يقول أقرب حلفاء نتانياهو إليه انهم لا يعرفونه. ويقول رئيس وزراء سابق من حزب نتانياهو نفسه "انه ليس جديراً بالثقة، ولا اعتقد انه يؤمن بشيء". ويقول مستشارو الرئيس كلينتون انهم لا يفهمون لغز نتانياهو، وبالتالي لا يعرفون الى أين هو متجه، ومدى فرص السلام مع الفلسطينيين وهو في الحكم... ويقول ديفيد بار - ايلان، الناطق باسمه ومستشاره الاعلامي "ان من الصعب جداً قراءة عواطف بيبي. انه مغلق ويصعب فهم مشاعره. ولا أعرف ما في قلبه أو عقله، ولا أعرف ان كان هو يعرف". ما سبق ليس مني وانما من مقال كتبه دانيال شور في "كريستيان ساينس مونيتور" مطلع هذا الشهر. في الوقت نفسه تقريباً كتب سيما كدمون في "معاريف" تحليلاً طويلاً قال فيه "مضى على رئيس الوزراء في منصبه سنتان، ومع ذلك فلا أحد يعرف ما يريد، أو ما يفعل... هل يفهم أحد أهدافه أو طموحاته أو معتقداته، أو حتى عواطفه؟ هل هو عبقري أو مغفل، ساحر أو محتال، استراتيجي أو كذّاب، شخصية متنوعة أو شخصية غير خبيرة تتصرف بمقتضى متطلبات اللحظة؟ من هو بنيامين نتانياهو هذا؟ هل نعرف التفريق بين الصورة والحقيقة؟ هل يعرف نتانياهو؟". ولعل القارئ لاحظ فوراً ان المقالين اللذين يفصل بينهما عشرة آلاف كيلومتر جاءا متماثلين في التلميح الى ان نتانياهو قد يكون هو نفسه لا يعرف ما يريد. الأرجح ان ما يريد هو فرض هيمنة اسرائيلية على العرب، وحتى على القرار الأميركي، ولو أدى ذلك الى تدمير السلام، وهو قال أخيراً ان السلام مات قبل سنتين، في زلة لسان فرويدية، ثم تراجع وقال انه لم يقصد ما نسب إليه، وانه انتخب لإحياء العملية السلمية. وكان هذا تفسير بيني بيغن، عضو الكنيست الذي يرفض العودة الى الحكومة بسبب "تنازلات" نتانياهو، فهو استنكر تفسير عبارة رئيس الوزراء، وقال انها تعني بالنسبة إليه ان نتانياهو يقصد انه سيحيي العملية السلمية التي ماتت في الانفجارات الانتحارية قبل سنتين. والكاتب يحتاج الى التفتيش كثيراً ليجد انساناً أكثر تطرفاً وعنصرية واحقاداً من نتانياهو وليطلع بمثل هذا التفسير، فكلام نتانياهو لا يمكن إلا أن يؤخذ على ظاهره، وهو ظاهر يتفق مع كل تصرف له منذ كان سفيراً لاسرائيل لدى الأممالمتحدة سنة 1984، ويعني - في رأي نتانياهو - ان السلام انتهى. الجريدة الأميركية انتهت في تحليلها نتانياهو دون حكم له أو عليه، ولكن مقال "معاريف" قرر ان نتانياهو مثل رقاص الساعة، فهو إما الى أقصى الشمال أو أقصى اليمين، يتنقل بين طرف وآخر بسرعة مربكة. ثم خلص الى الحكم على نتانياهو فدانه بجريمة الكبرياء من أسوأ نوع عرفته التراجيديا الاغريقية. و"نتانياهو يعتقد انه لا يقهر، ويستطيع أن يتحدى الآلهة... لذلك ففي التراجيديا الاغريقية تصدر أشد الأحكام على البطل الذي يرتكب خطيئة الكبرياء. ويبقى أن نرى ان كان العقاب سيقع عليه أو علينا يقصد الاسرائيليين". ويستطيع الكاتب العربي ان يزيد "أو علينا نحن ويقصد العرب" فموقف نتانياهو من السلام بدأ يقود المنطقة الى اجواء المواجهة والحرب. وفي حال انفجار الوضع فسيكون المدنيون من الطرفين أول الضحايا، وسيكون دم الجميع على يدي نتانياهو. وهذا هو رأي زعيم المعارضة ايهود باراك الذي قال ان "نتانياهو يقود اسرائيل الى كارثة" يقتل فيها النساء والأطفال بالاضافة الى الجنود، وان حلفاء نتانياهو يمارسون "صمت الخراف" ازاء هذه السياسة الكارثية. عندما كنت أجلس احياناً مع الدكتور كلوفيس مقصود لمتابعة عمل نتانياهو في الأممالمتحدة في الثمانينات قررت لنفسي، وفي نفسي، انه "خنزير". إلا أن هذا ليس تحليلاً علمياً وموضوعياً فأسحبه وأحاول أن أجاري أمثال الدكتور مقصود والكتّاب الاسرائيليين والأميركيين وغيرهم في تحليله. وكل ما استطيع ان أطلع به هو الحكم عليه بنتائجه، فهو مغرق في خرافاته التاريخية الى درجة أخشى أن يصبح من نوع لعنة توراتية، مثل الفيضان والطاعون، تصيب المنطقة كلها، إذا لم يوضع حد له. واختار أهون نقطة، أو ما يبدو أنها أهون نقطة، فهو في معارضته الولاياتالمتحدة وتحديها، يضعف نفوذها في كل مكان. وقد يبدو هذا ايجابية له، إلا أنها ليست كذلك إذا رأت الهند وباكستان، وأي دولة في مثل وضعهما، ان اسرائيل تتحدى أميركا وتنجو، فتبدأ كل دولة قادرة على انتاج قنبلة نووية تسير على طريق نشر الأسلحة النووية، وعند ذلك فلا بد أن يأتي يوم تقع فيه الأسلحة النووية في يدي ديكتاتور مستعد لاستعمالها، أو ما يعادل في القرن العشرين الفيضان التوراتي أو الطاعون. ولكن لماذا لا يضعف نتانياهو هيبة أميركا، ويعرض مصالحها والسلام العالمي للخطر، وهناك في مجلسي الكونغرس "نتانياهوات" في مثل حقارته وعنصريته. وقد رأينا منهم زعيم الغالبية الجمهورية في مجلس النواب نيوت غينغريتش يزور اسرائيل ويهاجم حكومته منتصراً لتطرف ليكود. لذلك اختتم بكلمات ليست لي وانما هي لاثنين من الكتّاب اليهود الأميركيين المعتدلين. توماس فريدمان قال ان تزّلف غينغريتش للأصوات اليهودية والتبرعات الانتخابية كان من مستوى "أولمبي"، ومن دون أي اعتبار لمصالح الولاياتالمتحدة والاستقرار الاقليمي. وريتشارد كوهن حذّر غينغريتش من أنه يلعب بالنار، ويشجع قناعة نتانياهو عن نفوذه في الكونغرس الذي جعله يقول، حسب رواية الصحف الاسرائيلية، انه "سيحرق واشنطن" إذا اتهمه الرئيس كلينتون بتعطيل العملية السلمية. سياسة نتانياهو قد تحرق أيضاً المنطقة والعالم.