رئيس باكستان يمنح رئيس أركان القوات البحرية وسام "نيشان الامتياز" العسكري    دعونا نتحدث قليلًا عن تمكين المرأة    أكاديمية الإعلام السعودية تقيم اللقاء الافتتاحي لمسار "قادة الإعلام"    انطلاق موسم صيد الروبيان بالشرقية ب710 تصاريح    166.023 بلاغا يوميا على المتاجر الإلكترونية    الأسواق السعودية تتماسك والعالم يعيد الحسابات    "الأمن العام" يكشف حيل المتسولين وأساليبهم المتنوعة    101 مليون عملية لتوصيل الطلبات خلال الربع الثاني    "واتساب" يدخل الإعلانات لحسابات المستخدمين    تصعيد متبادل بين الطرفين.. غارات إسرائيلية تستهدف مواقع الحوثيين بالحديدة    حذر من مفترق طرق خطير.. المبعوث الأمريكي ينتقد تدخل إسرائيل في سوريا    الأمير عبدالعزيز بن سعود يلتقي وزير الدولة لشؤون الأمن بوزارة الداخلية البريطانية ويزور ثكنات ويلينجتون العسكرية    انطلاق منافسات بطولة العالم للبلياردو 2025 في جدة    الأخضر الأولمبي يفتتح مشواره في الدورة الدولية بمواجهة أوزبكستان    القيادة تهنئ ملك بلجيكا بذكرى اليوم الوطني لبلاده    النصر يقلد الهلال    أكدت أن أمانات المناطق ترصد المخالفات.. "البلديات والإسكان": 200 ألف ريال غرامة تقسيم الوحدات السكنية ل»الاستثمار»    بدء التقديم على مقاعد دراسة التمريض في البحرين    مركز الملك سلمان يوزّع 100 سلة غذائية بأفغانستان    10 ملايين زائر للمواقع والفعاليات الثقافية في 2024    فيلم «الشاطر» يتجاوز ال 15 مليون جنيه خلال 4 أيام    المغنية الفرنسية Ghostly Kisses تشدو في موسم جدة    المفتي يطلع على أعمال جمعية البر    محامية تعتدي على زملائها ب" الأسنان"    مليون ريال غرامات بحق 8 صيدليات مخالفة    أكد رفع التنفس الاصطناعي خلال 4 أيام.. الربيعة: استقرار حالة التوأم "يارا ولارا" بعد عملية الفصل    ناشئو أخضر اليد يبدأون معسكرهم في سلوفينيا استعداداً لمونديال مصر 2025    سفير المملكة في تونس يسلم 129 وحدة سكنية بتمويل سعودي    "السينما.. فن المكان" شعار مؤتمر النقد السينمائي الثالث..    كايروكي و«Ghostly» حفلة الضوء في موسم جدة    هند البحرينية.. سنقل «عشقك زود» على الأبواب    دول «الخليجي» تدعو المجتمع الدولي للتحرك لفك الحصار عن غزة    1.9 مليون مصلٍ في روضة المسجد النبوي    «تطوير المدينة» تُنفّذ 16 مبادرة لخدمة ضيوف الرحمن    "حقوق الإنسان" تحتفي بتخريج "خبير"    "عسير الصحي" يقدم خدماته التطوعية لمليون ونصف المليون مستفيد    انخفاض إيرادات روسيا من مبيعات النفط والوقود 14 % في يونيو    استقرار حالة التوءم الملتصق السعودي يارا ولارا    القيادة تهنئ ملك بلجيكا بذكرى بلاده    المفتي يستقبل رئيس جمعية البر بحقال    أمير نجران يسلّم شاباً وسام الملك عبدالعزيز لتبرعه بإحدى كليتيه لشقيقه    نائب أمير الرياض يستقبل سفير الإمارات    تقرير المجاهدين على طاولة أمير جازان    سورية: المساعدات تدخل السويداء بعد وقف إطلاق النار    السيارات الكلاسيكية تستعرض "زينتها" في محافظة سراة عبيدة    6 جوائز للسعودية في أولمبياد الرياضيات الدولي    "البلديات" ترصد مخالفات تقسيم السكن للاستثمار وتفرض غرامات مشددة    مقتل 27 فلسطينيا في قصف الاحتلال الإسرائيلي على غزة    القبض على (12) مخالفًا لنظام الحدود لتهريبهم (216) كيلوجرامًا من "القات"    نائب أمير جازان يستقبل رئيس المحكمة الإدارية بالمنطقة    جمعية نجوم السياحة وفريق "صواب التطوعي" يوقعان اتفاقية تعاون    فريق EVOS Divine الإندونيسي يفوز بلقب بطولة Free Fire    أنهار قديمة تحت الجليد    طريقتان سريعتان لتخفيف التوتر    جمعية "واعي جازان " ومركز مسارات يسلطان الضوء على ظاهرة الطلاق العاطفي    نائب أمير الرياض يؤدي صلاة الميت على الوليد بن خالد    فهد بن سلطان يشيد بأعمال "الأمر بالمعروف"    أمير منطقة جازان يستقبل رئيس مجلس إدارة كلية "منار الجنوب" للعلوم والتقنية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



التوقف في الفتيا ... تراث فقهاء الأمة!
نشر في الحياة يوم 29 - 01 - 2011

عكست ثورة الاتصالات وزحمة الفضائيات الإسلامية أزمة حقيقية يعيشها المجتمع الإسلامي، زاد خطرها ووبالها مع كثرة برامج «الفتيا» في أمور الدنيا والحياة من قِبَل غير المتخصصين، من أهل الفرق والتيارات التي تضرب آراؤها بأعناق بعض! ولا شك في أن السنوات القليلة الماضية شهدت مجموعة من الفتاوى التي بلبلت المجتمعات، وأدت إلى انهيار بنيان الأسرة، وكل ذلك بسبب الاجتراء على الفتيا، واستسهال الإدلاء بالرأي، ولو كان المستفتى من غير أهل العلم!
والطامة الكبرى أن أكثر نجوم الفضائيات الإسلامية يظن أن قوله «لا أدري» لا يليق به، خصوصاً أمام جمهور المشاهدين. ونسي هؤلاء «الدعاة الجدد» أن إجابة أغلب فقهاء الأمة وعلمائها كانت: لا أدري! فكم من الروايات الصحيحة، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وصحابته والتابعين والفقهاء الأربعة الكبار، كانت تنتهي بقولهم: لا أدري، لا أعلم! فكيف انقلب الحال، وأصبح الاستسهال والتجرؤ على الإفتاء مشاعاً، وبلا أي ضوابط أو قيود؟
يقول ابن القيم في «إعلام الموقعين»: «فخطر المفتي عظيم، فإنه موقِّع عن الله ورسوله، زاعم أن الله أمَرَ بكذا، وحرم كذا، أو أوجب كذا»!
وفي رسالة التي نالها بامتياز الدكتور محمود حربي عبد الفتاح مع مرتبة الشرف، من كلية أصول الدين في جامعة الأزهر الشريف أخيراً، بعنوان «التوقف وأثره في اختلاف الفقهاء.. دراسة فقهية مقارنة»، يؤكد أنه: لما كان للمفتي هذه المنزلة المترددة بين العظمة والخطر وجب عليه التأني، وعدم التسرع في إصدار الحكم، والتوقف عند عدم العلم، أو اشتباه المسألة عليه، فقد قال الإمام الغزالي في «المستصفي»: «وليس من شرط المفتي أن يجيب عن كل مسألة، فقد سُئل مالك رحمه الله عن أربعين مسألة: فقال في ستة وثلاثين منها: لا أدري، وكم توقف الشافعي رحمه الله، بل الصحابة في المسائل، فإذن لا يشترط إلا أن يكون على بصيرة في ما يفتي، فيفتي في ما يدري ويدري أنه يدري، ويميز بين ما لا يدري وبين ما يدري، فيتوقف في ما لا يدري، ويفتي في ما يدري». وهو الأمر نفسه الذي أشار اليه الإمام على بقوله: «وأبردها على الكبد ثلاث مرات»، قالوا: وما ذلك يا أمير المؤمنين؟ قال: «أن يُسأل الرجل عما لا يعلم، فيقول: الله أعلم».
ولذلك، فقد ورد النهي عن الخوض في صعاب المسائل وشدادها خوفاً من أن يزل العالم، فيقول في المسألة من غير علم، فعن معاوية أن النبي صلى الله عليه وسلم «نهي عن الأغلوطات»، وهي شداد المسائل وصعابها. بل إن كلمة «لا أدري» هي أحد أصناف العلم وأركانه في الشرع، فقد روي عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: «العلم ثلاثة: كتاب ناطق، وسنة ماضية، ولا أدري».
قال الإمام المناوي في «فيض القدير»: «على العالم إذا سئل عما لا يعلمه أن يقول: لا أدري، أولا أحقِّقه، أولا أعلمه، أو الله أعلم، وقول المسؤول لا أعلم لا يضع من قدره، كما يظنه بعض الجهلة، لأن العالم المتمكن لا يضره جهله ببعض المسائل، بل يرفعه قوله لا أدري، لأنه دليل على عظم محله، وقوة دينه وتقوى ربه». ونُقلت «لا أدري»، و «لا أعلم» عن الأئمة الأربعة والخلفاء الأربعة، بل عن جبريل عليه السلام. وعن الشعبي قال: «لا أدري نصف العلم» كما يقول المناوي.
وروي عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: «إن الذي يفتي الناس في كل ما يستفتى لمجنون».
وسُئل القاسم – أحد فقهاء المدينة السبعة – عن شيء، فقال: لا أُحْسِنُه، فقال السائل: إني جئت إليك لا أعرف غيرك، فقال القاسم: والله لأن يُقطع لساني أحبُّ إليَّ من أن أتكلم بما لا علم لي به!
ولقد كان الدافع وراء توقف المتوقفين عن الفُتيا في ما لا علم لهم به، هو خوفهم الشديد من الله تعالى، أن يقولوا في دين الله ما يفترون به على الله تعالى، فعن ابن عمر أنه سُئل عن شيء، فقال: لا أدري، ثم أتبعها: أتريدون أن تجعلوا ظهورنا لكم جسوراً إلى جهنم، أن تقولوا: أنبأنا بهذا ابن عمر» كما يقول الدكتور محمود حربي.
وورد عن سحنون صاحب المدونة، أنه قال: «فكرت في من باع آخرته بدنيا غيره فوجدته المفتي»! بل إن من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، والسلف الصالح، من كان ينأى بنفسه عن الفُتيا، كلما وجد مندوحة عن ذلك، خوفاً من أن يخطئ في فتواه، فيكون بذلك مجترئاً على الله تعالى، فعن عبدالرحمن بن أبي ليلى، قال: «لقد أدركت في هذا المسجد عشرين ومئة من الأنصار، وما منهم من أحد يحدث بحديث إلا ودّ أن أخاه كفاه الحديث، ولا يسأل عن فُتيا إلا ود أن أخاه كفاه الفتيا»!


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.