة وهندسة المبنى ادارة الشؤون الادارية ادارة الشؤون المالية ومن الطبيعي في نطاق تنفيذ برامجها ان تتعاون "مؤسسة الكويت للتقدم العلمي" مع بقية المؤسسات العلمية والثقافية وفي طليعتها المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب وأمينه العام هو الدكتور محمد الرميحي، لا سيما لدى تنظيم معرض الكتاب العربي السنوي أو لدى منح الجوائز التي تقدمها المؤسسة وعلى الأخص تقديم الجائزتين الكبريين وهما واحدة لابناء دولة الكويت، والثانية لابناء البلاد العربية الأخرى، وتدور مواضيع الجائزتين حول: 1- العلوم الأساسية 2- العلوم التطبيقية 3- العلوم الاقتصادية والاجتماعية 4- الفنون والآداب 5- التراث العلمي العربي والاسلامي. ومن الموجب الاشارة الى ان المؤسسة قد مولت خلال الفترة من عام 1978 الى عام 1998 ما مجموعة 397 بحثاً بتكلفة مالية مقدارها اثنا عشر مليون درهم كويتي، موزعة على نشاطات "جامعة الكويت" و"معهد الكويت للأبحاث العلمية". وأصدرت المؤسسة 179 كتاباً ما بين مؤلف ومترجم وبعضها يضم عدة مجلدات في المجالات العلمية والثقافية ومنها القواميس والموسوعات المتخصصة. ومولت المؤسسة في الفترة نفسها، 166 مؤتمراً علمياً، ونظمت 33 دورة محلية وحلقة نقاشية بلغ عدد المشاركين فيها 715 مشاركاً، ونظمت المؤسسة 33 دورة خارجية على صعيد برنامج تبادل الخبرات الادارية، وبلغ عدد المشاركين فيها 405 مشاركين. والى جانب ذلك، وبينما برزت مجلة "العربي" الكويتية طوال أربعين عاماً، ورئيس تحريرها الحالي هو الدكتور سليمان العسكري، فإن المؤسسة تصدر مجلة "العلوم" بالتعاون مع المجلة العلمية الأميركية المعروفة "ساينتفيك أميركان"، بغية وضع المعارف العلمية في خدمة القارئ الكويتي والعربي، كما ان المؤسسة تصدر مجلتها العلمية الخاصة بها واسمها "التقدم العلمي". فإلى أي حد يتقارب العرب في ما بينهم علمياً؟ ومتى يطلون على التفاعل العلمي مع العالم الخارجي بتعاون ناشط ينبع من العالم العربي؟ إن لجامعة الدول العربية - مرة أخرى - دوراً مستقبلياً كبيراً يتحتم عليها أن تؤديه مع مطلع القرن الحادي والعشرين حتى يزداد المواطن العربي وعياً بمعطيات المستقبل وحتى يشعر العلماء العرب، أينما كانوا، أنهم يستطيعون دائماً الانطلاق من بلدانهم والاعتماد على حكامها في دعمهم لرسم آفاق الغد.