استطاع النحات المصري الشاب ان يرسخ لنفسه طريقة واداء مختلفا في فن النحت المصري من خلال العديد من المعارض والمهرجانات التي اشترك فيها منذ العام 1989 وحتى الآن، والتي اظهرت في مجملها ما يمكن ان نسميه بالنحت النظري القائم على اسس جمالية فلسفية تستحق التأمل والتقدير. وفي معرضه الاخير الذي اقيم في قاعة كريم فرنسيس في قلب القاهرة، استطاع ان يضيف لمسة جديدة الى مجمل اعماله وبعدا خصوصيا من خلال مجموعة المنحوتات المعدنية مؤكدا على ثبات اطره الجمالية ومشروعه النحتي. واذا كانت الفكرة الاساسية للنحت هي حذف ما هو زائد عن الكتلة، فإن الحال لدى حازم المستكاوي لا يقتصر على حذف ما هو زائد بل التأكيد على أن الكتلة الاصلية تحمل في داخلها مجموعة من الكتل المتداخلة تم التعامل معها وتحريكها لإعادة صياغتها وكشف العلاقات غير المنظورة بينها وبين الكتلة الاصلية. وهذا ما يعطي نوعاً من البوليفونية- اذا جازت لنا التسمية - في الاداء الشكلي للجسم النحتي. ومن هنا فإن الكتلة الأصلية لدى المستكاوي تبدو واضحة لنا كمجموعة من الكتل المتجاورة المتداخلة يتم التحاور معها والإصغاء اليها لتوليد وكشف الحركة الداخلية للشكل النحتي نفسه. وهي حركة لها ايقاعها التشكيلي الخاص، وهو ايقاع نابع من علاقة الكتل الداخلية بعضها ببعض اولا وبالكتلة الاصلية ثانيا، ثم علاقتها بالفراغ المحيط بها وهو الفراغ الذي يعطي للكتلة وجودها وبالتالي يظهر قوتها الحقيقية. ويبدو التجريد مسيطرا تماما على روح وأجسام المنحوتات كلها، وإذا كان تجريد الموضوع من كل الظواهر العرضية المساعدة على ابراز التعبير، حيث الاعتماد الاساسي على البناء التشكيلي للخطوط المستقيمة والمسطحات والمجسمات التي قد تتخذ شكلاً هندسياً يشبه في مظهره عملية آلية لا تفسح المجال الكافي لظهور الحساسية والتجربة الشخصية لأعماق المستكاوي، فإن عملية ازاحة القناع الحسي من العمل الفني استطاعت ان تتيح للفنان حرية الوضوح ونقل العمل الى منطقة الادراك مع الاحتفاظ بالعنصر الانفعالي موازيا. فالشكل الجسدي - لدى المستكاوي - مضطرب لا يعرف الرقة او اللين ولا يستقر على الارض ولا يتمكن من التحليق بل يبدو منكفئاً على ذاته وجموده دون ان يفقد الرغبة في البحث عما حوله. إن الجسد في هذه المنحوتات يسعى الى التجميع، الجزء يسعى الى الكل، وما بين ايماءات الجسد وايماءات النحت يتجلى الايحاء الاعظم للحياة وتبرز العلاقة السرية بين فكرة الفن وفكرة الطبيعة، ارتباط الجسد بالارض.. والرغبة باختراق الافق في وقت واحد معاً..