قبل ذلك بشهر كانت الطاولة المستديرة التي عقدت في لندن لبحث المسألة الهندية و"ايجاد حل لها" فشلت في الوصول الى اي حل. وكان المهاتما غاندي يتوقع ذلك بالطبع، رغم ايمانه، هو المناهض للعنف، بان حل المسألة الهندية لن يكون الا حلاً سلمياً. والحال ان آمالاً عريضة كانت عقدت على تلك الطاولة المستديرة، من هنا حين اعلن في اليوم الاول من كانون الاول ديسمبر 1931، ان المفاوضات وصلت الى طريق مسدود، بدا واضحاً ان حزب المؤتمر الذي يتزعمه غاندي سوف يتحرك، وبقوة. وبدا واضحاً كذلك ان التحرك سوف يكلفه غالياً، حتى وان كانت بريطانيا العظمى وحكمها الاستعماري ستكون الخاسر الاكبر في نهاية الامر. بالنسبة الى غاندي، كان بديهياً ان تصعيد حزبه للتحرك سيودي به الى… السجن، وهكذا كان، اذ في اليوم الرابع من شهر كانون الثاني يناير التالي، كان اول ما فعلته السلطات البريطانية القاءها القبض على غاندي مع رفيقه الزعيم الوطني فالا بهاي باتل. قبل ذلك كانت الاحداث تطورت بشكل يؤدي الى تلك "النهاية المنطقية" - حسب تعبير صحيفة "تايمز" في ذلك الحين -، اذ في اليوم التالي للاعلان عن فشل "الطاولة المستديرة" اعلن حزب المؤتمر في البنغال عن مقاطعة البضائع الانكليزية. وفي الثلاثين من الشهر نفسه صعدت السلطات البريطانية في تحركها المحاول قمع تحرك حزب المؤتمر، حيث وجه "نائب الملك" في الهند الفيسكونت ويلنغدن انذاراً قاسياً وعنيف اللهجة، الى غاندي ورفاقه، يقول فيه ان "الحكومة الهندية" لن تتسامح بعد الآن مع "اية نشاطات تحريضية تخريبية" يمارسها حزب المؤتمر، مؤكداً انه لن يتسامح مع نزعة "اللاتعاون" التي يمارسها القادة الهنود كما يمارسها حزب المؤتمر وجمهوره غالبية الهنود على اية حال، لان من شأنها ان تعرقل عمل المؤسسات الدستورية في البلاد. وكان من الواضح للمراقبين ان تلك هي الخطوة الاخيرة في سلسلة الاحداث الهامة العنيفة وذات الدلالة التي شهدتها الهند بعد اخفاق محادثات الطاولة المستديرة. اذ، فور ذلك الاخفاق من المعروف ان غاندي عاد الى الهند مبارحاً لندن، مهدداً بممارسة المزيد من ضروب العصيان المدني. لكن العصيان المدني، الذي شاءه غاندي سلمياً، لم يكن على ذلك النحو، اذ سجلت حوادث عنف عديدة كان من اكثرها وقعاً على الانكليز قتل قاض منهم، على يد طالبتين هنديتين شابتين، من اعضاء حزب المؤتمر. وفور ذلك الحادث تم اعتقال جواهر لال نهرو، وعبدالغفار خان، الزعيم المسلم الذي كان يلقب ب "غاندي مناطق الحدود". وكان ذلك، بالطبع ايذاناً بالتصعيد التالي الذي تحقق بعد ايام قليلة، مع اعتقال غاندي ورفيقه باتل، وهو اعتقال تبعه - كما نعرف - اعتقال العشرات من قادة حزب المؤتمر في المناطق كافة. من الطريف ان نذكر هنا ان غاندي - الذي كان يعرف، في مطلق الاحوال، انه سوف يعتقل لا محالة - هيأ نفسه لذلك بشكل جيد، اذ اخذ معه الى السجن زوجين من الصنادل، ومرتبة، وثياباً سميكة، اضافة الى عجلة حياكة لغزل الصوف. وحين استقر المقام بغاندي في السجن، سارع بقية من تبقى من قادة حزب المؤتمر الى عقد اجتماع للجنة حزبية اطلقوا عليها اسم "لجنة العمل الحزبية" مهمتها متابعة قضية غاندي ومتابعة النضال، غير ان السلطات البريطانية اعتبرت اللجنة غير شرعية وطالبت بحلها، ثم اعتقلت اعضاءها ووضعتهم السجن مع غاندي ورفاقه. هذا بالنسبة الى زعماء المؤتمر، اما بالنسبة الى الشارع الهندي، فانه ظل على حاله وعصيانه، رغم التهديدات التي اطلقتها السلطات. فقد فتحت محلات بيع الثياب ابوابها، لكي تشتري منها السيدات الهنديات اقمشة الساري ذات اللون البرتقالي، لأن ذلك اللون كان علامة هندية من علامات العصيان والتضامن مع المعتقلين، وإظهار العداء للسلطات البريطانية التي بدأت على الفور حملة قمع لم تكن الهند شهدت مثلها من قبل.