موقف ميتروفيتش من مواجهة مانشستر سيتي    حقيقة تعاقد النصر مع جيسوس    نيوم يعلق على تقارير مفاوضاته لضم إمام عاشور ووسام أبو علي    رابطة العالم الإسلامي تُدين العنف ضد المدنيين في غزة واعتداءات المستوطنين على كفر مالك    رئيسة الحكومة ووزير الصحة بتونس يستقبلان الرئيس التنفيذي للصندوق السعودي للتنمية    لجنة كرة القدم المُصغَّرة بمنطقة جازان تقيم حفل انطلاق برامجها    ليلة حماسية من الرياض: نزالات "سماك داون" تشعل الأجواء بحضور جماهيري كبير    عقبة المحمدية تستضيف الجولة الأولى من بطولة السعودية تويوتا صعود الهضبة    "الحازمي" مشرفًا عامًا على مكتب المدير العام ومتحدثًا رسميًا لتعليم جازان    «سلمان للإغاثة» يوزّع (3,000) كرتون من التمر في مديرية القاهرة بتعز    فعاليات ( لمة فرح 2 ) من البركة الخيرية تحتفي بالناجحين    في حالة نادرة.. ولادة لأحد سلالات الضأن لسبعة توائم    دراسة: الصوم قبل الجراحة عديم الفائدة    ضبط شخص في تبوك لترويجه (66) كجم "حشيش" و(1) كيلوجرام "كوكايين"    أمير الشرقية يقدم التعازي لأسرة البسام    نجاح أول عملية باستخدام تقنية الارتجاع الهيدروستاتيكي لطفل بتبوك    صحف عالمية: الهلال يصنع التاريخ في كأس العالم للأندية 2025    مقتل 18 سائحًا من أسرة واحدة غرقًا بعد فيضان نهر سوات بباكستان    الهلال يحقق مجموعة من الأرقام القياسية في مونديال الأندية    إمام وخطيب المسجد النبوي: تقوى الله أعظم زاد، وشهر المحرم موسم عظيم للعبادة    12 جهة تدرس تعزيز الكفاءة والمواءمة والتكامل للزراعة بالمنطقة الشرقية    الشيخ صالح بن حميد: النعم تُحفظ بالشكر وتضيع بالجحود    تمديد مبادرة إلغاء الغرامات والإعفاء من العقوبات المالية عن المكلفين حتى 31 ديسمبر 2025م    بلدية فرسان تكرم الاعلامي "الحُمق"    مدير جوازات الرياض يقلد «آل عادي» رتبته الجديدة «رائد»    استشهاد 22 فلسطينيًا في قصف الاحتلال الإسرائيلي على قطاع غزة    وزارة الرياضة تحقق نسبة 100% في بطاقة الأداء لكفاءة الطاقة لعامي 2023 -2024    رئاسة الشؤون الدينية تُطلق خطة موسم العمرة لعام 1447ه    ثورة أدب    أخلاقيات متجذرة    القبض على وافدين اعتديا على امرأة في الرياض    استمتع بالطبيعة.. وتقيد بالشروط    د. علي الدّفاع.. عبقري الرياضيات    في إلهامات الرؤية الوطنية    البدء بتطبيق"التأمينات الاجتماعية" على الرياضيين السعوديين ابتداءً من الشهر المقبل    نائب أمير جازان يستقبل رئيس محكمة الاستئناف بالمنطقة    الأمير تركي الفيصل : عام جديد    تدخل طبي عاجل ينقذ حياة سبعيني بمستشفى الرس العام    مفوض الإفتاء بمنطقة جازان يشارك في افتتاح المؤتمر العلمي الثاني    محافظ صبيا يرأس اجتماع المجلس المحلي، ويناقش تحسين الخدمات والمشاريع التنموية    لوحات تستلهم جمال الطبيعة الصينية لفنان صيني بمعرض بالرياض واميرات سعوديات يثنين    ترامب يحث الكونغرس على "قتل" إذاعة (صوت أمريكا)    تحسن أسعار النفط والذهب    حامد مطاوع..رئيس تحرير الندوة في عصرها الذهبي..    تخريج أول دفعة من "برنامج التصحيح اللغوي"    عسير.. وجهة سياحة أولى للسعوديين والمقيمين    أسرة الزواوي تستقبل التعازي في فقيدتهم مريم    الإطاحة ب15 مخالفاً لتهريبهم مخدرات    وزير الداخلية يعزي الشريف في وفاة والدته    الخارجية الإيرانية: منشآتنا النووية تعرضت لأضرار جسيمة    تصاعد المعارك بين الجيش و«الدعم».. السودان.. مناطق إستراتيجية تتحول لبؤر اشتباك    غروسي: عودة المفتشين لمنشآت إيران النووية ضرورية    استشاري: المورينجا لا تعالج الضغط ولا الكوليسترول    "التخصصات الصحية": إعلان نتائج برامج البورد السعودي    أمير تبوك يستقبل مدير فرع وزارة الصحة بالمنطقة والمدير التنفيذي لهيئة الصحة العامة بالقطاع الشمالي    من أعلام جازان.. الشيخ الدكتور علي بن محمد عطيف    أقوى كاميرا تكتشف الكون    الهيئة الملكية تطلق حملة "مكة إرث حي" لإبراز القيمة الحضارية والتاريخية للعاصمة المقدسة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



نازلي مدكور ترسم أبعاد الثورة المصرية...بالزهور
نشر في الحياة يوم 22 - 06 - 2011

ثورةٌ مصرية جديدة، يصنعها صخبُ اللونِ والقلق من الزمن القادم. ليست ثورةً على الماضي والحاضر، مثل كل ثورات التاريخ، ومثلما كانت ثورة يناير المصرية الشريفة، بل هي، على النقيض من ذلك، ربما تكون ثورة على المستقبل الوشيك، الذي قد تحمله الأيامُ القادمةُ لمصرَ، كأحد تجلّيات ثورة 25 يناير. هكذا قرأتُ لوحات الفنانة التشكيلية المصرية نازلي مدكور في معرضها الجديد «وأتى الربيعُ»، في قاعة «أفق» - متحف محمود خليل في الجيزة.
تأتي زهورُ المصرية نازلي مدكور كثورة فنية باللون على التهديد الذي بات يتوعّد وحدة نسيج مصر بعد الثورة. تلك الثورة التي أطاحت نظامًا فاشيًّا جثم على صدرها ثلاثين عامًا، ليأتي لها، كما كان مفترضًا، بالحرية والهواء النقي. على أن نُذُرًا معتمة في الأفق شرعت تُنذر أخيرًا بدخول مصرَ نفق دولة تيوقراطية قد تقوّض مكتسباتها المدنية الحديثة التي رسّخها محمد علي منذ قرنين. نُذرٌ مخيفة ربما يكون من تجلياتها إقصاءُ المرأة عن المجتمع، وعودتها إلى «الحرملك» الذي هجرته منذ قرون، مع ضياع مكتسباتها الحقوقية التي تقرّها لها مواثيقُ حقوق الإنسان ودساتيرُ الشرائع السماوية الرفيعة، على خلاف ما يريد بعض الظلاميين الذين يرون في المرأة كيانًا تابعًا غير ذي أهلية ولا عقل! لذلك تأتي لوحات نازلي مدكور الأخيرة «وأتى الربيع» لتقدم رسالتين شديدتيْ اللهجة، رهيفتيْ الأسلوب، وفق قراءتي الخاصة للمعرض.
الرسالة الأولى مباشرةٌ تخصُّ الثورة المجيدة التي خرجت بالمصريين من نفق الاستبداد الشمولي، نحو براح الحرية وامتلاك القرار. هنا «أتى الربيع» بزهوره المشرقة التي تحمل على أوراقها «حلمَ» المصريين بغد أجمل أكثر حريةً وتحضّرًا. هذه الرسالةَ نقدمها لوحات زاهية الألوان، تذوبُ فيها الزهورُ والنباتات على هيئة المادة الهيولية الأولى لتقفَ على الخط المخاتل بين التصريح والتلميح. تمامًا مثلما يقف «الحلم» على الخيط الغائم المرتبك بين الواقع والخيال. زهورٌ توشك أن تُزهر، ولكن ازدهارها لم يكتمل بعد. أوراقُ شجر خجولٌ تطلُّ برأسها على استحياء يليق ببراعم وليدة في طور التفتق والتشكيل. ظلال زهور، وليس من زهور ناضجة واضحة المعالم. ذاك هو حلم المصريين الذي لم تتشكل رؤاه الواضحة بعد. تلك هي اللحظة التاريخية الفريدة الغائمة التي تحياها مصرُ الآن. ذلك هو الوعد بغد تشرق زهوره لو كتب اللهُ للزهور أن تشرق. تلك رسالة المعرض الأولى.
أما الرسالة التالية فتحمل من القلق والترقّب أكثر مما تحمل من الوعد والحلم والأمل. لذلك يبدأ اللونُ الأسود في الظهور مع ظلال الأزرق الذي يشي بأحزان «البلوز» وأغانيهم الموجعة. في هذه اللوحات تكاد تختفي الألوانُ الزاهية من لوحات المعرض، وتحلُّ محلَّها الألوانُ الداكنة، وتكاد تختفي الذوبانية التي تُماهي حدود الزهور ولونها في هيولي سائل بصري مموه في لوحات الرسالة الأولى، لتحلَّ محلَّها الحدودُ الحاسمةُ الفاصلة بين الألوان، بما يشي بالقلق من تقسيم مصر بخطوط عنصرية جغرافية واجتماعية على أسس الدين والنوع والفكر. تستقرُّ الظلالُ الداكنة المعتمة في خلفيات المشهد لتقطعها، بين لوحة وأخرى، بقعةٌ صغيرة مُشرقة من الأصفر الصاخب أو الأحمر المشعّ أو الأبيض الناصع، مثلما يبرق الأملُ في قلب اليأس أحيانًا، ومثلما يقطعُ شعاعُ ضوء نحيل، فضاءً شاسعًا من العتمة.
وربما تجتمع الرسالتان معًا، في رسالة موحدة تقول: المجتمعُ لا يكون مجتمعًا إن أُقصيَتِ المرأةُ، والزمانُ لا يكون حيًّا، إن لم يأت الربيع.
لا يبتعد هذا المعرض عن تجربة نازلي مدكور الممتدة من الثمانينات الماضية عبر أربعين معرضًا مصريًّا وعالميًّا. وفي وسعنا أن نطلق على مجمل تجربتها تيمة التنوع عبر الوحدة Variety within Unity.
انطلقت تجربة مدكور الأولى مع نهاية الثمانينات والتسعينات عبر معرض «نداء الأرض»، من ركام طمي النيل العظيم ومائه، عبر حواره الأبدي مع الوادي الخصيب وصحارى مصر وكثبانها الرملية وتلالها والبيوت الطينية التي شيّدها المصريون بأكفّهم السمراء التي تحفُّ من جوف الأرض طميَها لتبني فوق تربتِها. لم تكتف ابنةُ مصر نازلي برسم تيمات الأرض، بل مدّت كفها لتنهل من الكنوز البكر في عمق أرض طيبة وتشكّل لوحاتها بتلك المواد الخام من رمال وعجائن طميية وورقية وخيش وحبال ولحاء نخيل وألياف بردي وجص وأكاسيد تسكن باطن الأرض، لترسم بكل تلك الفرائد البيئية الخام على لوحات التوال. كأنما استلهمت مقولة حسن فتحي، المعماري الكبير: «انظر تحتك وابنِ»، فتقول نازلي مدكور، التشكيلية: «انظرْ تحتك وارسم.»
وجاءت نهاية التسعينات لتحتلَّ الوجوه المصرية «البورتريه» بؤرة التجربة التشكيلية لدى مدكور. وهنا تكتمل دائرة الحياة التي تجمع بين الأرض/ الأم، والإنسان/ الابن، ومحور الكون.
ثم يأتي معرضها الراهن «وأتى الربيع» ليكون درّة العقد الذي جمع محوري الحياة: الأرض، الإنسان، مع زهور الربيع حين يتحور الطين الطيب ليُخرج الحياة على هيئة زهور تشرق مع الربيع الذي تزامن مع شروق ثورتنا المصرية. يضم المعرض خمسين لوحة تجمعها تيمةُ الزهور الذائبة في ظلالها، نُفّذت بخامات مختلفة وملامس متباينة وألوان عاصفة راقصة حينًا، وكابية حزينة حينًا آخر.
وكانت نازلي مدكور ألفت كتابًا عنوانه «المرأة المصرية والإبداع الفني» صدر بالعربية والإنكليزية، ونفّذت رسومًا تشكيلية تجادلت مع كتاب نجيب محفوظ «ليالي ألف ليلة» الصادر عام 2005 عن دار Limited Edition Club في نيويورك.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.