الأخضر السعودي 18 عاماً يخسر من مالي    الإبراهيم: تشجيع الابتكار وتطوير رأس المال البشري يسرعان النمو الاقتصادي    النفط يستقر فوق 88 دولاراً.. وأسهم أمريكا تتراجع    «الرابطة» تُدين استمرار الاحتلال ارتكاب جرائم الحرب في غزة    الإبراهيم: إستراتيجياتنا تحدث نقلة اقتصادية هيكلية    الراقي في اختبار مدرسة الوسطى.. الوحدة والفيحاء يواجهان الحزم والطائي    ميندي وهندي والنابت مهددون بالغياب عن الأهلي    إنشاء مركز لحماية المبلغين والشهود والخبراء والضحايا    أدوات الفكر في القرآن    4 نصائح طبية عند استعمال كريم الوقاية من الشمس    الملك يغادر المستشفى بعد استكمال فحوصات روتينية    بيع "لوحة الآنسة ليسر" للرسام كليمت بمبلغ 32 مليون يورو    الأوبرا قنطرة إبداع    في ذكرى انطلاقة الرؤية.. مسيرة طموحة لوطن عظيم    الأمير عبدالإله بن عبدالعزيز يرعى حفل تخريج طلبة «كلية الأعمال» في جامعة الفيصل    حزب الله يطلق عشرات الصواريخ على إسرائيل ردّاً على مقتل مدنيين    تهدئة التوتر بين القوتين الاقتصاديتين في العالم    اللهيبي تُطلق ملتقى «نافس وشركاء النجاح»    اللي فاهمين الشُّهرة غلط !    لا تستعجلوا على الأول الابتدائي    "5 ضوابط" جديدة بمحمية "الإمام تركي"    سوناك وشولتس يتعهّدان دعم أوكرانيا "طالما استغرق الأمر" (تحديث)    مين السبب في الحب ؟!    مشاهدات مليارية !    أهلاً بالأربعين..    مساعد رئيس مجلس الشورى تلتقي بوفد من كبار مساعدي ومستشاري أعضاء الكونغرس الأمريكي    النفع الصوري    حياكة الذهب    هلاليون هزموا الزعيم    إجراء أول عملية استبدال ركبة عبر «اليوم الواحد»    زراعة 2130 شجرةً في طريق الملك فهد بالخبراء    166 مليار ريال سوق الاتصالات والتقنية بالسعودية    مسبح يبتلع عروساً ليلة زفافها    "إكس" تطلق تطبيقاً للتلفاز الذكي    أسرة البخيتان تحتفل بزواج مهدي    انطلاق "التوجيه المهني" للخريجين والخريجات بالطائف    "أم التنانين" يزور نظامنا الشمسي    اكتشاف بكتيريا قاتلة بمحطة الفضاء الدولية    «سدايا» تطور مهارات قيادات 8 جهات حكومية    961 مليونا ً لمستفيدي «سكني»    أمير الشرقية: القيادة تولي العلم والتنمية البشرية رعاية خاصة    تحت رعاية وزير الداخلية.. "أمن المنشآت" تحتفي بتخريج 1370 مجنداً    دورة تأهيلية ل138 مستفيداً ومستفيدةً من برنامج الإعداد للابتعاث    مقصد للرحالة والمؤرخين على مرِّ العصور.. سدوس.. علامة تاريخية في جزيرة العرب    رسالة فنية    برشلونة: تشافي سيواصل تدريب الفريق بعد تراجعه عن قرار الرحيل    الإسباني "خوسيلو" على رادار أندية الدوري السعودي    عيدية كرة القدم    تجهيز السعوديين للجنائز «مجاناً» يعجب معتمري دول العالم    جاسم أحمد الجاسم عضو اتحاد القدم السابق ل"البلاد": الهلال يغرد خارج السرب.. وحديث المجالس وضع" هجر" في مهب الريح    تحت رعاية الأمير عبد العزيز بن سعود.. قوات أمن المنشآت تحتفي بتخريج 1370 مجنداً    بعضها يربك نتائج تحاليل الدم.. مختصون يحذرون من التناول العشوائي للمكملات والفيتامينات    تجاهلت عضة كلب فماتت بعد شهرين    قطاع القحمة الصحي يُنظّم فعالية "الأسبوع العالمي للتحصينات"    أمير عسير يواسي أسرة آل جفشر    أمير حائل يرفع الشكر والامتنان للقيادة على منح متضرري «طابة» تعويضات السكن    المجمع الفقهي الإسلامي يصدر قرارات وبيانات في عددٍ من القضايا والمستجدات في ختام دورته ال 23 clock-icon الثلاثاء 1445/10/14    أمير تبوك: عهد الملك سلمان زاهر بالنهضة الشاملة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



بينالي الشارقة في دورته الرابعة يتكرس كتقليد حضاري
نشر في الحياة يوم 09 - 05 - 1999

بينالي الشارقة انجز أخيراً دورته الرابعة فتكرس كتقليد تشكيلي خليجي وعربي ودولي، إذ انتظمت دوراته واستطاع استقطاب حشد من الفنانين العرب والعالميين من دون الوقوع في أسر الشهرة الاعلامية، وكذلك الأمر مع لجانه التحكيمية المميزة في مستواها. ومن حيث التنظيم وازن البينالي بين الأجنحة الرسمية والخاصة ليتيح حضوراً تشكيلياً ذا مستوى واسع، ولذلك تميز بالضخامة بحيث يحتاج المشاهد المتأني أياماً ليرى جيداً اللوحات والمنحوتات والانشاءات وليتابع الورش الفنية ويتأمل مراحلها. كما وازن البينالي الحضور التشكيلي العالمي فلم يعد مقتصراً على الغرب الأوروبي والأميركي، ولعل نيل لوحة لفنان كوري جنوبي الجائزة الأولى بمثابة دلالة إلى استقطاب البينالي فنوناً من شبه القارة الهندية وصولاً إلى الشرق الأقصى.
ولا يمكن لبينالي الشارقة إلا أن يكون نفسه، فلا يكرر تجارب عربية أخرى في مجاله، من هنا "تجريبيته" التنظيمية والميل العفوي للمنظمين إلى أن يتلاءم البينالي مع موقع الشارقة وبالتالي دولة الإمارات كملتقى آسيوي أوروبي عربي، وما يقدمه هذا الملتقى فنياً وحضارياً، إذ لا يمكن اقتصار هذا الحضور المتنوع الحي في دولة الإمارات على الشأن الاقتصادي وحده.
وكان البينالي انطلق في دورته الأولى عام 1993 بمشاركة 134 فناناً من 22 دولة قدموا حوالى ألف عمل تشكيلي، وفي الدورة الثانية عام 1995 شارك 227 فناناً من 23 دولة ب788 عملاً تشكيلياً، وضمت الدورة الثالثة أعمالاً لثلاثمئة فنان من 44 دولة. أما الدورة الرابعة التي جرت أخيراً فقد ضمت حوالى ألفي عمل تشكيلي من ثلاثين دولة عربية وأجنبية، وترافقت الدورة مع افتتاح معهد الشارقة للفنون ومركز الشارقة للخط العربي والزخرفي ورواق الشارقة للفنون، واقيمت في نطاق البنيالي ورش فنية تجريبية شارك فيها فنانون أبرزهم ناصر السومي فلسطين، نازلي مدكور مصر، عبدالرحيم سالم الإمارات، سوزانا فانتاناريو رومانيا.
معظم فعاليات البينالي جرت في قاعات "اكسبو" لكن زيارات الفنانين والمشاهدين لم تنقطع إلى منطقة الفنون المقابلة لميناء قديم، ففي تلك المنطقة جرى ترميم بيوت قديمة وانشاء مثيلات لها لتؤلف في مجموعها مجالاً معمارياً يشي بتاريخ المنطقة وأهلها الذين لعبوا دوراً في المغامرات البحرية وفي الصراعات التي حملها البحر مع محاولات الغزو المتعددة من البرتغاليين والفرنسيين والانكليز وغيرهم. وفي مقابل منطقة الفنون تلك لا تزال ترسو في الميناء مراكب متواضعة آتية من موانئ عربية أو إيرانية أو هندية أو باكستانية تحمل بضائع استهلاكية، وعلى قمرات تلك المراكب رسوم فطرية وخطوط وتعاويذ فيكتمل مشهد البحارة في وجهه المتقشف الذي وحده لا يزال يحمل ملامح الماضي.
افتتح البينالي نائب حاكم الشارقة الشيخ سلطان بن محمد القاسمي بحضور فنانين مشاركين من 45 دولة يتقدمهم رئيس اللجنة العليا للبينالي رئيس دائرة الثقافة والاعلام التي تنظم البينالي الشيخ عصام بن صقر القاسمي الذي قال إن التظاهرة تأتي في سياق سعي الشارقة إلى "بناء الإنسان بناء حضارياً يمكن من تصحيح مساره عبر الحوار المتبادل الذي يوسع آفاق المبدعين ويرفع من سوية التذوق ويعزز الموروث الثقافي". وقال مدير إدارة الفنون هشام مظلوم إنه جرى التخطيط للبينالي في دورته الحالية ان يضم سبعة محكمين دوليين وخمسة مكرمين وعشرة معارض شخصية وست ورش فنية وستة ضيوف شرف يمثلون هيئات ومؤسسات فنية وخمسة إعلاميين وخمسة مفكرين وباحثين جماليين، فضلاً عن حضور فني فردي وآخر رسمي عبر وزارات الثقافة.
ومساء يوم الافتتاح اقيم احتفال في ساحة رواق الشارقة للفنون تم خلاله تكريم خمسة فنانين "لدورهم الملموس في إثراء الحياة الفنية العربية" وهم: تحية حليم مصر، نوري الراوي العراق، عبدالحليم رضوي السعودية، إبراهيم الصلحي السودان، أحمد الأنصاري الإمارات، كما تم تكريم الناقد الفنان أسعد عرابي وأصحاب المعارض الشخصية والورش الفنية والمشاركين في الندوة الفكرية المصاحبة للبينالي. وكان للإعلاميين تكريم تمثل في محيي الدين اللاذقاني من جريدة "الشرق الأوسط" ومحمد علي فرحات من جريدة "الحياة".
وتم في الأمسية نفسها تسليم جوائز للفنانين العارضين بحسب قرار اللجنة التحكيمية المؤلفة من: منى السعودي الاردن، رفائيل كانوجار اسبانيا، فاير يسوبليسي ايطاليا، حسين جمعان السودان، حسن شريف الامارات، موليم العروسي المغرب - انتخب رئيساً للجنة. واعطيت الجوائز كالتالي:
1 - جائزة الابداع الكبرى للكوري كيم تشانغ يونغ.
2 - جائزتا التصوير، الاولى للياباني تو سومي اماي، والثانية لليوناني سيتيو تاكيس.
3 - جائزتا الغرافيك، الاولى للنيوزيلندي ميغان كيسون، والثانية للبحريني جمال عبدالرحيم.
4 - جائزتا التركيب الاعمال الفراغية، الاولى للاماراتي محمد كاظم، والثانية للمصرية رحاب الصادق.
5 - جائزتا النحت، الاولى للاماراتي محمد احمد ابراهيم، والثانية للكوري شو سونغ موك.
وأشارت اللجنة الى ان اعمال بعض الدول مثل ايران وصلت بعد انتهاء التحكيم، ونوّهت اللجنة بعمل النحات نورما ماهيس.
ولدى اعلان النتائج لاحظ الجمهور ان معظم الجوائز اعطي لأعمال يغلب عليها طابع التقنية، خصوصاً الجائزة الاولى التي تمثل مشهداًً صحراوياً. لكن احتفالية البينالي نفسها أتاحت للحاضرين رؤية اعمال متنوعة المدارس والاساليب، وتميز من اجنحة الدول جناحا اليونان والولايات المتحدة، اذ اظهر الاول اعمالاً طالعة من عناصر المعمار التقليدي والاشياء الخشبية للبيوت، واظهر الجناح الثاني تنويعات على جدرانيات الشوارع الخلفية في المدن الاميركية الكبرى.
وتميزت من المعارض الشخصية اعمال السعودية منيرة موصلي ذات التجسيم والخطوط والنمنمة، اذ قدمت الفنانة بعض اعمال مرحلتها عن الواسطي مع شعر مواز من أحمد فرحات، والبحريني الشيخ زايد آل خليفة أظهرت أعماله قوة في الخط واللون والشكل في مغامرة واثقة. وهناك اعمال السعودي عبدالرحمن سليمان اللاعبة باللون الخطر: الأسود، واعمال اللبنانية فاطمة الحاج التي تعتني بشكل متكافئ بالجزئيات والكليات على صعيدي الخط واللون.
وكانت الورش الفنية مناسبة للتواصل مع الفن كعمل، ووقف الجمهور ليرى التفاصيل دقيقة بدقيقة مع الرومانية سوزانا فاثاناريو والاماراتي عبدالرحيم سالم والمصرية نازلي مدكور وغيرهم.
ومثلما في الدورة السابقة نظم بينالي الشارقة الرابع ندوة موازية، حملت هذه المرة العنوان "المحلية والعالمية في الفنون التشكيلية" وتصدرها هذان البيتان لإبن عربي:
رأى البرق شرقياً فحنّ الى الشرق
ولو لاح غربياً لحنّ الى الغرب
فإن غرامي بالبريق ولمعه
وليس غرامي بالأماكن والترب
واندرجت الندوة في اربعة محاول: والضد أفسد حسنه ميل المغلوب الى محاكاة الغالب، الاعلانية والماورائية في تفسير العلاقة مع الآخر، اهمية النقائض في احياء الفكر الانساني - قاطنو القرية المحلية والعالمية والأنا والآخر وسبل صياغة الهوية، المحلية والكونية وعولمة المستقبل الفني، الترجمات واهميتها في ايجاد حوار المحلية والكونية - الديوان الشرقي قطيعة ام تواصل مع روحانية فنون الشرق، التاريخي والاجتماعي في علاقتنا مع فنون الشرق - ذاكرة المستقبل الفن بين قرنين وايام العبور، التقنية والتوجه العلمي واستلابات العولمة، الفن وتحديات القرن الحادي والعشرين.
افتتح الندوة المدير العام لدائرة الثقافة والاعلام عبيد سيف الهاجري قائلاً: "ان المشروع الثقافي الذي تتبناه الشارقة ينطلق من حقيقة ان الثقافة والابداع العربيين هما في الموقع الجدير بأن يجعل العرب قوة حاضرة في عالم مضطرب".
وقال يوسف عيدابي الذي ادار جلسة الافتتاح: "تعالوا الى حوار وتلاق لا الى صراع واختراق وافتراق او تبعية جبرية في احسن الظروف. الشرق ليس شرقاً محضاً والغرب ليس غرباً محضاً وكذلك الشمال والجنوب، فالفن فوق الحدود وبلا حدود وعبر الحدود كافة، والفن روح الجهات".
وباسم الهيئة الدولية للفنون قال يورس برولو "ان بينالي الشارقة لا يقل اهمية عن البينالات العالمية الاخرى".
وقال مدير معهد العالم العربي في باريس ناصر الانصاري: "هذه التظاهرة التي تقام في الشارقة من الروافد المهمة التي توصل ما بين ثقافات العالم وفنونه"، واعلن الانصاري ان المعهد في صدد تنظيم معرض كبير في فرنسا لفنون العالم العربي ومعرض متنقل لفنون الاطفال العرب يتجول في المدن الفرنسية.
في المحور الاول للندوة "والضد أفسد حسنه" لاحظ اسعد عرابي ان الفن العربي يعاني من موقف الحداثة واللاحداثة، فالحداثة باطلاق تعود الى النزعة السياحية، والانطواء الثقافي هو محصلة اللاحداثة، فلماذا لا نمتحن المحلية والعالمية باعتبارهما عنصرين معاشين وكفتي ميزان للشهادة الابداعية في الزمان والمكان. ودعا محمد بن حمودة الى التزام الجوهري في الفن لا العارض الطارئ، واعتبر الحضارة الغربية غير صالحة لتوليد حضارات اخرى بقدر ما هي ضاغطة لتكون الحضارات كلها متشابهة على صوتها ومثالها. ودعا بكر شيخون الى توازن بين الاصالة والمعاصرة في الفن تقتضيه طبيعة الابداع الفني نفسها.
وفي المحور الثاني "قاطنو القرية" بحث عبدالكريم السيد في طبيعة الفن المحلي وعلاقته الجديدة بصيغة اللوحة. ودعا عبدالعزيز عاشور الى التحرر من عقدة الغالب والمغلوب وان نأتي الى الحداثة كمكتسب انساني مشاع. وعرّفت كاثرين روبستر بالفن في بلدها نيوزيلندا وخاصيته المحلية ضمن خليط هجين من ثقافات اوروبية و آسيوية. ورأت التركية جالا أرزن ان مسائل المحلية والعالمية لا تتحدد في اطرها الفنية فقط بل تتسع، لكن الفن الحقيقي يقع خارج الحدود وهو الوسيلة لفهم الآخر والارتباط به.
وفي المحور الثالث "الديوان الشرقي" تحدث خالد بدر عبيد عن اعمال الفنان الاماراتي حسن شريف التي "لا تقوم بتوصيل تفسير او معنى، فالمعاني والرموز في الاعمال نفسها، وهي لا تصلح للبيع او للاستخدام التزييني في البيوت او المتاحف. انها اعمال قابلة للمسّ وللتعديل والتحريك. وتستفيد اعمال حسن شريف من مدارس وتيارات متعددة باستخدام مواد من الطبيعة ومن النفايات ومن المصانع، وليس هناك من تراكم في التجربة ولا مضمون بالمعنى التقليدي، فالفن عند حسن شريف مجرد منتج انساني.
وشارك حسن شريف نفسه في المحور متناولاً اعمال فنانين آخرين هم: محمد ابراهيم صاحب تجارب في اعمال الورق المغرّاة وفي صورة فوتوغرافية لحجارة ملونة مربوطة بحبال وغير ذلك. ومحمد كاظم في صور على اسفلت وخرائط وهمية. وعبدالله السعدي وتجارب عظام على الارض ومروحة وقنديل وظلال واصوات من جهاز تسجيل.
وتحدثت اليونانية اثينا ساكينا عن عولمة بهويات متعددة وقالت انه "نظراً الى الخوف من الاغتراب يطرح الفنان قدراته لتطوير علاقات بيئته وتراثه وأفقهما المستقبلي". وطرحت كارول شيبارد من جامعة اوكلاند في نيوزيلندا تساؤلات حول كيفية تضمين الفن لخصوصية ثقافية وبروزه دولياً بما يؤهله للتواصل وللحوار الخلاق، وقالت ان المحلية تبدو في حضن العالمية مسألة خصوصية لا بد ان تتوضح وان لا تتعارض مع شمولية الفن الانساني. وقدمت زينات بيطار بحثاً عن العالمية والمحلية في الفنون التشكيلية انطلاقاً من تقويم التجارب الكبرى في القرن العشرين الآفل. اما ناصر السومي فرأى تصادماً في مصطلحي المحلية والعولمة وطرح تساؤلات حول مصير الفن في مرحلة يجري فيها التحكم في الانتاج وفي الذائقة وفي مجريات الفنون والاساليب وادارات المعارض.
وفي المحور الرابع "ذاكرة المستقبل" رأى الايطالي يوريس برولو ان الثابت الوحيد في مسألة المحلية والعالمية هو ان الغربي وصل الى محطته الاخيرة، وهو في حاجة الى نقل دم والى طاقة روحية جديدة وهذا يأتي من الثقافات الاخرى. ولاحظت الالمانية دورثيا فان ديركويلن "ان علاقات الفنون وعالميتها تبدو رحبة ومتسامحة ومتواصلة وفي حوار، بل ان الفنانين في المعارض العالمية اليوم يجدون الفرصة متاحة لإبراز ملامحهم اكثر من ذي قبل". واعتبر البرتغالي فرناندو أكويار العولمة حقيقة ماثلة، وثورة الاتصالات توحد الشعوب والمعلومات والنظم وتقرّب ما بين الناس، ولا يمكن عزل الفن عن الحياة ومتغيراتها. وتعتبر الصحافة والمعارض وسائر اشكال الاعلام وسائط الى التغيير والتأثير في مجتمعات اليوم الاستهلاكية، ان انواع الفنون يزداد تداخلها، وثمة ما هو مشترك في الفنون العالمية اليوم كالبير فورمانس الفن الحي الذي يحضر في معظم القارات ولدى فناني العالم في حيز روحي وفكري واسلوبي متعارف عليه.
المكرمون الخمسة
كرم البينالي تحية حليم وابراهيم صلحي وأسعد عرابي ناقداً وعبدالحليم رضوي ونوري الراوي. وخصصت اجنحة لنماذج من اعمالهم الفنية، كما شرح عرابي بعض لوحاته في جلسة خاصة، وأعلنت ادارة البينالي انها ستصدر لعرابي كتاباً نقدياً في سياق تكريمه.
- تحية حليم مولودة في دنجلة في السودان لأب مصري ضابط في الجيش وأم من اصل تركي قوقازي، تعلمت في القاهرة في مرسم يوسف طرابلسي، والتقت عام 1940 الفنان حامد عبدالله الذي تزوجها لاحقاً. انتاجها يحفل بتأثير المحيط الطبيعي والبشري. أقامت معارض فردية في مصر والعالم، وتعتبر من جيل الرواد في مجالها.
قالت نازلي مدكور في البينالي ان فن تحية حلم ثلاث مراحل:
أولاً: مرحلة التلمذة والتكوين، وهي تمتد من عام 1941 الى عام 1951 وهي مرحلة التأثر بالمدارس الفنية المختلفة.
ثانياً: مرحلة الانطلاق التي غلب عليها الاسلوب التعبيري وهي تمتد من عام 1956 الى عام 1962. وفي هذه الفترة استطاعت تحية حليم ان تصيغ اسلوبها الخاص في الخط واللون والتكوين وذلك من خلال تلاحمها مع معاناة الانسان.
ثم تأتي المرحلة الثالثة وهي مرحلة الصفاء التي ما زالت تلازمها حتى الآن. وبدأت هذه المرحلة بزيارة قامت بها الفنانة للنوبة في عام 1962، حيث الهمتها بلاد النوبة والرسوم الحائطية الفرعونية، وتشابكت في لوحاتها البيئية والانسان في نسيج واحد يتوارى فيه البعد الثالث ويبرز الاهتمام بالسطح الملمسي للوحة. وتميزت هذه المرحلة بألوانها الجريئة الصافية واستخدام الفنانة لورق الذهب، كما اتسمت بحرية كبيرة في التكوينات.
وانفعلت تحية حليم منذ بداية حياتها الفنية بالاحداث السياسية وكان لها عدد من اللوحات حول عدوان 1956 وحرب 1967 وبناء السد العالي وغيرها، كما اهتمت بالفولكلور المصري.
- ابراهيم صلحي من مواليد عام 1930 في ام درمان - السودان، يقيم حالياً في بريطانيا، درس الرسم في الخرطوم ثم في جامعة لندن ففي جامعة كولومبيا في نيويورك. تولى مسؤوليات ادارية في بلده ولدى دول ومنظمات دولية.
كتب عنه الناقد ادلو اوجيبي: "عمل الصلحي بجميع الخامات وفي كل الاماكن لأكثر من ثلاثين سنة، لكنه بقي قريباً من جمالية محددة، مميزة وشخصية بالتحديد. هذه الجمالية تراقب الخارج وتتعرف عليه، لكنها تُعرّف العالم بمصطلحات مصاغة من مفاتيح التاريخ الشخصي، تاريخ ناتج عن تقطير الذاكرة. وبالنسبة الى الفنانين الحديثين فإن الصلحي قريب من "موراندي" في خطه الفطري، في تعريفه للمساحة والظلال، في تحوير الشكل الخارجي للظلام والغموض. يستعمل الصلحي تجاور المساحات، وهذا ما يميز اعماله عن أعمال "موراندي" وتتبع عالماً مغايراً. الصلحي يعيد صياغة ويسترجع صدى السودان، ليس فقط على المستوى الجغرافي، بل على المستوى الاجتماعي ايضاً".
- أسعد عرابي: لبناني من مواليد دمشق عام 1941 مقيم في فرنسا منذ عام 1974. ناقد تشكيلي معروف ارسى لنفسه لغة طالعة من التراث العربي الاسلامي ومن المصطلح الأوروبي الحديث في آن واحد. له مساهمات نقدية، خصوصاً في "الحياة"، وتولى عضوية لجان تحكيم في غير تظاهرة تشكيلية.
وهو فنان تشكيلي معروف أيضاً، يقول عن تجربته: "من الأمور التي توقعني من ارباك كبير، هو الحديث عن خصوصية التصوير الذي أمارسه، ذلك اني مضطر دائماً للعودة الى البحث عن ابسط القواعد في هذه التجربة الذاتية.
ما اعرفه عن ابجدية التصوير، انها ترتكز على الاشكال الملونة التي تنتج الضوء، فإذا ما تجاوزت هذه الابجدية العقلية، اجد ان هناك شيئاً واحداً اتحقق من خلاله، هو تلك الخلوة التي يدعوها الآخرون التصوير على القماش الأبيض تجهش الفرشاة ببكاء سيزيفي، ثم تدخل الألوان في طقوس يتداخل فيها هذا الحزن والسكينة والغبطة. رحلة وجد يسميها النقاد والمؤرخون التصوير، وأسميها ببساطة رحلة التوحد مع المطلق، التحقق في طريق معاكس للمادية والوصف، يكتنفه صمت ثرثار، صخب أخرس. رحلتي تبتدئ من العقل وتنتهي الى الروحانية، والتعقل بالنسبة اليّ هو أول درجة في طريق هذا التوحد، توحد مع الايقاع المطلق للوجود، والنشاط العام لهذا الايقاع أصبح للأسف مشوشاً في هذه الحياة المعاصرة".
- عبدالحليم رضوي من مواليد مكة المكرمة عام 1939 تابع دراسة الفن في روما ثم في مدريد. يعتبر من الرواد في مجاله، عرض في دول عدة وتولى عضوية لجان تحكيم عربية ودولية، وأعد متحفاً لنتاجه ونتاج زملائه التشكيليين السعوديين.
كتب الناقد البرازيلي فالميريالا في تعليقه على لوحات رضوي "ذلك شكل من اشكال القاعدة الرمزية التي تحتضنها الوحدات والرموز الفولكلورية والشعبية والتاريخية والانسانية التي يستخدمها الفنان بغزارة، خليط من الدوائر المتداخلة المندفعة، يشعر الانسان انه يدور معها، ليعبر الفنان ان العالم والاشياء الموجودة فيه، كلها تدور لتجدد معاني الحياة وتزيد من حيويتها وجمالها، وهذه الفكرة اخذت تنضج بوضوح في أعماله الحديثة، كما الحال في ولادة العناصر المادية للعالم المرئي".
- نوري الراوي من مواليد قرية رواه في العراق عام 1925، والقرية هذه غمرتها مياه سدّ مجاور فبعثت في أكثر لوحاته. رائد في بلده ومجاله، تولى مسؤوليات في جمعية التشكيليين التي شارك في تأسيسها وفي هيئات فنية متعددة، وكتب ويكتب الأدب ونقد الفن وله فيه سبعة كتب.
كتب عنه جبرا ابراهيم جبرا: "في لوحات نوري الراوي نعومة لونية خادعة سرعان ما يحس المرء من خلالها بتوتر الحلم وتوتر الذاكرة، قد لا نرى انساناً واحداً في هذا المشهد الملح على اعمال الفنان، ومع ذلك فإنه يتوهج بلوعة انسانية شديدة الإلحاح ايضاً، فالبيوت وأضرحة الأولياء المقببة، القائمة على التلال العارية، الواعدة اجيالاً من القرويين بالمعجزات، والنهر البعيد بنواعيره القديمة، كلها تبدو وكأنها تبرز من غمام ذكريات الطفولة، بقدر ما تبرز من غمام قمري يملأ الذهن المسكون. هذا هو شعر المكان: طرقة اخرى للعودة الى الجذور من خلال الصور الموحية".


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.