انشغالات واهتمامات سعدالدين وهبه العديدة ربما جعلته الأقل شهرة، من ناحية كونه كاتباً مسرحياً، بين ذلك الجيل الذي صنع للثقافة المصرية تياراً يعرف باسم "مسرح الستينات" والذي كان الأكثر خصوبة وثراء في تاريخ المسرح المصري ككل. لكن هذه "الشهرة القليلة" لم تمنع صاحب "السبنسة" و"سكة السلامة" من أن يكون الأكثر مواظبة على الكتابة، ناهيك عن أن كتابته الدرامية شملت سيناريوهات سينمائية لبعض أفضل الأفلام في تاريخ السينما المصرية وحسبنا، هنا، أن نذكر "الحرام" عن رواية يوسف ادريس ومن اخراج هنري بركات، حتى نضع سعدالدين وهبه في مكانته الصحيحة، بين مبدعي السينما المصرية. في الكتابة المسرحية، هو، من دون مناقشة، تلميذ توفيق الحكيم ونعمان عاشور مجتمعين، وإن كان قصد الريف والأوساط الشعبية أكثر منهما، وكان أقل منهما اهتماماً بمسرح الواقع لصالح مسرح القضية. وهذا الأمر لم يكن صدفة، إذ ان محمد سعدالدين وهبه، الذي سيعرف بسعدالدين وهبه، لم يأت عالم المسرح والكتابة، من الصفوف الجامعية، أو من حلقات المثقفين ومفاهيمهم، بل من صفوف رجال الشرطة. ومن تلك الحلقات الوطنية التي احاطت، باكراً، بالضباط الأحرار. من هنا كان سعدالدين وهبه ابن ثورة 1952. ولئن كان، في بعض كتاباته اللاحقة، قد قسا في اعتقاده لبعض مظاهر الثورة وممارساتها حين أصبحت دولة، فإنه أبداً لم يعتبر نفسه منتقداً من الخارج، بل من الداخل... بمعنى أنه لم يكن من أولئك الذين غايتهم توجيه الاتهامات "المثقفة" و"الضربات" إلى "الثورة"، بل من الذين يريدون لها حقاً ان تستقيم وأن تصلح من اخطائها. ولد وهبه العام 1925 في محافظة الدقهلية، وحصل على دبلوم كلية الشرطة في العام 1948، وانتسب إلى سلك الشرطة بالفعل حيث عمل كضابط، لكن العملين، السياسي والأدبي شغلاه، وهكذا حين قامت الثورة وأحس أن بإمكانه أن يعبر عن قضايا الشعب والتغييرات الاجتماعية، بالقلم، أكثر منه بالمسدس والنجوم على الكتف، استأنف دراسته الجامعية حيث حصل في العام 1956 على ليسانس الآداب قسم الفلسفة. ومنذ ذلك الحين خاض الكتابة كصحافي وككاتب مسرحي، وعيّن مديراً لتحرير صحيفة "الجمهورية" الناطقة باسم الدولة الثورية الجديدة بين 1958 و1964، ثم تحول اهتمامه إلى السينما، حيث تولى، بعد تأميم القطاع السينمائي وبروز القطاع العام في مصر، رئاسة مجلس إدارة شركات "الدار القومية للسينما" حيث شجع، لفترة من الزمن، انتاج مجموعة كبيرة من تلك الأفلام الجيدة التي صنعت لمصر تاريخاً سينمائياً أيام القطاع العام. خلال ذلك كله، لم يتوقف سعدالدين وهبه عن كتابة المسرحيات من "السبنسة" و"سكة السلامة" إلى "كفر البطيخ" و"كوبري الناموس" و"رأس العش" و"بير السلّم" وغيرها. ومعظم مسرحياته مثل من قبل الفرق المختلفة، وبعضها منع من العرض في بعض الفترات. في العام 1975 عين سعدالدين وهبه وكيلاً لوزارة الثقافة، وهو منصب تركه في العام 1980، بعد أن كاد يصبح وزيراً للثقافة. وهو منذ ذلك الحين، وإضافة لعضويته لمجلس الشعب المصري في دورتين 1984 و1987 عن ما يمكنه تسميته ب "التيار القومي الناصري" في الحزب الوطني الحاكم، اهتم وهبه اهتماماً خاصاً بالعمل النقابي والمؤسساتي، حيث أصبح في العام 1979 رئيساً لاتحاد النقابات الفنية في مصر، ثم رئيساً لاتحاد الفنانين العرب. غير ان انجازه الأخير والأهم كان احياؤه لمهرجان القاهرة السينمائي الذي لم يكف منذ تسلم دفتّه في بداية سنوات الثمانين عن تدعيمه وتعزيزه، حتى جعله واحداً من المهرجانات السينمائية الكبرى في العالم، على الرغم من المعارك التي ثارت في وجهه بسبب رفضه الدائم لمشاركة الإسرائيليين، رسميين أم غير رسميين، في المهرجان. ولقد وصل الأمر باحتدام تلك المعركة ان أثارت الإسرائيليين ضده، ولا سيما على الصعيد الرسمي، حيث راحت الصحافة الإسرائيلية تهاجمه وراح المسؤولون الإسرائيليون يطالبون بإزاحته. لكن سعدالدين وهبه لم يلن ولم يهادن، حتى أيامه الأخيرة، حين اصيب بسرطان عنيف قضى عليه، محاطاً بأصدقائه وزوجته الفنانة سميحة أيوب. ولقد قدر له الشعب المصري والعربي هذا الموقف، حيث ان جنازته التي تلت وفاته، يوم 11 تشرين الثاني 1997 كانت جنازة حافلة ووطنية تليق بكبار الزعماء الذين عرفهم تاريخ الحركة الشعبية في مصر