أقلعت سيدة نعرفها عن التدخين، وخافت ان يزيد وزنها، فقررت ان تلتزم نظاماً قاسياً في الطعام، وهي اصرت على ان يكون "الرجيم" الذي تتبعه متوازناً، فأصبحت تحمل "سندويش" في كل يد. "الرجيم" يثير الشهية، وأصعب ما فيه ليس ان تراقب ما تأكل، بل ان تراقب ما يأكل الآخرون. ولكن ماذا يفعل الانسان العادي، رجلاً كان او امرأة، والمطلوب هو قوام عارضة ازياء جائعة؟ المرأة مضطرة ان تسعى نحو النحول، حتى اذا لم تحققه، لأن هذه هي "الموضة" الوحيدة التي لم تتغير منذ عقود. والرجل مضطر ايضاً، ان لم يكن بسبب "الموضة"، فلأن السمنة مضرّة بالصحة. اليوم أريد ان أفرح قراء هذه الزاوية، وهم اثنان على ما اعلم، بخبر علمي قلب المعلومات المتعارف عليها رأساً على عقب، ففريق من كلية الطب في جامعة هارفارد قرر ان زيادة تناول الدهون بنسبة ثلاثة في المئة تخفض الاصابة بالجلطة 15 في المئة. واستند الفريق في معلوماته الى ابحاث استمرت 20 سنة وشملت ألف شخص تتراوح اعمارهم بين 45 عاماً و65 عاماً. ونشرت مجلة الجمعية الطبية الاميركية، وهي اهم مطبوعة طبية اميركية، نتائج ابحاث الفريق في عددها الاخير. لا أريد هنا ان ادخل في التفاصيل، فما يقول الاطباء هو باختصار ان الدهون مفيدة للجسم، ويزيدون ان الدهن من زيت الزيتون والفستق، أفضل من الدهن الموجود في السمك والخضار. ولا أعرف نسبة السمنة في البلدان العربية، الا انني قرأت ان 35 في المئة من الاميركيين يعانون من سمنة زائدة، او ما يعتبره الطب سمنة مرضية. والواقع ان اكثر الاميركيين يعاني من زيادة الوزن، حتى انه قامت عندهم جماعات ضغط لوبي كثيرة للدفاع عن حقوق السمناء، خصوصاً السمينات. والثابت حتى الآن ان السمناء يواجهون صعوبة في الحصول على وظائف، وانهم اذا وجدوا عملاً يقبضون اجراً أقل من زملائهم النحفاء. وقد اثبتت احصاءات ان السمين او السمينة يتلقى حكماً أشد مما يتلقى النحفاء عن الجريمة نفسها، اذا جرت المحاكمة امام هيئة محلفين. وأتوقف هنا لأسجل رقماً قرأته وأنا اجمع المعلومات لهذه الزاوية، فالاميركيون ينفقون 30 بليون دولار في السنة على مستحضرات تخفيف الوزن، ثم يتهمون العرب بالثراء. غير انني أبقى مع مفاجأة ان السمنة، ضمن حدود طبعاً، مفيدة، فمعنى هذا ان راقصات شارع الهرم سيعمرن طويلاً. وكنت رأيت في آخر زيارة لي للقاهرة واحدة منهن شكلها يساوي مليون دولار... لكن فكّة. اذا كانت السمنة مفيدة ومن أنا والقارئ حتى نشكك في ابحاث لجامعة هارفارد تنشرها مجلة الجمعية الطبية الاميركية، فالواحد منا لم يعد بحاجة الى ان يجوّع نفسه حتى الموت ليعيش اطول. وهو ان لم يمت جوعاً ينغص عيشه بيده، فأساس "الرجيم" ان تأكل كل ما لا تريد من الاشياء التي لا تحبها، اي ان لا تأكل ما تحب، ولا تحب ما تأكل. وأعتقد انني أنقذت جاراً لنا بمعلوماتي عن فائدة السمنة، فهو مارس "رجيماً" قاسياً قوامه الموز وجوز الهند، ولم يخسر كيلوغراماً واحداً الا انه اصبح يتسلّق الشجر مثل سعدان. جارنا هذا وزنه يناسب طوله، لو كان طوله ثلاثة امتار. وهو بعد ان يئس من تخفيف وزنه، اصبح لا يزن نفسه الا بعد ان يحلق ذقنه. وسمعت ان زوجته لم تره كله بعد رغم مضي خمس سنوات على زواجهما. ولكن أعود الى ما بدأت به، فهناك ما يثبت معلومات اطباء هارفارد، لأن الأوروبيين يعرفون منذ عقود ان سكان جزيرة كريت يعمرون اكثر من بقية الأوروبيين، وقد قرر الاطباء ان السبب الأهم في طيلة اعمارهم وجود زيت الزيتون كجزء اساسي من طعامهم اليومي. الزيتون كان دائماً شجراً مباركاً، وإذا قرأت جارتنا هذه السطور فهي تستطيع ان تعتمد عليه وتتوقف عن "الرجيم"، ففي المرة الاخيرة التزمت "رجيماً" قاسياً لمدة اسبوعين ولم تخسر سوى 14 يوماً.