القلعة الأثرية بمحافظة جزر فرسان .. وجهة سياحية ومعلم يمزج التراث بجمال الطبيعة الساحرة    الأحوال تعلن تعديل مواد تتعلق بتغيير الاسم الأول وتعديل أو حذف اسم الشهرة أو الفخذ أو القبيلة    «الراجحي» يتوج بالذهب من بلاد «التانجو»    الدكتوراه ل«العنبر» في فلسفة التربية    «السياحة»: ارتفاع الغرف المرخصة في العاصمة المقدسة إلى 227 ألف غرفة خلال موسم الحج    عمرو دياب يصفع.. يشتم.. ويثير الجدل    النائب العام يتفقّد ويدشّن مقرات للنيابة العامة في المشاعر المقدسة    الحملات المشتركة: ضبط (12974) مخالفاً لأنظمة الإقامة والعمل وأمن الحدود    غانتس يستقيل.. حكومة نتنياهو باقية        «الموارد»: إصدار 11.7 ألف تصريح لخدمة «أجير الحج».. و42.85 ألف تأشيرة عمل موسمية    جنة ينافس العيسى على رئاسة الأهلي    الفلبين تحظر واردات الطيور والدواجن من أستراليا بسبب أنفلونزا الطيور    قرار الأمم المتحدة بوضع إسرائيل على القائمة السوداء خطوة في الاتجاه الصحيح    انخفاض الروبل أمام العملات الرئيسية حتى 10 يونيو    غزة تستغيث لتوفير مولدات كهربائية للمستشفيات    الطقس: حار إلى شديد الحرارة على معظم مناطق المملكة    نائب أمير مكة يتفقد العمل بصالات الحج    "آبل" تخرج بعض إصلاحات "آيفون" من الضمان    "أبل" تدعم تطبيق البريد ب "الذكاء"    الهلال يعلن برنامج تحضيراته للموسم الجديد    الأخضر يستأنف تدريباته استعداداً لمواجهة الأردن    الاتحاد يمدد إعارة حامد الغامدي    مقتل صاحب أول صورة ملونة لكوكب الأرض من الفضاء    سوء التغذية يسبب اكتئاب ما بعد الولادة    بيئة نجران تدشن اليوم العالمي للبيئة تحت شعار "أرضنا مستقبلنا"    الأسهم الأمريكية تغلق على تراجع    تأهّل الحزم والنور والابتسام والصفا إلى نصف نهائي بطولة المملكة لكرة اليد الشاطئية للكبار        الجبير يرأس وفد المملكة المشارك في الحدث رفيع المستوى بشأن العمل من أجل المحيطات    بعثة المنتخب السعودي تزور صالة مبادرة "طريق مكة" بباكستان    100 ألف زائر في كرنفال القادسية الأسطوري    انطلاق الدورة العلمية الكبرى تحت عنوان "التوحيد في الحج"    الدفاع المدني ينفذ فرضية حريق بالعاصمة المقدسة    فرع هيئة الصحفيين بمكة ينظم ورشة الإعلام في الحج    «هيئة النقل» تنفذ أكثر من 98 ألف عملية فحص حتى بداية شهر ذي الحجة    ضيوف المليك: استضافتنا للحج امتداداً لأعمال المملكة الإنسانية    منصور ابو شهران في ذمة الله    القبض على 3 أشخاص بالمنطقة الشرقية لترويجهم (5.5) كيلوغرامات من الحشيش    نائب رئيس جمهورية جامبيا يغادر المدينة المنورة    جامعة الملك خالد تتقدم 160 مركزًا في تصنيف QS العالمي للجامعات 2025م وتحقق المركز 601    فيصل بن مشعل يقدر لامين وأمانة القصيم جهودها في مدينة حجاج البر    حظر دخول أسطوانات الغاز للمشاعر المقدسة    اليحيى يُراجع خدمات الحجاج بمطار المؤسس    400 مشروع فني وتصميمي لطالبات كلية التصاميم بجامعة الإمام    «الأحوال»: منح الجنسية السعودية لشخصين.. وقرار وزاري بفقدانها لامرأة    زيادة مقاعد برنامج "طب الأطفال" بتجمع القصيم الصحي إلى 100 متدرب    فقدت والدها يوم التخرج.. وجامعة حائل تكفكف دموعها !    لاعبون بكلية مزروعة    الصيف الساخن يعكر نومك.. 3 نصائح تساعدك    هل نجح الفراعنة في علاج سرطان المخ قبل 4 آلاف عام؟    "الأخطبوط" عبادي الجوهر.. "أرينا" أكبر تكريم والسعودية نعمة    فضائل الدول الصناعية وعيوب من عداها    «التحيّز».. الداء الخفي    حفلات التخرج.. من الجامعات إلى رياض الأطفال    وقوف امير تبوك على الخدمات المقدمة في مدينة الحجاج بمنفذ حالة عمار    وزير الداخلية يخرّج "1410" طلاب من "فهد الأمنية"    خالد بن سلمان يجري اتصالاً هاتفياً بالرئيس المنتخب وزير الدفاع الإندونيسي    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



حال الحصار : مزاج للثقافة العربية يرسم آلية واحدة للبرودة وللحريق
نشر في الحياة يوم 30 - 06 - 1998

منذ قرون بدت حال "الحصار" كنتاج لرهان ثقافي، ولم تكن موقفاً سياسياً أو حتى تكتيكياً حربياً، ذلك لأن الثقافة العربية، البدوية منها والحضرية، اعتمدت الحصار كأسلوب لتغيير المواقع والقيم، وتجديد نمط العلاقات الاجتماعية، ومن ثم مثّلت في كل الحالات - تقريباً - رفضاً للآخر، وما يحمله من جديد على مستوى الفكر، حتى لو كان الآخر من المجتمع نفسه.
ومع كثرة الحالات وتكرارها، وطول الزمن تحوّلت حال الحصار الى استقصاء، صحيح إنها ارتبطت بطبيعة المجتمع ونمط السلطة، ولكنها في الأساس عبّرت عن ثقافة بعينها. وبغض النظر عن وجود حالات متكررة للحصار في مناطق عدة من العالم من الأقوياء ضد الأقوياء حيناً، ومن الأقوياء ضد الضعفاء أحياناً أخرى، إلا أنها بالنسبة إلينا، نحن العرب، مُورست في الحال الثانية أكثر على الضعفاء، أو ما يمكن أن نطلق عليه بالتعبير القرآني مصطلح "المستضعفين".
بدأ الحصار كموقف وتكتيك، وكاد أن يتحول الى استراتيجية في بدايات ظهور الإسلام، وكان هدفه القضاء على الرسول صلى الله عليه وسلم وصحبه من منطلق أنهم خرجوا على المجتمع، وتمردوا على ثقافته، وكانت محاصرتهم في شعاب مكة بدءاً بحركة ثقافية عقائدية، الهدف منها ليس القضاء على الآخر فحسب وإبادته جسدياً، وإنما إنهاء فكره واقتلاع جذوره، وهي تبيّن غياب القدرة عن المواجهة، وطبعاً في النهاية كان الانتصار لثقافة الأقوى من خلال القيم الدينية، ولم تتم غلبة العسكري على المدني وقهره. وإنما تغلبت ثقافة على أخرى، وهذا عكس ما وقع في مناطق أخرى من المعمورة في مختلف العصور.
إذن فثقافة الحصار نبتت عندنا نحن العرب، لجهة أن الطبيعة البدوية التي تبحث دائماً عن الاتساع والرحابة في المكان من أجل التحرك، ترى في الحصار ذاته إنهاءً للإنسان وتدميراً للمكان، وبالتالي القضاء على ثقافة الآخر، ناهيك عن أن الهدف الأساسي هو العزل الاجتماعي بالمعنى السلبي وليس الإيجابي.
ونمت ثقافة الحصار بعد ذلك وتحوّلت الى نموذج آخر مع اتساع الرقعة الإسلامية، وهو ما حدث في المغرب العربي من قتال بين المسلمين من أجل توسيع رقعة الحكم، أوضح نموذج لذلك ما يعرف بحصار تلمسان - إحدى المدن الكبرى حالياً في الغرب الجزائري - التي كانت آنذاك عاصمة بني زيان.
واجهت تلك المدينة وهي عاصمة كبرى في زمانها في إطار الصراع بين بني زيان وبني مرين 698 - 706 ه الموافق 1299 - 1307م، حصاراً طويلاً دام ثماني سنوات وثلاثة أشهر، ونال أهلها من الجهد والجوع ما لم تعرفه أمة من الأمم.
واضطروا لأكل الجيف والقطط والفئران. بل إن بعض الباحثين زعموا انهم أكلوا أشلاء الموتى من البشر، وخرّبوا سقوف البيوت من أجل الوقود، وبجانب ذلك ارتفعت أسعار الأقوات فاستهلك الناس أموالهم وضاقت أحوالهم.
وفي المقابل قام السلطان المريني أثناء الحصار ببناء مدينة جديدة وشيّد فيها مسجداً عظيماً وقصراً فخماً ومنازل وغير ذلك، وأحاطها بالأسوار وزودها بكل ما تحتاج إليه من مؤن وبضائع وأطلق عليها اسم "المنصورة".
الحال السابقة تكشف الى أي مدى اعتبر الحصار قناعة وموقفاً وثقافة، ففي الوقت الذي كان أهل تلمسان يموتون جوعاً، حتى أن بعض كتب التاريخ يتحدث عن أن عدد قتلاهم من جراء الجوع خلال الثماني سنوات، بلغ حوالي مئة وعشرين ألفاً، كان المرينيون يقيمون مدينة أخرى - كما ذكرنا - معتبرين أن الآخرين أعداءهم في المطلق، ولولا أن يوسف بن يعقوب المريني - الذي كان قائد المرينيين وحاكمهم وزعيمهم - قتل بيد أحد عبيده فتنافس بعض اقربائه في الحكم من بعده ما رفع الحصار عن تلمسان، وما انتهت محنتها، بل ربما كانت تذكر في كتب التاريخ كخبر محزن يبين إنتهاء حضارة وقيام فكر مدمر.
والنماذج التي تبين أن ثقافة الحصار هي السائدة في مجتماعتنا العربية الإسلامية كثيرة، ذلك لأن الصراع لم يكن بين الأمة وقوة معتدية، وإنما كان في الغالب بين أبناء الأمة. وفي أيامنا هذه نعيش حال حصار العراق منذ انتهاء حرب الخليج الثانية، والهدف ليس اسقاط الرئيس العراقي بل ثقافة الإلغاء.
والحصار هنا بدأ أصلاً من اختلاف العرب في ما بينهم، من خلال فعل السلطة العراقية أولاً، ورد الفعل العربي بعد ذلك وإندماجه مع الفعل الدولي. وهكذا نجد في كل عصر حالاً من الحصار تتخذ تسميات مختلفة لكنها جميعها ثقافية، وهي صارت عامة الآن بين النخب والمثقفين والطبقات ورجال الأعمال والحكام، وتسربت أخيراً الى الشعوب.
فكل جماعة تمارس حصارها على الأخرى محاولة إلغاءها أو إبعادها، وأخيراً صرنا نعيش تطبيق قناعة جديدة هي الاستئصال، ليس بمعنى الإبادة فقط، ولكن اجتثاث الجذور الثقافية والفكرية لهذا التيار أو ذاك. وهي حال لا تكون إلا في المجتمعات المغلقة التي لا ترى جدوى في استمرار النقاش مع الآخر، أو في بقائه مجروحاً منهكاً بعد الهزيمة.
الوضع السابق يبين الخوف الذي يعترينا من معايشة واقعنا، يتساوى في ذلك مع خوفنا من أية مبادرة خيرة لكون الشر، أو بالأحرى الشرور، تشكل لغة وثقافة وموقفاً.
وفي تشكلها ذاك هي صاحبة الغلبة والسيادة، ومع أخذنا في الاعتبار حصار العراق وليبيا، وأي مجتمع إنساني آخر، إلا أننا نرى ضرورة البدء بفك الحصار عن الذات الفردية، بإزاحة القيود التي تكبلها وتدفعها الى محاولة حل مشاكل الحاضر، بناءً على قيم الماضي التي ليست دائماً مفيدة.
ويبدو أننا لن نستطيع أن نواصل حصار بعضنا بعضاً، لأن ظروف العصر لم تعد مواتية، فالذين ينتجون ثقافة الحصار هم أول من يدفع ثمنها مثلما يدفع أصحاب دعوات العنف والإرهاب انفسهم الثمن.
* كاتبة جزائرية مقيمة في مصر


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.