ايهود باراك مقتنع بأن دولة فلسطينية ستقوم، لذلك فهو لا يعارضها وانما يعرض على الفلسطينيين ما هو اقل من دويلة، او ما لا يمكن ان يسمى دولة مهما كان التعريف مطاطاً. وهو مقتنع بأن لا سلام مع سورية من دون انسحاب كامل من الجولان، لذلك فهو يقبل بالانسحاب من الجولان، ثم يقدم طلبات تجعل الانسحاب غير كامل وبالتالي غير مقبول. رئيس وزراء اسرائيل حذر، لذلك فهو يتحفظ في كلامه، وقد قال ان عمق الانسحاب من الجولان سيعادل عمق السلام، وهي عبارة عائمة يمكن ان يفسرها كما تدعو الحاجة. غير ان المصادر الاسرائيلية التي رجعت اليها في ما كتبت امس واليوم، تتحدث بوضوح عن مراكز تنصت في الجولان، وعن وجود اميركي مع تجريد مناطق سورية شاسعة مجاورة من السلاح، ثم تتحدث عن جبل الشيخ فتصفه "هاآرتز" مثلاً بأنه "عيون اسرائيل" ويجب بقاء مراكز تنصت لها فيه. بل ان قبول العودة الى المفاوضات من نقطة توقفها مع "العمل" القديم مشروط بما يعيد المفاوضين الى نقطة الصفر. الاسبوع الماضي قبل الفلسطينيون مرغمين مهلة اسبوعين لدرس اقتراحات باراك. وهناك فترة اطول قليلاً مع سورية، فالسيدة مادلين اولبرايت، وزيرة الخارجية الاميركية ستزور دمشق في 17 آب اغسطس والارجح الا يتم شيء مهم على الصعيد السوري - الاسرائيلي قبل ذلك الحين. مع ذلك ثمة اسباب كثيرة لقلق المراقب العربي: - على الرغم من الحديث عن الانسحاب الكامل من الجولان، فقد كان هدف باراك من الاجتماع بالبليونير رون لاودر الذي قابل الرئيس الاسد غير مرة نيابة عن نتانياهو هو معرفة ان كان الجانب السوري قدم تنازلات ليطالب هو بها. - هناك دسّ واضح على سورية وموقفها، وجريدة "معاريف" النافذة كتبت الاسبوع الماضي نقلاً عن مصادر اميركية، ان الدكتور بشّار الاسد سيرأس الجانب السوري في المفاوضات ليكسب من عودة الجولان على يديه. ثم اضافت ما يناقض هذا الكلام، نقلاً عن مصادر اسرائيلية زعمت ان الدكتور بشار الاسد سيدير المفاوضات ب"الريموت كونترول" اي من وراء الستار حتى لا تتضرر سمعته اذا فشلت. الدكتور بشّار الاسد ابن الرئيس، الا انه لا يحتل منصباً رسمياً بعد يؤهله للتفاوض مع اسرائيل، خصوصاً مع وجود مفاوضين سوريين متمرسين، لذلك فإقحام اسمه لا يمكن ان يعتبر عن حسن نيّة. - هناك محاولة دس موازية على دول عربية واسلامية، فالمصادر الاسرائيلية تروّج لبقاء خطر على اسرائيل، حتى في حال السلام، من العراق وايران وليبيا، وربما المملكة العربية السعودية، وجريدة "هاآرتز" عادت يوم الثلثاء الماضي لتذكر ان وزير الدفاع والطيران السعودي الأمير سلطان بن عبدالعزيز زار انشاءات نووية وصاروخية في باكستان. كيف يمكن لهذه الزيارة ان تهدد اسرائيل؟ علم ذلك عند الاسرائيليين. - النقطة السابقة لا تُفهم الا من خلال ما يجري على الارض، فعندما اصبح ايهود باراك رئيساً للاركان في اسرائيل وعد بأن يجعل جيش الدفاع الاسرائيلي "أصغر وأذكى" الا انه واصل سياسة التسليح المكثّف كأسلافه. وعندما اصبح باراك رئيساً للوزراء وعد بأن يجعل هذا الجيش "جيش سلام" الا انه ذهب الى الولاياتالمتحدة واتفق على شراء 50 طائرة اف - 16 بمبلغ 2.5 بليون دولار، وعلى شراء 60 طائرة اخرى من الطراز نفسه في وقت لاحق ببليوني دولار. وقالت "هاآرتز" نفسها ان الطائرات "هدية" من اميركا. وهناك، حسب المصادر الاسرائيلية، صفقات ببلايين الدولارات لشراء طائرات هليكوبتر مقاتلة وطائرات تجسس وصواريخ واسلحة ذكية من كل نوع. لماذا تريد اسرائيل ان تزيد قوة جيشها اضعافاً وهو قوي جداً؟ الجواب عند الاسرائيليين الذين يخترعون الاخطار بما في ذلك زيارة منشآت عسكرية، لتبرير بناء قوة عسكرية مسيطرة حتى بعد حلول السلام. - في حين ان باراك لم يفعل للسلام حتى الآن شيئاً غير الحديث عنه، فهو بدأ يقبض ثمنه فعلاً، وقراءة دقيقة للبيان المشترك الذي تمخضت عنه زيارة باراك الولاياتالمتحدة تظهر تحولاً دقيقاً في الموقف الاميركي الى جانب اسرائيل، فهناك اتفاقات قديمة ستُنفذ واتفاقات جديدة. وقد تعهد الجانب الاميركي بأن يساعد اسرائيل في الدفاع عن نفسها، فتمتلك كل مقومات ذلك، ولا تحتاج بالتالي الى حلف دفاعي مع اميركا، كما تجاوز مجرد التعهد بأن يساعد اسرائيل على تقليل اخطار السلام بأن وعد هذه المرة بأن يساعدها على خفض نفقات التقليل من اخطار السلام، ما يعني بلغة مفهومة ان تدفع الولاياتالمتحدة ثمن السلام الاسرائيلي. الرئيس كلينتون يقول ان الكيمياء بينه وبين باراك ممتازة، الا انه لا يستوعب ان بناء قوة اسرائيل عسكرياً واقتصادياً وهي قوية اصلاً، قبل السلام سيجعلها تركب رأسها وتحاول فرض شروط غير مقبولة على السوريين والفلسطينيين. وهو أبدى "خيبة امله" لأن الرئيس الأسد لم يحضر تشييع جنازة الملك الحسن الثاني لأنه كان يريد ان يجمعه مع باراك. ويبدو ان الرئيس الاميركي لا يفهم اسرائيل، وان فهمه لسورية ورئيسها أقل، فالرئيس الأسد لن يمد يده لمصافحة باراك او غيره قبل السلام، وبعضنا يقول انه لن يمدّ يده بعد السلام. وسواء أكان عدم الفهم حقيقياً او مقصوداً، فالنتيجة واحدة، وهي اضعاف فرص قيام سلام شامل وعادل ودائم. ملاحظة اخيرة: كلف وزير العدل الاسرائيلي يوسي بيلين لجنة رسمية درس امكان رفع حالة الطوارئ المفروضة في اسرائيل منذ تأسيسها، اي منذ 51 سنة. هل لاحظ القارئ شيئاً في هذا الخبر؟ انا لم اسمع كلمة واحدة، من اي هيئة أو دولة او منظمة حقوق انسان، عن حالة الطوارئ في اسرائيل، ولكن اسمع مرة في الاسبوع تقريباً منذ 20 سنة عن حالة الطوارئ في مصر التي فرضها الرئيس أنور السادات لأسباب واضحة. لماذا نسمع عن مصر ولا نسمع عن اسرائيل؟ لماذا أسأل اسئلة سخيفة؟