يحفل المشهد الديني في السعودية بمزيد من الضوء الإعلامي والاهتمام الجماهيري، عشرات الفضائيات بدا أن بثها بات مفتوحاً للعلماء والدعاة لتقديم برامج الإفتاء والوعظ، ويوماً بعد يوم تعلن للجمهور نجوماً جدداً في هذا المجال.وفي هذه الحالة يكون السؤال مشروعاً حول خطبة الجمعة، وهل فقدت وهجها وتأثيرها في الناس، أمام مدّ فضائي سهل التواصل بين العلماء وجمهورهم، وأصبحوا من خلاله الأكثر إغراء في الإقناع والاجتذاب ممن سواهم من الخطباء وأئمة المساجد. عن هذا الفرق يقول رئيس جامعة مكة المفتوحة وإمام وخطيب جامع ابن باز في جدة الدكتور علي العمري إن لكل منبر خصوصيته، «المسلم ملزم بحضور خطبة الجمعة وبالتالي هو ملزم بأن يسمع شيئاً جديداً كل أسبوع، بينما في المنابر الإعلامية الأخرى ربما هناك الملايين الذين لا يشاهدونها أصلاً، وبالتالي لا يكون لديهم ارتباط بالوعاظ والمحاضرين والعلماء، بل إن كثيراً من هؤلاء لا يعرفه الناس أو يسمعون به». وأكد أن منبر الجمعة له خصوصية، «فأهل كل حي يرتبطون بخطيبهم بشكل دوري وملزمون بالحضور للخطبة، ويحدث لديهم ارتباط جزئي وتأثير أعمق من أي شيء آخر عليهم، إذا كان الخطيب على قدرة وكفاءة ومهارة ومعلومات ولديه أسلوب في الخطاب الإسلامي يستطيع من خلاله أن يربي الناس ويساعدهم ويحل مشاكلهم». وبالنسبة للمنابر الإعلامية وشيوخ الفضائيات فيرى العمري أنهم استطاعوا في الآونة الأخيرة اجتذاب فئات كبيرة من الناس، عندما عجز كثير من الخطباء أن يماثلوا تأثير الدور الإعلامي لفضائية واحدة مثلاً، والسبب هو ضعف الخطابة والرتابة فيها، فيمكن لعالم واحد في الفضائيات أن يتفوق على آلاف المنابر والخطباء. وعن نوع الخطاب الذي يدلي به بعض العلماء والمشايخ في الفضائيات، ومقارنته بأداء الخطيب يقول العمري: «اهتمامات العلماء والدعاة بالجانب الاجتماعي ضعيفة، مع ذلك يوجد بعض الدعاة والعلماء يطرحون هذه القضايا بمنظور شرعي واجتماعي وأحبهم الناس واقتربوا منهم لكنهم في الإجمال قلة، ويوجد في خطباء الجمع من إذا مرّ أسبوع للمرور أو أسبوع للطفل بدأنا نسمع من بعضهم أنه يتحدث عن هذه الموضوعات، ولكنها لا توازي الطرح المطلوب». ويعتبر العمري خطبة الدكتور صالح بن حميد في المسجد الحرام التي تحدث فيها عن التغير المناخي والتلوث البيئي «غير مسبوقة»، إذ جمعت بين التحليل العلمي والبعد الشرعي. وحول ما تتضمنه بعض خطب الجمعة من «تنابز» واتهامات «تيارية» وفكرية تدور في فلك الصراع الإسلامي الليبرالي، طالب العمري بتنزيه المنابر عن الحساسيات والانطباعات السريعة غير الدقيقة، وعدم شغل الناس بأمور لا علاقة لهم بها، فالناس أحوج ما يكونون إلى التوازن والبعد الديني في المسائل حتى تطمئن قلوبهم. ويضيف: «من الواجب على الخطباء ألا يعطوا انطباعاتهم الشخصية والسطحية السريعة في أحداث المجتمع ويحكموا عليها في المنابر، لهم الحق في أن يتكلموا في البعد الشرعي دون توظيف سريع ودون قراءة لا تعطي الحقائق، وتغيب البعد الشرعي والإيماني الذي يفترض أن يخرج به الناس من عندهم دون أن تتحول إلى منابر سياسية بحتة أو آراء مصادمة للحقائق». لكن المشكلة بحسب رئيس جامعة مكّة تكمن في أن المصادر والمراجع التي يعود إليها جملة من الخطباء ليست مصادر متكاملة، وبالتالي إما أن يأتي الخطيب مندفعاً، فيقف على المنبر وهو بحال نفسية تؤثر حتى على طريقة إلقائه، وأحياناً من حيث لا يشعر يجد نفسه قد سب وشتم وانتقص من أهل العلم والفضل، «وفي النهاية المسألة خلافية لا تستدعي كل هذا الحديث وحتى لو افترضنا أن من تحدث قد أخطأ، فهم يقعون في خطأ أكبر، وبدلاً من أن يوضحوا لصاحب الخطأ خطأه المحدود في منطقة محددة ويثبتون فضله في أمور أخرى، تجدهم يغلقون على فضله وخيره فيسهمون في إشاعة الفرقة والخلاف في المجتمع».