حجاج بيت الله إلى صعيد عرفات    الرئيس الشيشاني يصل إلى المدينة المنورة    نائب أمير مكة يتابع أعمال الحج والخدمات المقدمة لضيوف الرحمن    وزير الداخلية يقف على سير العمل بمقر الأمن العام في منى    مركبة ذكية تتأكد من بيانات وتراخيص شركات الحجاج    وزير الداخلية: نتعامل مع الواقع لوأد أي عمل يعكر صفو الحجاج    اكتمال جاهزية إيصال ترجمة خطبة يوم عرفة لمليار مستفيد    النيابة العامة تطور جهاز ترجمان لترجمة مجريات التحقيق خلال موسم حج 1445ه    تنظيف وغسل 120 مصلى وجامعا في بريدة استعدادا لصلاة العيد    طيران الأمن يُسخر إمكاناته لخدمة الحجيج    السعودية تتسلم علم استضافة أولمبياد الفيزياء الآسيوي 2025    مؤشرات الأسهم الأمريكية تغلق على تباين    مراكز خدمة ضيوف الرحمن بالرياض‬⁩ تستقبل أكثر من 41 ألف حاج    حجاج صندوق الشهداء والمصابين والأسرى والمفقودين يحطون رحالهم في منى    مصادر «عكاظ»: الشهري يدرس عروض أندية «روشن»    مركز العمليات الأمنية ل«عكاظ»: نرد على المكالمات في ثانيتين    «SSF» قوات النخبة.. تدخل سريع للحماية والتأمين    النائب العام يجري جولة تفقدية على مركز القيادة والتحكم للإشراف المباشر على أعمال النيابة العامة بالحج    حجاج بيت الله يؤدون الركن الأعظم    «قوات المجاهدين».. انتشار على سفوح الجبال    أفضل أداء أسبوعي للنفط في شهرين    2000 إعلامي من 150 دولة يتنافسون في الأداء    «السيادي السعودي» يعتزم الاستثمار في الهيدروجين الأخضر و«المتجددة»    «النقد الدولي»: سياسة السعودية الاقتصادية تدعم النمو غير النفطي    عرفة البيضاء.. تتهيأ لأضخم تجمّع بشري    4 أطعمة مناسبة أثناء تناول حقن التنحيف    40 عاماً لتخطي سوء معاملة طفل !    مركز البحوث السرطانية: لا تتجاهل البقع الزرقاء !    الأولوية لفيرتز    افتتاح قصير ل«يورو 2024» وتكريم بيكنباور    ألمانيا تدك شباك إسكتلندا بخماسية في افتتاح اليورو    غياب لابورت عن إسبانيا في مباراة كرواتيا    إصابة لابورت قبل انطلاق يورو 2024    إنقاذ حاج صومالي وحاجة تركية من مضاعفات خطيرة    الخط الأحمر    ضيوف الرحمن يقفون بصعيد عرفات    فيلم "نورة" من مهرجان "كان" إلى صالات السينما السعودية في رابع العيد    120 مليون نازح في العالم    الأخضر تحت 21 عاماً يخسر من بنما بركلات الترجيح في بطولة تولون الدولية    المملكة من أكبر المستثمرين في الطاقة النظيفة    نقل أول حالة إسعافية من مهبط برج الساعة    خارطة طريق فرنسية لاحتواء التصعيد في جنوب لبنان    الدوسري يتفقد مقار منظومة الإعلام في المشاعر المقدسة    اللواء العتيبي يتفقد «أمن المنشآت» بمحطات قطار الحرمين في جدة    الصحة: على الحجاج استخدام المظلات للوقاية من ضربات الشمس    الرئيس المصري يغادر المدينة المنورة    صحفيو مكة يشيدون بمضامين ملتقى إعلام الحج    في كتب الرحلات    سجن وتغريم 18 مخالفًا نقلوا 91 غير مُصرَّح لهم بالحج    بوتين يحذر من الفوضى ويضع شروطا للسلام مع أوكرانيا    «صفقة» غزة.. مرهونة بالانسحاب الكامل وإنهاء الحرب    تشكيل ألمانيا المتوقع أمام اسكتلندا    إعادة التوطين تُكثر 9 حيوانات بمحمية الإمام تركي    هدايا بروح التراث السعودي لضيوف الرحمن    "واتساب" يتيح المكالمات بسطح المكتب    "لينكدإن" تستعين ب"الذكاء" لجلب الوظائف    العيسى: تنوع الاجتهاد في القضايا الشرعية محل استيعاب الوعي الإسلامي    العليمي: المنحة السعودية تمكن الدولة من الوفاء بالتزاماتها الحتمية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



المفهوم القبلي للتضامن العربي لدى الأنظمة الانقلابية
نشر في الحياة يوم 10 - 11 - 1998

نشهد من حين الى آخر تأزماً في علاقة إحدى الدول العربية مع دولة أو دول أخرى تأزماً يتراوح بين الخصومة السياسية والصدام المسلح.
وفيما يرتفع صوت دولة الأزمة داعياً بقية العرب الى التضامن معها، يجد العرب العقلاء أنهم مطالبون بالتضحية بمصالح قطرية وقومية، وبتمزيق علاقاتهم الدولية تضامناً مع من أوقع نفسه في مأزق من دون سابق علم منهم، بل من دون توقع ومن غير أن يروا في ما فعل، وعلى رغم ما يدعيه، أية مصلحة لشعبه أو لأمته.
والواقع أن أنظمة عربية، وخصوصا العسكرية منها، تعتقد أن لها أن تقرر ما تشاء من السياسات وتتورط في ما تتورط فيه من مآزق، وأن من حقها على بقية العرب أن يقفوا معها ويؤازرونها ضد أي كان وبلا حدود، وإلا جرى نعتهم بالخيانة للأمة العربية، وفي أحسن الأحوال بالتقاعس عن نصرة العروبة.
وكما خبرنا، فإن تلك الأنظمة الشاردة لا تتورع عن وصف المتقاعسين عن الانتصار لها بالعمالة للاستعمار الاميركي الجديد، بل ونعتها أحيانا بالخروج كفراً عن دين الاسلام.
وُلدت هذه الدعوات التعسفية للتضامن العربي، في ظروف خاصة، منذ عهد الرئيس الراحل جمال عبدالناصر، ثم عمل جميع الإنقلابيين بعد ذلك على ترسيخها كتقليد عربي متواتر، عندما دأبوا على تبني سياسات واتخاذ مواقف من دون اعارة أي اهتمام لرأي الانظمة العربية الأخرى.
بل إنهم ساروا الى حروب أو سُيِّروا اليها من دون أن يعلم أحد من الحكام العرب عنها شيئا، وكانوا يتهمون، في كل مرة يتعرضون فيها للوقوع في مأزق سياسي أو عسكري، كل من لم ينخرط معهم في تحمل النتائج، بالخروج عن العروبة والعمالة للإستعمار.
وهكذا درجت أنظمة عربية على إقحام نفسها في مآزق خطيرة وعلى اتباع سياسات ساذجة، وتصرفت في علاقاتها الدولية بقدر تحسد عليه من التخبط، وهي وإن لم تكن في كل ذلك تخدم هدفا قطريا أو قوميا فإنها لم تكف عن الصياح بدعوة العرب الآخرين الى التضامن معها والتضحية من أجلها بتقطيع أوصال علاقاتهم ومصالحهم الدولية، فبدت تلك الأنظمة الشاذة مسكونة بعقلية قبلية عفا عليها التاريخ وحتى الجغرافيا.
ظلت الأنظمة العربية التي نعنيها تنزلق الى كوابيس سياسية وحتى عسكرية، من دون أن يكون في ما تفعل أية مصلحة لشعبها أو أمتها، ولا تحفزها الى ذلك سوى أوهام العظمة وهواجس المغامرات، فيما ظلت باقي الأنظمة العربية المتوازنة حائرة بين المواقف التي تحتّم عليها اتخاذها دواعي المنطق والمصلحة وبين المواقف العشوائية الضارة التي يطالبها باتخاذها المغامرون. ولذلك لم يظهر للعرب أي تضامن حقيقي منذ 1952، ولم يكن بالإمكان الوصول إلا الى اعلانات تضامن شكلي غير مقصود يوافق عليه العرب العقلاء في محاولة منهم لتجنب ضجيج المغامرين واتهاماتهم.
هذه هي أهم اسباب غياب تضامن عربي حقيقي في أي موقف، إذ ليس لمن يقوم بإيقاع نفسه في مآزق أو يقوم بارتكاب جريمة دولية من دون علم بقية العرب، أن يتوقع موقفاً متضامناً منهم.
وعندما يتوقع المغامرون أن يهرول كل العرب لمساندتهم في ما أوقعوا انفسهم فيه، فإنهم يتصرفون وفقا لعقلية قبلية بائدة.
والحق أنني لا أرغب هنا في إدانة أحد أو تبرئة آخر، ولكني أصف الحال العربية الراهنة والتي تبدو بوضوح منقسمة منذ عام 1952، الى أنظمة مغامرة تورط نفسها في مشاكل عويصة من دون مصلحة لها فيها ومن دون علم الآخرين، واخرى متوازنة توافق على إعلان تضامن شكلي مع المغامرين وهي غارقة في الاحراج.
ولعله علينا، لكي نرى الأمر اكثر وضوحاً، أن نذكر المآزق المتعددة التي اوقع النظام الليبي نفسه فيها، وآخرها مأزق لوكربي، من غير علم أحد ومن دون ان يكون لشعب ليبيا أو للعرب أية مصالح في السياسات التي أدت الى الايقاع بهم.
ومع ذلك ظل النظام الليبي يتهم الآخرين بالجبن والعمالة لاميركا والغرب. فهل يمكن لنا ان نتوقع، أو هل للنظام الليبي أن ينتظر من عرب عقلاء غير مواقف تضامن مظهري تلافياً منهم للاحراج؟ وهل يمكن لأحد أن يلوم الانظمة العربية المتوازنة على تجنبها الانزلاق الى هاوية تفسد علاقاتها الدولية وتخرب مصالحها من أجل مؤازرة مواقف نظام شديد السذاجة يحترف المغامرات التي ليس من ورائها أية مصلحة لقطره أو لأمته؟.
وليس النظام الليبي وحده الذي يدمن القفز الى المآزق، بل إن هناك انظمة عربية أخرى تعوّدت الانفراد باتخاذ السياسات والمواقف من دون استشارة العرب بل ومن دون علمهم، وهى ترفع الصوت داعية الى التضامن معها كلما أدّت بها سياساتها أو مواقفها الى مآزق دولية.
إنها بضعة أنظمة عربية لا اريد أن اذكر منها بعد ليبيا إلا السودان، فقد واصل النظام الذي يحكم هذا البلد باسم الاسلام، ومنذ أول يوم تبني سياسات واتخاذ مواقف أدت به الى الوقوع في أزمات دولية. وهو لم يكن ليقيم وزناً لأي رأي عربي، ولم يشاور أي نظام عربي في ما يفعل. ومع ذلك لم يكن هناك أعلى من أصوات دعواته الى أن يقف العرب والمسلمون معه ضد اميركا التي ظل يناصبها العداء بشكل أو بآخر مباهيا النظم العربية العاقلة بأنه طليعة جيش المجابهة ضد الغرب الكافر.
بالطبع فإن افتراض توفر حسن النية لدى الأنظمة الإنقلابية المغامرة افتراض ساذج.
لكننا لا نملك، حتى عندما نسلم لها ببعض من حسن النية، إلا أن نعزو تفكيرها الى القبلية الغابرة التي تتصور أن على أبناء العمومة أن يتضامنوا معها وبلا وعي في تحّمل نتائج مغامراتها العشوائية.
سيظل التضامن العربي مجرد وهم ما دامت العلاقات العربية على ما هي عليه، ولن يكون هناك أمل في تضامن جدي إلا اذا توقف المغامرون عن المغامرة، وأدركوا أن لكل دولة عربية مصالح وعلاقات يجب ألا يطلب منها أحد التضحية بها، إلا اذا كان هناك ما يقطع بأن تلك التضحية هي من أجل مصالح عربية أشمل وأهم. وعلى الحاكم العربي، لكي يأمل في تضامن الآخرين معه، أن يطلعهم على سياساته التي قد تؤدي به الى ظروف يحتاج فيها الى تضامنهم معه، وأن يشاورهم قبل اتخاذ أية مواقف قد تؤدي به الى مآزق يحتاج فيها الى وقوفهم بجانبه.
درجت الأنظمة العربية "الانقلابية" على الدعوة الى التضامن بالتوريط فهى تفاجئ الجميع دائما بموقف خطير لم تشاورهم بشأنه ولم يوقع بها فيه إلا هواية المغامرة التي لا تهدف الى خدمة اية مصلحة، ثم تلجأ، طلباً للتضامن، الى تخويف الشعوب والحكام من خطر الاستعمار الذي تدعي أنها طليعتنا في حربنا معه، وهى مدركة أن بلادها كانت في ظل الاستعمار أوفر كرامة واكثر ثراء وافضل أمناً منها في ظل حكوماتها الانقلابية الثورة.
لقد شوه الإنقلابيون فكرة التضامن العربي بمواصلة المغامرات السياسية ومفاجأة الآخرين بها، أولئك الآخرين الذين لا يجدون عادة ما يقنعهم للتضحية بمصالح شعوبهم وأمتهم من أجل التضامن مع من أوقع نفسه في مأزق يفاخر بالوقوع فيه.
وعليه أصبح التضامن لا يعني غير إهدار المصالح العربية القطرية والقومية من أجل إنقاذ حاكم من الحكام، الأمر الذي دفع الأنظمة العربية المتوازنة الى الاكتفاء بالشكليات دفعاً للإحراج.
ومع أن هذا هو واقع الحال فإنه يبقى على العقلاء العرب واجب تذنيب المغامر وواجب الجرأة على رّد المغامرين عملاً بحديث الرسول الكريم عندما قال: "أنصر أخاك ظالما أو مظلوماً" فقيل: له أنصره إذا كان مظلوما فكيف به اذا كان ظالماً؟ فقال "برده عن الظلم فإن في ذلك نصراً له".
* كاتب، ورئيس وزراء ليبي سابق.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.