الرئيس الفلسطيني يشكر المملكة على جهودها    جامعة الباحة تُطلق 9 برامج تدريبية    جولف السعودية تشارك فايف آيرون    سباق الأندية يشتد في كأس العالم للرياضات الإلكترونية    البرازيلية لوسيانا تتحدى وتلهم الأجيال في كأس العالم للرياضات الإلكترونية    «فيتش» تؤكد التصنيف الائتماني للمملكة عند A+    زيلينسكي: أوكرانيا تحتاج لإنتاج 1000 طائرة اعتراضية يوميًا لمواصلة الحرب مع روسيا    ضبط شخصين في عسير لترويجهما (26) كجم "حشيش"    الأخضر الأولمبي يخسر بخماسية أمام اليابان في افتتاح مشاركته بالدورة الودية بأوزبكستان    "بيت الشاورما" تعزز دعم المحتوى المحلي من خلال شراكتها مع تلفاز 11    32 لاعباً يتأهلون إلى دور ال16 في بطولة العالم للبلياردو بجدة    ترمب: فرصة التوصل لاتفاق تجاري مع الاتحاد الأوروبي 50%    عرض إنجليزي من أجل ميتروفيتش    رئيس مجلس الأعمال السعودي السوري: نؤسس لشراكة تنموية في مرحلة إعادة إعمار سوريا    مركز التنمية الاجتماعية بجازان ينفذ مبادرة"خدمتنا بين يديك"في مجمع الراشد مول بجازان    الخارجية الفلسطينية ترحب بإعلان فرنسا عزمها على الاعتراف الرسمي بالدولة الفلسطينية    وزير الصحة: انخفاض الوفيات بنسبة 17% ثمرة السياسات الوقائية    الجهني: يدعو لتقوى الله وينهى عن التشاؤم بالأيام    الشيخ القاسم: الرسالة النبوية أعظم نعم الله ومصدر النجاة في الدنيا والآخرة    وزارة الرياضة تعلن تخصيص أول ثلاثة أندية (الأنصار والخلود والزلفي) وفتح المجال للتخصيص في بقية الأندية الرياضية    فتح التقديم لجائزة "إثراء للفنون" بقيمة 100 ألف دولار    أتربة ورياح نشطة على عدة مناطق اليوم    "آل مداوي" يحتفلون بالدكتور "جبران" بحصوله على درجة الدكتوراه    أمير جازان يطلع على جملة المشروعات المنجزة والجاري تنفيذها بمحافظة الدائر    القيادة تعزي رئيس روسيا في ضحايا حادث تحطم طائرة ركاب    جمعية الإعاقة السمعية في منطقة جازان تزور مسنًا تجاوز التسعين من عمره    أكثر من 40 ميدالية في ختام بطولة المملكة البارالمبية لرفع الأثقال للرجال والسيدات    القمامة الإعلامية وتسميم وعي الجمهور    «بيئة جازان» تنظم ورشة عمل عن طرق الاستفادة من الخدمات الإلكترونية الزراعية    حرس الحدود بجازان ينقذ مواطنَيْن من الغرق أثناء ممارسة السباحة    وفد ثقافي وفني يزور هيئة التراث في جازان لتعزيز التعاون في مجالات الهوية والتراث    المملكة تشارك في مؤتمر الأطراف باتفاقية الأراضي الرطبة "رامسار"    أمير جازان من الدائر: البن ثروة وطنية والدعم مستمر    6300 ساعة تختتم أعمال الموهوبين في أبحاث الأولويات الوطنية بجامعة الإمام عبد الرحمن    هيئة الأدب تستعد لإطلاق النسخة الرابعة من معرض المدينة المنورة للكتاب2025    أمير تبوك يطمئن على صحة الشيخ عبدالعزيز الغريض    أمير منطقة جازان ونائبه يلتقيان مشايخ وأهالي محافظة الدائر    الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي يلتقي وزيري الخارجية والداخلية الأفغانيين في كابل    الشؤون الإسلامية في جازان تواصل تنفيذ الدورة العلمية الصيفية الثالثة    مستشفى المهد يعتمد تقنية تخدير الأعصاب لتقليل الألم    الإحصاء: ارتفاع الصادرات غير البترولية بنسبة 6.0% في مايو 2025م    تحطم طائرة الركاب الروسية المفقودة    الأمير محمد بن عبدالعزيز يستقبل قائدَي قوة جازان السابق والمعيّن حديثًا    الإحسان الطبية تنفذ مشروع «الإستشاري الزائر» في مستشفى صامطة العام    السعودية تدين مطالبة الكنيست الإسرائيلي بفرض السيطرة على الضفة والأغوار المحتل    منظمة الصحة العالمية تنفي انتهاك السيادة الأمريكية    أكثر من 7 آلاف زيارة منزلية خلال 6 أشهر بمستشفى الظهران    "الداخلية" تعلن فتح تحقيق في انتهاكات السويداء.. لا إعدامات جماعية في سوريا    الوفد السعودي بدأ زيارته لدمشق.. اتفاقيات اقتصادية لدعم التنمية في سوريا    واست رئيس بنغلاديش في ضحايا سقوط الطائرة.. القيادة تهنئ الرئيس المصري بذكرى اليوم الوطني لبلاده    المفتي يطلع على أعمال "حياة"    توجه رئاسي لحصر القوة بيد الدولة.. غضب على «حزب الله» في الداخل اللبناني    وسط تحذيرات دولية وركود في مفاوضات الهدنة.. غزة على شفا مجاعة جماعية    الصنهاج والزهراني يحتفلان بزواج ريان    بالتنسيق مع 5 وزارات تمهيداً لوضع الإجراءات.. "البلديات" تشترط عدم كشف مساكن العمالة للجيران    تعاون سعودي – سريلانكي في مجالات الإعلام    اختيار سلمان: هكذا أطلق صقره ليحلق بالوطن    مفوض إفتاء جازان يستقبل منسوبي إدارة جمعية سقيا الماء    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



سعاد العطار في معرضها التشكيلي الجديد . مدينة للحلم ... أم مدينة للذكريات والحنين ؟
نشر في الحياة يوم 20 - 10 - 1999

يمكن للفنان ان يشيد مدينة خيالية خاصة يملأها بالعناصر والاشخاص، ويشق فيها طرقاً ويبني بيوتاً… ذلك ما قامت به الرسّامة سعاد العطّار منذ معرضها الشخصي الاول في بغداد العام 1964: امرأة من الهام وتواصل. غير ان تلك المدينة تتحول في معرضها الجديد الى مواقع للذكرى والحنين، الى الوان غامضة ومكتومة.
لقد وجدت في المعرض راحة وانتعاشاً، ربما لانه مصمم بطريقة تتيح التجول بسهولة في مدينة وشوارع خيال الفنانة. اللوحات الموضوعة عند المدخل تصوّر بيوتاً تكتنفها الظلال: الالوان بنية كالتربة، والنوافذ مغلقة. ولا ضرورة للتشبيه بمحبس لأن السماء حاضرة في كل لوحة. وهي ليست مجرد تجميل لوني ومساحة تتيح للفنانة ابراز براعة ما في التلوين. انها فضاء للانطلاق والعفوية. ولا تستطيع ان تتحرك فيها من دون مراقبة. وسرعان ما تتحول البيوت والقباب الى ذكريات: لعلك رأيتها في مكان ما، انها تفرض وجوداً من نوع آخر من التداعي وما شابه، اي مقارنة قد تخطر في الذهن.
كانت سعاد تقتبس من الطبيعة ما يكفي رموزاً لبناء صورتها: اوراق نبات، اشجار وتلال… المرأة تتجول بين تلك المناظر، غالباً ما تكون وحيدة، واحياناً مع رفيق للمواساة والخطيئة. وقد تخلت الفنانة في اعمالها الحديثة عن هذا النموذج، وحل مكانه التراث والتاريخ. ومع ان هذا الاسلوب استمر حاضراً في اعمالها في صور من الحضارة السومرية والبابلية، فقد ظل شيئاً محيراً عند هذه الفنانة: فهل كانت المرأة النموذج، التي تحولت من الطبيعة العارمة وصارت ثوراً مجنحاً، ترمز الى الحرية من القيود في الاسلوب، ام كانت مجرد زينة اجبارية تحلّ مكان الفراغ على اعتبار ان حمل الريشة افضل من الصمت والظلام؟
التغير الذي حدث في الاسلوب يستحق الاهتمام فقد جلب معه تطوراً وايضاً معركة. ان الصراع هنا اجبر الفنانة على حلّ وسط في النهاية، وقد تجلى في الجمع بين عنصر الشكل وحركة التلوين: وهي دائماً تتجه نحو الخلفية لتجعل منها تكويناً يضيف لمعاناً للشكل احياناً، ويعوّض عنه في حين آخر. ويتكرر هذا في عدد من اللوحات لدرجة ان الصراع يصير ممتعاً، وسرعان ما يتحول الى لعبة، فاذا بالمشاهد يرى بيوت المدينة ظاهرة في لوحة ثم تختفي شيئاً فشيئاً في لوحات تالية.
يتضح بعد هذا اننا امام عتمة ذاكرة او العكس. المرأة التي تضيع العمر في الحسرة، وتنتظر حبيباً في الخيال، وتستعد لمقاومة الضعف والنسيان. العتمة تستمر والوضوح يقلّ ومنه يزداد عمل المخيلة في رومانسية. المؤثر ايضاً اننا لا نحمل في اذهاننا رموز هذه اللوحات عندما نترك المعرض. اننا نظل داخل المدينة اللونية الغريبة، محاطين بأشكال شبيهة بصور الرسام شاغال.
يجب ان لا ننسى ان هناك حزناً في هذه اللوحات، لا يوحي به اللون الداكن بقدر ما هو موجود في العواطف التي انشأتها منذ البداية، وعلى رغم ان المدينة سرية وخاصة، فاننا نستطيع الاندماج في أجوائها. وليس معنى هذا اننا نصاب بالحزن، فليس ذلك هدف الفنانة طبعاً، ولكنه يدل على مقدرة في التبليغ والمشاركة، ناهيك عن تقنية رفيعة لها جذور في الانطباعية الاميركية. عنصر الرقي يأتي من التركيز على بقع صغيرة في اللوحة، والانشغال بها الى درجة الهوس لتركيب مسحة اللون المطلوبة في تعبير ما.
الهدف من المعرض ليس اللوحات التي يتجاوز عددها الخمسين. انه تلك الرغبة الاصيلة عند كل فنان: وهي كيف يجعل الآخر يشاركه الظنون، ويشاركه الرؤيا وحتى الغداء؟ الفنان في بحث مستمر عن ذلك المشاهد يطعمه الواناً في انتظار ان يروي له قصته.
نحن امام فنانة تروي لنا قصة مدينتها السرية تحاول ان تزيل عنها الحرام، ويا لها من محاولة في ترجمة انفعالات من خلال رموز معينة. تلك الاحاسيس قد لا تكون واضحة حتى بالنسبة الى الفنان او الفنانة. فاذا بدور اللوحة يتقلص الى نوع من التفسير. وهنا تأتي حركة الشكل، هل تتجه نحو المعنوي او المادي الخالص؟ بعض لوحات المعرض يبرز الاتجاهين… ونحن اقرب الى مزيج منهما في اللوحات الكبرى التي تصوّر اغلبها امرأة بين سحب الالوان وكأنها تصارع حقاً في الوجود.
لا يخفى ان كل لوحة في هذا المعرض تمثّل جملة في القصة التي ترويها الفنانة: انها تشكو من البعد والعزلة، وقد حاولت ان تخلق مدينة من احلام تؤمها شخصيات كأنها اشباح تلطف بها حياة البعد والجفاف. ولكن المواساة لا تأتي الا من عملية الرسم وحدها. وهكذا فان الرسامة لا تترك اللوحة الا وقد اعدتها بصبر وتأنٍ ومقدرة رفيعة على وضع الالوان في طبقات تضفي على الشكل حيوية وغناء، فاذا بالنظرة الجائعة تضيع في وليمة دسمة متنوعة الاطباق.
اللوحة الآن غذاء روحي ايضاً، بغضّ النظر عن الرموز والمنشآت التي يمكن ان تكون صحيحة او غيرها. فاذا التزمنا هذا الخط المعتمد على الرؤية وحدها فاننا نجد بُعداً ثالثاً بين اللوحة وما ترمز اليه في لغة تعبير الفنانة: يتعلق بالتنفيذ و"اخراج" الشكل حسب المساحة المخصصة له. هناك المنطقة المحيطة بالصورة مباشرة تتلوها الخلفية، ثم زاوية النظر التي يتجه اليها الشكل عموماً، وبعد ذلك نخلص الى الالوان وطريقة توزيعها حيث ينبث الشكل جذاباً غامضاً وشفافاً...
في المعرض صراع بين الظل والضوء، بين التفكير والتدبير والعفوية، وحتى بين الاحجام التي يجب ان تأخذها الاشكال. لا راحة هنا على رغم المناخ الشاعري للمعرض. وعلينا ان ننتظر استقرار الغبار بعد الانفجار الكبير في اسلوب هذه الفنانة.
SAUD AL-ATTAR
ALBEMARLE GALLERY
49 ALBEMARE STREET
LONDON W1


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.