ناهدة نكد، لبنانية إيطالية، تترأس القسم العربي في «فرانس 24»، ودرست في الولاياتالمتحدة، لذلك فهي تتقن أربع لغات ونصف، الإيطالية والعربية والفرنسية والإنكليزية بإتقان، أما النصف، فهي الإسبانية. تتحدث عن نفسها بثقة كبيرة، وذوق بالغ في الوقت ذاته، لا تتلعثم وهي تتكلم، فعندها على كل سؤال إجابة، وتقول بعض الأشياء التي لا تخطر على البال بتلقائية شديدة، وكأنها أمر بديهي، قامت بتغطية حروب في أفريقيا، ويوغسلافيا السابقة، وفي لبنان، وهي ترغب في سؤال رجال الدين في المملكة عن السبب في تمسكهم بعدم فصل الدين عن الدولة، وتؤكد أنه لا ينبغي النظر إلى الإعلام كخطر، لأن الصحافي الذي يتمتع بالحرية، يعرف المسؤولية، ويدرك تماماً ما يقال وما لا يقال. عندما تتحدث معها تحتاج أحياناً أن تتأكد مما فهمت، وتسألها من جديد، هل فعلاً قصدت ما فهمته، فتوضح لك أنها تؤمن بالأسئلة، وتعطي الفرصة للطرف الآخر للرد عليها. لاتؤمن بوجود ثورة مثالية، وأن الثورة يقوم بها أشخاص، والأشخاص من المجتمع، وفي المجتمع يوجد كل أنواع البشر، وأن كل الثورات تصاحبها أخطاء، وأن مثل هذه الأخطاء لا تلوث سمعة الثورة، ولا سمعة أفرادها، معتبرة أنه من المهم أن يقوم الأشخاص الذين حملوا لواء الثورة بتقديم الاعتذار عن الانتهاكات، وضرورة معاقبة من قام بها، وتسبب في تشويه السمعة، سواء كانوا من الثوار أم من أي جهة. تطالب نكد الجميع باستنكار كل الاعتداءات التي يتعرض لها الصحافيون، والتي لا علاقة لها بالأحداث، التي يقومون بتغطيتها، مثل سجن الصحافي أو ضربه أو اختطافه واعتباره رهينة، ويجري التعامل معه كسلعة يجري المساومة عليها، أو التعرض للاغتصاب، وهو الأمر الذي لا يقتصر على الصحافيات فقط. وفي حوارها مع «الحياة» معها تقدم الوصفة التي تعتبرها السر في نجاح «فرانس 24»، وإذاعة «مونت كارلو»، مثل الصدقية، والعلاقة الوطيدة التي تربط الكثيرين بهذه القناة، والجمع بين الخبر والسمر، وترفض بشدة التشكيك في استقلالية القناة عن الدولة الفرنسية، التي تمولها، وتؤكد أنها لا ترغب في التأثير على رأي المستمعين والمشاهدين، بل توفر لهم المعلومات، ليقوموا هم بتكوين رأيهم بأنفسهم. ترحب بانضمام إعلاميين من المملكة ومن بقية دول الخليج للعمل معهم في باريس، بشرط إتقان اللغة الفرنسية، وتشدد على اعتزازها بتنوع الجنسيات في داخل صالة التحرير، حتى وإن تسبب في بعض الأحيان في مشكلات، يستغرق حلها بعض الوقت، لكنها لا تتحول إلى أزمات، طالما أن من يترأس القناة يرفض العنصرية... إلى تفاصيل الحوار: في ظل تنامي القنوات الغربية الناطقة باللغة العربية، ماذا أعدت فرانس 24 للمنافسة في الفضاء الإعلامي؟ - على رغم تمويلنا من الدولة الفرنسية، فإننا مستقلون بنسبة 100 في المئة، ونتعامل مع الأخبار كما تتعامل وسائل الإعلام الفرنسية، وهناك حرية لوسائل الإعلام الحكومية في فرنسا، ربما تفوق ما تتمتع به وسائل الإعلام الخاصة، وهذا أمر مهم جداً بالنسبة إلينا، والأمر الآخر المهم هو صدقيتنا، سواء تعلق الأمر بالثورة التونسية أم المصرية أم بالأوضاع في سورية أو في اليمن. عندنا صدقية، لأنه ليس عندنا مشروع سياسي، أو مشروع ديني، أو نية لتغيير آراء الناس، طريقة تعاملنا مع الأخبار براجماتية للغاية، ننقل للناس الحدث كما هو، مع الاعتماد على التحقيقات الميدانية، وهذا أساس عملنا، بعد ذلك نوضح خلفيات الحدث، وأسباب حدوثه، ثم يكون هناك نقاش حوله، هذه أسس تغطيتنا للأحداث. إن القيم التي نلتزم بها هي: الاستقلالية، والوضوح في التعامل مع الأخبار، ليس من حيث المضمون فحسب، بل أيضاً من ناحية الشكل، الذي نوليه اهتماماً كبيراً أيضاً، فنقدم الريبورتاج بتصوير جيد، وبطريقة إلقاء جيدة، ونشرات أخبار ليست طويلة، مثلا 15 دقيقة للنشرة الواحدة. علاوة على أننا نحب الثقافة والفن، لأن الحياة ليست فقط قتل وسياسة، ولا تتعلق فقط بأناس يتعذبون، إننا نعرض حياة الناس كما هي، ونولي أهمية كبيرة للمجتمع، لأننا نعتبر أن كل شيء يأتي من المجتمع، ويصل إلى فوق، وليس العكس، أي لا يأتي من السلطة، ويشق طريقه إلى أسفل. بالنسبة لنا المجتمعات هي التي تقوم بصياغة رأيها، وهي التي يمكن أن تقوم بعد ذلك بالتأثير على الحكومات، وعلى القرارات، لذلك نعطي أهمية كبيرة لتغطية المجتمع، وما يحدث فيه، وكيف يستطيع هذا المجتمع أن يؤثر في ما يتعلق بمصيره، كمجتمع وكشعب، ليس في قضايا السياسة فحسب، بل أيضاً في الثقافة والتعليم والفن والإنترنت والموسيقى، وكل مجالات الحياة، كل الأشياء التي تكوِّن حياة المجتمع. الاستقلالية والوضوح هل هذه هي الوصفة التي جعلتكم قادرين على الوصول للمشاهد العربي بسرعة؟ أقصد الصدقية والاستقلالية والوضوح والبساطة؟ - نعم، لكن هناك شيء آخر، وهو أننا تلفزيون حديث وشاب، لذلك مثلاً في الوضع التونسي، وصلتنا أول فيديوهات، لأن عندنا شباب تونسي يعملون معنا، وهم من عينة الشباب نفسها التي كانت تتظاهر في تونس، من أصدقائهم ومعارفهم، كانوا من العقلية نفسها، فزودونا بالأفلام التي صوروها بالأي فون، وذلك يرجع لسببين: أولاً لأنهم يعرفون أشخاصاً من عندنا في القناة، وثانياً لأننا في فرانس 24 نولي أهمية كبيرة للإنترنت. عندنا برنامج اسمه «مراقبون»، ولدينا تقريباً في كل بلد من العالم أشخاص نعرفهم، ونعرف صدقيتهم، وهم من يزودونا بالمعلومات عما يحدث لديهم، أو يرسلون لنا مقاطع فيديو، وهذا تقليد نتبعه منذ أربع سنوات، وعندما زاد عدد ساعات البث، عملنا برنامجاً اسمه «أصوات الشباب»، وعندنا صحفية تعمل في برنامج «مراقبون»، قامت بتكوين شبكة أشخاص لمعرفة ما يحدث على الإنترنت، وهؤلاء الأشخاص يدافعون عن حقوق الإنسان، ويحاولون أن يتخطوا الرقابة الحكومية، وينقلوا الأخبار عن طريق الإنترنت، ويجري بث هذا البرنامج في وقت الذروة، كما نتكلم مع المدونين، وعلى رغم عمرنا القصير نسبياً، أستطيع التحدث هنا عن علاقة تاريخية مع هؤلاء الأشخاص. اسمحي لي أن أعود لنقطة ذكرتها قبل قليل، حين قلت إن كل شيء يأتي من المجتمع، ثم ينتقل إلى فوق، ألا تعتقدي أن القيام بإصلاحات يمكن أن يأتي من القيادة؟ - إذا كنا أشخاصاً ديموقراطيين، فعلينا أن نطلب من المجتمع أن يقرر مصيره، ومعلوم أن الديموقراطية لا تتحقق خلال سنة أو سنتين، والديموقراطية معناها تعليم الناس، وفتح أعين الناس، من خلال ووسائل الإعلام، من خلال المدارس، والجامعات، والتربية في البيت، وعندما يكون عند المجتمع هذه الثقافة، وعنده هذا الانفتاح، عندها يمكنه أن يقرر مصيره في اتجاه ما، وعادة يختار الديموقراطية والحرية، لكن بعض المجتمعات تترسخ فيها القيم الدينية، ولذلك فإنها لن تصوت لمصلحة الديموقراطية، بل لمصلحة الدين، وعلينا أن نتقبل ذلك، بشرط أن تكون الانتخابات نزيهة. لكن فرنسا لم تقبل بنتائج الانتخابات في الجزائر، حين فازت جبهة الإنقاذ الإسلامية، وقيل أن الشعب الجزائري لم ينضج بعد ديموقراطياً، وليس قادراً على الاختيار الصحيح. أليس كذلك؟ - القضية هنا تتعلق بما إذا كانت الانتخابات التي تتحدث عنها ديموقراطية حقاً، وعما إذا كان ما جاء بعد ذلك كان أفضل من جبهة الإنقاذ الإسلامية أم لا، أعتبر أنه يجب احترام إرادة الشعوب التي تعبر عنها في إطار الانتخابات النزيهة. هل الأزمات والثورات تكفل للقناة الإخبارية التميز والانتشار؟ - بالتأكد، عندما تكون هناك أحداث مهمة، فإن الناس تشاهد القنوات الإخبارية، وما توصلنا إليه بناء على دراسات أجريناها، أن المشاهد العربي يحب أن يكون عنده مصادر متعددة للأخبار، وهو بذلك يختلف عن المشاهد الغربي، الذي يكون عنده قناة معينة يميل إليها، ويشاهدها أكثر من غيرها، أما المشاهد العربي فإن عنده تعطش كبير للمعلومات من مصادر مختلفة، حتى يكوِّن رأيه، واليوم يتوافر هذا الإمكان للمشاهد العربي، لذلك فإن الفضائيات الكبيرة التي تتبنى رأياً معيناً أو سياسة معينة، أو تريد التأثير على الرأي العام، ربما تتراجع مكانتها على هذا الأساس. أعتقد أن الشعوب العربية لديها رغبة في التخلص من فرض الرأي، سواء كان ذلك من جانب حكومة أم وسيلة إعلام، وأعتبر أننا في فرانس 24 نهتم بإعطاء معلومات، أكثر من إعطاء رأي، نناقش بعض الأوضاع، لكن أهم شيء أننا نعتبر دورنا الأساسي أن نعطي معلومات عن الناس وعن حياتهم في البلاد العربية وفي الدول الغربية، ويمكن للمشاهد أن يتقبلها أو يرفضها، المهم أننا نقدمها لهم بصدق، ولا أميل لاستخدام مصطلح «الموضوعية»، لأننا بشر، والبشر يصعب عليهم أن يكونوا موضوعيين، المهم أن نكون صادقين، وهذا ما أطلبه من كل الصحافيين العاملين لدينا، أؤكد عليهم أن يأتوا بالأخبار بصدق، بغض النظر عن آرائهم الشخصية. البث باللغة العربية هل تأخر بثكم باللغة العربية أم جاء في وقته؟ - الحقيقة تأخر، كان من المفروض أن يكون عند فرنسا تلفزيون ناطق باللغة العربية منذ زمن طويل، فمعلوم أن إذاعة مونت كارلو موجودة منذ ثلاثين عاماً، وتلعب فرنسا دوراً مهماً جداً في العالم العربي، وهي قريبة من الشرق الأوسط، وهي دولة مهمة، ولديها صدقية، لدى الدول العربية، لذلك كنا نفضل طبعاً أن يكون هناك تلفزيون فرنسي ناطق باللغة العربية، يعمل على مدار الساعة، منذ ظهرت أول فضائيات عربية. لكنني أعتبر أننا وصلنا في الوقت المناسب، وأصبح بثنا مستمراً لمدة 24 ساعة، منذ تشرين الأول (أكتوبر) الماضي، بعد قرار من الرئيس الفرنسي، نيكولا ساركوزي، ورئيس الإعلام الخارجي الفرنسي آلان دو بوزيلاك، بدعم الإعلام الفرنسي الناطق باللغة العربية، ولولا ذلك لما استطعنا أن نقوم بتغطية الأحداث في تونس ومصر وغيرهما بهذا الشكل الذي قدمناه. هل هناك فرق بين التحرير العربي والتحرير غير العربي في مضمون الأخبار؟ - هناك فرق في الأولويات، وليس في طريقة التحرير، نحاول أن نقوم بالتحرير بالشكل نفسه، فنحن قناة فرنسية، نعمل بالأسلوب الفرنسي، لكن في قناة باللغة العربية، الأوليات بالتأكيد مختلفة، فنحن نعطي أولوية أكبر للشأن العربي، وما يحدث في العالم العربي، وما يحدث مع الجاليات العربية، بدرجة تفوق ما تقدمه فرانس 24، الناطقة بالفرنسية أو الإنكليزية، لأننا نضم ثلاث قنوات. أطلقتم مبدأ: المشاهد بحاجة إلى أفق جديد، وليس إلى مزيد من الأخبار، فماذا يعني هذا المبدأ؟ - يعني هذا المبدأ، ما أشرت له من قبل من اهتمامنا بالثقافة بالدرجة نفسها، وكذلك بالاقتصاد والرياضة، إننا لا نقدم زخماً من الأخبار، لكننا نقدم أخباراً صادقة، وبطريقة مختلفة. إذاعة مونت كارلو اجتذبت الآذان العربية، ما هي فلسفتكم فيها؟ - هي فلسفة فرانس 24 نفسها، لكن للراديو، مثلاً أنا أعتبر أن الفترة الصباحية، هي أهم فترة في الراديو، فوضعنا أفضل الصحافيين لدينا لهذه الفترة، وإضافة إلى كل ما ذكرته من قبل عن فرانس 24، فإننا نقدم المعلومات بشكل جذاب للمستمع، عندنا أخبار وترفيه، أخبارنا فيها تثقيف وتسلية في الوقت ذاته، وعلى رغم أن عملي كان دوماً في التلفزيون، فإنني أحب أستوديو الإذاعة. عندما جئت إلى مونت كارلو، قلت لزملائي: «أرجوكم، حاولوا أن تجعلوا المستمع يشعر بهذا الدفء الموجود، وهذا القرب السائد بينكم في هذا الأستوديو، اجعلوا المستمع يشعر أنه جزء من هذه العائلة «، أنا أشعر أن المستمع العربي يعتبر أن مونت كارلو هي إذاعته، وهذا أساس علاقتنا معه، نعتبره أيضاً من عائلتنا، وأنه واحد منّا، نحب أن نحكي معه، وأن يشارك معنا، وهذا يزيد من رصيد صدقيتنا، وهو الأمر الذي ساعدنا وجعلنا قادرين على زيادة مستمعينا بنسبة 50 في المئة، في ظرف أربعة أشهر من إطلاق الشبكة الجديدة. ما الفرق بين رؤية العربي المقيم في فرنسا لبرامجكم، ورؤية العربي المقيم خارجها؟ - أعتقد أن المقيم في فرنسا يرى نفسه في برامجنا، فنحن مرآة تشبهه، سواء كان ذلك من خلال الأشخاص الذين يقدمون الأخبار، أم طريقة الكلام، وهو يجب أن يسمع أخبار العالم العربي من خلالنا، لأنه يعرف أننا لن نحاول أن نؤثر في رأيه، أو نقدم له معلومة غير صحيحة أو غير صادقة، وفي حالة فرنسا، الناس يهمهم أيضاً إلى جانب معرفة ما يجري في العالم العربي، أن يعرفوا الرؤية الفرنسية لما يحدث هناك.... الأمن القومي، والمصلحة العامة، وسقف الحرية الإعلامية...، هل اجتماعها معادلة صعبة؟ - ليست صعبة، لكن لابد من وجود قوانين، ليس فقط بالنسبة للأمن القومي، صحيح أن هناك أخباراً تؤثر في الأمن القومي، وهو أمر يجب أن ينتبه المرء إليه، لكن ينبغي ألا يتعلق بأمور تعتبرها الحكومة وحدها قضية أمن قومي، في حين أنها تتعلق بحماية النظام فحسب، وعندها يمكن أن نرفضها. عموماً يجب على الصحافي أن يتحمل المسؤولية، والصحافي الحر هو صحافي مسؤول في الوقت ذاته، لأن الحرية فيها مسؤولية، ليس فقط تجاه الأمن القومي، بل أيضاً بالنسبة لاحترام الناس، ومصلحة الأشخاص. ففي فرنسا مثلاً، ممنوع إجراء حوار مع طفل قاصر، بدون الحصول على موافقة مسبقة من أهله، وهو الأمر الذي نلتزم به ونفرضه على أنفسنا، كذلك على الصحافي أن يدرك ما يقال وما لا يقال، ولا يتعلق الأمر هنا بتقييد حرية الصحافة، لكن لابد من الانتباه إلى أن الصحافة يمكن أن تلحق أضراراً بشكل غير مباشر، بحقوق الأفراد أو بمصالح حقيقية للمجتمع أو الدولة. هل تأتيكم احتجاجات من حكومات أو سفارات على تقاريركم؟ - طبعاً، فعلى سبيل المثال، عندما بدأنا تغطية الأحداث في تونس، جاءنا الكثير من الاحتجاجات، لكننا نعطي الحكومات والأنظمة الفرصة فوراً لإبداء الرأي، ونطلب من مختلف الأطراف إبداء رأيها، إلا أن بعض الحكومات ترفض عندئذ التحدث معنا، وعندها نوضح أننا حاولنا الحصول على رأي الحكومة، ولكنها رفضت التعليق، ولذلك فإن هذه الضغوط تحدث دائماً، لكن لابد أن يكون ضميرنا يقظاً، وفي الوقت الذي نرفض أن نقوم بإثارة شعب على دولته، فإننا وبالدرجة نفسها نرفض الدفاع عن نظام ضد شعبه، لأن هذا ليس دورنا، بل دورنا أن نقدم أخباراً، وليس العمل على التغيير، نمارس عملنا بشكل مهني. نحن والشأن السعودي الشأن السعودي ... ما موقعه ضمن برامجكم؟ - لسوء الحظ، ليس هناك إمكان لتغطية الأحداث في السعودية بالشكل الذي نريده، عندنا مراسلان في المملكة، أحدهما يعمل مع إذاعة مونت كارلو والآخر مع تلفزيون فرانس 24، وكلما حدث شيء جدير بالذكر في السعودية، نقوم بتناوله، لكن من المؤكد أننا نتمنى أن يكون عندنا إمكان ممارسة العمل الإعلامي في السعودية بحرية أكبر، أن نتحدث عن المجتمع السعودي. نريد عمل تقارير خاصة عن المملكة، فالسعودية من أهم الدول العربية، ومن أكثر الدول تغيراً وتطوراً في هذه الفترة، حتى وإن كان تطورها غير ظاهر، بالشكل الذي يظهر في الدول العربية الأخرى، لذلك فإنني أتمنى أن نستطيع تقديم المزيد عن السعودية، لأنها غير معروفة بالدرجة الكافية حتى في العالم العربي، قليل من العرب يعرف السعودية وطريقة الحياة فيها، أتمنى أن نستطيع أن نذهب إلى هناك، ونتحدث عن المجتمع، وعن السياسة وعن الدين، وعن كل شيء، من المهم أن نقدم المزيد عن هذا البلد. هل معنى كلامك أن هناك أطقم من عندكم حاولت التوجه إلى السعودية، ولم تحصل على تأشيرة؟ - إن الأمر لا يتعلق فقط بإعطاء التأشيرة، بل إننا تلقينا مثلاً في موسم الحج دعوة للذهاب هناك، لكن في الحقيقة يكون الحصول على تأشيرة العمل الصحافي صعباً جداً، وفي أوقات أخرى يمكنك الحصول على التأشيرة، لكن لا تتاح لك الفرصة للعمل بحرية في السعودية، إن شاء الله تتحسن هذه الأشياء. تفاعل المشاهد السعودي معكم، هل يهمكم؟ بالتأكيد، عندنا مشاهدون كثيرون في السعودية، وكذلك مستمعون لإذاعة مونت كارلو، وكثيراً ما تأتينا ردود فعل من المملكة، وأنا أيضاً أتمنى أن يعمل معنا إعلاميون من السعودية ومن بقية دول الخليج، لأننا نحرص على أن يكون لدينا أكبر عدد من الجنسيات، التي تعمل معنا سواء مع مونت كارلو أم مع فرانس 24، لكن للأسف علاقة دول الخليج العربي ببريطانيا أقوى منها من علاقتها بفرنسا، لكن إن شاء الله تتغير الأوضاع، ويأتي إلينا صحافيون خليجيون للعمل معنا هنا. هل أفهم أنك تعرضين على أي إعلامي من السعودية أو من بقية دول الخليج أن يأتي للعمل معكم في فرنسا؟ - نعم، لكن بشرط أن يتكلم الفرنسية، ويفهمها جيداً، حتى يستطيع العمل معنا، ولعل ذلك هو أحد الأمور التي تعرقل قدوم صحافيين سعوديين أو خليجيين إلينا. إن انضمامهم للعمل معنا، يجعلنا أكثر انفتاحاً على مجتمعاتهم، وهذا ما نرغب فيه، انفتاح على الجميع من المحيط إلى الخليج، لأن ذلك يضفي على أخبارنا المزيد من الصدقية، لأن كل مواطن من دولة عربية، يعرفها أفضل من أي شخص آخر. تتحدثين على الإيجابيات الكثيرة لتنوع الجنسيات العربية العاملة لديكم، لكن ألا يتسبب ذلك في صعوبات لصهرهم في بوتقة واحدة؟ - بالتأكيد، ليس ذلك دوماً بالأمر السهل، للأسف تحدث مشكلات بين العاملين من جنسيات عربية مختلفة، وهذا واقع حقيقي في جميع التلفزيونات والإذاعات العربية في الخارج، وهذا شيء لا أفهمه، أول مرة جئت إلى هنا قلت للزملاء، إنني أعمل منذ 25 عاماً مع فرنسيين، لم أسمع أبداً كلمة عنصرية، ولا أجد مبرراً للتفريق بين العربي المشرقي والعربي المغربي، لابد من تخطي هذه الأمور، إن المجتمع الفرنسي يتقبلنا، ويتقبل القادمين من أنحاء العالم كافة ، ولا يجوز أن نفعل ذلك بيننا. عموماً كلما حدثت مشكلة من هذا النوع، نعالجها بشكل هادئ، حتى لا تتفاقم إلى أزمات، المهم ألا يكون الشخص الذي على رأس العمل عنصري، وأنا أنتبه لذلك الأمر، فقد شاهدت أثناء عملي في أفغانستان وغيرها من مناطق الأزمات، كيف تحدث الحروب، وكيف تنشأ الكراهية، فإذا جرى علاج الأمر بشكل هادئ وذكي وغير متحيز، وبسمو عن هذه المشكلات العنصرية، يمكن حلها، ليس بين عشية وضحاها، لكن يصبح حلها ممكناً، ويصبح التعامل مع بعضنا البعض راقياً. أشكرك على هذه النصيحة، ويبدو أنه لابد من معايشة الحروب مثلك، حتى تصبح لدينا القدرة على حل المشكلات، أليس كذلك؟ - بالعكس، الإنسان يتعلم الكثير من هذه المشكلات ، لأن الحرب لا تؤدي إلا إلى الدمار، فندرك أنه من الأفضل أن نعطي الوقت الكافي لحل المشكلات، طبعاً إذا ضربت من ضايقك، فإن ذلك هو الحل الأسرع، ولكنه بالتأكيد ليس الأفضل. العودة إلى الخلف خطوات عدة ، والتفكير بتأنٍ، قد يجعل الأمر يستغرق شهرين أو ثلاثة أشهر، بدلاً من دقيقتين، لكن الحل يتم بشكل راقٍ، أنا أعتبر أننا نعيش في بلد متمدن، وفيه حريات، وفيه حقوق وواجبات، وعندما يدرك الإنسان كل ذلك، نتوصل إلى طريقة عيش سلمية. البث المباشر، والتفاعل مع المشاهد، سمة مميزة للقناة، لكن ألا يكلف هذا القناة ضغوطات رقابية وتقنية عالية؟ - لابد من وجود رقابة، عندنا طريقة عمل، تعتمد على التدقيق في كل مقاطع الفيديو التي تصلنا، لابد أن يشاهدها شخصان من العاملين على الإنترنت لدينا، ومن برنامج «مراقبون»، ولا يجوز بث شيء من دون مراجعة، طبعاً إلا في حالة الضرورة القصوى، وعند وجود خبر مهم، مادته متوفرة، فإنه يمكن أن ننسبه إلى مصدره، وهناك مصادر تتمتع بالصدقية، أكثر من غيرها، ولكن حتى هذه يجب تدقيق ما تقدمه. فمثلاً حصلنا أخيراً من وكالة رويترز على مقطع فيديو، قيل إنه جرى تصويره في سورية، ولكننا استمعنا إلى المتحدثين فيه، واتضح لنا فوراً أن اللهجة لبنانية، وليست سورية، فلم نبث هذه المقطع، وهذا أمر يسهل اكتشافه، لكن الصعب أن تحصل على صورة لحادثة في شارع معين، ولا تعرف متى جرى تصويرها، عندها نتجه إلى الأشخاص العاملين لدينا على الإنترنت بصورة يومية، بطلب البحث عما إذا كانت المشاهد حديثة فعلاً، أم مرت عليهم من قبل، من الطبيعي أنه لا توجد ضمانات بنسبة 100 في المئة للتأكد من المصدر، ولكن هناك طرق تجعل التعرض للخداع ليس سهلاً. بحسب خبرتك، هل حرية الإعلام العربي وهم كبير؟ - لا ليس وهماً، بل هي حقيقة، وحتى لو كانت بعض وسائل الإعلام لا تتمتع بالحرية، فاليوم هناك العديد من المصادر، صحيح أنه ما زال هناك ضغط على بعض وسائل الإعلام، بل وقمع لبعضها الآخر، ولكن ذلك لن يؤثر كثيراً، لأنه أصبحت هناك مصادر عدة. وأعتقد أنها ليست وهماً، عندما نصل إلى مجتمعات ديموقراطية حقيقية، أنا أعتبر أن الديموقراطية ممكنة في الدول العربية، إذا كانت الأم مثقفة، حتى تثقف أبناءها، وإذا أصبح المجتمع متعلما. لكن للأسف ما زالت هناك دول عربية، الغالبية فيها أمّية، وهذا يجعل الوصول إلى مجتمع ديمقراطي أمراً غير ممكن، لابد أن تكون هناك حرية وثقافة ومدارس، كل هذه الأشياء تؤدي إلى الديموقراطية، وتؤدي إلى حس بالمسؤولية في المجتمع، وهذا المجتمع سيعتبر نفسه مسؤولاً عن حرية الإعلام. ولا ينبغي اعتبار الإعلام مصدراً خطراً، لا للسلطات ولا للشعوب. الإعلام الحر يجب اعتباره مثل المدارس، وله الأهمية نفسها بالنسبة للمجتمعات.