* قلتُ: هذا زمان المدن! ردّ من نطقوا رافضين: هذا زمان عبور القفار فرادى فرادى..! وليس لمن يعبر القفر اسمٌ فمن سيكون المنادي؟ ومن سيكون المنادىَ؟ * قلتُ: كيف يكون اغتيال الحياة ونبقى بلا مخرجٍ للكلام؟ * قلتُ: لا زمن.. لا مكان لا تفاصيل ترسمنا لا تقاطع ارصفةٍ.. وقفة.. او خيار وإذا كان ما كان.. والصمت لون النهار فكيف اذن كان بيني وبيني الحوار؟ ولماذا.. ونحن فرادى تظلون فيّ؟ في انتحار العيون التي لا تقاوم لهو النيام وصحو القهر أظل أرى ومضات القمر؟ ألامس احزاننا وانكساراتنا في ابتهاجٍ شقي؟ عبثاً أتهرّب مني ومنكم عناد شفاه تظلون فيّ وتبقى بنا المدن الظامئات مذاق غبارٍ وليل سهر؟ وأسئلةً مثل شوك الصحارى بأقدامنا المتربة؟ حروفٌ كدمدمة الريح حين تمزق اشرعة متعبة؟ * قيل: كفّي عن الاسئلة كل الاجابات في الموج اغنية راحلة والريح تلهو بما تكتبين ربما في الأساطير.. قبل انهيار الزمن كان لاسمك وقع الصهيل.. الصليل وشيء يخالس احلامهم كالذهول يعلّلهم بالوصول الى زمن لم يكن وليس لمن يعبرون الصحارى وطن فلماذا العناء؟ أليس التساؤل في الصمت عين الغباء؟ * قلت: ابحث عن وطني يؤرقني هاجس ان اسمي انا خالد في ذراه 1 * * * فاجأني جدا ما أثارته من تعاطف مقالتان نشرتا في زاوية "مدى" في 7/98 تحت عنوان "جسور تستحق الدعم" عن شعراء وأدباء ومبدعي المنافي من ملايين العرب الذين اضطروا لفراق اوطانهم. وكان ضمن ما تلقيت من رسائل متعاطفة ردود اشارت الى القصيدة التي نشرت مع المقالة الأولى بعنوان "الحمام الذي لا يعود"، وهي قديمة كتبتها في الثمانينات، ووجدتها ما زالت ترسم جرح الواقع في نهاية التسعينات، فقد لامست في القراء وتراً حساساً وجرحاً موجعاً، حتى جاء بعض الردود يقطر دمعاً وبعضه يتجاوب شعراً. ولا شك في ان المبدعين يعكسون اوجاع ساحتهم بشفافية وحساسية اكثر من غيرهم. حسّنا الشعري ما زال بخير، وإن تعالت اصوات مغرضة تنادي بموته. اتذكر هذا وأشارككم اليوم سعادتي اذ قرأت ما نقلته مجلة "اقرأ" السعودية مقتطفاً من مقابلة مطولة اجرتها صحيفة "الشورى" اليمنية مع الشاعر المميز عبدالله البردوني، اشاد فيه بشعري واعتبره بدء موجة تجديد في الشعر العربي الحديث. يقول، والكلام للشاعر الكبير على عهدة المحاور والناقل عنه: "لها سرٌّ شعري ونبضٌ شعري. ايقاع موسيقي، وصورة لفظية ونفسية. كذلك الجو الشعري الذي يوحي، والوقع في نفس القارئ. لا يوجد قارئ او سامع ما لا يحسّ ان هذه القصيدة احدثت في نفسه شيئاً غامضاً او غير غامض، فالمهم ان هذا القصيد هو الذي يقرأ نفسه، ويحدث أثراً في غيره، وهو الذي ينتهي عند شاعره ويبدأ في الدخول في غير الشاعر، حتى ان شاعراً يمكن ان تتجاوزه قصيدته التي قالها وتبدأ تشتغل في ضمائر ووجدان غيره او تنتج قصائد". وأضاف: "هذه هي المقاييس، اما ان تقول حداثة بلا اجادة او ابداع، ومعنى الابداع انك تقول الشعر الذي ليس على قياسه نوع من الشعر، ولا هو يذكر بالنماذج السابقة عليه، ولا هو يشعرك بأنه قد سرقها. الشعر الابداعي هو الذي يستحدثه الشاعر من أصالته، من صقل ثقافته ومن طول ممارسته...". وأعترف بأنني احسست - بعد قراءة اسمي مرتبطاً بهذا التعريف للابداع من شاعر شامخ في آفاق الابداع العربي - بأن قامتي قد طالت. وبودي ان اعبر له عن عميق شكري وأفصح عما فعلته بي هذه الكلمات البانية. ثم بودي ايضاً ان اشكر مجلة "اقرأ" ومحررها الثقافي النشط الذي لا يتابع فقط ما تنشره الساحة المحلية بل كل ما يستجد على منابر الثقافة العربية. هكذا يأتي الاهتمام الثقافي الحقيقي خارج انحصار الذات في محيطها الصغير. 1 - مقطع من قصيدة وديوان "عبور القفار فرادى" 1/92