التعاون يتفوق على الشباب    الأهلي يخطف البطاقة الآسيوية بخماسية في شباك أبها    إطار الابتكار الآمن    منشآت تنظم أسبوع التمويل بالشراكة مع البنوك السعودية في 4 مناطق    النفط يغلق تداولات الأسبوع مرتفعاً 1 % بفضل آمال ارتفاع الطلب    كيان عدواني غاصب .. فرضه الاستعمار !    موسكو تتقدم في شمال شرق أوكرانيا    أمير عسير يُعزّي أسرة «آل مصعفق»    أهمية إنشاء الهيئة السعودية للمياه !    الهلال يحبط النصر..    الخبز على طاولة باخ وجياني    جماهير المدينة (مبروك البقاء)!    الأهلي إلى نخبة آسيا    «حرس الحدود» بجازان يحبط تهريب 270 كيلوغرام«قات»    «الأرصاد»: مدن المملكة تسجل تنوعاً مناخياً فريداً يعكس واقعها الجغرافي    كيلا يبقى تركي السديري مجرد ذكرى    وزير التعليم: تفوّق طلابنا في «آيسف 2024» يؤسس لمرحلة مستقبلية عنوانها التميّز    199 مليار ريال مساهمة قطاع الطيران في الناتج المحلي    ضبط 16023 مخالفًا للإقامة والعمل وأمن الحدود    إسرائيل تواجه ضغوطا دولية لضمان سلامة المدنيين    نيابة عن ولي العهد.. وزير البيئة يرأس وفد المملكة في المنتدى العالمي للمياه    المملكة رئيسا للمجلس التنفيذي للألكسو حتى 2026    الرئاسة العامة تستكمل جاهزيتها لخدمة حجاج بيت الله الحرام هذا العام ١٤٤٥ه    التخصصي: الدراسات السريرية وفرت نحو 62 مليون ريال    فيضانات أفغانستان تزهق الأرواح وتدمر الممتلكات    رئيس وزراء اليونان والعيسى يناقشان الموضوعات المشتركة بين البلدين    تشيلسي يتوج بلقب الدوري الإنجليزي للسيدات للمرة الخامسة على التوالي    هيئة تقويم التعليم والتدريب تعلن إطلاق استطلاعات الرأي لجودة التعليم الجامعي وبرامجه.    تشخيص حالة فيكو الصحية «إيجابي» ووضع منفذ الاعتداء قيد التوقيف الاحتياطي    "إرشاد الحافلات" يعلن جاهزية الخطط التشغيلية لموسم الحج    توطين تقنية الجينوم السعودي ب 140 باحثا    تعرّضت لقصف بالصواريخ.. حريق في ناقلة نفط قبالة اليمن    افترقوا بحب معشر العشاق    إتاحة مزاد اللوحات للأفراد ونقلها بين المركبات عبر أبشر    من ينتشل هذا الإنسان من كل هذا البؤس    مجسم باب القصر يلفت انظار زوار وسط بريدة    «غرفة بيشة» تساهم في دعم حفل تكريم المشاركين في مبادرة أجاويد ٢    "تعليم الطائف" يعتمد حركة النقل الداخلي للمعلمين والمعلمات    نعمة خفية    البحث العلمي والإبتكار بالملتقى العلمي السنوي بجامعة عبدالرحمن بن فيصل    جامعة الملك فيصل تحصد الميدالية الذهبية عن اختراع جديد    المربع الجديد: وجهة لمستقبل التنمية الحضرية بالسعودية    قائد فذٌ و وطن عظيم    إندونيسيا: الكوادر الوطنية السعودية المشاركة في "طريق مكة" تعمل باحترافية    متحدث «الداخلية»: مبادرة «طريق مكة» توظف الذكاء الاصطناعي والتقنية لخدمة الحجاج    «الحج والعمرة»: لا تصاريح عمرة ابتداء من 16 ذو القعدة وحتى 20 ذو الحجة    سفارة المملكة في قرغيزستان تحذر المواطنين بأخذ الحيطة والحذر والابتعاد عن أماكن التجمعات    استمرار هطول أمطار على جازان وعسير والباحة ومكة والمدينة    الهلال يخطف تعادلاً مثيراً من النصر بعد حسم "روشن"    السمنة والسكر يزيدان اعتلال الصحة    رئيس جمهورية موريتانيا يغادر جدة    الأمير سلمان بن سلطان يرعى حفل تخرج طلاب وطالبات البرامج الصحية بتجمع المدينة المنورة الصحي    طريقة عمل الأرز الآسيوي المقلي بصلصة الصويا صوص    طريقة عمل وربات البقلاوة بحشو الكريمة    ولي العهد في المنطقة الشرقية.. تلاحم بين القيادة والشعب    «الأحوال»: قرار وزاري بفقدان امرأة «لبنانية الأصل» للجنسية السعودية    جامعة الملك خالد تدفع 11 ألف خريج لسوق العمل    حراك شامل    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



استيعاباً لخياله وأفكاره : بورخيس في أعمال نقدية
نشر في الحياة يوم 05 - 08 - 1999

يضم كتاب "عوالم بورخيس الخيالية" مقالات نقدية مختارة عن أعمال الكاتب الأرجنتيني خورخه لويس بورخيس 1899 - 1986. وهي مقالات تنتمي الى سياقات ثقافية متعددة تعكس مدى الاهتمام العالمي بذلك الكاتب. وتكمن اهمية هذه المقالات، كما تذهب مقدمة المترجم، في أنها تجعلنا ننظر الى انتاج بورخيس من اكثر من وجهة نظر ومن أكثر من اتجاه حتى "وإن كانت جميع وجهات النظر التي سنلتقي بها هنا تنطلق من اجماع على الاهمية الكبرى لقصص بورخيس".
إن اهمية المقالات المذكورة تكمن، وسط سياق الترجمة هذا، في قدرتها على توصيف وتحليل مصادر وطبيعة موضوعاتها انتاج بورخيس الجمالي.. فمصادر الاخير لا تعد ولا تحصى، "كما أنها غير متوقعة"، على حد تعبير الكاتب الفرنسي أندريه موروا.. فقد "قرأ بورخيس كل شئ" تقريباً، وخاصة ما لم يعد أحد يقرأه: "القبلانيون، الاغريق السكندريون، فلاسفة القرون الوسطى"، إضافة الى "ألف ليلة وليلة"، والاساطير الاسكندنافية، والفلسفة الالمانية، وهوميروس، واساطير الشرق الاقصى والاوسط. وهناك معاصروه مثل كافكا وكان بورخيس احد اوائل من ترجموه الى الاسبانية، وغير ذلك الكثير.
ويمكن القول، الى ذلك، أن نصوص بورخيس تستعصي على التصنيف والتحديد إذا ما تمت مقارنتها بالانواع الجمالية المتواضع امامها.. فهو يتجاهل، في كثير من الاحيان، النصوص المعترف بها في الادب "لصالح تفضيلاته هو"، وفق تحليل جون كنج "الاستاذ البريطاني للتاريخ الثقافي لأميركا اللاتينية"، ومن ذلك يتساءل بورخيس، الذي لم يكتب رواية قط، بقوله: "لماذا نستغرق خمسمائة صفحة لبسط فكرة يستغرق عرضها الشفهي دقائق معدودة؟"، ما دفع صديقه بيوي كاساريس الى كتابة أن بورخيس اسس "نوعاً ادبياً جديداً هو مقال وقصة في وقت واحد؟، إنها تمارين لتفكير ذكي لا ينقطع وخيال خصب، لا يعرف الكلل ولا كل العناصر البشرية، المؤثرة أو العاطفية".
وتفترض ملاحظة بورخيس السابقة، وبحسب الروائي البيروفي ماريو فارغاس يوسا، أن كل كتاب انما هو خطاب عقلي، يقدم اطروحة، ولو صح ذلك لما كانت تفاصيل أي كتاب قصة أكثر من اردية خارجية لحفنة من المفاهيم، التي يمكن عزلها وتعليمها مثل اللؤلؤ الذي يتخذ من المحارة مأوى، ويتساءل الروائي البيروفي: هل يمكن اختزال دون كيخوته، أو موبي ديك أو دير يارما، أو الشياطين، الى فكرة أو فكرتين؟ الحقيقة ان تأكيد بورخيس ليس مفيداً كتعريف للرواية، لكنه يكشف "لنا" ببلاغة أن الاهتمام الرئيسي لقصصه إنما ينصب على الحدس، والتأمل، والنظرية.
وعلى رغم ذلك، وعلى شكل مقولة الكاتب الروسي تورغنيف لقد خرجنا من معطف غوغول، تستمد اعمال بورخيس اهميتها في ما يتعلق بالتطورات اللاحقة على وجه الخصوص، من خلال تأثيره العميق والملموس على نثر الكثيرين في اميركا اللاتينية.
فتأثيره على غبريال غارسيا ماركيز "مستوعب جداً" ذلك أن الآلية الخاصة بتحويل الواقع الفعلي الى واقع خيالي "سمة بورخيسية" بامتياز.. فالغرائبي عنصر لا غنى عنه في قصص بورخيس. واكثر من ذلك، يسعى بورخيس في مواقع عدة، الى تأسيس نظرية للادب الغرائبي. ومن ذلك يرى: "أن الوسائل الاساسية للادب الفانتازي كله لا يزيد عددها على اربع: العمل داخل العمل، الواقع المشوب بالحلم، الرحلة عبر الزمن، والقرين". وهذه تمثل في آن معاً، بحسب ملاحظة جيمس آربي، وهو مترجم رئيسي لإنتاج بورخيس الى الانجليزية، كلاً من موضوعاته الجوهرية - الطابع الاشكالي للعالم، وللمعرفة، وللزمن، وللذات - وكذلك تقنياته الجوهرية للبناء، والواقع أنه في سرديات بورخيس يختفي من الناحية العملية ذلك التمييز المعتاد بين الشكل والمحتوى، كما يفعل ذلك التمييز بين عالم الأدب وعالم القارئ.
غير أن ذلك لا يعني، وفق استدراك ماريو فارغاس، أن غرائبية بورخيس وطابعه المحلي تربطهما صلة "بالغرائبية والطابع المحلي عند كتاب اقليميين مثل ريكاردو غيرالدس وثيرو الغريا. ففي عمل كل منهما "نجد الغرائبية عفوية وتنبع من رؤية محلية إقليمية ضيقة للريف وعاداته التي يطابقها الكاتب الاقليمي مع العالم". والغرائبية عند بورخيس "إنما هي ذريعة"، وهو يستخدمها بموافقة أو جهل القارئ لينسل بسرعة وبصورة غير محسوسة الى خارج العالم الواقعي ليدخل تلك الحالة من عدم الواقعية والتي يعتقد بورخيس، مثل بطل قصته "المعجزة السرية" أنها الشرط الضروري للفن.
إن نصوص بورخيس، كما تذهب ايرين بيسيير، ليست شيئاً آخر سوى وسيلة لتحريك عقل يعذّبه التنافر ومهموم دوماً بعقد العلاقات، وبتهيئة تآلف العناصر الخيالية. وهذه الامكانية لإعادة تنظيم لا نهائية "تؤسّس الفانتازي الادبي". والحقيقة "أن هذه الاعتباطية وهذه المجانية للتأمل والكتابة ترجعان الى الاقتناع بأن تماسك الأنا مشكوك فيه، وبأنه، خارج هذا الانا، يكون الواقع غير متماسك". ومنذ ذلك الحين يختلط تصوير ما هو واقعي مع مجموعة من العلامات التي تتحد جميعاً.. حيث يهدف بورخيس، من كل ذلك، الى استعادة فرضية دي كوينسي: "العالم بأسره لعبة رموز وكل شيء فيه يعني شيئاً آخر".
وتشير ايرين، الى ان الفانتازي يبرز باعتباره التوافق المتنامي للأضداد، وحتى التوفيق بينها، وتطابقها، هذه الاشياء التي تلغيه في نهاية المطاف في سبيل تكوين صورة العدم.
إن صرامة وبراعة بورخيس، وفق جون كنيغ، ونقاء كتابته، واتساع نطاق قراءته - وقد اعلن دائما انه قارئ اكثر منه كاتباً - أدت الى الاعتراف به على أوسع نطاق باعتباره أهم كاتب اميركي لاتيني في القرن العشرين. وهنا، كما يلاحظ احد نقاده، يسارع بورخيس دائماً إلى الاعتراف بمصادره واقتباساته لأن لا أحد في نظره يمكنه ان يدعي الأصالة في الادب، فجميع الكتاب "ناسخون مخلصون تقريباًً للروح، ومترجمون وشارحون للنماذج الاصلية الموجودة سلفاً"، الأمر الذي يعيد الى الاذهان المفهوم البنيوي السائد للنص بوصفه هدم وإعادة بناء لنصوص سابقة!.
* "عوالم برخيس الخيالية" صدر عن الهيئة العامة لقصور الثقافة، القاهرة، 1999، تأليف: جماعي، ترجمة: خليل كلفت.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.