بوتين: هدفنا إقامة «منطقة عازلة» في خاركيف    سمو أمير منطقة الباحة يشهد توقيع مذكرة تفاهم    «الأحوال»: قرار وزاري بفقدان امرأة «لبنانية الأصل» للجنسية السعودية    تراحم الباحة " تنظم مبادة حياة بمناسبة اليوم العالمي للأسرة    رئيس الوزراء الإيطالي السابق: ولي العهد السعودي يعزز السلام العالمي    محافظ الزلفي يلتقي مدير عام فرع هيئة الأمر بالمعروف بالرياض    طلاب وطالبات السعودية يحصدون 9 جوائز خاصة في «آيسف 2024»    حرس الحدود يحبط تهريب 360 كيلوجرامًا من نبات القات المخدر    ضيوف بيت الله الحرام المغادرون من مطار أديسومارمو    استشاري ل«عكاظ»: قمة «الهلال والنصر» صراع جماهيري يتجدد في الديربي    387 مليون يورو في «ديربي الرياض»    النفط يتجه لتحقيق مكاسب أسبوعية معتدلة وسط آمال تحسن الطلب    أسباب تمنع الأهلي المصري من ضم أحمد حجازي    «عكاظ» تكشف تفاصيل تمكين المرأة السعودية في التحول الوطني    الفرصة ماتزال مهيأة لهطول أمطار على معظم مناطق المملكة    تشافي: برشلونة يمتلك فريقاً محترفاً وملتزماً للغاية    1.6 ألف ترخيص ترفيهي بالربع الأول    الكليجا والتمر تجذب زوار "آيسف 2024"    الطاقة النظيفة مجال جديد للتعاون مع أمريكا    جامعة الملك خالد تدفع 11 ألف خريج لسوق العمل    العيسى والحسني يحتفلان بزواج أدهم    السعودية والأمريكية    «الأقنعة السوداء»    5 مخاطر صحية لمكملات البروتين    تقنية تخترق أفكار الناس وتكشفها بدقة عالية !    حلول سعودية في قمة التحديات    فتياتنا من ذهب    تضخم البروستات.. من أهم أسباب كثرة التبول    بريد القراء    الرائد يتغلب على الوحدة في الوقت القاتل ويبتعد عن شبح الهبوط    الإطاحة بوافد مصري بتأشيرة زيارة لترويجه حملة حج وهمية وادعاء توفير سكن    الدراسة في زمن الحرب    76 مليون نازح في نهاية 2023    فصّل ملابسك وأنت في بيتك    الشريك الأدبي وتعزيز الهوية    التعليم في المملكة.. اختصار الزمن    صالح بن غصون.. العِلم والتواضع        ولي العهد يلتقي الأمين العام للأمم المتحدة وملك الأردن والرئيس السوري    WhatsApp يحصل على مظهر مشرق    ابنة الأحساء.. حولت الرفض إلى فرص عالمية    الاستشارة النفسية عن بعد لا تناسب جميع الحالات    رئيس موريتانيا يزور المسجد النبوي    حراك شامل    فوائد صحية للفلفل الأسود    حق الدول في استخدام الفضاء الخارجي    ايش هذه «اللكاعه» ؟!    كلنا مستهدفون    أثقل الناس    العام والخاص.. ذَنْبَك على جنبك    البنيان يشارك طلاب ثانوية الفيصل يومًا دراسيًا    النفط يرتفع والذهب يلمع    أمير تبوك يرعى حفل جامعة فهد بن سلطان    أمير تبوك يطلع على نسب إنجاز مبنى مجلس المنطقة    السفير الإيراني يزور «الرياض»    رحالة فرنسي يقطع ثمانية آلاف كلم مشياً على الأقدام لأداء مناسك الحج    رعاية ضيوف الرحمن    خادم الحرمين الشريفين يصدر عدداً من الأوامر الملكية.. إعفاءات وتعيينات جديدة في عدد من القطاعات    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



خيارات السياسات المائية في الجزيرة العربية
نشر في الحياة يوم 16 - 09 - 1999

تفتقر دول الجزيرة العربية، وهي الإمارات العربية المتحدة والبحرين والكويت والمملكة العربية السعودية واليمن وسلطنة عمان وقطر، والتي تناهز مساحتها الإجمالية ثلاثة ملايين كيلومتر مربع وعدد سكانها 41 مليون نسمة، في شكل عام إلى وجود موارد مائية سطحية يعتمد عليها، وهي تلجأ في شكل رئيسي الى موارد المياه الجوفية وتحلية مياه البحر لتلبية حاجاتها.
مرت هذه الدول بمعدلات تنمية متسارعة منذ بداية الستينات بسبب اكتشاف النفط والزيادة المفاجئة في مداخيلها النفطية، ما أدى إلى زيادة القاعدة الاقتصادية وارتفاع مستوى المعيشة بها. وخلال العقود الخمسة الماضية حدثت زيادة سكانية كبيرة لا سابق لها في تاريخ المنطقة إذ تضاعف عدد السكان خمس مرات، من نحو 8.5 مليون نسمة عام 1950 إلى 41 مليون نسمة عام 1995، ويبلغ معدل النمو السكاني الحالي في الجزيرة العربية 3.7 في المئة، ويعتبر من أعلى المعدلات في العالم.
أدت زيادة عدد السكان وما صاحبها من تنمية اجتماعية وزراعية وصناعية وتوسع عمراني، لا سيما في العقدين الماضيين، إلى زيادات كبيرة في الطلب على المياه مما أدى إلى إجهاد الموارد المائية المحدودة في المنطقة، إذ ارتفع الطلب على المياه لمختلف الأغراض من نحو ستة بلايين متر مكعب عام 1980 إلى نحو 30 بليون متر مكعب عام 1995.
واصبح القطاع الزراعي المستهلك الأكبر للمياه وبنسبة تصل إلى اكثر من 85 في المئة من المياه المستخدمة، وذلك محاولة من هذه الدول لتحقيق الاكتفاء الذاتي في مجال الغذاء.
وحالياً تعاني دول الجزيرة من عجز مائي هائل يقارب بليون متر مكعب، وتتم تغطية هذا العجز أساساً بواسطة سحب المياه الجوفية غير المتجددة لاستخدامات القطاع الزراعي، وبواسطة التوسع في بناء محطات التحلية الباهظة التكاليف لاستخدامات القطاع المنزلي، وعبر اعادة استخدام مياه الصرف الصحي المعالجة في القطاع الزراعي والبلدي.
وإذا ما استمر معدل النمو السكاني الحالي ومعه أنماط استخدام المياه الحالية فإن الطلب على المياه يمكن أن يصل إلى 47 بليون متر مكعب بحلول العام 2015.
ومع محدودية السعة المستقبلية لمحطات التحلية والكميات المتوقعة لإعادة استخدام مياه الصرف الصحي المعالجة، فإن تلبية هذا الطلب ستتم عن طريق زيادة السحب من المياه الجوفية غير المتجددة بمعدل قد يصل إلى نحو 30 بليون متر مكعب. ومن المتوقع أن يصاحب هذا السحب العالي تأثيرات سلبية متمثلة في خسارة المخزون المائي الجوفي وتدهور نوعية المياه وتملح الأراضي الزراعية.
وفي ظل هذه الظروف سيتحول الماء في شكل متزايد الى احدى السلع النادرة في المنطقة، وسيبرز كأحد المحددات الرئيسية للتنمية الاجتماعية والزراعية والصناعية لدول الجزيرة، إلا إذا تمت مراجعة وتغيير السياسات الزراعية والسكانية الحالية، واتخاذ خطوات جذرية وملائمة في مجال المحافظة على المياه.
الموارد المائية في الجزيرة العربية
يسود الجزيرة العربية مناخ شديد الجفاف، وهي، وباستثناء الأشرطة الساحلية والسلاسل الجبلية، صحراء ذات بيئة قاسية. وتتميز مناخياً بعدم انتظام سقوط الأمطار عليها وقلتها 70-150 مليمتراً سنوياً وارتفاع درجات الحرارة ومعدلات البخار التي تتعدى ثلاثة آلاف مليمتر سنوياً جدول 1، الأمر الذي يمنع تواجد مياه سطحية دائمة أو شبه دائمة يمكن الاعتماد عليها، باستثناء السلاسل الجبلية في جنوب غرب المملكة العربية السعودية، واليمن، وجنوب سلطنة عمان، حيث يصل معدل الأمطار فيها إلى أكثر من 500 مليمتر سنوياً.
وهي تسقط أساساً في فصل الصيف بسبب الرياح الموسمية التي تهب من شبه القارة الهندية. وتتميز غالبية هذه الأمطار بكثافة عالية مع قصر مدتها تاركة كمية كبيرة من المياه السطحية الجارية تتجمع في قيعان الجداول التي تكون جافة عادة.
وتستخدم مياه هذه الأمطار الكثيفة في الري وتحتجز وراء السدود، كما أنها تفيد في تغذية المياه الجوفية الضحلة الموجودة أسفل الوديان.
المياه الجوفية
تعتمد دول الجزيرة العربية في شكل رئيسي على المياه الجوفية في تلبية حاجاتها المائية. وتقسم الموارد الجوفية في الجزيرة إلى نوعين:
1- مستودعات ضحلة تتواجد في الترسبات الغرينية الموجودة على امتداد القنوات الصغيرة في الأودية الرئيسية والسهول الفيضية للأحواض وهي قابلة للتجدد ويتم تغذيتها بمعدل سنوي قدره 4.5 بليون متر مكعب. ويصل مجموع احتياط هذه المستودعات في الجزيرة العربية إلى نحو 131 بليون متر مكعب، وتستخدم مياهها للأغراض المنزلية والري.
2- مستودعات عميقة أو حبيسة ومختزنة في التكوينات الرسوبية العميقة وغالبيتها غير متجدد وتختزن كميات كبيرة من المياه الجوفية يرجع عمرها إلى آلاف السنين، ولا يتجاوز معدل تغذيتها أكثر من 2.7 بليون متر مكعب سنوياً، ويصل مجموع احتياط المستودعات العميقة إلى نحو 2175 بليون متر مكعب، وتستخدم مياهها أساسا للأغراض الزراعية.
ويصل معدل السحب السنوي من هذا الخزانات، لتلبية طلب القطاع الزراعي في شكل رئيسي، إلى نحو 23.6 بليون متر مكعب في السنة جدول 1، وبمقارنة معدل التغذية السنوي للمستودعات المائية الضحلة والعميقة 7.2 بليون متر مكعب مع معدل السحب الحالي من هذه المستودعات، نجد أن معظم المياه المسحوبة منها 16.4 بليون متر مكعب سنوياً يؤخذ من مخزونها.
وعليه فإن هذه المستودعات المائية في نضوب مستمر، الأمر الذي أدى إلى هبوط المستويات المائية فيها وتدهور نوعيتها بسبب تسرب المياه المالحة سواء من البحر أو المياه العميقة إلى هذه الخزانات. وبالإضافة إلى ذلك، يعاني الكثير من المستودعات الضحلة في الجزيرة من التلوث بالمياه السطحية ذات النوعية المتدنية والناتجة من الري الزراعي والإلقاء السطحي لمياه الصرف الصحي المعالجة جزئياً.
المياه المحلاة
تمثل المياه المحلاة المصدر الرئيسي الثاني بعد المياه الجوفية في تلبية حاجات دول الجزيرة العربية، ودول مجلس التعاون خصوصاً. وتم إدخال تكنولوجيا التحلية منذ منتصف الخمسينيات، وتزايد الاعتماد عليها مع الوقت مع تدهور نوعية المياه الجوفية وذلك لتلبية المتطلبات المائية المنزلية في المنطقة.
وتتجاوز سعة الإنتاج الحالية وتلك تحت الإنشاء 2315 مليون متر مكعب في السنة جدول 1، وتم إنتاج نحو 1645 مليون متر مكعب عام 1995.
ويستخدم معظم المياه المنتجة من محطات التحلية للاستخدام البلدي، أما مباشرة أو بخلطه مع المياه الجوفية.
وعلى رغم سعر الكلفة العالي نسبياً للمياه المحلاة والذي يراوح بين 1-1.5 دولار للمتر المكعب، إلا أن دول المجلس عازمة على الاستمرار في الاعتماد عليها لتلبية الطلب للمياه البلدية بسبب التوسع السكاني والعمراني، ومن المتوقع أن تتجاوز السعة المركبة لإنتاج محطات التحلية بالمنطقة ثلاثة بلايين متر مكعب سنوياً بحلول العام 2020.
وبالإضافة إلى سعر التحلية العالي، فإن كل محطات التحلية يؤثر سلباً على البيئة المحيطة به من خلال تلوث هواء المناطق الحضرية بالأحماض المنبعثة في الهواء وتلوث الحياة البحرية بواسطة تصريف المحلول المتخلف عن عملية التحلية بإلقائه ثانية في البحر، والذي يحتوي على تركيز ملحي ودرجة حرارة عاليين بالإضافة إلى الآثار المتبقية من العناصر التي يكون قد التقطها وهو داخل وحدة التحلية.
في بداية الثمانينات بدأت مياه الصرف الصحي المعالجة بالدخول في الموازنة المائية لدول المنطقة كأحد مصادر المياه بسبب تصاعد استهلاك المياه في المناطق الحضرية.
وتوافرت هذه المياه للاستخدام بسبب استكمال بناء محطات المعالجة وشبكات الصرف الصحي في معظم المدن الكبرى بهذه الدول.
وفي الوقت الحالي يمتلك معظم دول المنطقة محطات معالجة متقدمة، وتصل السعة المركبة لهذه المحطات إلى أكثر من 1120 مليون متر مكعب في السنة جدول 1، وهي تمثل نحو 30 في المئة من الاستهلاك البلدي، الأمر الذي يؤدي إلى مشكلة التخلص من المياه البلدية العادمة وعملية التلوث المصاحبة لها للمياه الجوفية الضحلة والسواحل البحرية ومشكلة ارتفاع منسوب المياه الجوفية في المناطق الحضرية مما يتسبب في الإضرار بأساسات المباني وتنشأ عنه مخاطر تتهدد الصحة البشرية.
وحالياً تناهز كمية المياه المعالجة 940 مليون متر مكعب سنوياً، بينما تتم إعادة استخدام هذه المياه بنسبة لا تتخطى 392 مليون متر مكعب سنوياً، أي نحو 43 في المئة من المياه المعالجة، ونجد أنه في معظم دول المجلس تتم إعادة الاستخدام في الزراعة التجميلية بالإضافة إلى ري بعض المحاصيل العلفية وهذا الاستخدام لا يعطي المياه قيمتها الاقتصادية الحقيقية في ظل الوضع المائي الراهن في المنطقة.
أما المتبقي من هذه المياه فيرمي في البحر أو الوديان. ولا تزال عملية إعادة استخدام مياه الصرف الصحي المعالجة في أطوارها الأولى على صعيد دول الجزيرة العربية، إذ ينوي معظم دول المنطقة تنفيذ خطط طموحة لإعادة استخدام مياه الصرف الصحي المعالجة وإحلالها محل المياه الجوفية لتقليل استنزافها.
علاقة السكان بالطلب على المياه
يشكل النمو السكاني في دول الجزيرة العربية عبئاً ثقيلاً على البرامج الإنمائية ويعتبر من القضايا الرئيسية التي تؤثر على مختلف أوجه التنمية الاجتماعية والاقتصادية.
ويقدر عدد السكان الحالي في المنطقة بنحو 41 مليون نسمة وبمعدل نمو 3.7 في المئة وهو من أعلى المعدلات في العالم.
وسبب هذه الزيادة في النمو السكاني التحسن الملموس في مستوى المعيشة والصحة للسكان، بالإضافة إلى تدفق عدد كبير من الوافدين لتلبية متطلبات التنمية المتزايدة للعمالة، إذ تراوح نسبة الوافدين في دول المنطقة حالياً بين 25 و85 في المئة. بالإضافة إلى تبني معظم دول المنطقة في الثلاثة عقود الماضية سياسات سكانية مشجعة للنمو السكاني بواسطة الكثير من الأدوات الاقتصادية وأخذت أشكال عدة من الدعم والحوافز. وأدى المناخ الاقتصادي الملائم بالإضافة إلى التقاليد الاجتماعية والمعتقدات الدينية إلى رفع معدل النمو السكاني، والذي أصبح من الصعب التحكم فيه في مراحل لاحقة.
ويشير آخر إحصائات الأمم المتحدة للسكان 1995 بالمنطقة إلى أن عدد سكان الجزيرة العربية سيصل إلى نحو 75 مليون نسمة بحلول العام 2015.
في العقدين الماضيين، دعت الحاجة إلى الاكتفاء الذاتي بالمواد الغذائية الأساسية، أو "الأمن الغذائي"، دول المنطقة إلى تشجيع الزراعة عن طريق تقديم الدعم والحوافز، ما نتج عنه توسع كبير وضخم في الأنشطة الزراعية، ومقترناً مع حاجات كبيرة من المياه، تمت تلبيتها أساساً عن طريق استخراج مياه المستودعات العميقة غير المتجددة.
وأدى حفر الآبار غير المدروس وغير المقيد، والقصور في تنفيذ الإجراءات القانونية ضد عمليات الحفر غير المشروعة، وطرق الري التقليدية المستخدمة كفاءة الري 30-45 في المئة، وعدم وجود تعرفة لاستهلاك المياه الزراعية، إلى معدلات استهلاك مفرطة لدى القطاع الزراعي.
وبسبب النمو السكاني والتوسع العمراني الهائل الذي شهدته دول المنطقة، زادت متطلبات القطاع البلدي للمياه بمعدلات تفوق قدرة المصادر المائية المخصصة لهذا القطاع التحلية على الوفاء بها.
وتضخمت متطلبات القطاع المنزلي كذلك بسبب عدم وجود برامج للمحافظة على المياه وانخفاض التعرفة على استخدامات المياه مما يحول دونها ودون منع المستهلكين، في الإسراف في استخدام المياه أو تبديدها.
ويصل إجمالي استخدامات المياه في الجزيرة العربية لمختلف الأغراض إلى نحو 29.6 بليون متر مكعب في السنة، ويستحوذ القطاع الزراعي على ما نسبته 85 في المئة منها يليه القطاع البلدي بنسبة 14 في المئة، أما القطاع الصناعي فلا تزيد نسبته عن 2 في المئة.
مما سبق يتضح أن ضغط النمو السكاني والسياسات الزراعية تمثل لب المشكلة في تنمية الموارد المائية والمحافظة عليها، إذ تفوق معدلات الطلب على المياه في هذين القطاعين معدلات تطوير الموارد المائية في شبه الجزيرة العربية. وفي الحقيقة أن العجز الغذائي في تزايد وتفاقم بسبب محدودية المياه والأراضي الزراعية وتدهورها.
وعلى رغم محدودية الموارد المائية والاستخدام المفرط لها، فإن معظم دول المنطقة تفتقر إلى سياسات وخطط مائية شاملة لتقويم وتطوير وإدارة الموارد المائية بها. فالسياسات المائية الحالية، إن وجدت، مجزأة وغير متكاملة وتشدد على تطوير قطاع اقتصادي معين من دون أي اعتبار للقطاعات الأخرى، وتم التوسع في الزراعة بغرض تحقيق الأمن الغذائي للسكان بدون النظر إلى محدودية الموارد المائية وتبعات السياسة الزراعية وتأثيرها على الموارد المائية. وتم تطوير الموارد المائية وتعظيم المتاح منها من دون أن ترافقها قوانين وإجراءات لخفض استهلاك المياه، وخطط لاسترجاع التكاليف.
وفاقم هذه المشاكل ضعف مؤسسات الإدارة المائية، وتعدد الجهات المسؤولة عن المياه وافتقار التنسيق ما بينها، وكذلك بينها وبين الجهات المسؤولة عن الأراضي والزراعة والإسكان، وضعف القدرات البشرية والمالية، وعدم مشاركة المستهلكين.
المتطلبات المائية المستقبلية
تشير التوقعات المستقبلية إلى ان إجمالي الطلب على المياه لمختلف الأغراض في دول الجزيرة العربية سيصل إلى نحو 47.3 بليون متر مكعب بحلول العام 2015، أي أن الطلب على المياه سيرتفع بنحو 17.8 بليون متر مكعب عن مستواه لعام 1995، وان القطاع الزراعي سيظل المستهلك الأكبر للمياه في دول الجزيرة العربية.
وبحساب الموارد المائية المتاحة المستقبلية لعام 2015، والمتمثلة بمعدل التغذية الطبيعي للمياه الجوفية 7.2 بليون متر مكعب سنوياً، وبالتوسع في بناء محطات التحلية ثلاثة بلايين متر مكعب سنوياً واعادة استخدام مياه الصرف الصحي المعالجة ثلاثة بلايين متر مكعب سنوياً على أحسن تقدير، وبافتراض ان كل المياه السطحية سيتم حصادها والاستفادة منها 8.3 بليون متر مكعب سنوياً، نجد ان هذه الكمية لن تتعدى 21.5 بليون متر مكعب.
وبمقارنة هذه الكمية بالطلب على المياه المتوقع للعام نفسه نرى أن الموارد المائية المستقبلية لن تستطيع الوفاء بالمتطلبات المتوقعة، وأن العجز المائي الحالي والمسجل عند 16.4 بليون متر مكعب في عام 1995 سيرتفع إلى 25.8 بليون متر مكعب بحلول العام 2015، ما يعني أن زيادة السحب والتعدين من المياه الجوفية ستصبح أمراً لا مفر منه لتلبية الحاجات المائية في المنطقة وأن التأثيرات السلبية لهذا التعدين من تدني نوعية المياه ستمتد وتغزو معظم المستودعات المائية في الجزيرة، مما سيؤدي في النهاية إلى خسارتها.
وفي ظل هذه الظروف فإنه سيكون من الصعب الاستمرار في سياسات الأمن الغذائي وسيصبح استيراد الغذاء في شكل كبير أمراً ضرورياً.
من الواضح ان هناك حاجة لمراجعة السياسات الحالية المتعلقة بتنمية الموارد المائية واستخداماتها في كل دول المنطقة، على ان تتبعها خطوات جذرية وإيجابية نحو ترشيد وتنظيم الطلب على المياه، وزيادة المصادر المائية المتاحة، ووضع ضوابط مناسبة لاستخدامات المياه.
وقامت دول المنطقة وتقوم بجهود مضنية وجبارة في مجال زيادة مصادرها المائية واستحداث موارد إضافية عن طريق التوسع في بناء محطات التحلية والتوسع في إعادة استخدام المياه المعالجة وبناء السدود لحجز المياه السطحية لاستخدامها في الري وتغذية الخزانات الجوفية، إلا أن مجال تنظيم الطلب على المياه وترشيدها والمحافظة عليها ما زال مهملاً ولا يتم التركيز عليه كأحد أهم العناصر في برامج الإدارة المائية بدول المنطقة.
من البديهي أن تتركز جهود الترشيد والمحافظة على القطاع الزراعي، المستهلك الأكبر للمياه في المنطقة 85 في المئة، ولتوفير كميات كبيرة من المياه، سيما إذا ما علمنا أن كفاءة الري الحالية منخفضة عند مستوى 30-45 في المئة بسبب استخدام أساليب الري التقليدية وغياب الرصد والمراقبة للكميات المستهلكة وعدم وجود تعرفة لمياه الري.
أما في القطاع البلدي، فإن معدل استهلاك الفرد في دول المنطقة يعتبر عالياً متوسط 275 ليتراً في اليوم ويصل في بعض الدول إلى 745 ليتراً في اليوم بسبب غياب الوعي المائي وانخفاض تعرفة المياه البلدية مما يشجع الإفراط في استهلاك المياه والتبديد.
وكما ذكر سابقاً فإن هذه المشاكل تتفاقم بسبب الضعف العام للمؤسسات المسؤولة عن المياه، وضعف القدرات التقنية والتدريب، وعدم التنسيق بين الجهات المسؤولة عن المياه والمستهلكة لها.
خيارات السياسات المائية
تم اعداد ثلاثة سيناريوهات مستقبلية لبحث ودراسة الميزان المائي المطلوب لتحقيق تنمية مستدامة في الجزيرة العربية للفترة من 1995 إلى 2015، وفي السيناريوهات الثلاثة تم استخدام توقعات الأمم المتحدة لسكان المنطقة، أي أنه لن يطرأ أي تغيير على السياسات السكانية الحالية. وهي كالتالي:
السيناريو الأول-السيناريو المرجعي: وفيه تم افتراض عدم تغير النمط الحالي لاستهلاك المياه في القطاع البلدي، واعطاء الأولوية لاستخدامات المياه للقطاع البلدي والصناعي وثم الزراعي، وارتفاع الإنتاجية الزراعية بالنسبة الى وحدة الماء بسبب البحوث الزراعية في مجال تعظيم الإنتاج الزراعي وتطبيق التكنولوجيا الحديثة بما فيها البيوتكنولوجيا، ليتم تحقيق وفر تدريجي مقداره خمسة في المئة وعشرة في المئة و17 في المئة في الطلب على المياه الزراعية للأعوام 2000، 2010، و2015.
السيناريو الثاني-زيادة المصادر المائية: ويركز هذا السيناريو على زيادة المصادر السطحية والجوفية المتاحة ليصل حجم المتوافر منها إلى نحو بليوني متر مكعب بحلول العام 2015، وزيادة حجم المياه المحلاة تدريجياً إلى ثلاثة بلايين متر مكعب بحلول العام 2015، ورفع معدلات إعادة استخدام المياه المعالجة إلى ثلاثة بلايين متر مكعب بحلول العام 2015، واستمرار النمط الحالي لاستهلاك المياه في القطاع البلدي وارتفاع الإنتاجية الزراعية بالنسبة الى وحدة الماء كما في السيناريو المرجعي.
السيناريو الثالث-زيادة المصادر المائية وتطبيق سياسات علاجية معاً: في هذا السيناريو يتم تحقيق خفض تدريجي لأنماط ومعدلات الاستهلاك في القطاع البلدي والزراعي وذلك عن طريق زيادة كفاءة الري، ومراجعة تعرفة المياه لمختلف الأغراض، وتحسين إدارة المياه المعالجة، ويتم تحقيق خفض في الطلب العام على المياه مقداره 5.6 بليون متر مكعب بحلول العام 2015.
وفي السيناريو الثالث أيضاً يتم تحقيق الخفض في الطلب على المياه عن طريق اطار تفصيلي لسياسة مائية شاملة، لا يسع المجال هنا لذكرها، ويحتوي هذا الاطار على صياغة للسياسة المائية الرئيسية المقترحة في مجالات الإدارة المائية المختلفة وما يجب عمله في مجال التحليل والتخطيط، والتشريعات والتركيب المؤسسي لتنفيذها، والاعتبارات والأدوات الاقتصادية والمالية لها، وبرامج ترشيد المياه في القطاعين الزراعي والبلدي، والمشاريع والبرامج التنفيذية لتحقيقها.
أسفرت نتائج هذه السيناريوهات إلى انه في السيناريو الأول المرجعي ستعاني دول الجزيرة العربية من عجز مائي حاد وستفشل في تحقيق سياسات الإنتاج الغذائي الموضوعة وسيناهز العجز المائي 32 بليون متر مكعب بحلول العام 2015، وفي السيناريو الثاني زيادة المصادر المائية سيقل العجز المائي إلى نحو 28 بليون متر مكعب بحلول العام 2015، وفي السيناريو الثالث زيادة المصادر المائية وتطبيق سياسات علاجية سيصل العجز المائي إلى نحو 21 بليون متر مكعب بحلول العام 2015. أي أنه حتى عند تطبيق السياسات العلاجية ستظل دول الجزيرة العربية تعاني من عجز واضح في المياه، وإن خفت حدته عن السيناريوهات الأخرى، إذا ما استمرت هذه الدول في تطبيق السياسات الزراعية الحالية.
وعليه فإن عدم التوازن الحالي بين حجم المصادر المائية المتاحة والطلب عليها في دول الجزيرة العربية سيكون مزمناً ومن المتوقع أن يزداد مع الوقت إلا إذا تم اتخاذ خطوات جذرية لترشيد استخدامات المياه والتنظيم الكفء للطلب عليها، وزيادة المصادر المائية المتاحة، ووضع ضوابط مناسبة لاستخدامات المياه.
إن رسم وصياغة سياسات مائية شاملة بعيدة المدى وتركز على الترشيد وإدارة الطلب على المياه هو الخطوة الأولى والأساسية لتحقيق قدر من التنمية المستدامة والتنفيذ الناجح لهذه السياسات سيكون أحد المعالم المهمة لرصف الطريق نحو التعامل مع مشكلة الندرة المائية في المنطقة.
ومن جهة أخرى فإن الفشل في تحقيق أهداف هذه السياسات سيؤدي إلى تدهور نوعية وكمية إمدادات المياه، اتساع الفجوة الغذائية، وانخفاض مستوى المعيشة لمواطني المنطقة. وأخيراً فان المشكلة المائية في الجزيرة العربية ستبرز كأحد أكبر محددات التنمية لدول المنطقة ما لم يتم تغيير السياسة السكانية بدول المنطقة.
د. وليد خليل الزباري
أستاذ مشارك، هيدروجيولوجيا
مدير برنامج علوم الصحراء والأراضي القاحلة - كلية الدراسات العليا، جامعة الخليج العربي، البحرين.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.