يحسب لإمارة الشارقة الحائزة على لقب عاصمة الثقافة العربية لعام 1998، وعاصمة الثقافة الإسلامية للعام 2014، والعاصمة العالمية للكتاب للعام 2019، أنها كانت من المدن السبّاقة خليجياً في الاحتفاء بمجالات الثقافة والفن كافة، عبر تنظيم المهرجانات والمعارض السنوية التي تروج للمسرح، والشعر، والسينما، والكتاب، والتصوير، وغيرها من المجالات، وترسخ حضورها بين أفراد المجتمع، لتصبح الثقافة والفن منبراً للتفاعل والتواصل بين الثقافات. أكدت الشارقة حضورها على خارطة الفعل الثقافي العربي والعالمي منذ تنظيم معرضها الدولي للكتاب في عام 1982، مروراً بسلسلة المهرجانات والمعارض الثقافية والفنية وصولاً إلى مهرجان الشارقة للموسيقى العالمية الذي انطلق في عام 2014، ونشهد هذه الأيام فاعلياته بحضور نخبة من ألمع الأسماء العالمية. تنكشف رؤية الشارقة في تحويل الثقافة والفن إلى لغة خطاب إنساني راق يجمع مختلف ثقافات العالم على السلام والخير، بالوقوف عند الرسائل والمرتكزات التي تنطلق منها مجمل فاعلياتها الدولية، إلا أنها تتجلى بصورتها الأوضح بالوقوف عند مهرجان الشارقة للموسيقى العالمية، حيث يستقطب المهرجان سنوياً عشرات الموسيقيين من مختلف بلاد العالم، ليجمع مقيمي الإمارات بتنوع ثقافاتهم على لغة الجمال والمحبة والتفاهم. نجوم كبار وفرق عالمية على مدار دوراته الأربع (2014-2017)، استضاف المهرجان مجموعة واسعة من أشهر المطربين، والعازفين، والملحنين، والموسيقيين، من مختلف أنحاء العالم، معظمهم غنّى ولحّن لأول مرة على أرض إمارة الشارقة، ومن بينهم من الفنانين العرب: كاظم الساهر، وصابر الرباعي، وحسين الجسمي، وشيرين عبدالوهاب، ود. إيناس عبدالدايم، وأميمة الخليل، ولينا شماميان، ونصير شمة، وكمال مسلّم، وريهام عبد الحكيم، ومكادي نحاس، ونسمة عبدالعزيز، وأسامة الرحباني، وهبة طوجي، وصادق جعفر، وغيرهم. وتمكن المهرجان من جذب عدد كبير من الموسيقيين الأجانب، الذين وجد بعضهم للمرة الأولى في دولة الإمارات والعالم العربي، ومن أبرزهم: الفرنسي دانيال ميل، والأوكرانية إيلينا دويت، والمولدافية باشا كازان، والهنغاري جوزيف لندفاي، والكوبية مالينا إفيلا، والأرجنتينية كلارا أسوجي، والبريطاني جاسون كارتر، والبلغارية ليديا ستانكولوفا، والإيطالية فرانسيسكا بالاميدسي، والفرنسي جويلام مارسيناك، والتركي نجاتي تشيليك، والهندي نيلاردي كومار، والروسية فيرا بارنيت شوستر. واستقطب مهرجان الشارقة للموسيقى العالمية أيضاً الكثير من الفرق التي قدمت معظمها عروضاً مجانية أمام الجمهور، ومن بينها: فرقة التخت النسائي الشرقي السوري، والفرقة الثلاثية «كانيلا»، والثلاثي «جبران»، والثلاثي «تقسيم»، والأوركسترا الوطنية الأردنية، وفرقة «الإيقاع البرازيلي» من الإمارات، وفرقة «كالينا ايردا نوفا سيميو» من بلغاريا، وفرقة «طبول المحبة» العالمية، وفرقة «نغم الإمارات». دورة خامسة في دورته الخامسة لهذا العام، التي تقدمها هيئة الشارقة للاستثمار والتطوير (شروق) بشراكة استراتيجية مع هيئة الإنماء التجاري والسياحي في الشارقة، ومسرح المجاز التابع للمكتب الإعلامي لحكومة الشارقة، وينظمها مركز فرات قدوري للموسيقى، يشهد المهرجان مشاركة نخبة من النجوم والفنانين والموسيقيين من 11 دولة عربية وأجنبية، من بينها مصر، وسورية، ولبنان، والعراق، والكويت، وإسبانيا، والأرجنتين، وأوكرانيا، وهنغاريا، وغيرها، والذين يقدمون أغنياتهم وموسيقاهم للجمهور في أربع جهات سياحية بالإمارة على مدار سبعة أيام. ويبدو تركيز المهرجان على انتقاء الأسماء، وتنويع الفنانين والفرق، واضحاً في دورة 2018، التي تشهد مشاركة الفنان الكويتي عبدالله الرويشد والفنانة الإماراتية بلقيس فتحي، في الحفل الذي يقام مساء الجمعة 19 كانون الثاني(يناير) على مسرح المجاز، فيما ستقام في اليوم ذاته حفلة أخرى على مسرح جزيرة العلم، بمشاركة الفنانة السورية رشا رزق، أستاذة الغناء الأوبرالي في المعهد العالي للموسيقى بدمشق، واللبنانية غادة شبير، الفائزة بجائزة الأغنية العربية عام 1997، وسترافقهما أوركسترا مهرجان الشارقة للموسيقى العالمية بقيادة المايسترو محمد عثمان صديق. وكان الجمهور على موعد يوم الأحد 14 كانون الثاني مع حفل على مسرح جزيرة العلم في ذكرى وفاة عبد الحليم حافظ، قدم خلاله ثلاثة مطربين هم: أحمد عفت ومي حسن ومحمد متولي، باقة مختارة من أجمل أغنيات «العندليب الأسمر»، بصحبة أوركسترا دار الأوبرا المصرية، وبقيادة محمد إسماعيل الموجي. وسبقت هاتين الحفلتين، أمسيات عربية أخرى بمشاركة العازف العراقي سيف شاهين، والفنانة السورية سارة الحوشي، والفنانة السورية روناهي مامو، وفرقة ألوان بقيادة عازف القانون بسام عبد الستار، وفرقة «أرابيسك الكلاسيكية» بقيادة الفنان السوري سامر أبور رسلان. ولمحبي الموسيقى الأندلسية، وألوان الموسيقى الغربية المختلفة، استضاف المهرجان في دورته الخامسة، عازف غيتار الفلامينكو الإسباني فيسنته أميغو، والمغنية وعازفة الكمان الهنغارية كاتيتسا أليني، والمغنية وعازفة البيانو الأرجنتينية فلور ميلاغروس وزميليها ماتيج سودجا وديانا رادزابايفا الذين قدموا لوحة فنية تجمع بين رقصة التانغو والموسيقى اللاتينية، إضافة إلى فرقة غوسو-اوليسيا الأوكرانية، وفرقة طربيات التخت الشرقي، وفرقة مركز فرات قدوري للموسيقى التي تقدم أمسية تجمع بين عازفين موهوبين، كباراً وصغاراً تحت عنوان «أوتار تعزف». المهرجان الذي توشك دورته الخامسة على الانتهاء، نجح خلال خمسة أعوام، في إعادة إحياء دور الموسيقى في الجمع بين مختلف أنواع الفنون والثقافات، بفضل تنوع أسماء ومواهب وجنسيات الفنانين والفرق المشاركين فيه، وتقديم الغالبية العظمى من الفاعليات مجاناً للجمهور، تمكن في تكريس حالة ثقافية مغايرة في المشهد الإبداعي الخليجي والإماراتي.