في زمن الخليفة المقتدر كانت زيارة رسول ملك الروم الى بغداد عام 305 هجرية 917 ميلادية. وكشفت هذه الزيارة مظاهر الترف والبذخ والابهة في البلاط العباسي. إذ صف 160 ألف جندي بين فارس وراجل على صفين من باب الشماسية شمالي بغداد الى قصر الخلافة بالثياب الزاهية وتحتهم الدواب بمراكب الذهب والفضة. وعند القصر صف 7 آلاف خادم، منهم 4 آلاف خادم ابيض و3 آلاف خادم اسود يرتدون البزة الانيقة والسيوف والمناطق المحلاة، وعبئت سفن دار الخلافة امام القصر في دجلة وزينت ثم مر الوفد في دار الحاجب مع 700 من الحجاب بمظاهر الابهة حتى ظن رسول ملك الروم والوفد المرافق له انه الخليفة ثم أخذ الوفد الى دار الوزير هناك ظن ايضا انه الخليفة بسبب المظاهر الباذخة، ثم مرر الوفد على دار الخيل التي تكثر فيها الاروقة ذات الاساطين الرخام، ورتبت الخيل على الجانب الأيمن 500 فرس عليها 500 مركب من الذهب والفضة و500 فرس على الجانب الايسر عليها الديباج بالبراقع الطوال. وكل فرس لجامها بيد شاكري الشاكرية هم الجنود الخاصون بالخليفة بالبزة الجميلة، ثم ادخل الوفد من هذه الدار الى الممرات والدهاليز المتصلة ب"حير الوحش" وهي حديقة الحيوانات الخاصة بدار الخلافة وكان فيها الفيلة والاسود، ثم اخرج الوفد الى الجوسق المحدث، وهي دار بين البساتين في وسطها بركة رصاص احسن من الفضة المجلوة مساحتها 30 في 20 ذراعاً وفيها سفن زينة صغيرة لها مجالس مذهبة زينت بالدبيقي المطرز وهو الاغلى ومنه ملابس الخليفة وعلقت فيها ستور دبيقية مذهبة ويتصل بهذه البركة نهر من الرصاص ايضا. وحول البركة والنهر بستان فيه 200 نخلة ارتفاع كل منها 5 اذرع وقد غلفت جذوعها بالساج المنقوش من اسفلها الى اعلاها. أشجار اصطناعية وطيف بالوفد في دار الشجرة وفيها شجرة اصطناعية لها 18 فرعاً مذهبة وطيورها من الذهب والفضة واكثر الاغصان من الذهب والفضة تتمايل في اوقات معينة وورقها يتحرك وطيورها تصفر وتهدر، وحول البركة تماثيل 15 فارساً على 15 فرساً البسوا جميعاً الديباج وفي أيديهم الأسلحة يدورون على نسق واحد خببا فيظن الزائر ان كل واحد منهم متجه الى مقابله ليطعنه ثم ادخل الوفد الى قصر الفردوس لزيارة مخازن السلاح التي تضم 10000 آلاف سيف و10000 آلاف درع مذهبة وآلاف الجواشن وآلاف الرماح والخوذ والزرديات والجبب المحلاة والموشاة والقسي، وكان في ممرات مخازن السلاح 2000 خادم يقفون الى جانبها اثناء تجوال الوفد. ثم بعد ان طيف بالوفد على 23 قصراً من قصور الخلافة ادخل الوفد الى الصحن التسعيني وقد رتب فيه الغلمان بالسلاح الكامل والبزة الحسنة والهيئة السلطانية وبعد ذلك دخل الوفد دار السلام متجها الى قصر التاج حيث الخليفة الذي مثل الوفد بين يديه وكان لابساً الثياب الدبيقية المطرزة بالذهب وهو جالس على سرير من الابنوس وقد فرش بالدبيقي المطرز بالذهب وقد زينت القاعة بأنواع العقود الثريات المضيئة حيث كان عن يمين السرير تسعة عقود معلقة مثل السبح وعن يساره تسعة أخرى من أفخر الجواهر وأعظمها قيمة.