سحابة سوداء تملأ الأفق وشعاع ضوء لهيب نار لا تعرف الرحمة، وبكاء أطفال وصرخات استغاثة. هكذا كان حال مركز التسوق التجاري الذي شهد حريقاً ضخماً أول من أمس، عايشت فيه جدة ليلة طويلة ومخيفة من الشائعات التي تناقلها السكان حول أعداد الوفيات والإصابات. لم يكن يعلم جميع المشغولين بالتسوق وقضاء حاجاتهم وبعض الأسر التي ركنت للملاهي الترفيهية الموجودة في مركز التسوق للترفيه عن أطفالهم، أن هذه الرحلة الترفيهية قد تتحول كابوساً يعصف بهم وبفلذات أكبادهم. تقول رانيا خالد باكية وهي إحدى شهود العيان ل«الحياة»: «نجوت بأعجوبة، لا أصدق أنني مازلت على قيد الحياة»، مضيفة بعد أن التقطت أنفاسها «كنت في المدينة الترفيهية برفقة ابنتي رؤى التي كانت تلهو ومن دون سابق إنذار بدأنا نشاهد ألسنة اللهب تنطلق من المدينة الترفيهية». وتابعت: «بعد تعالي الصرخات وطلبات النجدة وتدافع المتسوقين على بوابات الخروج، سمعنا طلباً من جانب إدارة المركز لجميع المتسوقين بالخروج فوراً، وبينما نحن في طريقنا للبوابات سمعنا دوي انفجار أغرق المركز كاملاً في ظلام دامس». وأبدى أحمد الزهراني سخطه من عدم عمل صفارات الإنذار بعد اندلاع الحريق، مطالباً بمساءلة من وصفهم ب «المهملين لأرواح الناس». وحكى الزهراني قصته هو وعائلته التي كانت معه في داخل المركز التجاري قائلاً إن أصوات صراخ وبكاء عمت أرجاء مركز التسوق، إلا أن احتمال أن يكون اندلاع حريق في الموقع لم يكن وارداً في ذهن أحد، عازياً ذلك إلى معرفته بأنظمة وإنذارات الدخان والحريق وإطلاقها لصفارات الإنذار من أي دخان. وواصل: «بعد أقل من دقيقة وجه تحذير لجميع المتسوقين من اندلاع الحريق، وطلب من الجميع الخروج فوراً تجنباً لأي كارثة بشرية قد تحصل». وحول اللحظات التي عايشها هو وأسرته منذ اندلاع الحريق وحتى تمكنهم من الخروج من مركز التسوق، اكتفى بوصف تلك اللحظات «بمحاولة العودة للحياة، بعد فقدان الأمل فيها». أما نادر فيسرد شهادته ل«الحياة» حول حادثة الحريق بقوله إن النجاة من الموت كانت بالنسبة له أكبر غنيمة يظفر بها في حياته، مشيراً إلى أن حالة الهلع والخوف التي رافقت الموجودين في مركز التسوق أدت إلى تدافع كبير لدى المخارج. ويصف تلك اللحظات ب «الأصعب في حياته». من ناحيته، أكد مدير الدفاع المدني في محافظة جدة العميد عبدالله جداوي أن الحريق الذي انطلق في المدينة الترفيهية في إحدى الأسواق التجارية الكبرى في المطار القديم في جدة أول أمس لم يسجل أي إصابات أو وفيات. وشدد جداوي على أن الحريق كان في مدينة الألعاب في السوق التجاري وأنه استمر منذ العاشرة والنصف مساء حتى الواحدة صباحا. وأوضح جداوي أن الحريق امتد على مساحة 18 ألف متر مربع وتم إطفاؤه بواسطة ثماني فرق إطفاء وخمس فرق إنقاذ وسيارة سلالم إضافة إلى سيارتي إسعاف. ووصف جداوي الحريق ب «الضخم»، مفيداً أن الدفاع المدني طلب مشاركة الأدلة الجنائية لمعرفة ملابسات الحريق. واختتم حديثه بالتأكيد أن أسباب الحريق لم تعرف بعد، إلا أن لدى الدفاع المدني ملاحظات فنية فيما يتعلق بأنظمة مكافحة الحريق في السوق التجارية. من جانبه، أكد المدير العام للشؤون الصحية في جدة الدكتور سامي باداود ل «الحياة» عدم وجود أي إصابات أو وفيات جراء الحريق الذي شب في المركز التجاري مساء أول من أمس. ويأتي نفي صحة جدة و«مدني جدة» لعدم وجود أي إصابات أو وفيات في ظل ليلة طويلة من الخوف والشائعات التي عاشها أهالي جدة تضاربت فيها شائعات أعداد الوفيات التي تراوحت بين الأربعة إلى ال20 حالة وفاة، في حين أن شائعات الإصابات تراوحت بين 14 إصابة إلى 92 إصابة.