يرى العاهل المغربي الملك الحسن الثاني ان التشابه قائم دائماً بين السياسة والزراعة. هناك مواسم للغرس وأخرى للاستمطار وثالثة للقطف والحصاد، ومعنى ذلك ان التوقيت عنصر أساسي في اتخاذ المواقف. والاشارة التي أطلقتها أحزاب المعارضة المغربية من خلال انتخاب رئيس مجلس النواب من الحزب الاشتراكي بتحالف مع شركاء المعارضة وفاعليات الوسط تندرج في سياق نضج التجربة المغربية. قبل انهيار المعسكر الاشتراكي وظهور نزعة الوفاق في الخيارات الاستراتيجية للدول لم يكن أحد يتصور أن في امكان المعارضة المغربية ان تنحو في اتجاه ثقافة المشاركة والاندماج، لكن الحسن الثاني أعدّ ظروفاً مؤاتية لذلك، في مقدمها انه رهن رسوخ الديموقراطية وتطورها بتكريس فكرة التناوب. أي ان لا يظل الحكم رهن فاعليات سياسية من دون أخرى، وان لا يبقى الإقصاء مرادفاً لمعادلة المعارضة والغالبية في التجربة المغربية. ليس لأن المشاورات السياسية انتكست عقب الانتخابات الاشتراعية في عام 1993، لم يعد في الامكان اخراج طبعة جديدة للتناوب. فالأصل في هذا المسعى ليس مجرد الاحتكام الى صناديق الاقتراع، وليس مجرد مجاراة التطورات في المحيط الاقليمي، ولكنه تجسيد لارادة سياسية مفادها ان قوة الدولة وعافيتها من قوة أحزابها ومكوناتها المختلفة. فالمخاطر لا تأتي من تغلغل الأحزاب والتيارات الفكرية في المجتمع، ولكنها مرادفة للفراغ وانعدام الثقة. ما حدث في بعض البلدان انها اطلقت العنان للديموقراطية وتشكيل الأحزاب بعد كبت واختناق، والنتيجة ان الكبت تحول الى ميوعة والاختناق الى خناق، لذلك يصح اعتبار ان التغيير الذي يحدث في المغرب يسير وفق وتيرة متدرجة، فالمغاربة الذين عاينوا التحولات الدولية والمتغيرات التي زحفت على القارة الافريقية لم يكونوا بعيدين عن التأثر بمفعول الأحداث، ولأن الاندماج في هذه التطورات كان يحتاج الى هزة ذات أبعاد سياسية واقتصادية وفكرية فقد اختار العاهل المغربي ان يحضر النموذج الى بيوتهم. من هذا المنطلق ان المغرب حين استضاف أول مؤتمر للتجارة والتعرفة الجمركية "الغات" فعل ذلك ليفتح عيون المغاربة على العولمة ومفاهيم التغيير في العلاقات الاقتصادية. وحين أبرم والاتحاد الأوروبي اتفاق الشراكة السياسية والاقتصادية كان يوجه دعوات لتأهيل الأوضاع السياسية وتطبيع العلاقات بين الشركاء في السياسة والاقتصاد. وحين اختار الرهان على الديموقراطية وسيلة للتغيير كان يؤسس لعلاقات ثقة جديدة، وصلت الى مستوى اشراك التيارات الاسلامية في المؤسسة الاشتراعية مدخلاً لصوغ تقاليد الحوار بديلاً عن العنف والصدام. في الامكان القول ان المعارضة المغربية تختلف ومعارضات عدة، ليس من حيث الاتفاق على الثوابت والاجتهاد في المتغيرات، ولكن لأن خيار الاندماج يظل الأقرب نحو تمثل الواقع. والدرس الذي يمكن استخلاصه من هذا التطور ان المعارضة لا تعني تعدد الولاءات ولا تشتت الصفوف، ولكنها تخص البرامج وتجديد النخب السياسية وإحداث مشارب وتيارات مؤثرة في المجتمع. قد تكون الطريق أمام تشكيل حكومة من المعارضة أصبحت سالكة في المغرب. وقد يكون انتخاب رئيس مجلس النواب من الاتحاد الاشتراكي مؤشراً ايجابياً في هذا السياق، كونه ضمن غالبية نيابية دعمت اختياره. لكن الأهم هو ان القضاء المغربي صار في امكانه استيعاب هذا التحول الذي يجري بتؤدة وهدوء. والابعد من ذلك في حال نجاح التجربة المغربية انها تؤسس لسيادة مفاهيم جديدة تحت عنوان التغيير الهادئ والثقة في المستقبل.