بدأت مدينة الجزائر عملية مهمّة من المفترض ان تشمل مدناً عدة في حوض البحر الأبيض المتوسط وهي تنّص على ان تتولى تنظيم وتأهيل أي ساحة عامة مهندسة معمارية من خلال مسابقة تنظّمها ال"يونيسكو"، وفي تعاون وثيق مع محافظة الجزائرالكبرى. وعملت وحدة "برنامج ترقية وضع النساء في منطقة المتوسّط" التي ترئسها وسيلة تمزالي، على غربلة أكثر من مئة مشروع جاءت من مصر وإيطاليا وتونس ولبنان واسبانيا وفرنسا والجزائر. وتألفّت لجنة التحكيم من المهندسة الايطالية الشهيرة غايي اولانتي، التي عملت على تحويل محطّة اورسي في باريس الى متحف رائع ومن المهندسة الاسبانية بيث غالي ومن المهندس المعماري التونسي جلال عبدالكافي. وأما المشروع الذي يدخل في برنامج واسع يحمل اسم "الساحات المتوسطية للنساء والسلام" فيهدف الى دراسة ساحة الأمير عبدالقادر وإعادة تأهيلها وهي ساحة رئيسية في العاصمة الجزائرية تشكّل معبراً للسيارات من جهة، وملتقى للمشاة بين الجزء الأعلى من المدينة والجزء الأسفل من جهة أخرى، كما تشكّل منطقة تجارية، مزدحمة، فالدكاكين على اختلافها تحيط بها وكذلك المقاهي التي تمتّد على الرصيف وتستقبل الرجال. وفي الساحة حيث ينتصب تمثال الأمير عبدالقادر على حصانه يلعب أحياناً الاولاد او تتجمّع النسوة في نهاية النهار يتبادلن الحديث في الظل. ومن خصائص المنطقة المحيطة بالساحة السلالم الطويلة التي تصل التلّة أو الأحياء المرتفعة بالجزء المنخفض، وهذه السلالم تنتشر في العاصمة مشكّلة نقطة إتصّال جوهرية بين القسمين. ومن أهداف مشروع ال"يونيسكو" ومحافظة الجزائر ترسيخ الصلة بطريقة أفضل بين الذين يسكنون الحارات المطّلة على البحر والخليج والشوارع التي تؤدّي الى المرفأ والجادات الممتدة على طول الشاطىء. ويشمل محيط الساحة، إضافة الى المتاجر، المكاتب والشركات الوطنية وبعض الإدارات العامة. ويمرّ في هذه المنطقة عدد كبير من المشاة والسيارات وباصات النقل العام. وكان حُدّد هدف الدراسة المعمارية كالتالي: تنظيم الاتصال بين جزئي المنطقة المتوسطة لتسهيل حركة المشاة من خلال الوسائل الكلاسيكية السلالم، الدرابزين... ومن خلال الوسائل الاصطناعية الأدراج الميكانيكية والمصاعد إضافة الى تنظيم الساحة بذاتها. ومن بين 23 مشروعاً لمعماريات ينتمين الى دول حوض المتوسّط، اختارت اللجنة التي ترأسها محافظ الجزائر الكبرى الوزير شريف رحماني، سبعة مشاريع: أربعة مشاريع ايطالية ومشروعان فرنسيان ومشروع اسباني. وبعد يوم من النقاش الحامي بين أعضاء اللجنة الحاكمة، فازت المهندسة المعمارية الإيطالية من باليرمو تيريزا لاروكّا، بالجائزة الاولى وستكون تالياً المشرفة على إعادة تأهيل ساحة عبدالقادر والمنطقة المحيطة بها. ومن المفترض ان تبدأ الأعمال الأولى بعد ثلاثة أشهر. وأما الفائزتان الأخريان فكانتا فرنسيتين وحصلتا على الجائزة الثانية التي نصّت على قيمة 60 ألف فرنك فرنسي والجائزة الثالثة وقيمتها 30 ألف فرنك. لكن الوزير رحماني لم يتوقّف عند هذه الجائزة وحسب بل دعا جميع المهندسات المعماريات اللواتي توصلّن الى نهاية السباق ان يشاركن مستقبلاً في المشاريع المعمارية التي تخضع لها العاصمة الجزائرية وأن يقدّمن الاقتراحات والعروض. وفعلاً بدت المدينة البيضاء التي بدأت تستعيد جوّاً من الحرية وإن مشوباً ببعض الحذر لمن يزورها كأنها مشروع عمراني كبير وخصوصاً عند منطقة المرفأ الواسعة التي تحضّر نفسها لتكون ملتقى الألفية. ويقول شريف رحماني: "اليوم وقد شرعت هذه المدينة في عملية تجديد عميقة قوامها الحرية والعصرنة تقودها بنفسها ولذاتها، وإنما مع اقتناعها ان هذا التحدّي يهمّ أيضا جميع المدن القريبة والمجاورة لها ... إننا نملك كل المؤهلات والإمكانات لتكريس هذه الجرأة أو بالأحرى هذا الطموح. هذا الرهان يخصّ أصلاً مدينة الجزائر الحرّة والحيّة والوفيّة لخصوصيتها كميناء استقطاب واستقبال ...". والمشروع العمراني الكبير لملتقى الالفية يركّز خصوصاً على إعادة تأهيل وتنظيم الفسحات المرفأية والحيّز المحيط بها ويشكّل باتّساعه ووظائفه المتعدّدة حجر الأساس في استراتيجية تنظيم وتحديث العاصمة البعيدة المدى. فمن جهة، يأخذ المشروع هدفاً مدنياً في إعادة تأهيل وترميم المباني والشوارع والحارات في القصبة القديمة التي تندرج في لائحة التراث العالمي، ودمجها في الفضاء "المديني" للمدينة. ويأخذ من جهة أخرى بُعداً ثقافياً في إعادة إحياء الفنون والحرف التقليدية وترقية الثقافة العالمية. ويحتوي على هدف اقتصادي واضح في اعادة تنظيم الوظائف المدينية الكبرى ووضعها على مستوى الوضع الاقتصادي العالمي الذي بدأ يتأسّس. وإعادة تأهيل ساحة الأمير عبدالقادر التي تشكّل نقطة حسّاسة في المدينة وإيكال العمل فيها الى مهندسة معمارية ايطالية سوف يكون دليلاً واضحاً على الجهد الذي بدأت تبذله محافظة الجزائر الكبرى من أجل تحسين أوضاع مدينة تتميّز بتخطيط مديني نوعّي وأنماط معمارية بارزة ومباني تاريخية قيّمة، في تحديثها وإنما دون التخلّي عن طابعها الاصلي الذي يشكّل هويتها وخصوصيتها.