4.2% نموا بتوزيعات أرباح أرامكو    تعافي أسواق الأسهم بعد تقلبات أزمة رسوم الجمارك    22.6 مليون ريال تعويضات عام لانقطاعات الكهرباء    الاتحاد يتغلب على الفيحاء بثلاثية ويقترب من لقب دوري روشن للمحترفين    جدة تستضيف بطولتي العالم للبلياردو والماسترز للسنوكر يوليو وأغسطس 2025    زيلينسكي يرحب بعرض بوتين ويشترط وقفا شاملا للنار    بنزيمة يهدي الاتحاد الفوز على الفيحاء ويقربه من دوري روشن    ميزانية الموازنة بين النمو والإصلاحات    «الفنتانيل» كلمة السر في تسوية الحرب التجارية بين واشنطن وبكين    الحصار الإسرائيلي يحرم مستشفيات غزة من توفير الغذاء للمرضى    الرائد يخسر أمام ضمك بهدف ويودّع دوري روشن للمحترفين    الأمير سعود بن نهار يطلع على الخدمات المقدمة للحجاج في مطار الطائف    شيطان أخرس    أمير منطقة تبوك يرعى بعد غد حفل تخريج متدربي ومتدربات المنشات التدريبية    الحج بتصريح.. نظام يحفظ الأرواح ويعظم الشعائر    40 مليون عملية لأبشر في أبريل    172 ألف مستفيد من مركز دعم القرار بالمظالم    السعودية تقود جهود السلام كأول دولة ترسل مبعوثا إلى الهند وباكستان    احتفاء باليوم العالمي للمتاحف    ليفربول يفرط في تقدمه ويكتفي بالتعادل مع أرسنال في الدوري الإنجليزي    سحب سامة تحاصر 160 ألف شخص في منازلهم    عاصفة غضب على Tiktok بسبب فيديو    أمير القصيم يواسي أسرة الثنيان في وفاة الشيخ حجاج الثنيان - رحمه الله -    ولي العهد والرئيس السوري يبحثان مستجدات الأحداث في سوريا    أمير الشرقية: المملكة ملتزمة بدعم الشباب وتمكينهم من أجل صياغة المستقبل    ريمونتادا من برشلونة في الكلاسيكو تقربه من لقب الدوري الإسباني    جوازات مطار المدينة تستقبل أولى رحلات الحجاج القادمين من نيجيريا    "دوري يلو 33".. 9 مواجهات في توقيت واحد    أمير الشرقية يستقبل مجلس إدارة غرفة الأحساء والرئيس التنفيذي للشركة الوطنية لإمدادات الحبوب    الانتهاء من تطوير واجهات مبنى بلدية الظهران بطراز الساحل الشرقي    محافظ عنيزة يرعى توقيع مذكرة تفاهم بين جمعيتي السياحية والصالحية    مستشفى الرس ينقذ طفلا تعرض لاختناق قاتل    ‫دعم مستشفى عفيف العام بأجهزة طبية حديثة وكوادر تخصصية    الأمير ناصر بن محمد يرفع الشكر للقيادة بمناسبة تعيينه نائبًا لأمير منطقة جازان بالمرتبة الممتازة    "فرع الإفتاء بعسير"يكرم القصادي و الخرد    "التخصصي" توظيف رائد للجراحة الروبوتية تنقذ طفل مصاب بفشل كبدي ويمنحه حياة جديدة    أمير حائل يشهد أكبر حفل تخرج في تاريخ جامعة حائل .. الثلاثاء    أمطار غزيرة وسيول متوقعة على عسير والباحة ومكة    جامعة الإمام عبد الرحمن تكرم الفائزين ب"جائزة تاج" للتميز في تطوير التعليم الجامعي    "التعاون الإسلامي" يرحّب بوقف إطلاق النار بين باكستان والهند    استكمال مشروع مدينة الملك عبد الله الطبية في البحرين    زيارة ترمب الخارجية الأولى (الثانية)    أوامر ملكية: إعفاء أمير جازان وتعيين نائب لوزير التعليم    الرياض تُصدّر العمارة النجدية للعالم في بينالي البندقية 2025    عرض 3 أفلام سعودية في مهرجان "شورت شورتس"    50 % الانخفاض في وفيات الحوادث المرورية بالسعودية    ضبط 1203 حالات في المنافذ الجمركية خلال أسبوع    "الداخلية": ضبط 16 ألف مخالف في أسبوع    "الشؤون الدينية" تكلف 2000 كادر سعودي لخدمة ضيوف الرحمن.. 120 مبادرة ومسارات ذكية لتعزيز التجربة الرقمية للحجاج    مكتب إقليمي ل (يونيدو) في الرياض    سمو ولي العهد يجري اتصالًا هاتفيًا بسمو أمير دولة الكويت    أكد بحثه ملفات إستراتيجية.. البيت الأبيض: ترامب يزور السعودية ويلتقي قادة الخليج بالرياض    انقسام سياسي يعمّق الأزمة.. ليبيا على حافة الانفجار.. اشتباكات دامية وغضب شعبي    انقطاع النفس أثناء النوم يهدد بالزهايمر    باكستان تؤكد «استمرار التزامها» بوقف إطلاق النار    تعزيز الأمن الدوائي    «تعليم الرياض» يفتقد «بادي المطيري».. مدير ثانوية الأمير سلطان بن عبدالعزيز    الفرق بين «ولد» و«ابن» في الشريعة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



حصلت على جوائز في مهرجان دمشق السينمائي الاخير . الافلام السورية القصيرة: المشاهد العادي يصنع فيلمه الطويل
نشر في الحياة يوم 02 - 02 - 1998

طرفة يتداولها ابناء الوسط السينمائي الدمشقي تقول: "ان هناك فيلمين سوريين سوف يظهران هذا العام، أحدهما قصير، والثاني طويل. الأول ثلاث دقائق اما الطويل فست دقائق"... في تلميح الى لجوء المخرجين لصناعة افلام قصيرة للمحافظة على حرارتهم الفنية والمهنية من جهة، ولتجاوز مسائل التمويل ومشاكلها التي لا تنتهي في حال التفكير في تنفيذ فيلم طويل. واذا كانت الطرفة تلمح الى ضيق الفرص الانتاجية لتنفيذ الفيلم الطويل، فانها ايضاً تلمح الى نجاح الفيلم القصير من الناحية الفنية والفكرية. وهذا ما حصل مع الفيلمين اللذين انتجتهما المؤسسة العامة للسينما، وكانا من حاصدي الجوائز في مهرجان دمشق الاخير، بالاضافة الى الوقع الطيب الذي تركاه لدى المشاهدين والنقاد، محلياً ودولياً.
الفيلم الأول "مذكرات رجل بدائي" لموفق قات، وهو فيلم كرتون مدته خمس دقائق يعتبر الأول من نوعه في سورية، في اعتماده على تقنيات الكومبيوتر في الرسم والتصميم، يفتتح به قات الشوط للدخول الى عالم التكنولوجيا المترامي. انه فيلم يحمل ادانة واضحة للتكنولوجيا في اشكالها الشوهاء، حيث تبدو بسبب طريقة استخدامها اكثر بدائية وتخلفاً من الرجل البدائي ذاته... والذي قدمه المؤلف المخرج المصمم، كشخصية نموذجية لديها طاقة الاستمرار في اعمال قادمة على غرار الشخصيات الكرتونية المعروفة، اذ يمكن استخدامها كحامل لمضامين فنية بشكل متجدد، من دون الوقوع في حالات التكرار. فهذا الرجل البدائي الذي لا يحمل من البدائية الا شكلها الخارجي وحاجاتها الداخلية البريئة يصلح كنموذج للبراءة والاستقامة، والاهم الصراحة. يقدم على افعال كي يلبي حاجاته حقوقه الانسانية الطبيعية ببساطة وأمان في تداخل مع عصر تركيبي معقد وخرائبي.
في "مذكرات رجل بدائي" أو الجزء الأول منه كما نستطيع ان نسميه، يخرج البدائي من كهفه صباحاً، يتمطى، ثم يتجه الى شجرة النخيل المقابلة كي يؤمن طعامه الصباحي، ولكنه يدرك ان ثمار النخيل العالية لا يمكن قطفها الا باستخدام وسيلة ما أداة، فيبدأ بتجريب ادواته في محاولة للحصول على طعام ليس الا... ما يؤدي الى كسر أحد اغصان الشجرة.
وينتقل الفيلم الى المعاصرة مباشرة عبر طرح صارم للغاية، مسلطاً الضوء على الزيف والتعقيد والانانية في التعامل مع المستجدات من افكار وشعارات، فيصل الى مكان "جريمة" كسر غصن شجرة النخيل الحشد المعاصر من السيارات والطائرات والخطباء المتملقين وعربات الاسعاف واصحاب المصالح، في محاولة لردع عدوان الرجل البدائي على الشجرة ووقف محاولاته الاعتداء على البيئة من دون الالتفات الى تأمين لقمة عيشه.
ويقود الفيلم المتفرج بسلاسة وطرافة الى اسقاطات معاصرة وواقعية، حول العلاقات الانسانية المطروحة بمعانيها السياسية والاجتماعية، بحيث يمكنه ببساطة تذكر علاقة العالم الغربي بالعالم الثالث، او علاقة البيروقراطيين المتسلقين بالمواطن العادي او حتى علاقة محدثي النعمة بالدراويش. فالنموذج الذي طرحه قات يمتاز بالصلاحية المعبرة، فالرجل ليس بدائياً بالمعنى الاخلاقي في مواجهة وحشية صارمة بالمعنى نفسه للطرف المقابل على رغم اختلاف الوسائل من الناحية الحداثية. اما من الناحية التنموية البنائية فقد استطاع الرجل البدائي ان يمثل منطوق الجماعة او دورة الحياة المتصالحة مع مواردها، بينما اوحى الحشد المقابل بتعبيره عن مصالح الافراد. وهنا يكمن التوازن الفني للجدل القائم والساخن بين الرجل البدائي و"الجماعة الحداثوية"، ما يجعل الفيلم وشخصية الرجل البدائي وجبة فنية دسمة تضع المتلقي في لجة الكثير من الاسئلة وتضفي على هزيمة الرجل البدائي صفة المؤقت لانه استطاع ان يصنع مع المشاهد ذاك التحالف الجميل للوصول الى غابات ونتائج نظيفة.
اما الفيلم الثاني "فلاش" فمن اخراج نبيل المالح عن فكرة وسيناريو للممثل بساممكوسا الذي قام ببطولة العمل ايضاً. وقد قدما عملاً درامياً كثيفاً يعبر بقوة عن نوع من السينما ذات الموازنات الصغيرة جداً بوجود خبرات ثرة امام الكاميرا وخلفها وحتى قبلها وبعدها. واستطاعت هذه الخبرات على رغم ضيق الوقت ان تصنع فيلماً روائياً شديد الرحابة لاعتماده على اشراك المتلقي في الصياغة الدرامية، وكأن الفيلم يقدم نتائج على شكل شخصية متبدلة يجد المشاهد نفسه مجبراً على صياغة مقدمات لها ما يوسع الحدود الفيزيائية للفيلم خارج نطاق الثلاث دقائق ويجعله مفتوحاً على صياغات متنوعة تسرد تحول الشخصية الوحيدة المتوالي انطلاقاً من الانسان المقهور وصولاً الى الانسان القاهر.
في سبعة مشاهد كثف بسام كوسا، كمؤدي ومؤلف، ونبيل المالح كمخرج، سيرورة شخص مهمش فقير ومرعوب اختارته يد خفية ليقف تحت اضواء الكاميرا، فينقله صوت وضوء "فلاشها" بالمعنى الرمزي الى حالة اخرى تحمل ملامح بسيطة ومتراكمة لسلطة ما... ملامح فيها قسوة جلاد منتظر. وتتابع الفلاشات وتوغل الشخصية في سلطتها وقسوتها وفي تساقط ملامحها ايضاً حتى تصل في المشهد الاخير الى اقصى حلات التسلط فلا يبقى الا جسد منتج منفوخ وعصى غليظة، ويغيب الوجه على انغام ضحكة نتنة ساحباً معه بقايا ملامح الانسان.
واذا كان الثنائي مالح وكوسا يناقشان غريزة التملك الانسانية في حالتها الطارئة، او بمعنى آخر غير المجتمعية، الا انهما اطلا بقوة على صدمة الحداثة الاجتماعية التي تسعى بالانسان المجتمع نحو الانسان الفرد النموذج الاميركي على سبيل المثال والذي يتابع معركة الملايين على انها معركة اللقمة. فالحداثة بصيغها غير الناضجة تؤدي الى فردانية قاسية ومتوحشة ومتوالدة، تحول المجتمع الى افراد يتناهبون الغنائم بشراسة وهمجية، واضعين الشرط المجتمعي على رفوف النسيان. فالضعيف المفرد المتروك لوحده سوف يتابع فرديته وعدم امانه حتى عندما يقوى ويشبع لأنه يفسر الآخر على انه فرد صاحب اطماع، وسوف يتمترس في جبهة مواجهة للآخرين الذين يبحثون عن اللقمة كأفراد... وعندها تتوالد الشراسة والقسوة. وبالتالي فان الفيلم يقرع ناقوس الخطر باتجاه التنبيه الى الفردانية التي تغزو المجتمع من خلال الحداثة المستوردة، والتي رمز اليها المخرج بصوت الكاميرا وضوء الفلاش المفاجئ الذي يخطف الابصار، فتبدو صدمة الفلاش الذي تتعرض له الشخصية والمشاهد معاً كفاصل بين مرحلتين تسردان علاقة الانسان بالاغراء الناتج عن تحول الحاجات في ظل الغرائز.
واذا كان الفلاش، كحل تقني، بدائياً بعض الشيء الا انه بدا كبوصلة ارشاد باتجاه الحكايا الدرامية التي تقود الشخصية من مرحلة الى اخرى، والتي على المشاهد ان يكتبها او ان يختزنها في عقله ليعيد صياغتها خارج الصالة محولاً الدقائق الثلاث الى فيلم طويل. من هنا يبدو صوت وضوء الفلاش ضروريين كحل تقني لانهما يجعلان الصدمة اكثر اكتنازاً ودلالة بالنسبة الى التحول الشرطي للشخصية المطروحة وذلك عبر المزج بين النموذج والواقع والخيال.
يقودنا نبيل المالح وبسام كوسا في شريط سينمائي مختصر وجارح الى مساحات نفرد عليها اوجاعنا وامراضنا بحيث تفرحنا دهشة المعرفة لذاتها وتفرحنا اكثر المشاركة في صناعة هذه المعرفة وهذه الدهشة، لأن هذا الشريط يدلنا على اكثر من جرح فينا يحتاج الى علاج!


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.