مسؤولون: الخطاب ترجمة لاهتمام القيادة بتعزيز الأمن والاستقرار    وزير الداخلية لنظيره القطري: القيادة وجهت بتسخير الإمكانات لدعمكم    المملكة تعزي قطر في وفاة أحد منسوبي قوة الأمن الداخلي جراء الاعتداء الإسرائيلي الآثم    أرامكو تصدر صكوكاً دولارية دولية    إسهاماً في تعزيز مسيرة القطاع في السعودية.. برنامج لتأهيل «خبراء المستقبل» في الأمن السيبراني    «الفطرية»: برنامج لمراقبة الشعاب المرجانية    وزير الدفاع لرئيس وزراء قطر: نقف معكم وندين الهجوم الإجرامي السافر    200 شخص اعتقلوا في أول يوم لحكومة لوكورنو.. احتجاجات واسعة في فرنسا    السعودية ترحب وتدعم انتهاج الحلول الدبلوماسية.. اتفاق بين إيران والوكالة الذرية على استئناف التعاون    الأخضر بطلاً لكأس الخليج تحت 20 عاماً    إثارة دوري روشن تعود بانطلاق الجولة الثانية.. الاتحاد والهلال يواجهان الفتح والقادسية    هوساوي: أعتز برحلتي الجديدة مع الأهلي    أكد أن النجاحات تحققت بفضل التعاون والتكامل.. نائب أمير مكة يطلع على خطط طوارئ الحج    نائب أمير منطقة مكة المكرمة يستقبل رئيس فريق تقييم أداء الجهات الحكومية المشاركة في تنفيذ الخطة العامة للطوارئ    منافسة نسائية في دراما رمضان 2026    معرض الصقور والصيد السعودي الدولي 2025.. موروث ثقافي يعزز الأثر الاجتماعي والحراك الاقتصادي    سكان غزة.. يرفضون أوامر الإخلاء ومحاولات التهجير    العراق: الإفراج عن باحثة مختطفة منذ 2023    «الرياض» ترصد أبرز التجارب العالمية في سوق الرهن العقاري وتأثيره على الإسكان    حساب المواطن ثلاثة مليارات ريال لمستفيدي شهر سبتمبر    الفضلي يستعرض مشروعات المياه    فيلانويفا يدافع عن قميص الفيحاء    باتشيكو حارساً للفتح    غوميز: مهمتنا صعبة أمام الاتحاد    مُحافظ الطائف: الخطاب الملكي تجسيد رؤية القيادة لمستقبل المملكة    اليوم الوطني.. نبراس للتنمية والأمان    هيئة الشرقية تنظّم "سبل الوقاية من الابتزاز"    الكشافة السعودية تشارك في الجامبوري العالمي    مبادرات جمعية الصم تخدم ثلاثة آلاف مستفيد    خطاب يصوغ المستقبل    واشنطن تستعد لتحرّك حازم ضد موسكو    "التعليم" توقع اتفاقية "الروبوت والرياضات اللاسلكية"    «آسان» و«الدارة» يدعمان استدامة التراث السعودي    «سلطان الخيرية» تعزز تعليم العربية في آسيا الوسطى    «الحج والعمرة» تُطلق تحدي «إعاشة ثون»    التأييد الحقيقي    "الشيخوخة الصحية" يلفت أنظار زوار فعالية العلاج الطبيعي بسيهات    إنقاذ حياة مواطنَيْن من تمزّق الحاجز البطيني    2.47 تريليون ريال عقود التمويل الإسلامي    59% يفضلون تحويل الأموال عبر التطبيقات الرقمية    الهجوم الإسرائيلي في قطر يفضح تقاعس واشنطن ويغضب الخليج    هل توقف العقوبات انتهاكات الاحتلال في غزة    المكملات بين الاستخدام الواعي والانزلاق الخفي    مُحافظ الطائف: الخطاب الملكي تجسيد رؤية القيادة لمستقبل المملكة    الأمير فهد بن جلوي توَّج الملاك الفائزين في تاسع أيام المهرجان    السبع العجاف والسبع السمان: قانون التحول في مسيرة الحياة    فضيلة المستشار الشرعي بجازان: " ثمرة تماسك المجتمع تنمية الوطن وازدهاره"    تعليم الطائف يعلن بدء استقبال طلبات إعادة شهادة الثانوية لعام 1447    نائب أمير منطقة تبوك يستعرض منجزات وأعمال لجنة تراحم بالمنطقة    ختام بطولات الموسم الثالث من الدوري السعودي للرياضات القتالية الإلكترونية    البرامج الجامعية القصيرة تمهد لجيل من الكفاءات الصحية الشابة    أمير المدينة يلتقي العلماء والمشاركين في حلقة نقاش "المزارع الوقفية"    أحلام تبدأ بروفاتها المكثفة استعدادًا لحفلها في موسم جدة    نيابة عن خادم الحرمين.. ولي العهد يُلقي الخطاب الملكي السنوي لافتتاح أعمال الشورى في الدور التشريغي 9 اليوم    "التخصصي" يفتتح جناح الأعصاب الذكي    إنتاج أول فيلم رسوم بالذكاء الاصطناعي    مجلس الوزراء برئاسة ولي العهد: سلطات الاحتلال تمارس انتهاكات جسيمة ويجب محاسبتها    أهمية إدراج فحص المخدرات والأمراض النفسية قبل الزواج    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



في ما يتعلق بخصوصية الثورات العربية!
نشر في الحياة يوم 15 - 03 - 2011

يحلو للبعض المقارنة بين موجة الثورات التي حصلت في أوروبا الشرقية أواخر القرن الماضي وبين الثورات التي يشهدها العالم العربي اليوم، ربما تيمّناً بما عرفته تلك الثورات المخملية من سهولة ويسر في إسقاط أنظمة الاستبداد، وربما بدافع الرغبة في تكرار ما حصل هناك وبأن تشهد مجتمعاتنا بالتسلسل تحولات تصل إلى قلب الخريطة السياسية رأساً على عقب. وإذ يحدونا الآمل بأن تنجح المنطقة العربية برمتها في الانتقال الى الديموقراطية بأقل مكابدة وآلام، لكن الأمر ليس بالرغبات والنيات، فثمة خصوصية لما يجرى هنا، يفترض أخذها في الاعتبار، وعلى الأقل في نقطتين:
الأولى، إن المتغيرات التي شهدتها أوروبا الشرقية جاءت في أهم أسبابها بفعل تفكك منظومة الدول الاشتراكية وانكماش ضابط الإيقاع السوفياتي الذي أحكم قبضته على تلك البلدان وأجهض غير ثورة فيها، وأهمها ثورتا هنغاريا (1956) وتشيكلوسوفاكيا (1968)، وبالتالي ما كان لشعوب تلك البلدان أن تكسر جدار الخوف وتندفع إلى الشارع وتنجح في تغيير الواقع القائم لولا التغيير الموازي الحاصل في الاتحاد السوفياتي نفسه، وما يعنينا من هذه المقاربة هو أن تلك التحولات الديموقراطية حظيت بفرصة نادرة لتتقدم إلى الأمام من دون عوائق أو خوف من ثورة مضادة تتحين الفرصة لإعادة عقارب الساعة إلى الوراء، ولم يكن أمام رجال العهد البائد وقد رفع الاتحاد السوفياتي الغطاء الأيديولوجي والسياسي عنهم، سوى التسليم بالأمر الواقع وترك الميدان لقوى التغيير الصاعدة.
الحالة مختلفة في الثورات التي تشهدها مجتمعاتنا، فهي نهضت بفعل عوامل داخلية أساساً وبسبب تفاقم معاناة الشباب الثائر في بحثه عن لقمة عيشه وكرامته وحريته ربطاً بحالة غير مسبوقة من الاستبداد والقهر واستشراء الفساد أفضت الى تخريب البنى الوطنية وامتصاص طاقاتها لحساب ثلة من أصحاب النفوذ والامتيازات، وهذه الأخيرة يسكنها هاجس الخوف من مصير غير محمود في حال أزيحت عن مواقعها، ما يضع انتفاضات الشعوب العربية في حالة تصادم مع أنظمتها ومع ثورة مضادة لا تعرف السكينة!
وعلى رغم أن الثورتين التونسية والمصرية انتزعتا مكاسب مهمة على صعيد الحريات ونجحتا في إسقاط رأسَي النظام إلا أنهما لا تزالان تقفان، وبدرجات مختلفة، عند عتبة لمعركة شديدة الأهمية وربما طويلة الأمد ضد قوى مضادة تملك من الإمكانيات والعلاقات ما يمكنها من إجهاض الحراك الثوري وتمييع شعاراته، وبالقياس إلى التجربة التونسية التي نجحت في تحقيق قطع أوضح مع الماضي، تعترض التجربة المصرية مخاطر أكبر، إذ لا يزال إيقاعها السياسي مشتتاً وتفتقر لقيادات مجربة وموحدة، ثم إن الجيش المصري الذي يقود المرحلة الانتقالية هو في صلب العملية السياسية منذ تسلم السلطة عام 1956 وواحد من أعمدة النظام، ما يفسر سبب استمرار البطء والتلكؤ في أدائه العام وفي تنفيذ استحقاقات التغيير!
لقد فعل شباب الثورة عين الصواب في إصرارهم على استعراض قدرتهم على التظاهر حين تدعوهم الحاجة والضرورة، ونجحوا في التقدم خطوة جديدة للقطع مع الماضي عبر إزاحة حكومة أحمد شفيق، لكن ليس من قبيل المبالغة القول إنه لا يزال هناك نفوذ فاعل لقوى النظام القديم في الكثير من المؤسسات والمراكز المهمة، وثمة أعوان ومرتزقة لا يزالون أحراراً في حركتهم ويضمرون شراً للثورة وللثوار، ما يتطلب الى جانب اليقظة والحذر من أية محاولة لتشويه الثورة أو الالتفاف على مطالبها، الإسراع في بناء المؤسسات الديموقراطية القادرة على محاصرة هؤلاء الأعداء وعزلهم.
النقطة الثانية، نهضت ثورات أوروبا الشرقية في مجتمعات حسمت خيارها الحضاري، وأنجزت نهضة ثقافية تستند الى فلسفة التنوير والإصلاح الديني، ما مهّد الطريق لترسيخ قواعد الحياة الديموقراطية فيها، بينما تقوم الثورات عندنا في مجتمعات عاجزة عن حسم خيارها التاريخي ومضطرة لإنجاز مهمة الإصلاح الديني، فلا ضمان لنجاح العملية الديموقراطية وتطورها من دون نشر ثقافة التنوير وبناء علاقة صحية بين الدين والسياسة.
بالطبع ثمة مخاوف مشروعة نمت خلال عقود طويلة من التجربة السلبية من أن تكون التحولات الديموقراطية في مجتمعاتنا فاتحة لحقبة جديدة من سيطرة أصحاب الأيديولوجية الشمولية الدينية، بخاصة أن الكتلة الأعظم من الإسلاميين لا تزال تحجم عن الانخراط الإيجابي في الحضارة الحديثة، وثمة شكوك حول صدقية مواقفها من العملية الديموقراطية بسبب بنيتها الفكرية التأسيسية القائمة على العصبية وعلى مشروع الدولة الدينية، وتأتي تجاربها، في السودان وغزة والجزائر، لتزيد الشكوك حول قدرة هذا التيار السياسي على أن يكون ديموقراطياً حقاً ويأخذ الديموقراطية كغاية مجتمعية وليس مجرد وسيلة توصله إلى الحكم وينقلب عليها بالقوة والإرهاب.
صحيح أن التيارات الإسلامية كانت أول المستفيدين من الثورات الحاصلة، فقد حازت الشرعية بعد إلغاء الحظر، وأطلق سراح سجنائها، وفتحت الأبواب أمام نشاطاتها، ومنحت فرصة ثمينة لتوظيف الشعائر الدينية الجماعية في ميادين الاعتصام لتوحي بأنها الأقوى شعبياً، وصحيح ما يؤخذ على الإسلاميين في تعاطيهم مع السلطة والرأي الآخر خضوع معاييرهم لمفاهيم التكفير والتمذهب الفقهي ما يجعل مستقبل بناء الديموقراطية مهدداً، لكن الصحيح أيضاً أنه لا يمكن القفز بقرار عن واقع حي نعيشه، أفرز لشروط وأسباب أغلبها طارئ، جماعات حزبية لا تزال تجد خلاصها في هذا المستوى أو ذاك من العلاقة بين الدين والسياسة، الأمر الذي يتطلب إلى جانب احترام اجتهادها، الرهان على قدرة هذه الجماعات أو بعضها على تجاوز حالة الارتباك في حسم خيارها الحضاري ودخول العصر الحديث، تأثراً بالمناخ العالمي الراهن وبالحصاد المرّ لتجارب الاستبداد الديني في غير مكان ومحلة، وأيضاً بتجارب أمم أخرى، كتركيا مثلاً، التي مكنها حسم موقعها الحضاري من إنجاح مساراتها التنموية وحياتها الديموقراطية.
إن تيارات الإسلام السياسي وبصرف النظر عن الاسم الذي ستتخذه أو الرداء الذي ترتديه، معنية قبل الجميع بإيضاح نفسها وإظهار التمايز بين الديني والسياسي فيما يتعلق بالوصول إلى السلطة وممارستها وتداولها، وتالياً إثبات صدقيتها في بناء الدولة المدنية الحديثة والتزامها بالمبادئ والشعارات الديموقراطية التي رفعتها.
وبالنتيجة فإن القصد ليس نثر بذور القلق والتشاؤم، بل التنبيه الى مخاطر جدية تعترض عملية التحول الديموقراطي في بلداننا والتي في حال أخذت في الحسبان ستخفف الكثير من آلام الولادة وتصنع من ثورات ناجحة أمثلة يحتذى بها، إنه القبول بالرهان على عقول مجتمعاتنا وخاماتها الطيبة في بلوغ المثال الديموقراطي بدل التعلق بنماذج الآخرين!
* كاتب سوري


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.