يتوقع ان تفشل الجهود لتجاوز الخلافات بين شيخ الأزهر محمد سيد طنطاوي و"جبهة علماء الأزهر". فالعلاقة بين طنطاوي وعلماء الجبهة تسير في خطين متوازيين. وطنطاوي نفسه ينفي وجود الجبهة ولا يعتد بآراء أعضائها أو مواقفهم، وفي المقابل فإن الجبهة لا تترك رأياً أو سلوكاً أو موقفاً للشيخ إلا وتناولته بالنقد أولاً ثم الهجوم في مرحلة لاحقة. وعلى رغم أن جهوداً بذلت من جانب دعاة وعلماء للتوسط بين الطرفين، إلا أن كليهما أصر على رأيه، وأفرزت أزمة قانون مشروع تطوير الأزهر، الذي تبناه طنطاوي وأقره مجلس الشعب البرلمان أخيراً وتضمن مادة تنص على اختصار سنوات الدراسة في المعاهد الثانوية الأزهرية من أربع الى ثلاث سنوات، تفاعلات جديدة، وجعلت الصدام بين الطرفين يخوض في مناطق كان كل طرف يتفادى، في مراحل سابقة، الدخول إليها. وربما تحمل الأيام المقبلة نهاية لمراحل الصدام، إذ يخضع زعماء الجبهة، وكلهم من اساتذة جامعة الازهر، لتحقيقات من جانب لجنة شكلها مجلس جامعة الأزهر الذي يترأسه طنطاوي نفسه. ويواجهون جميعاً تهمة واحدة إذا اثبتت لجنة التحقيق صحتها فإن العقاب سيكون شديداً، ومن غير المستبعد أن يصل الى حد فصلهم من هيئة التدريس في الجامعة، والتهمة هي "الإساءة الى مقام الإمام الأكبر شيخ الأزهر". وعلى رغم أن طبيعة التحقيقات الإدارية، تتطلب وقتاً طويلاً، إذ على لجنة التحقيق أن تجهز البيانات التي حملت توقيع الجبهة، وترى اللجنة أنها تحمل إساءة الى طنطاوي وكذلك المقالات والاحاديث الصحافية التي نشرت للعلماء وتعارض قانون تطوير الأزهر، وسيكون على العلماء المتهمين في الوقت نفسه تقديم أدلة النفي التي تبعد عنهم التهمة، وتفند الادعاء، إلا أن تزامن جلسات التحقيق مع إجراءات أخرى تستهدف كيان الجبهة التي تمارس نشاطها بترخيص صادر عن وزارة الشؤون الاجتماعية، طرح اسئلة حول مستقبل الجبهة، وما إذا كان الأمر قد يصل الى حد حلها. وشهدت الأيام الماضية حملات تفتيش لمقر الجبهة قامت بها لجنة تابعة لوزارة الشؤون الاجتماعية بحثت في أوراقها ونقبت عن أصولها المالية وأوجه انفاقها ومصادر تمويلها إضافة الى تفنيد إجراءات اجتماع الجمعية العمومية للجبهة الذي عقد قبل نحو شهرين، وتم خلاله انتخاب مجلس ادارة جديد للجبهة، اذ انتخب العجمي خليفة رئيس قسم الحديث في كلية أصول الدين رئيساً للجبهة وسعيد ابو الفتوح البسيوني استاذ الشريعة في كلية الحقوق في جامعة عين شمس أميناً عاماً، وحسن عبيدو استاذ التفسير في كلية الدعوة وكيلاً ثانياً وعبدالمهدي عبدالقادر استاذ الحديث بأصول الدين وكيلاً أول والشيخ خيري ركوة عضو مجلس الإدارة السابق وهو موجه بالمعاش بالتربية والتعليم متحدثاً رسمياً باسم الجبهة. وجاء التغيير الجديد في دماء مجلس الإدارة مفاجئاً للمسؤولين في الازهر وجامعته والمراقبين. لكن سلوك قادة الجبهة الجدد لم يختلف عن ما كان يحدث قبل التغيير، فظلت الجبهة تضغط على الشيخ إعلامياً من خلال الوجود القوي والمكثف على صفحات صحف المعارضة والصحف العربية في كل موقف. وفي الوقت نفسه ضغط طنطاوي من خلال إجراء التحقيقات مع أعضاء الجبهة من الاساتذة في جامعة الأزهر والتهديد بفصلهم، وبدأت إدارة الجامعة في البحث في دفاترها القديمة عن سفريات هؤلاء الاساتذة الى الخارج للتحقيق معهم بحجة سفرهم من دون إذن والعمل لدى جهات أجنبية. ويمتد عمر الجبهة الى اكثر من خمسين سنة حين تأسست في العام 1946 لمواجهة دعوة الدكتور طه حسين لدمج التعليم الازهري في التعليم العام، غير أن نشاط الجبهة لم يشهد بروزاً وصخباً إلا مع نهاية العام 1993 حينما سعى شيخ الأزهر السابق المرحوم جاد الحق علي جاد الحق في إعادة الحياة إليها حين اتصل بعدد من علماء الأزهر منهم رئيس جامعة الأزهر السابق السعدي فرهود وطالبهم بإعادة إحياء الجبهة لتكون شعبية أزهرية ضد الغلو العلماني و"تجمع علماء الأزهر" وتتخذ مواقف لا تستطيع مشيخة الازهر اتخاذها بسبب موقفها الرسمي. وبالفعل بدأ نشاط الجبهة ببيان اصدرته يؤيد بيان "مجمع البحوث الإسلامية" في شأن وثيقة مؤتمر السكان العام 1994، التي اعتبرتها الجبهة "تمثل تهديداً لمقومات الأمة المسلمة وطمساً لهويتها الذاتية الإسلامية"، وفي الوقت نفسه نجح الشيخ جاد الحق في وضع صمام أمان يحدد مستوى عمل الجبهة حتى يمنعها من الصدام مع الحكومة. وسرعان ما زادت بعد ذلك حجم عضوية الجبهة حين دخلها الكثير من علماء الأزهر حتى وصل الى 3500 عضو عامل و370 عضواً شرفياً. لكن الصدام الحقيقي للجبهة كان مع شيخ الأزهر الحالي منذ أن كان مفتياً لمصر اذ عارضت الجبهة بشدة فتواه بتحليل التعامل مع البنوك وفوائدها على اعتبارها أنها غير ربوية على رغم أن الجبهة أيدت في بيان لها بإجماع مجلس إدارتها نبأ تنصيب الشيخ طنطاوي شيخاً للأزهر. وكانت المحطة الثانية للخلافات هو إدانتها لفتوى طنطاوي بعدم شرعية العمليات الفدائية لحماس ضد الاسرائيليين بتفجير الاشخاص أنفسهم في عمليات انتحارية. وقالت في بيان لها إن "كل فلسطيني يفجر نفسه لإصابة هدف من أهداف العدو، هو من أفضل الشهداء عند الله"، وأضافت بأنه "لا عصمة لدم أو حرمات لليهود المغتصبين طالما استمروا في احتلالهم فلسطين". وكان من اللافت أن شيخ الأزهر عدل عن موقفه وأعلن "إن من يقوم بهذه العمليات هم من أفضل الشهداء عند الله". أما الواقعة الثالثة فتتعلق بزيارة شيخ الأزهر لأحد أندية "الليونز" في القاهرة التي اعتبرتها الجبهة لا تمثل شيخ الأزهر، ولكن تمثل موقفاً شخصياً له. واعتبرت الزيارة مخالفة صريحة لفتاوى لجنة الإفتاء التابعة للازهر التي اعتبرت هذه الأندية "ماسونية يحرم على المسلم دخولها أو المشاركة في اعمالها". وجاءت أخطر المواجهات مع شيخ الأزهر في استقباله للحاخام الإسرائيلي الأكبر إسرائيل لاو في تشرين الثاني نوفمبر من العام الماضي، حين عارضت الجبهة الزيارة بشدة ضمن حملة قادتها أحزاب المعارضة، واصدرت الجبهة بياناً نشرته صحف هذه الأحزاب حذرت فيه من خطورة هذه الزيارة، واعتبرت ان الواقعة "موقف شخصي لشيخ الأزهر ولا تعبر تعبيراً عن رأي مؤسسة الأزهر وعلمائه". واعتبرت انه خالف قرار "مجمع البحوث الإسلامية" العام 1966، الذي حظر على جموع المسلمين والعلماء الاتصال أو التطبيع مع نظرائهم الإسرائيليين