برعاية الأمير عبدالعزيز بن خالد.. جمعية التنمية الأهلية في عياش تكرم العاملين والمتطوعين    الجمعية الوطنية لحقوق الإنسان اليوم اجتماع جمعيتها العمومية السادس 26    القمر في التربيع الأول لشهر ذي القعدة اليوم    وزير الموارد البشرية يفتتح المؤتمر الدولي السابع للسلامة والصحة المهنية    سباحو جامعة الإمام عبدالرحمن يُتوجون بكأس دوري الجامعات    محافظ الأحساء يستقبل مدير جوازات المنطقة الشرقية    المياه الوطنية تبدأ تنفيذ 15 مشروعًا بيئيًا في جدة بأكثر من 2.3 مليار ريال    الأهلي السعودي بطلاً لدوري أبطال آسيا.. للمرة الأولى في تاريخه 03 مايو 2025    تعاون دولي بين التحالف الإسلامي والأمم المتحدة لتعزيز كفاءة محاربة الإرهاب    زلزال بقوة 4 درجات يضرب غرب تركيا    اليوم.. بدء الاكتتاب على مليون سهم من أسهم شركة "أدير العقارية" في السوق الموازية "نمو"    أمطار نشاط للرياح المثيرة للغبار على مناطق المملكة    العطاء المغني    أوبك بلس» تقرر زيادة الإنتاج بمقدار 411 ألف برميل يومياً    "سدايا" تسهم في دعم مبادرة طريق مكة بالخدمات التقنية في 11 مطارًا خارج المملكة لتسهيل رحلة الحجاج    قطر ترفض تصريحات نتانياهو "التحريضية" بشأن غزة    توقيف زوجين احتجزا أطفالهما داخل «بيت الرعب»    تحذيرات أممية من تصاعد العنف والتدخلات الخارجية في سوريا.. تحركات لفرض السيادة وتثبيت الأمن من جرمانا للسويداء    شاهد.. وزير الدفاع يشهد تمرين القوات الخاصة "النخبة"    خطة تشغيلية تضمن التزام الشركات بمعايير السلامة والجودة.. «الطيران المدني» توفر 3 ملايين مقعد للحجاج    رئيس الاتحاد الآسيوي يُهنئ الأهلي ويشيد بنجاح المملكة في استضافة الحدث القاري    ناصر العطية يتوّج بلقب رالي السعودية    تشيلسي يقيم ممراً شرفياً للبطل ليفربول    أكدا أن نادي جدة لليخوت معجزة تكنولوجية.. زوجان بريطانيان ل(البلاد): المملكة ترسي معيارا جديدا للمرافئ حول العالم    47 % محتوى محلي في المشتريات الحكومية    الأمير عبدالعزيز بن سعود يلتقي القيادات الأمنية في منطقة القصيم    تخريج 331 طالبًا وطالبة من جامعة الأمير مقرن    رئيس مجلس القيادة اليمني يصدر مرسومًا بتعيين سالم بن بريك رئيساً للوزراء    ضبط 5 مقيمين نشروا حملات حج وهمية    ضبط 3212 محاولة تهريب في أسبوع عبر المنافذ الجمركية    ترحيل 15 ألف مخالف وإحالة 20 ألفًا لبعثاتهم الدبلوماسية    عرض 5 أفلام سعودية في مهرجان مالمو للسينما العربية    برعاية أرامكو| الظهران تستضيف أولمبياد الفيزياء الآسيوي بمشاركة 30 دولة    في معرض جسور ب"جاكرتا".. "ركن المساجد" يبرز اهتمام المملكة ب"التاريخية"    "رفيقا درب" جمعتهما المبادرة: «طريق مكة» تسهل على ضيوف الرحمن أداء الفريضة    مغادرة أولى رحلات المستفيدين من مبادرة "طريق مكة" من جمهورية إندونيسيا    عبدالعزيز بن سعود يزور المسجد النبوي ويؤدي الصلاة في الروضة الشريفة    فيرمينيو يُتوّج بجائزة أفضل لاعب في دوري أبطال آسيا للنخبة    «أوساط الرأي».. جوهرة إذاعية لامعة    الإعلام السعودي من نقل الحدث إلى صناعة المستقبل    انتبهوا    "سالم الدوسري" يحصل على جائزة هداف نخبة آسيا    نائب أمير الشرقية يرعى حفل التخرج بجامعة الملك فيصل    وزير الداخلية يدشن عدداً من المشروعات الأمنية في القصيم    مبادرة طريق مكة تجمع (رفيقي الدرب) بمطار حضرة شاه الدولي بدكا    المناعة مرتبطة باضطرابات العقل    فوائد غير متوقعة للرياضة على مرضى السرطان    ارتفاع شهداء غزة إلى 52495    شجر الأراك في جازان.. فوائد طبية ومنافع اقتصادية جمة    مجتمع تيك توك: بين الإبداع السريع والتمزق العميق    نجاح عملية جراحية معقدة لاستئصال ورم ضخم في كلية مسن ببريدة    الملحقيات الثقافية بين الواقع والمأمول    اللغة تبكي قتلاها    «اليدان المُصَلّيتان».. يا أبي !    جمعية خويد تختتم برنامج "محترف" بحفل نوعي يحتفي بالفنون الأدائية ويعزز الانتماء الثقافي    قطاع ومستشفى المجاردة الصحي يُفعّل مبادرة "إمش 30"    أمير تبوك يترأس اجتماع لجنة الحج بالمنطقة    أمير منطقة جازان يستقبل القنصل العام لجمهورية إثيوبيا بجدة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



شعراً أو نثراً ... إنها النظرة ذاتها
نشر في الحياة يوم 10 - 01 - 1998

منذ ثلاثين سنة، كنت هنا، في القاهرة، في هذا المكان المحدد والملموس. دقات ساعة الجامعة، التي تلمس الجسم، البنت التي تلمس الولد دون ان تجرؤ على لمسه، الولد الذي يلمس المعنى وينساه لان الكتاب عدوّ. وكنت على علاقة ملتبسة بذاتي وبالكتاب وبالقضايا الكبرى. تشغلني شجرتي عن الغابات، وتحميني مسؤوليتي النحيلة من المسؤوليات الجسام.
كنت هنا عندما اخبرتني الاذاعات انني اصبحت بلا وطن.
في هذا المكان المحدد الملموس، بدأ المجرد والغامض يشكل أيامي التالية. الدنيا بدّلت لي اعدائي. كنت طالباً لا يرى اعداءه، لأنهم لم يصلوا بعد الى ياقة قميصه! كنت كالكثيرين امنح وقتي لحديقتي الشخصية بدلا من التورط في وعورة التاريخ. لم اصدق ابدا وظيفتي كمصارع، لم انتبه لها ولم ار نفسي، انا المراهق اللطيف، طرفا حقيقيا في الصراع، قالوا لنا دعوا السياسية للسياسيين. وكنا نسمع عن مصائر من سجن ومن اعتقل ومن عذب ومن خاب شرف المقصد لديه فانقلب كالملاحمة على مائدة الطعام يملّح السلطة حتى يطيل تاريخ صلاحية فسادها! كنت اجفل من الاعتراف بحصتي في الصراع، فهل تركتني الدنيا وشأني؟ هل تركت لاحب اسرتي واصدقائي وصديقاتي وشهواتي وحبي لفنون الشعر والموسيقى والرواية والمسرح دون الاحتكاك بأحد؟.
كنت وما زلت أرى السياسة المحترفة عملا يبعث على الغثيان، كيف جاءت السياسة الي؟ او كيف ذهبت اليها؟ قادنا تاريخنا الى السياسة من انوفنا كأننا فيلة السيرك، كما نظن انفسنا عصافير، بل كما نميل الى اعتبار السماء حفرة نرمي فيها اساساتنا الخرسانية لنبني فوقها بيوتا ذات شرفات تطل من فوق السماء عليها، فاكتشفنا ان الارض هي سماء الخاسر والمغدور وانها محنته وعنوانه الوحيد. فيها وعليها ومن اجلها يسعى الكائن البشري الى مقاومة الإهانة والدفاع عن تلك الكلمة العظيمة التي افقدها التراخي العربي المعاصر كل معنى: الكرامة.
المجرد والغامض والتيه الطويل اعادتني الى التراب، تراب بلادي اصبح للعدو. انا عدو العدو، ولو تركتني الدنيا وشأني لما كنت عدوا الا للقرنبيط لانني لا احب مذاقه، وللغباء، لانني احب الاذكياء والذكيات الى درجة الاستمتاع لا بمصادقتهم فقط، بل وبخصومتهم أيضاً.
رتب شأنك يا هذا وخطط لحياتك كما تهوى. سيهوي عليك ما خطط الأعداء واحبابهم من اهلك، وستبدأ المطاردة. قال الاسرائيلي السعيد: اجعلوهم في حالة ركض دائم، رتب شأنك يا هذا وما انت بمرتب. ستصبح حياتك سلسلة من الاضطرارات وقراراتك مسلسلا من الارتجال. سيضربونك كالمنجد وتطير برامجك الشخصية كالقطن المندوف. جمالك الانساني الذي صاغتك عليه يد الخالق يتلقى ضرباتهم ويتقيها. رنينك الجوهري سيصبح انيناً، وستسمع اصوات شيء يتكسر في داخلك. لن تصون جمالك المهدد الا ببحثك فيك عن الجوهري وعن رنينك الصامت. وهذا ما اسميه "المقاومة".
هذه بقعة من سيرة لحظتنا الفلسطينية والعربية. كنا مجروحين نداوي التاريخ. كان علينا ان نذهب الى الاحترام بأرجلنا فكثرت المقابر وكثرت زغاريد الامهات التي هي اقسى انواع النحيب. قتلت خنادق الحرب احرارنا وفنادق عملية السلام قتلت حريتنا.
لكن الكارثة لا تكمن هنا.
الكارثة تكمن في اننا اصبحنا حالة اكلينيكية واصبحنا نمطاً ووصمة. فالاعلام الكوني ولا استثني الاعلام العربي، لا يرى الفلسطيني الا في واحدة من صورتين: صورة شخص في يده سكين او شخص في ظهره سكين. اعني مجرما او ضحية. وبين هاتين الصورتين طمست وغيبت آلاف الصور العادية للفلسطينيين. صور الذي يرضع، يتعلم الحروف، يلهو، يحب الكتب. يكره الامتحانات. يسخر من الذات ومن الزعيم، يرسم اللوحات، يحرث الارض ويزرعها، يروي الاملوحات الفطنة، يضحك من القلب، يعشق ويشتهي ويقسو ويحن ويبكي بالدموع في فيلم هندي ساذج. كأننا لم نكن مراهقين نمزج الجلافة بالارتباك اللطيف، كأننا لم ننتظر نيسان ابريل بشغف لنشاهد بأعيننا الأبصال التي زرعناها في الشتاء تبرز وريقاتها الفستقية اللون وبراعمها المغمضة ذات الوعود. كأننا لم نهمل سياق أحداث الفيلم للاختلاء بصديقاتنا الصغيرات في الظلام الرحيم والطمأنينة الغامقة المشوبة بالتوتر. كأننا لم نستمتع بشيء مع أننا في الحقيقة نستمتع. نروي النكتة الغامقة المشوبة بالتوتر. كأنما لم نستمتع بشيء مع اننا في الحقيقة نستمتع نروي النكتة والاملوحة، نمارس الجنس وقد نرتقي به الى مصاف اللعب، نتابع مباريات كأس العالم ونتحمس لأهداف لا يسجلها احدنا، ويطلق العدو النار على سجودنا الخاشع في الحرم الابراهيمي وفي الممرات الترابية الفائضة بالمجاري في صبرا وشاتيلا ونساوم بائع الخضار حول سعر حزمة من البقدونس او رطل من السبانخ، كأن سراويلنا وفساتيننا لم تلتصق بمؤخراتنا على مقاعد مكتبات الجامعات لنستكمل رسائلنا الاكاديمية وبحوثنا في الآداب والعلوم الى اخر صور بني البشر الذين نحن منهم دون اعتراض احد على ذلك حتى الآن.
ان كتابة سيرة ذاتية على خلفية كهذه جعلتني ادخل الى كتابة "رأيت رام الله" وانا افكر في ما أرى بدلاً من أن أرى ما افكر فيه.
كنت في الثانية عشرة من عمري حين منحتني إدارة مدرسة رام الله الثانوية الجائزة الأولى في كتابة القصة القصيرة وكانت الجائزة مجموعة كتب من بينها رواية "السراب" لنجيب محفوظ. لكنني اخترت كتابة الشعر ونشرت تسع مجموعات شعرية متتالية. ولم يخطر ببالي لحظتها ولا في اي وقت بعد ذلك اني سأحصل على جائزة تحمل اسم نجيب محفوظ نفسه على اول كتاب نثري لي، اشكركم واشكركن.
النص هو الكلمة التي ألقاها في احتفال تقديم "جائزة نجيب محفوط للابداع الادبي" التي منحت لكتابه "رأيت رام الله"، وذلك في الجامعة الاميركية في القاهرة يوم 11 كانون الاول ديسمبر 1977.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.