مطارات الدمام تنظم ورشة بعنوان "يوم المستثمر" لتعزيز الشراكات الاستراتيجية    استشهاد فلسطينية وأطفالها الستة في غزة    نائب وزير الخارجية يستقبل سفير جمهورية الصومال    اختتام بطولة غرب المملكة في منافسات الملاكمة والركل    جمعية البر بالمنطقة الشرقية تشارك في المعرض الدولي للقطاع غير الربحي (إينا)    عقارات الدولة توضح ما يُتداول حول توزيع أراضٍ سكنية في الرياض    حقيقة انتقال رونالدو وبنزيمة وإيبانيز إلى الهلال    محافظ أبو عريش يرأس لجنة السلامة المرورية الفرعية    أمير تبوك يستقبل نادي نيوم ويبارك لهم تتويجهم بلقب دوري يلو والصعود إلى دوري روشن    الذهب يقفز بفعل تراجع الدولار وتهديدات ترامب بفرض رسوم جمركية    صندوق الاستثمارات العامة يجمع أكثر من 1000 من أعضاء مجالس الإدارة وتنفيذيّ شركاته    كندا تعلق بعض الرسوم الجمركية المضادة على الولايات المتحدة    57٪ من أطفال السعودية يخفون نشاطهم الرقمي عن الأهل    انطلاق فعاليات المؤتمر العالمي الأول للميتاجينوم والميكروبيوم    مبادرة طريق مكة تحظى بشرف خدمة أكثر من مليون مستفيدٍ من ضيوف الرحمن منذ إطلاقها    مجموعة فقيه للرعاية الصحية تحصل على اعتماد JCI للمؤسسات كأول مجموعة صحية خاصة في المملكة    وزارة الداخلية تدعو للإبلاغ عن كل من يقوم أو يحاول القيام بنقل مخالفي أنظمة وتعليمات الحج    أبناء علي بن محمد الجميعة يثمنون دور منتدى حائل للاستثمار 2025 م في الحراك التنموي    حرس الحدود بمنطقة مكة المكرمة ينقذ (10) مقيمين من الجنسية المصرية    حلول واقعية لمعالجة التحديات المعاصرة التربوية    1.89 مليون وفاة سنويًا بسبب الملح    لمسة وفاء.. الشيخ محمد بن عبدالله آل علي    وزير الحرس الوطني يرعى تخريج الدفعة السادسة من برنامج القيادة والأركان والدفعة الأولى من برنامج الدراسات العسكرية المتقدمة ويدشّن برنامج الحرب    الشؤون الإسلامية تُكمل استعداداتها في منافذ الشرقية لاستقبال الحجاج    المملكة 2050.. حين أصبح الحلم واقعاً    ترامب يقول إنه "حزين" إزاء الإعلان عن تشخيص إصابة بايدن بالسرطان    افتتح منتدى إدارة المشاريع..الحقيل: 133 ألف منشأة و1.6 مليون فرد بقطاع التشييد    آل بابكر وخضر يحتفلون بزواج علي    إعلاميون ومثقفون يعزون أسرة السباعي في فقيدهم أسامة    الهند.. رفض شراء السجائر لرجل غريب فقتله    محمد.. هل أنت تنام ليلاً ؟    " الموارد": تجربة" أنورت" لتعزيز تجربة ضيوف الرحمن    السعودية وجهة المعارض والمؤتمرات.. أمير الشرقية يفتتح «أرينا الخبر» ويشيد بتجهيزاتها    هيئة الموسيقى توثق الإبداعات السعودية    مبادرات "عام الحرف" ترسو في مشروع سولتير بالرياض    مجلس إدارة مؤسسة «البلاد» يقر الميزانية العمومية    الفيفا يحدد موعد المباراة الفاصلة بين لوس أنجلوس وأمريكا.. من يحجز المقعد الأخير لمونديال الأندية؟    بعد 19 عاماً من النطحة الشهيرة.. بوفون يعترف: أنا السبب في طرد زيدان    وجبة مجانية تنهي حياة عصابة بأكملها    الحرب على الفلورايد تحرز تقدما    تصعيد في قصف معسكرات النازحين.. الجيش السوداني يسيطر على منطقة «عطرون»    عبدالجواد يدشن كتابه "جودة الرعاية الصحية"    صيام الماء .. تجربة مذهلة ولكن ليست للجميع    أطباء يعيدون كتابة الحمض النووي لإنقاذ رضيع    6000 حاج يتلقون الرعاية الصحية بالجوف    حفل جائزة فهد بن سلطان للتفوق العلمي والتميز.. الأربعاء    «البيضاء».. تنوّع بيولوجي يعزّز السياحة    نائب أمير عسير يستقبل القنصل الجزائري    أمير الجوف يُعزي أسرة الجلال    الشؤون الإسلامية تختتم الدورة التأصيلية الأولى في سريلانكا    نجوم الرياض وهوكي جدة يتوجان في بطولتي الهوكي للنساء والرجال بالمنطقة الغربية    قصائد فيصل بن تركي المغناة تتصدر الأكثر مشاهدة    تتويج الأخدود ببطولة المملكة تحت 15 عاماً "الدرجة الأولى"    رئيس جمعية «مرفأ» الصفحي يهنئ أمير جازان ونائبه على الثقة الملكية    مشائخ وأعيان وأهالي «الجرابية الكنانية» يهنئون أمير جازان ونائبه بالثقة الملكية    بوتين: هدفنا من حرب أوكرانيا هو السلام    اعتدال: أكثر من 1.2 مليون رابطٍ للتحايل على آليات رصد المحتوى المتطرّف    "قمة بغداد" ترفض تهجير سكان غزة.. الجبير: رفع العقوبات عن سوريا فرصة للتعافي والتنمية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أحياناً تكون العولمة ضد مصلحة أميركا
نشر في الحياة يوم 04 - 08 - 1998

يطول الحديث عن العولمة ويجب أن يطول. فمع نهاية كل يوم يكون نطاق العولمة قد اتسع قليلاً أو كثيراً، وهكذا مضمونها ومحتواها والجدل الدائر حولها.
وينبغي التأكيد هنا على أن لا دليل قاطعاً يقودنا إلى الحكم على العولمة بأنها كلها سيئة، أو كلها جيدة. ولعل افتقادنا هذا الدليل القاطع هو السبب - بل والحافز - إلى الاهتمام بالعولمة في صورتها وتطوراتها الراهنة. فالعولمة تلازمنا في كل خطواتنا، تسبقها أحياناً وتستحثها في معظم الأحيان. وهي تغير في حياتنا وتؤثر في اختيارات أبنائنا وتضغط على حكامنا وتستفز التقليديين فينا وتقطع أنفاس المهرولين في ركابها وتستفز المشاعر، فتباعد بين ذوي القربى وتعيد توزيع طيبات المجتمع، فتغدق على القليلين وتبخل على الكثيرين. لقد سدت العولمة فجوات، ولكن فتحت فجوات أكبر وأكثر. وحلت العولمة عُقَداً، ولكن تسببت في عقد جديدة، وازدادت تعقيداً قضايا ومشاكل أكبر وأكثر. وقرّبت العولمة بين نخب بعينها في المجتمعات كافة، ولكن باعدت بين أمم وشعوب وطوائف. إن المفارقة التي تستدعي التوقف عندها، وتستدعي في الوقت نفسه المزيد من الاهتمام بالعولمة ومسيراتها المتعددة، هي أن العالم في ظل العولمة بات أكثر اندماجاً وأكثر انقساماً وتوتراً من أي وقت مضى.
قضيت - واصدقاء عرب - ساعات مع مفكرين فرنسيين نناقش بعض قضايا العولمة. وجدتُ بين المحاورين الفرنسيين أكثرية تتفق معنا في آراء كثيرة، ووجدتُ بين المحاورين الفرنسيين من أصول عربية أكثرية تختلف معنا ومع المحاورين الفرنسيين من أصول فرنسية، واخترت قضيتين كمثالين. إذ عرض أحد الفرنسيين فكرة أنه لا يجوز فصل العولمة كمفهوم وعملية وممارسة، عن مفهوم وتجربة الاستعمار. يتفق هذا الفرنسي - وهو غير شيوعي ولا اشتراكي - مع رأي عدد من المحاورين العرب، في أن العولمة أعلى مراحل الاستعمار. ولكنه يضيف ما لم يعلنه المحاورون العرب. يقول إن العولمة تعني في أحد أهم جوانبها استعمار الدولة الأعظم للدول العظمى والكبرى الأخرى. فالاستعمار التقليدي الذي مارسناه كفرنسيين ومارسته معنا من موقع آخر شعوب خاضعة للاستعمار، كان يعني استغلال الدولة الاستعمارية البيضاء لدول أو مجتمعات أقل قوة، وفي الغالب ملوّنة وخارج أوروبا. كانت العلاقة الاستعمارية تعبيراً وتجسيداً لعلاقة حضارية غير متوازنة. فضلاً عن ذلك كان الاستعمار عملية اقتصادية تستثمر فيها الدولة الأقوى إمكانات اقتصادية قليلة مزودة بامكانات عسكرية كبيرة لتهيمن على امكانات وعوائد اقتصادية هائلة. ولكنه كان ايضاً شيئاً آخر. كان الاستعمار أداة لتوزيع "المكانات" بين الدول الكبرى، أو لتحسينها.
وعن العولمة يقول هذا المثقف الفرنسي، إنها استعمار الدولة البيضاء الأعظم لكل ما عداها بما فيها الدول البيضاء الأخرى. بل إن هذه الدول، أي الدول البيضاء المتحضرة المتقدمة، اثبتت في ظل الاستعمار الجديد أنها الأجدى والأفضل. ففي هذه الدول ثروات، أي أموال، عظيمة، وفيها بشر متقدم تكنولوجيا. وتمتلك بدورها أسواقاً خارج حدودها. ولذلك، فعائد استعمارها لا شك أعلى وأهم من عائد استعمار دول في افريقيا أو في اميركا اللاتينية. ومع ذلك، وعلى رغم الاختلاف الشاسع بين عائد استعمار دولة غنية ومتقدمة وعائد استعمار دولة فقيرة متخلفة، يظل استعمار الدولة الفقيرة والمتخلفة ضرورياً ولكن لأسباب غير تلك الاسباب التي دفعت الدول الأوروبية الى استعمارها خلال قرون طويلة. لقد نشأت في هذه الدول الفقيرة والمتخلفة بؤر غنية ومتقدمة، من المهم التعامل معها باعتبارها مندمجة في نظام العولمة، وليس باعتبارها أجزاء أو عناصر أو فئة في دولة فقيرة متخلفة.
بقي لنا البحث عن مفهوم يتناسب مع هذا التطور الجديد في المسيرة الاستعمارية. فالعلاقة الاستعمارية، بمعناها التقليدي، تختلف جذرياً عن العلاقة الاستعمارية بمعناها المعاصر، أي في ظل قواعد ومبادئ العولمة. وقد بحثنا خلال حوارنا مع الفرنسيين عن مفهوم مناسب ولم نجد. وأظن أن الفكر السياسي لن يتوقف خلال العقود المقبلة عن مهمة البحث عن كلمة أو مفهوم يناسب هذه العلاقة، أي العلاقة بين دولة غنية متقدمة جداً تسعى لأن تفرض نمط ثقافتها ومبادئها السياسية ونسق قيمها على دولة أخرى غنية ومتقدمة وأوروبية أيضاً أو من أصول أوروبية.
ثم إن هذه الدولة الغنية جداً والمتقدمة جداً تريد أن تشرّع قوانين وتخطط نظم حرب ودفاع، وتسنّ عقوبات لتطبق في دول أخرى غنية ومتقدمة وبيضاء أيضاً. كل هذه العناصر في العلاقة بين الدول الغنية جداً والمتقدمة جداً والدولة الأخرى الغنية والمتقدمة والقوية أيضاً، كانت نفسها العناصر التي تكوّنت منها العلاقة الاستعمارية التقليدية بين الدولة الغنية القوية البيضاء والدولة أو المجتمع الفقير المتخلف، الأسمر أو الأصفر أو الأسود، في القرون من السادس عشر إلى منتصف القرن العشرين.
ولكني، ومعي عربي آخر أو اكثر، نبّهنا الى أن القوة الأعظم غنى وتقدماً، هي نفسها قوة ليست حرة الإرادة ومستقلة الفعل، على عكس ما كانت عليه بريطانيا مثلاً أو حتى فرنسا كدولتين استعماريتين في القرن التاسع عشر. فالولايات المتحدة نراها أحياناً كما لو كانت هي نفسها تعاني من ضغوط قوى "استعمارية" خارجية وداخلية. هنا أيضاً توجد فئة اميركية الجنسية ولكن "عالمية الهوية"، مصالحها لا تتطابق بالضرورة مع المصالح الاقتصادية القومية الاميركية، إلا أن قوتها هائلة. تستطيع هذه الفئة، أو جزء منها، أن تقرر تدمير السمعة المالية لدولة من الدول لسبب من الأسباب. قد يكون هذا السبب معاملة غير ممتازة يلقاها العملاء أو الوكلاء أو الزملاء الذين يعملون لحساب هذه الفئة أو بالشراكة معها، وقد يكون السبب مجرد تحقيق ربح فوري يتحقق عن طريق ضرب عملة هذه الدولة في الأسواق المالية.
خطأ كبير أن نقرر، تلقائياً أو تحت الانفعال الناتج عن الضغوط الاميركية، أن مثل هذه الفئة عظيمة القوة، تعمل لمصلحة السياسة "الاستعمارية" التي تمارسها واشنطن ضد فرنسا وألمانيا واليابان وروسيا ودول شرق أوروبا، أو ضد العالم الملوّن المتخلف بأغنيائه وفقرائه. أقول إن واشنطن قد تستخدم أحياناً هذه القوة الفائقة من قوى العولمة لمصلحتها، ولكني أقول أيضاً أن ليس كل ما تمارسه هذه القوة الاقتصادية "الأهلية"، أي غير الحكومية أو غير التابعة مباشرة لدولة، وهي القوة العاملة في قطاع المال بالمضاربة أو الاستثمار أو الهيمنة، يصب بالضرورة في مصلحة اميركا أو بقية دول العالم الرأسمالي.
خطأ آخر أن نقرر أن هذه القوة الفائقة من قوى العولمة قادرة على أن تعمل في معظم الأوقات مستقلة أو منعزلة عن إرادة الولايات المتحدة الاميركية. إذ تتعيش هذه القوة الفائقة وتنمو وتزداد قدرة بفضل "الاستعمار" القيمي والمذهبي الذي تمارسه الولايات المتحدة في أنحاء العالم كافة.
إن القيم والممارسات التي تبشر بها واشنطن عن طريق مئات، بل ربما آلاف مؤسسات المجتمع المدني التي أنشأتها أو دعمتها أو ساعدت على قيامها في الدول والأقاليم كافة، وبعضها عالمي النطاق، هي الدروع التي تحمي قوى العولمة من عدوان أقوى أعدائها، أو قُل هي السهام والرماح المشهرة لتدمير دروع الاعداء. وفي مقدمة هؤلاء الأعداء: السيادة، أي سيادة الدولة، والمصلحة القومية، ومفهوم الوطن والمواطنة. هؤلاء الأعداء يتصدرون قائمة مفاهيم تمثل في مجملها خط الدفاع، أو الهجوم، ضد محاولات قوى العولمة المالية والعقارية اختراق الدولة. لذلك فمن الضروري أولاً أن يسبق هجوم قوى العولمة - أو يتزامن معه - هجوم قوى التبشير بأيديولوجية العولمة ضد قواعد وأسس المجتمع، الهجوم على أخلاقياته وقيمه وتاريخه ووطنيته ووحدته، والعمل على تفسيخ العلاقة بين الدولة والمجتمع. وعندها أو بعدها تبدأ قوى العولمة حملة الاختراق.
* كاتب مصري


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.