ورقة جديدة من شجرة الشعر العربي سقطت بوفاة الشاعر العراقي عبدالوهاب البياتي، الذي يشيع اليوم في دمشق ويوارى في مقبرة جامع محيي الدين بن عربي. وكان الشاعر توفي فجر امس اثر نوبة قلبية كما أفاد الاطباء، واستيقظت مدبّرة المنزل لتجده جثة هامدة على الكرسي الهزاز حيث سهر مساء اول من امس حتى ساعة متقدمة، ليصادق على البيان النهائي للجائزة التي تحمل اسمه، اعدته لجنة التحكيم المؤلفة من محيي الدين صبحي ومحمد علي شمس الدين وفايز خضور ومحمد مظلوم، وأفاد مظلوم ان نوبة ربو حادة اصابت البياتي فأخذ جرعة دواء وهدأ قبل ان يودع زواره… الوداع الاخير. جزء من تاريخ العراق الحديث وحركته الشعرية المصبوغة بحيوية التغيير وبالحساسية السياسية. هكذا الشاعر عبدالوهاب البياتي يجمع الشخصي بالوطني بالفني، ليخوض حياة ضاجة بالاعتراض والخلاف، وبوعي عميق بضرورة تجديد الشعر والوصول به الى الصفاء السهل والى اوسع قاعدة من القراء، يصل كجوهر مشعّ لا ككلام عابر. وقد اكثر الشاعر الراحل من كتابة القصائد، فترك عشرات الدواوين، لكنها اجتمعت في مراحل مختلفة، يمكن القول انها كانت ثلاثاً، الواقعية والرومانسية والرمزية، مراحل لا تشبه مثيلاتها عند الآخرين بقدر ما تشبه هوس البياتي بشعر يصل الى الناس بسهولة مهما كانت الاقنعة التي يتخفى وراءها أو الرموز التي يكنّي بها. ولعل شخصية عبدالوهاب البياتي طغت على شعره، فما من قصيدة اشتهرت شهرة مقابلاته الصحافية الضاجّة بالحملات الموجهة الى غير شاعر وغير منهج شعري، كأنّ المقابلة الصحافية عنده نوع من حسبة للشعراء تضع لهم الحدود وتعلن الأحكام. لكنه ايضاً شاعر المنافي افتتح بنفسه المصير الذي سينتهي اليه معظم شعراء العراق في المأساة الراهنة لهذا البلد العربي. بدأ منفاه موظفاً خارج الحدود وانتهى لاجئاً سياسياً او انسانياً، وكان أول لجوئه في مصر بين عامي 1963 و1969 حين اعطته القاهرة الاستقرار واحتفى مثقفوها بشعره وشهد معهم هزيمة حزيران يونيو 1967. يتساءل البياتي: "من يملك الوطن،/ القاتل المأجور يا سيدتي/ ام رجل المطر؟/ نازك والسياب والجواهري/ ام سارق الرغيف والدواء والوطن؟"... سؤال لم يجد له جواباً حتى موته، وكان الشعر لديه في كل حال مفخرة شخصية في امة تعتبر الشعر شعارها، ومأساة شخصية حين يصير الشعر باباً الى الضياع خارج الوطن والى التهويم في مدن قريبة وبعيدة لإنقاذ الكلمة العربية والمعنى العربي من فم التنين. عبدالوهاب البياتي بعد محمد مهدي الجواهري ونزار قباني، ورقة اخرى تسقط من شجرة شعرنا، فيما كثيرون يحاولون زرع اشجار جديدة ولا يوفقون. وفيما بثت الاذاعات امس خبر وفاة البياتي اوردت وكالة دبا من صنعاء ان مباراة في الشعر أدت بأحد الشعراء الى ان يستبدل القصيدة ببندقية فأطلق النار وقتل خمسة من الحضور وجرح عدداً آخر. وعلم ان خصوم الشاعر تربصوا به فقتلوه وابنه، وهم في سبيلهم الى قتل ثلاثة آخرين ليتساوى عدد الضحايا.