مع ان الجميع يتمنى توقف المذابح الوحشية التي يرتكبها ارهابيو "الجماعة المسلحة" ضد المدنيين الأبرياء العزل في الجزائر، فإن الدلائل تشير الى ان من المستبعد في المدى المنظور ان تنتهي هذه الجرائم الهمجية بما فيها من قتل للأطفال والنساء وجز للرقاب واحراق للأحياء واهدار لقدسية الروح الانسانية التي حرم الله قتلها. لقد هزت هذه الجرائم ضمائر الناس في مختلف أنحاء العالم وحار كثيرون في فهم أسبابها وتفسير دوافعها وباتت دول كثيرة تسأل الحكومة الجزائرية عما يمكنها ان تقدمه من عون اليها لوقف المذابح التي يبدو من الواضح انها عجزت الى الآن عن وقفها. وبرغم حرص الجزائر على سيادتها واصرارها على عدم السماح للآخرين بالتدخل في شؤونها الداخلية، فإن تكرار الحكومة الجزائرية الحديث عن قرب سيطرتها على الوضع الأمني وقطع دابر العنف فقد صدقيته وصار ليس ممجوجاً وحسب، وانما مظهر جلي لتقاعس الحكومة عن اداء واجبها الأول، الا وهو حماية مجتمعها المدني وتوفير الأمان لأفراده جميعاً. لقد تقدم الاتحاد الأوروبي بعرض ارسال وفد منه الى الجزائر للاطلاع على ما يجري هناك وتقرير ما يمكنه ان يعطيه من خبرات ومساعدات لتمكين الدولة من مكافحة الارهاب. ولا ضير في ان تحدد الحكومة الجزائرية المساعدات التي تحتاجها، مثل توفير اعداد كافية من طائرات الهيلوكبتر لتسهيل نقل القوات بسرعة الى المناطق التي يجوبها الارهابيون لمحاصرتهم ومحاربتهم. وبرغم ان تعزيز قوات الجيش والأمن وتأمين وسائط حركتها السريعة من الأمور الجوهرية في محاربة الارهابيين، الا ان هذا في حد ذاته لن يكون كافياً. اذ لا بد من ايجاد حل لمشكلة عشرات آلاف، بل ملايين العاطلين عن العمل الذين اصطلح على تسميتهم بپ"الحيطيين" وصاروا - بعد ادمان سند ظهورهم الى الحيطان ونفث دخان سجائرهم في الهواء مدداً طويلة - من الناس الذين يسهل على "الجماعة الاسلامية" ضمهم الى صفوفها وتكليفهم مهمات ذبح ونهب واغتصاب. ويستلزم خلق أعمال لهؤلاء استثمارات جديدة ضمن خطة تنمية تستوعب أكبر عدد ممكن من العاطلين عن العمل في الوقت الذي لا بد فيه أيضاً من زيادة تنفيس الاحتقان السياسي في البلاد بإعطاء الفرصة للجبهة الاسلامية للانقاذ للمشاركة في الحياة السياسية بعد ان استقرت أطر الحكم واستردت، الى حد معقول، شرعيتها من خلال الانتخابات الرئاسية والبرلمانية والبلدية. و"الانقاذ" التي تطالب برد الاعتبار اليها اعلنت على لسان أحد قيادييها في حديث الى "الحياة" قبل أيام انها تسعى للعمل في اطار سلمي وتحترم خيار الشعب "سواء ايدنا أو لم يؤيدنا". لكن من أبرز ما قاله ذلك القيادي ان رد الاعتبار للجبهة سيسمح "باستقطاب ملايين الشبان من مؤيدينا". والواقع ان هذا هو ما تحتاجه الجزائر أكثر من أي شيء آخر: تعبئة الغالبية الساحقة من اهل البلاد، ضمن برنامج تصالحي وتنموي، ضد الفئة القليلة الضالة الشرسة التي احترفت الذبح. كل هذا لن يتم بالطبع بين عشية وضحاياها خصوصاً اذا كان هناك خلاف في أوساط القادة الجزائريين بين من يؤمنون بانفتاح، حتى لو كان مقنناً، وبين من ينتهجون خطاً استئصالياً ثبت فشله بشكل مروع.