يأتي الألمان على رأس قائمة اكثر الشعوب المحبة للسياحة في العالم. ويدل على ذلك قيام 50 مليون الماني بانفاق نحو 70 بليون مارك على السياحة سنوياً. ولا تستقطب البلدان العربية حتى الآن سوى 1.9 مليون من السياح الألمان تتوجه غالبيتهم الى ثلاثة بلدان هي تونس 900 ألف ومصر 450 ألفاً والمغرب 225 ألفاً. اما بالنسبة للسياحة العربية الى المانيا. فمن بين 25 مليون سائح عربي سنوياً لا يتوجه اكثر من 300 الف الى المانيا. وتمثل هذه الأرقام مستوى متواضعاً على صعيد العلاقات السياحية بين البلدان العربية وألمانيا، وتطرح الكثير من التساؤلات حول اسباب ذلك، خصوصاً ان لدى هذه البلدان ما يبحث عنه السائح الألماني من شمس دافئة وشواطئ نظيفة وصحارى شاسعة وتراث عريق… الخ. كما ان امكاناتها على صعيد استيعاب السائحين تحسنت بشكل كبير خلال الاعوام العشرة الماضية. وبالمقابل فان ألمانيا ليست فقط احد اكثر بلدان العالم تطوراً صناعياً وحسب، فهي تتمتع بطقس صيفي معتدل وغابات وبحيرات خلابة. كما ان مراكز الاستشفاء والعلاج والمصحات الألمانية تعتبر من الأفضل في العالم. ويرى هايكو لانفي عضو مجلس ادارة شركة الطيران الألمانية "لوفتهانزا" ان ضعف العلاقات السياحية العربية - الالمانية يعود الى ان كثيراً من الدول العربية كان حتى ماض قريب غير مهتم بتطوير القطاع السياحي كما ينبغي. وعلى رغم القفزة النوعية التي شهدها هذا القطاع اخيراً فإن الاهتمام به لا يزال دون المستوى المطلوب. ويبرز التقصير الدعائي والاعلامي خصوصا على هذا الصعيد. وفي هذا السياق يرى ايرش كاوب رئيس اتحاد الصناعات الألمانية للسياحة ان اتباع سياسات سياحية اكثر فعالية يمكن ان يؤدي الى مضاعفة عدد السياح الالمان الى البلدان العربية خلال اعوام معدودة. ومما يشجع ويساعد على ذلك الامكانات الفندقية والخدمية الكبيرة التي جرى ويجري تطويرها على قدم وساق منذ اعوام عدة. واذا كان بعض رجال السياحة الألمان يعتقدون بأن القضية مسألة امكانات وسياسات فان بعضهم الآخر يرى ان ضعف العلاقات المذكورة يعود الى مخاوف السائح الألماني من الاوضاع الأمنية والسياسية غير المستقرة في عدد من الدول العربية. ومن بين هؤلاء فولفغانغ بيزر مدير "ن و ر" NUR احدى اكبر المؤسسات السياحية في المانيا، الذي قال اثناء القمة السياحية العربية - الالمانية الاولى التي عقدت في برلين اخيرا ان قلة اعداد السائحين الألمان في البلدان العربية تعود الى قلة العروض وعدم توافر الأمن بشكل كاف في العديد منها. غير انه من الصعب الموافقة على مثل هذا الرأي، خصوصاً ان هناك وقائع تخالفه. فالسياح الألمان يزورون وبكثافة بلداناً لا تقل درجات المخاطر وعدم الاستقرار فيها عن نظيراتها في غالبية الدول العربية، هذا ان لم تزد عليها على حد تعبير عثمان العائدي رئيس الاتحاد الدولي للفنادق ورئيس الاتحاد العربي للسياحة والفنادق. ومن هذه البلدان اسرائيل وتركيا على سبيل المثال. فعدد السياح الألمان الذين يتوافدون الى الاخيرة يزيد على عدد الذين يتوافدون الى كامل المنطقة العربية، 1.9 مقابل اكثر من 2.5 مليون سائح خلال العام الماضي. فالمشكلة لا تكمن اذاً في وجود مخاطر امنية وحسب، بل تكمن ايضا في اسباب اخرى تتعلق بنجاح سياسات الترويج السياحي من جهة ومستوى تطور الخدمات السياحية والبنية التحتية اللازمة لها… الخ. على الجانب العربي. اما على الجانب الألماني فان ضعف التدفق السياحي العربي يعود بشكل اساسي الى تعود السائح العربي على زيارة بلدان تربطها ببلده علاقات تاريخية اقوى او توجد فيها جاليات عربية كبيرة مثل بريطانيا وفرنسا. كما انه يفضل زيارة بلدان تتوفر فيها ظروف مناخية افضل من المانيا مثل اسبانيا او سويسرا. ويشكو السائح العربي الذي يريد زيارة المانيا ليس فقط من الصعوبات والعراقيل التي تحول دون اعطاء تأشيرات الدخول الى الاراضي الألمانية بسهولة، بل ايضا من برودة العلاقات الاجتماعية والتحفظ الشديد للألمان تجاه الغرباء، ما يعطي الانطباع بأنهم ينظرون اليهم نظرة استعلاء وكبرياء. ويحظى موضوع تطوير العلاقات السياحية العربية - الألمانية باهتمام متزايد في اطار اللقاءات الاقتصادية بين الجانبين التي يتم تكثيفها منذ نحو عامين. وتوج هذا الاهتمام بانعقاد القمة السياحية العربية الألمانية الاولى التي نظمتها غرفة التجارة العربية الألمانية GHORGFA في برلين في اذار مارس الماضي. وكان على رأس كبار المسؤولين ال150 الذين حضروها وزراء السياحة من تسع دول عربية هي مصر وسورية ولبنان والأردن وفلسطين والمغرب واليمن وموريتانيا. وتحت عنوان "السياحة - محرك الاقتصاد في المستقبل" ناقش الحاضرون سبل تطوير العلاقات السياحية العربية - الالمانية. وعكس النقاش والمداخلات التي دارت تفاؤل الجانبين بمستقبل هذه العلاقات لأن الامكانات غير المستغلة لا تزال ضخمة على حد تعبير اورزولا شورشر رئيسة المركز الألماني للسياحة والسيد دنحو داود وزير السياحة السوري رئيس مجلس وزراء السياحة العرب. كما ان مسؤولي الاقتصاد الألماني بدأوا اخيراً يعون اهمية المنطقة العربية من الناحية الاقتصادية. ومن جهة اخرى بدأ اهتمام الشركات العربية بالحصول على التقنية الألمانية يتزايد بعد فترة تركزت الأنظار فيها على تقنيات من شرق آسيا. ويضاف الى ذلك الترحيب الحار الذي يلقاه الألمان من قبل العرب على حد تعبير احد المستثمرين من مقاطعة بافاريا. وخلال كلماتهم ومداخلاتهم حرص الوزراء والمسؤولون العرب على تعريف الجانب الألماني بميزات وامكانات بلدانهم السياحية كمناطق تحتوي على معالم اقدم الحضارات بدءاً بالأهرامات وانتهاء بأحدث المنتجعات في تونس والمغرب ودبي وبيروت مروراً بآثار تدمُر والبتراء ودمشق وبيت لحم وصنعاء وانتهاء بمتعة الصحارى ونظافة السواحل وعراقة التقاليد وكرم الضيافة… الخ، كما حرصوا على تبديد مخاوف الألمان الأمنية، معتبرين ان هؤلاء يظلمون البلدان العربية عندما يعتقدون انها اقل أماناً من اوروبا او تركيا او مناطق اخرى. واذا كان هناك من مخاوف فليس مصدرها العرب وانما بؤرة التوتر في المنطقة، اي اسرائيل على حد تعبير عقل بلتاجي وزير السياحة والآثار الاردني وعدد من زملائه العرب. ولاحظ المتحدثون العرب ان الكثير من المسؤولين في المانيا ليسوا على اطلاع كاف على حقيقة التطور الذي شهدته المنطقة العربية خلال العقود الثلاثة الماضية. ولم ينس العديد منهم التنبيه الى اهمية الاستفادة من خبرات المانيا بشكل اكبر على صعيد تحديث متطلبات قطاع سياحي عربي اكثر كفاءة. وقال صائب نحاس رئيس جمعية السياحة في سورية: "ان العرب يحتاجون الى التكنولوجيا والمعارف الألمانية على صعيد تحديث البنية التحتية وتأهيل الأيدي العاملة. وبالمقابل فان الألمان يحتاجون الى الثروات والأسواق العربية الوفيرة والواسعة". ولوحظ تركيز الجانب العربي على الرغبة بتطوير السياحة العائلية من المانيا مراعاة لتقاليد وعادات المجتمع العربي، كما ذكر محسن بن خميس البلوشي وكيل وزارة التجارة والصناعة للسياحة في سلطنة عمان. وحاول الألمان من جهتهم عرض ميزات السياحة في بلدهم. وتركز اهتمامهم على الترويج للسياحة العلاجية التي تستقطب اعداداً متزايدة من العرب خصوصاً الخليجيين. وذكر ايرش كاوب ان عدد الليالي السياحية لرعايا الدول الخليجية بلغ اكثر من ربع مليون ليلة عام 1997. واضافة الى السياحة العلاجية تقدم المدن الالمانية خدمات تسوق نادرة لأحدث المنتجات وفي مختلف المجالات. ويتوقع المحللون ان تتضاعف مبيعات القطاع السياحي في العالم خلال السنوات العشر المقبلة وان يزداد عدد العاملين فيه بنسبة 50 في المئة على رغم ضعف معدلات النمو والركود العالميين. وتدل المؤشرات الاخيرة على ان اقبال الألمان على السياحة حيث الشمس والهدوء والشواطئ والتقاليد العريقة في تزايد على رغم معدلات البطالة العالية وضعف نمو القطاعات المحركة لعجلة الاقتصاد الوطني. ويعني ذلك ان هناك فرصاً متزايدة لتطوير العلاقات السياحية العربية - الالمانية شرط ايجاد السبل اللازمة لاستغلالها. ويرتبط النجاح في ذلك بقدرة العرب على ازالة مخاوف الألمان من مخاطر السياحة والاستثمار في بلدانهم من جهة وبقيام الجهات الألمانية المسؤولة بتسهيل دخول السائح العربي الى المانيا من جهة اخرى. وفي هذا الاطار من الضروري الاستفادة من تجربة تونس الناجحة في مجال كسب اعداد متزايدة من السياح الألمان.