الذهب يتراجع مع ارتفاع الدولار.. وبرغم آمال خفض أسعار الفائدة    الخارجية الفلسطينية تطالب بتدخل دولي عاجل لوقف التوسع الاستيطاني    القيادة تهنئ رئيس جمهورية باكستان الإسلامية بذكرى استقلال بلاده    الإنجليزي أوسيلفان يحسم تأهله إلى الدور ربع النهائي من بطولة الماسترز للسنوكر.. وحامل اللقب يغادر    بلدية صبيا تكثف استعداداتها لموسم الأمطار وتحدد أولويات المعالجة    سفراء الإعلام التطوعي يشاركون في معرض "لا للعنف" للتوعية بمخاطر العنف    مكتبة "المؤسس" تواصل إبراز التراث العربي والإسلامي    زراعة أول نظام ذكي عالمي للقوقعة الصناعية بمدينة الملك سعود الطبية    الكابتن علي ربيع ينضم للطاقم الفني لفريق الهلال تحت 16 عاماً    استقرار معدل التضخم في المملكة عند 2.1%    حظر لعبة «روبلوكس» في قطر    في إنجاز علمي بحثي.. خرائط جينية جديدة تُعزز دقة التشخيص والعلاج للأمراض الوراثية    الصين تطلق إلى الفضاء مجموعة جديدة من الأقمار الصناعية للإنترنت    امطار على الحنوب ورياح نشطة على مختلف مناطق المملكة    أسعار العقار ترتفع شمالا وتتراجع جنوبا    اطلع على أعمال قيادة القوات الخاصة للأمن البيئي.. وزير الداخلية يتابع سير العمل في وكالة الأحوال المدنية    نائب وزير الخارجية وسفير الدومينيكان يبحثان تعزيز التعاون    بطولة لكرة المناورة ضمن فعاليات كأس العالم للرياضات الإلكترونية    تأجيل انطلاق دوري أبطال الخليج للأندية إلى الشهر المقبل    19 % نمواً.. وإنجازات متعاظمة للاستدامة.. 3424 مليار ريال أصول تحت إدارة صندوق الاستثمارات    موجز    الشيباني: نواجه تدخلات خارجية هدفها الفتنة.. أنقرة تتهم تل أبيل بإشعال الفوضى في سوريا    تمكين المدرسة من خلال تقليص المستويات الإدارية.. البنيان: 50 مليار ريال حجم الفرص الاستثمارية بقطاع التعليم    الشريف يحتفي بزفاف تركي    بحضور الأمير سعود بن مشعل .. العتيبي يحتفل بزواج إبنيه فايز وفواز    واشنطن تشرع في تصنيف الإخوان منظمة إرهابية    دعت إلى تحرك دولي عاجل.. الأمم المتحدة تحذر من مجاعة وشيكة في اليمن    انطلاق ملتقى النقد السينمائي في 21 أغسطس    «البصرية» تطلق «جسور الفن» في 4 دول    أكد إطلاق برنامج «ابتعاث الإعلام» قريباً.. الدوسري: طموحات الرؤية تؤمن بإمكانات الإنسان والمكان    نائب أمير منطقة جازان يقدّم التعازي لأسرة معافا    بيئة جازان تنظم ورشة عمل حول الإستفادة من الموارد الزراعية الطبيعية    المملكة تدين ما يسمى «رؤية إسرائيل الكبرى»    رابطةُ العالم الإسلامي تُدين تصريحات رئيس وزراء حكومة الاحتلال الإسرائيلي بشأن "رؤية إسرائيل الكبرى"    وطن يقوده الشغف    تنظيم محدث للّوحات الدعائية والإعلانية    ارتفاع مبيعات الإسمنت يعكس مواصلة نمو قطاع البناء والتشييد    إزالة الحواجز الخرسانية بالرياض    سان جيرمان «يجحفل» توتنهام ويحقق كأس السوبر الأوروبي    متحدثون.. لا يتحدثون    الأمن يحث زوار المسجد الحرام على عدم الجلوس في الممرات    (ولا تتبدلوا الخبيثَ بالطَّيب)    البارالمبية الآسيوية تكرّم الأمير فهد بن جلوي بوسام آسيا 2025    نجاح زراعة 10 كلى تبادلية خلال 48 ساعة في التخصصي    فهد بن سلطان يكرم الفائزين بمسابقة إمارة تبوك للابتكار 2025    ناصر بن محمد: شباب الوطن المستقبل الواعد والحاضر المجيد    سعود بن نايف يطلع على مستجدات أعمال "تطوير الشرقية"    نجاح عملية دقيقة لأول مرة بجازان    "الكشافة السعودية" تُنظم ورشة عن فنون كتابة القصة القصيرة الملهمة    أمير تبوك يكرم الفائزين بمسابقة إماره المنطقة للابتكار 2025    إنجاز سعودي.. أول زراعة قوقعة ذكية بالشرق الأوسط وأفريقيا    استخراج هاتف من معدة مريض    مشاركون بمسابقة الملك عبدالعزيز الدولية لحفظ القرآن: إقامة التصفيات النهائية بالحرم وسام شرف للمتسابقين    أمير جازان يعزي في وفاة معافا    وكيل إمارة جازان يلتقي "محافظي" المنطقة    الإدارة الروحية لمسلمي روسيا تحدد شروط تعدد الزوجات    المفتي يستعرض أعمال «الصاعقة» في إدارة الأزمات    مباهاة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



عندما مارس عبدالناصر "الإنقلاب الديني" بعد الإنقلاب العسكري
نشر في الحياة يوم 22 - 12 - 1999

إذا كانت الايديولوجيات الشمولية الثلاث وهي الدينية والقومية والاشتراكية تصنع إلهاماً مذهبياً، وتبرر العداء للتعددية، إلا أن الأيديولوجية الدينية تبزهم جميعاً، فهي لا تحتاج الى حزب أو مؤسسة سياسية مدنية، إذ يكفي الاعتماد على الجماعة الوظيفية الدينية كنظام الملالي في ايران، وتعود أهم مصادر الاسلام السياسي الى المجتمعات المحكومة بأنظمة عسكرية اندونيسيا، الباكستان، ايران، مصر الجزائر، السودان، اليمن، افغانستان، الشيشان ويقرر ر.ه . ديكمغيان في كتابه "تاريخ الحركات الاسلامية" أن ثلث التنظيمات الاسلامية الراديكالية على مستوى العالم خرجت من مصر، وتعدادها الكلي 92 تنظيماً. منذ حرق ونهاية مدرسة الاسكندرية الفلسفية الهيلينية ومقتل العالمة والفيلسوفة هيباتيا خلال ما سمي بثورة الفلاحين، تحت شعارات مسيحية وبقيادة القديس "ثاؤو فيليس" ارتدت منطقة شرق وجنوب المتوسط الى طور العقل الديني، وبدأت منذ القرن الرابع الميلادي ثلاث امبراطوريات عسكرية - دينية، كان الحاكم فيها يجمع بين السلطة الزمنية والايمانية معاً وهي البيزنطية والعربية والعثمانية، وكانت تسعى الى الاستيطان العقائدي معتمدة على سلسلة من الحصن - الكنيسة ثم القلعة - المسجد وسرعان ما تحول الى إقطاع عسكري.
وظلت مصر لخمسة عشر قرناً حتى نهاية القرن الثامن عشر تابعة لتلك الإمبراطوريات وغلب على ثقافتها العقل الديني، وهذا ما أبعدها ومعها العالم العربي عن المشاركة في نشأة الحداثة عبر دخول طور العقل الفلسفي ومن بعده العقل العلمي، وما نتج عن ذلك من التطور الرأسمالي وبزوغ روح القوانين والديموقراطية وولادة الفرد المواطن، حتى داهمتها الحملة الفرنسية، وهكذا بدأت الدولة المصرية الحديثة الأولى على يد محمد علي وحتى نهاية عصر اسماعيل، وكانت الدولة الحديثة الثانية بين 1919 وحتى 1952، والتي كانت تجربة ليبرالية رأسمالية على النمط الغربي. ومنذ سنة 1952 عادت مصر الى صيغة الدولة العسكرية - الدينية، بانقلاب تموز يوليو العسكري. يبدو ذلك مثيراً للاستغراب للوهلة الأولى، لكن الأمر يتعلق بما هو أكثر من مجرد نصوص في دساتير جمهورية تموز يوليو مثل "دين الدولة - الرسمي - هو الاسلام"، او "ان الشريعة هي مصدر رئيسي للتشريع" وحتى اصبحت "الشريعة الاسلامية هي المصدر الأساسي للتشريع" وردت عبارة "الدين الرسمي" في دستور 1923 بسبب طمع الملك أحمد فؤاد وابنه الملك فاروق من بعده في ورثة الخلافة العثمانية ولكن الأمر يتعلق بعناصر وأسس يصعب حصرها، وسنحاول مناقشة ما يتسع له المجال منها. ولدت الجماعة الوظيفية الدينية في اليهودية والمسيحية منذ قام الربانيون بتسجيل التوراة، وتعززت الحاجة اليها في فترات انقطاع الرسل، ثم الحاجة الى الحفاظ على التعاليم ونشرها والتبشير بها. لكن الجماعة الوظيفية الاسلامية ولدت بعد تأسيس الدولة العربية الأولى في دمشق، وتفويض من يقوم بإمامة الصلاة بدلاً من أمير المؤمنين والولاة، وظهرت الحاجة الى الفتاوى التي تدعم عشيرة ضد عشيرة، وبدأ استعمال الدين كوسيلة سياسية، ثم تدعمت الجماعة الوظيفية عندما اسند إليها القضاء والتعليم في كنف الحكام، وهي نفسها الأسباب التي دعت الى وجود الفقه الرسمي، وكان ظهور المؤسسة الدينية لاحقاً لذلك وبعد تبلور نظام الدولة بمعناها الحديث وصعود دور المدينة، ولم يتم ذلك في مصر إلا في عصر الخليفة العثماني سليمان القانوني، عندما تم تعيين شيخ الازهر في 1101 ه، على نمط شيخ الاسلام في تركيا، وفي الوقت نفسه اخرج وظيفة القضاء على المذاهب الاربعة من أيدي رجال الدين، واسندها الى قاض واحد. وهكذا يمكن استنتاج ان الجماعة الوظيفية الدينية والمؤسسات الدينية والأصولية أو الاسلام السياسي اي تحويل النص والتراث الديني الى شرعية سياسية وبرنامج سياسي هي ثلاث دوائر متداخلة، وأحياناً تتطابق ولكنها منفصلة النشأة ومختلفة الأداء ومتعددة الأهداف.
وعلى رغم أن عبدالناصر كان في تصوره الاجتماعي أقرب الى جمعية "مصر الفتاة" منه الى جماعة "الاخوان المسلمين" فاتكيوتس - عبدالناصر وجيله إلا أن الايديولوجية الدينية كانت هي الثقافة الفعلية له ولجماعته من الضباط، بالاضافة الى ذهنية محافظة وتراتبية وظيفة وانتماء اجتماعي مرتبك ومشوش، وذلك أوجد تشابهاً مع المشايخ الذين ينتمون في الأغلب الى فقراء الريف، ويكمن هنا السبب في تحول نظام تموز الى جمهورية عسكرية ريفية معادية للطبقة الوسطى والحداثة، وهو ما حرث الأرض لنمو الفكر الفاشي. ويمكن التدليل على ذلك بعضوية أغلب تنظيم "الضباط الاحرار" في جماعة "الاخوان المسلمين" والجماعات الفاشية الأخرى مثل "مصر الفتاة" و"الحرس الحديدي" و"الحزب الوطني" وبعضهم ومنهم عبدالناصر كانوا اعضاء في الجهاز الخاص في جماعة الاخوان وشاركوا في أعماله الارهابية عبدالناصر - فلسفة الثورة وتحدث عبدالناصر عن "دين ثوري" الميثاق - ص 161، 162 وتحدث عن الحج كبرلمان اسلامي فلسفة الثورة - ص 105 ومّجد حريق القاهرة فلسفة الثورة، وعندما أسس التنظيم السري طليعة الاشتراكيين ضم إليه العديد من الشيوخ والمفكرين الاسلاميين كما قال يوماً: "كل مسلم يجب أن يكون رجل دين ورجل دنيا في وقت واحد معاً"، وقد وردت العبارة بحرفيتها في مقدمة القانون 103 لسنة 1961 لتنظيم الازهر: ثم حدد انتماء مصر في ثلاث دوائر: العربية والافريقية والاسلامية فلسفة الثورة - ص 102-105 وهو ما يعني قطع علاقة مصر مع حوض الحضارات أي حوض المتوسط، وبالتالي مع الحضارة المعاصرة. ولم تمض سنة 1953 حتى كان قد تم الافراج عن المسجونين في قضايا الارهاب من جماعة "الاخوان" مثل قضية قنابل الكريسماس، والعربة الجيب، واغتيال النقراشي والمستشار الخازندار، وقنبلة محكمة مصر، ومحاولة اغتيال ابراهيم عبدالهادي باشا. وشارك "الاخوان" في أول حكومة بعد الانقلاب في تموز يوليو واستثنى "الاخوان" من قرار حل الاحزاب، وتم تطهير وزارة الداخلية من كل خصومهم، وتم اشراكهم في لجنة إعداد الدستور في كانون الثاني يناير سنة 1953.
وفي الوقت نفسه، كانت عمليات التطهير تدور على قدم وساق، للخلاص من أنصار الديموقراطية في كل أجهزة الدولة، حتى إن عدد اساتذة الجامعات الذين شملهم التطهير في عام واحد 450 استاذاً أغلبهم كانوا من خريجي أشهر وأهم جامعات أوروبا، وتم تعيين صاغ رائد تعليمه أقل من المتوسط شهادة الثقافة وعضو جماعة "الاخوان" وزيراً للمعارف في سنة 1954 ولمدة 12 سنة متواصلة، وفي المكان نفسه الذي شغله قبل ثلاث سنوات عميد الأدب العربي الدكتور طه حسين.
لكن محاولات "الاخوان" لم تنقطع للسيطرة على الانقلاب باعتبار انهم الأصل، وسرعان ما أنفجر الصدام الدموي بعد حادث المنشية سنة 54، وتم إعدام 6 من قياداتهم وأودع أغلبهم السجون، غير أنه أخرج من أرسل إليه رسائل التأييد وكانت الغالبية منهم من الشيوخ ومنهم سيد سابق ومحمد الغزالي وصلاح ابو اسماعيل وهؤلاء من اعتمد عليهم في ما بعد.
عندما ذهب عبدالناصر الى الازهر في 31 تشرين الاول اكتوبر سنة 1956، يقول "سنقاتل.. سنقاتل" لم يكن ساعتها اكتشف فقط قدرة الخطاب الديني على الحشد في معركته ضد "الاستعمار واسرائيل" ولكنه كان يعيد الاعتبار الى سيكولوجية المنبر، حيث يجلس شخص في مكان عال أمام ميكروفون وإلى جواره "القبلة" وحوله الآيات القرآنية، وأمامه أناس يجلسون في خشوع، وفي ذلك الوضع يبدأ ذلك الشخص في الحديث بخطاب تحريضي وتلقيني، وحيث توضع البلاغة في خدمة أي شيء ويمكن صنع وترتيب أولويات بحسب الغرض، ويمكن الحديث في كل شيء من علوم الحرب والسياسة والاقتصاد وغزو الفضاء وزرع الاعضاء. وهكذا وجد عبدالناصر ضالته في الحزب الوحيد الذي يعمل في الشارع منذ ذاك الوقت في مصر، وهو "حزب الجمعة" كان الغرض من خطبة الجمعة في العصور القديمة عملياً هو الدعاء للحاكم وتعداد مناقبه.
وكان منطقياً بعد ذلك أن اكتشفنا أن عبدالناصر عندما ذهب إلى الأزهر كان الجيش المصري قد انهارت خطوطه كلها فعلاًَ أمام إسرائيل، وتم احتلال سيناء، قبل التدخل البريطاني - الفرنسي.
في ظل دكتاتورية عسكرية ريفية مارست الجماعتان الوظيفتان العسكرية والدينية خصومتهما التي لا تشفي مع الدولة المدنية، ومؤسسات المجتمع المدني، والفكر العلمي والديموقراطي، ومشروع الطبقة الوسطى، كما أن تنامي دور الجماعتين الوظيفتين كان يعني تعطل القراءة الطبقية وتبديد النخب. بالإضافة إلى عزل الأقباط عن الحياة العامة، وهم الذين خلا منهم تنظيم الضباط الأحرار ومجلس الثورة.
وهكذا حدث الزواج الكاثوليكي، فالسلطة العسكرية التي تفتقر الى الشرعية وجدت شرعيتها في الإلهام المذهبي الذي تبثه المؤسسة الدينية، والأخيرة أعيد بعثها من جديد بعد أن كانت مهددة بالتهميش والنسيان، والدخول تحت مظلة التراث والفلكلور، إذ بها تتحول الى فاتيكان إسلامي، وهكذا تأسست علاقة أشبه بعلاقة الاقطاع العسكري مع بابوية روما في القرون الوسطى، وكان إطار العلاقة إجراءات وتشريعات إدارية وقانونية عدة، نوردها كعينة على سبيل المثال وليس الحصر:
1- اصبح تعيين شيخ الأزهر حقاً مطلقاً لرئيس الجمهورية، بعد أن كان يعينه الملك بناء على ترشيح الحكومة المنتخبة.
2- تم انشاء المؤتمر الاسلامي في سنة 1954.
3- انشئ المجلس الإعلى للشؤون الاسلامية سنة 1960 من 6 لجان، وكان تابعاً مباشرة لرئيس الجمهورية، ورأسه أنور السادات ثم توفيق عويضة، وهو من الضباط الأحرار.
4- كانت الجمعية الشرعية جمعية أهلية ذات توجه صوفي اسسها الشيخ محمود خطاب السبكي، ومن بعده الشيخ أمين محمود خطاب في عشرينات القرن، وكان مقرها مسجداً صغيراً في ميدان باب الخلق في القاهرة، فتم بناء مسجد الجلاء لها، ووضع على رئاستها ضابط، واصبح مقره رئاسة الجمهورية، وسمح للإخوان المسلمين بدخولها وتغيير توجهها الى توجه جهادي.
5- صدور القانون رقم 103 لسنة 1961 في شأن إعادة تنظيم الأزهر، ولكي نتبين أهمية وعمق تأثير ومدلول هذا القانون سنضعه في مقارنة مع قانون آخر لإعادة تنظيم الأزهر وهو القانون 49 لسنة 1930 بإعادة تنظيم الجامع الأزهر والمعاهد الدينية العلمية والإسلامية، مع ملاحظة أن قوانين تنظيم الأزهر منذ القانون 10 لسنة 1908 وحتى سنة 1952 متشابهة في توصيف الأزهر ومسؤولية شيخ الأزهر، ويلاحظ أن اسم الأزهر كان "الجامع الأزهر والمعاهد الدينية العلمية الاسلامية" فأصبح "الأزهر والهيئات التي يشملها".
كان الجامع الأزهر هو المعهد الديني العلمي الإسلامي الأكبر والغرض منه:
أولاً: القيام على حفظ الشريعة الغراء.. وعلى تعليم اللغة العربية.
ثانياً: تخريج علماء يوكل إليهم تعليم هذه العلوم المادة 1.
واصبح الأزهر هو الهيئة العلمية الإسلامية التي تقوم على حفظ التراث الاسلامي، وتحمل أمانة إمامة الرسالة الإسلامية إلى كل الشعوب، وتعمل على إظهار حقيقة الإسلام وأثره في تقدم البشر ورقي الحضارة وكفالة الأمن والطمأنينة وراحة النفس لكل الناس في الدنيا والآخرة، كما تهتم ببعث الحضارة العربية والتراث العلمي والفكري للأمة العربية، ويتبع رئاسة الجمهورية المادة 2.
ويلاحظ أنه للمرة الأولى يصبح الأزهر مسؤولاً عن كل التراث الاسلامي، وتحمل أمانة الرسالة الاسلامية، وأن على عاتقه بعث الحضارة العربية والتراث العلمي والفكري للأمة العربية!
- كان شيخ الأزهر هو الامام الأكبر لجميع رجال الدين، والمشرفين على السيرة الشخصية لهم المادة 9.
فأصبح هو الإمام الأكبر في كل ما يتصل بالشؤون الدينية المادة 4.
ويلاحظ أن مسؤولية وسلطة شيخ الأزهر كانت على رجال الدين فقط، فأصبح صاحب الرأي في كل ما يتصل بالشؤون الدينية، أي أنه أصبح مسؤولاً عن الإسلام.
- كان الأزهر مؤسسة مصرية في كل واجباتها وإدارتها فأصبحت له شخصية معنوية عربية الجنس المادة 6.
- كان مجلس الأزهر الأعلى مشكلاً من 14 عضواًَ بنسبة 7 مشايخ إلى 7 مدنيين المادة 22.
فأصبح المجلس الأعلى للأزهر لا يقل عدده عن 25 عضواً وأصبح مؤسسة تابعة للدولة المادة 9.
- كانت كليات الأزهر، ثلاث: الشريعة - اصول الدين - اللغة العربية المادة 2 وكانت تتبعه 7 معاهد في المحافظة ابتدائي وثانوي المادة 4.
فأصبح في داخله جامعة كاملة فيها 13 كلية ولها فروع في المحافظات، ومعنى ذلك أنه تم تأسيس جامعة على أساس طائفي يصبح الطالب فيها محاسباً أو مهندساً لأنه مسلم.
6- تم إنشاء دار القرآن في 14 آذار مارس سنة 1964 لنشر التراث القرآني.
7- تم إنشاء إذاعة القرآن الكريم في 31 آذار مارس سنة 1964.
8- اصبح من المألوف وجود الشيوخ في لجان الرقابة على السينما والفنون والإذاعة والتلفزيون.
9- سمحوا للشيخ عبدالرحمن تاج، شيخ الأزهر في الخمسينات أن يُدخل التربية العسكرية في برامج التعليم في الأزهر.
10- سمح نظام تموز يوليو لشيوخ الإخوان ذوي الذهنية الجهادية بالالتحاق بالمؤسسات الدينية في وزارة الأوقاف والأزهر، وتم تعيين الشيخين سيد سابق ومحمد الغزالي في إدارة عموم المساجد وأسسوا لجنة "الدفاع عن الاسلام" وهي اللجنة التي اقترحت مصادرة رواية "أولاد حارتنا" لنجيب محفوظ وصودرت بقرار جمهوري.
11- أرسل عبدالناصر بعثات من الشيوخ الى الجزائر ضمن برنامج التعريب والى السودان واليمن وغزة وسورية والباكستان والعديد من دول افريقيا واسيا، والنتائج معروفة.
12- انشئ 280 معهداً عالياً للعلوم الدينية فقط، و6000 معهد ابتدائي وإعدادي وثانوي، واصبح عدد طلاب المعاهد الدينية في المراحل الابتدائية والإعدادية والثانوية مليوناً و250 ألف طالب وطالبة، واصبح عدد الشيوخ نصف مليون تقريباً ينتشرون في 190 ألف مسجد وزاوية في أنحاء مصر حتى سنة 1992 فقط.
كانت كل الإجراءات السابقة تساعد على ازدياد قاعدة الجماعة الوظيفية الدينية، مع تضخم بيروقراطي للمؤسسة الدينية، وبمرور الوقت ومع ازدياد التدهور الداخلي والهزائم الخارجية، اكتسبت الجماعة الوظيفية قوة اجتماعية واصبحت لها آليات خاصة بالإضافة الى الاستقلال الاقتصادي بالعمل في الدول العربية وتلقي التبرعات والمساعدات الخارجية، ونتيجة المشاريع ذات الصفة الدينية مثل شركات توظيف الأموال وهكذا انفصلت الجماعة الوظيفية عن المؤسسة الدينية وشرعت في إقامة مؤسسات بديلة مثل "جبهة علماء الأزهر" وهي المجموعة التي وجهت تهمة الارتداد الى اغلب مفكري مصر وما ترتب على ذلك من قضايا من كل نوع، ومصادرة الأفلام والكتب وخلافه، كما تزعم العديد من اعضاء الجماعة تنظيمات راديكالية مسلحة مثل صالح سرية قائد الهجوم على الكلية الفنية العسكرية اوائل السبعينات وشكري مصطفى زعيم التكفير والهجرة وعمر عبدالرحمن وطه السماوي وغيرهم عشرات. ناهيك عن من اصدروا فتاوى إباحة سفك الدماء مثل محمد الغزالي والدكتور محمود مزروعة على صفحات الجرائد وفي المحاكم.
إن خدمة وتعميق المعتقد الإيماني هو عمل إيجابي ولكن تأسيس عقل ديني عليه معادٍ للحرية والتقدم لخدمة أهداف سياسية فاشية هو ما أدى إلى ما نحن فيه، وقد يخطر بالبال أن ماء النهر تغير مراراً عندما ارتفعت شعارات اشتراكية وقومية، ولكن كان ذلك هو ظاهر الأمور، فقد تم تفسير الاشتراكية على أنها اشتراكية إسلامية، وكانت القومية مؤسسة على اللغة والدين، وهكذا شمل العقل الديني كل شيء.
وهكذا يمكن معرفة لماذا خرج من مصر ثلث جماعات الإرهاب باسم الاسلام على المستوى العالمي.
* كاتب مصري


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.